وباء كورونا (دراسة فقهية قانونية مقارنة)

الأستاذ. الدكتور/ عبد المؤمن شجاع الدين

4/18/2023

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون

جامعة صنعاء

 

الملخص العربي للبحث:

يتناول هذا البحث موقف الفقه الإسلامي من وباء كورونا (كوفيد 19) من حيث ماهيته والحكم الفقهي للوقاية منه والتدابير المقررة للحد من انتشاره والآثار المترتبة على وقوع الوباء بالنسبة للواجبات والالتزامات الشرعية والقانونية والعقدية.

الملخص الإنجليزي للبحث:

This research talks about the attitude of The Islamic Jurisprudence from The Epidemic of Corona Covid-19 from where of what it is and Juristic Judgment to prevent it, The Necessary Measures to limit its spread and Consequential implications on the occurrence of This Epidemic about for The Duties and the Legal  Commitments .

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أما بعد: فإن هذه المقدمة تتضمن مشكلة البحث وفروضها وتساؤلات البحث وحدوده ومناهجه وتقسيماته، وذلك على الوجه الآتي:

أولاً: مشكلة البحث وفروضها:

الدين الإسلامي هو ضمير الأمة والفقه الإسلامي هو فهم هذا الدين، ولذلك للفقه دوره المحمود في مواجهة الأوبئة التي تهدد الأمة بالهلاك ولذلك ينبغي بيان موقف الفقه الإسلامي من الوقاية من وباء كورونا (كوفيد 19) والتدابير والإجراءات التي يجوز شرعاً اتخاذها لمواجهته والآثار المترتبة على الواجبات والالتزامات على حلول هذا الوباء؛ حتى تتبين لأفراد المجتمع المسلم الأحكام الشرعية لتجاوز هذه الجائحة، ولا ريب ان هذه المسائل غير مستقرة في أذهان غالبية الناس ويرجع ذلك إلى الفروض الآتية:

1- تتأثر مفردات هذا الموضوع في مراجع ومصادر وتخصصات عدة.

2- اختلاف الآراء الفقهية بشأن هذا الموضوع فضلاً عن اختلاف الروايات للأوبئة التي حصلت في التاريخ الإسلامي.

3- شيوع ظاهرة التواكل بين غالبية المسلمين في التحوط من هذا الوباء وظنهم أن التحوط واتخاذ التدابير في مواجهة هذا الوباء يتنافى مع مفهوم التوكل على الله وحسن الظن به.

4- عدم وجود قانون وطني للطوارئ العامة والأزمات يحدد التزامات وواجبات الجهات المختلفة في مواجهة هذا الوباء وغيره.

5- عدم وجود وزارة أو هيئة دائمة معنية بالطوارئ العامة لمواجهة الأوبئة ومنها وباء كورونا.

6- عدم وضوح الأحكام الفقهية لهذا الموضوع.

ثانياً: تساؤلات البحث:

يثير البحث في هذا الموضوع تساؤلات عدة منها:

1- ما هو وباء كورونا (كوفيد 19)؟ وكيف ينتقل بين الأشخاص؟ وماهي طرق الوقاية منه؟

2- ماهي المخاطر والأضرار التي يحدثها وباء كورونا؟

3- ما تأثير وباء كورونا على الواجبات الشرعية؟

4- ما تأثير وباء كورونا على الالتزامات القانونية والعقدية؟

5- ما مدى شرعية الإجراءات والتدابير الاحتياطية والعلاجية التي تتخذها الحكومات الإسلامية لمواجهة وباء كورونا؟

6- ماذا يجب على الفرد المسلم عند حلول هذه الجائحة؟

ثالثاً: حدود البحث:

1- هذا البحث دراسة فقهية مقارنة لبيان أقوال الفقهاء في هذا الموضوع ومقارنة ذلك مع القانون، وبما أن هذا البحث متخصص بالجوانب الفقهية المقارنة مع القانون فإن البحث لن يتناول الجوانب الطبية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذا الوباء.

2- المقصود بعنوان البحث (موقف الفقهاء من وباء كورونا كوفيد 19): يقصد بذلك التعريف بهذا الوباء الإشارة إلى بعض الأوبئة التي كانت تحدث في بعض مراحل التاريخ الإسلامي وموقف الفقهاء منها، بالإضافة إلى بيان الرؤية الفقهية بشأن الحجر الصحي والتدابير الاحتياطية والعلاجية التي تتخذها الحكومات للحيلولة دون تفشي هذا الوباء، وكذا بيان الآثار المترتبة على هذا الوباء بالنسبة للالتزامات الشرعية والقانونية والعقدية.

رابعاً: مناهج البحث:

استعمل البحث المناهج الآتية:

1- المنهج الاستقرائي: الذي يهتم باستنباط النتائج من النصوص والنقول وتحليلها والتعليق عليها.

2- المنهج الوصفي: الذي يصف الحالات والتدابير كما هي.

3- المنهج المقارن: الذي يجمع الأقوال المتماثلة وذلك في قول واحد وبيان أدلة كل قول وترجيح الجدير منها بالترجيح، مع بيان وجهة القانون في ذلك.

4- عزو الآيات وتخريج الأحاديث: وذلك بعزو الآيات إلى سورها وبيان أرقامها، وكذا تخريج الأحاديث من الكتب المعتمدة مع بيان الحكم عليها من حيث الصحة والضعف وغيره.

خامساً: تقسيمات البحث:

يتكون هذا البحث من التقسيمات الآتية:

–   مقدمة: تشتمل على مشكلة البحث وفروضه وتساؤلاته وحدوده ومناهجه وتقسيماته.

–   المبحث الأول: ماهية وباء كورونا (كوفيد 19) وأضراره ومخاطره.

–   المبحث الثاني: الحكم الشرعي للتدابير الوقائية والعلاجية لوباء كورونا.

–   المبحث الثالث: آثار وباء كورونا على الالتزامات والتكاليف الشرعية والقانونية والعقدية.

–   خاتمة البحث: تتضمن أهم نتائج البحث وتوصياته.

–   قائمة مراجع البحث: تتضمن أهم مصادر ومراجع البحث.

 

المبحث الأول
ماهية وباء كورونا (كوفيد 19)

تناولت هذا الوباء كتابات ومصادر كثيرة، وبعد البحث والرجوع إلى المتخصصين في هذا الجانب توصلنا إلى أن المعلومات الموثوقة والرسمية هي تلك المنشورة بواسطة منظمة الصحة العالمية باعتبارها الجهة الرسمية المختصة عالمياً لاسيما وهذا الوباء عالمي، وقد قامت هذه المنظمة بالإعلان باعتبار كورونا  وباء عالمياً؛ وعلى أساس أن اليمن لم ترصد بها أية حالة مرضية بهذا الوباء بفضل الله وعنايته، وسنبين  ماهية وباء كورونا كوفيد بحسب البيانات والمعلومات الرسمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وبيان ذلك في المطالب الآتية.

المطلب الأول
تعريف وباء كورونا (كوفيد 19) وأعراضه وطرق انتشاره والوقاية منه

كورونا كوفيد هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس). ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) وهو مرض معد يسببه فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً؛ ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس قبل ظهوره في مدينة يوهان الصينية في  ديسمبر 2019م، وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لمرض (كوفيد-19) في الحمى والإرهاق والسعال الجاف، وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال؛ وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ تدريجياً؛ ويصاب بعض الناس بالعدوى دون أن تظهر عليهم أية أعراض ودون أن يشعروا بالمرض؛ ويتعافى معظم الأشخاص (نحو 80%) من المرض دون الحاجة إلى علاج خاص؛ وتشتد حدة المرض لدى شخص واحد تقريباً من كل 6 أشخاص يصابون بعدوى (كوفيد-19) حيث يعانون من صعوبة التنفس وتزداد احتمالات الإصابة بهذا المرض بالنسبة للمسنين والأشخاص المصابين بمشكلات طبية أساسية مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو داء السكري،  وقد توفي (نحو 2%) من الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض، وهذا المرض من الأمراض الوبائية المعدية حيث ينتقل من المريض إلى غيره عن طريق الرذاذ الذي  يتناثر من الأنف أو الفم عندما يسعل أو يعطس الشخص المصاب بمرض (الكوفيد-19) فيتساقط الرذاذ على الأشياء والأسطح المحيطة بالشخص، ويمكن حينها أن يصاب الأشخاص الآخرون بمرض (كوفيد-19) عند ملامستهم لهذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس أعينهم أو أنوفهم أو أفواهم، كما يمكن أن يصاب الأشخاص بمرض (كوفيد-19) إذا تنفسوا الرذاذ الذي يخرج من الشخص المصاب بالمرض مع سعاله أو زفيره، ولذا فمن الأهمية بمكان الابتعاد عن الشخص المريض بمسافة تزيد على متر واحد، وتتمثل الطريقة الرئيسية لانتقال المرض في الرذاذ الذي  يفرزه المصاب عند العطاس أو السعال؛ وهناك احتمالات الإصابة بمرض (كوفيد-19) عن طريق شخص عديم الأعراض بالمرة حيث إن كثيراً من الأشخاص المصابين بهذا المرض لا يعانون إلا من أعراض طفيفة، وينطبق ذلك بصفة خاصة على المراحل المبكرة للمرض، ولذا فمن الممكن الإصابة بمرض (كوفيد-19) عن طريق شخص يعاني مثلاً من سعال خفيف ولا يشعر بالمرض.

حددت الجهات الصحية المختصة طرق الوقاية من هذا الوباء، ويمكن تلخيص هذه الطرق على النحو الآتي:

– تنظيف اليدين جيداً بانتظام بفركهما بمطهر كحولي لليدين أو بغسلهما بالماء والصابون؛ لأن ذلك يؤدي إلى قتل الفيروسات التي قد تكون عالقة باليدين؛ لأن اليدين أكثر الأعضاء ملامسة للأشياء، ولأن الإنسان يلامس بيديه فمه وعينيه وأنفه وهي المنافذ التي تتسرب منها الفيروسات إلى البلعوم.

– الاحتفاظ بمسافة لا تقل عن متر واحد (3 أقدام) بين الشخص وأي شخص آخر يسعل أو يعطس أو يمتخط؛ لأن الشخص الذي يسعل أو يعطس أو يمتخط، تتناثر من أنفه أو فمه رذاذات سائلة صغيرة قد تحتوي على الفيروس، فالاقتراب منه يجعل الشخص يتنفس الرذاذ المتطاير، بما في ذلك الفيروس المسبب لمرض (كوفيد-19) إذا كان الشخص مصاباً به.

– تجنب لمس العينين والأنف والفم: لأن اليدين تلامس العديد من الأسطح فقد تلتقط الفيروسات، وإذا تلوثت اليدان فإنهما قد تنقلان الفيروس إلى العينين أو الأنف أو الفم، ويمكن للفيروس أن يدخل الجسم عن طريق هذه المنافذ فيصاب الشخص بالمرض.

– التأكد من اتّباع ممارسات النظافة التنفسية الجيدة: ويعني ذلك أن يقوم الشخص الذي يسعل أو يعطس بتغطية فمه وأنفه بكوعه أو بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم يتخلص من المنديل المستعمل على الفور، لأن فيروس کورونا (كوفيد-19) ينتشر عن طريق الرذاذ.

– إذا شعر الشخص بالحمى والسعال وصعوبة التنفس، فيجب أن يلزم منزله ولا يخرج وأن لا يقترب من سكان المنزل وأن يطلب الرعاية الطبية من الجهة المحلية المختصة والمكلفة بذلك؛ كما يجب عليه أن يتبع توجيهات السلطات الصحية المحلية المختصة، لأن السلطات الوطنية والمحلية قد اتخذت التدابير والاحتياطات اللازمة للتأكد مما إذا كانت الأعراض هي أعراض كورونا (كوفيد-19) أو غيره حيث تتوفر لدى السلطة المحلية الإمكانيات والمعلومات عن هذا الوباء في المنطقة؛ فالاتصال بالرعاية الصحية في السلطة المحلية في هذه الحالة سيسمح للرعاية الصحية المحلية بتوجيه المريض سريعاً إلى مرفق الرعاية الصحية المناسب. وسيسهم ذلك في حماية الشخص المريض ومنع انتشار الفيروسات وسائر أنواع العدوى في المنطقة.

– الاطلاع باستمرار على آخر تطورات مرض (كوفيد-19)، واتّباع المشورة التي يسديها مقدم الرعاية الصحية أو سلطات الصحة العمومية الوطنية والمحلية أو صاحب العمل بشأن كيفية الوقاية من مرض (كوفيد-19) حيث تتوفر لدى السلطات الوطنية والمحلية أحدث المعلومات عن المناطق التي ينتشر فيها هذا الوباء فهي الأقدر على إسداء المشورة بشأن الإجراءات التي يمكن أن يتخذها الأشخاص في كل منطقة لحماية أنفسهم وغيرهم.

– الاطلاع باستمرار على آخر المعلومات عن مناطق تفشي عدوى (كوفيد-19)، (المدن أو المناطق المحلية التي ينتشر فيها مرض (كوفيد-19) على نطاق واسع) وتجنب الذهاب أو السفر إلى هذه الأماكن قدر الإمكان، لاسيما إذا كان الشخص مسنّاً أو مصابًا بداء السكري أو بأحد أمراض القلب أو الرئة؛ لأن هناك احتمالاً أكبر للإصابة بعدوى مرض (كوفيد-19) في إحدى هذه المناطق.

 

المطلب الثاني
كيفية التعامل عند الإصابة بوباء كرونا (كوفيد-19)
والأشخاص الأكثر عرضة له

في حال ظهور أعراض هذا المرض مثل  الشعور بالصداع والحمى المنخفضة الدرجة (37.3 درجة مئوية أو أكثر) ورشح خفيف في الأنف، ينبغي عزل الشخص الذي تظهر عليه هذه الأعراض في غرفة من غرف المنزل ومنعه من الانتقال إلى الأماكن الأخرى في المنزل أو الخروج من المنزل حتى يتعافى تماماً، وإذا استدعت الضرورة خروجه لأي سبب فيجب اجباره على وضع كمامة على أنفه وفمه وعند مقابلته ينبغي وضع الزائر لكمامة على فمه قبل الزيارة لتجنب نقل العدوى إلى الزائر، وعند نقل المريض إلى المستشفى المعد لهذا الوباء لالتماس المشورة الطبية ينبغي إخبار المختصين عن الأماكن التي سافر  المصاب إليها  أو  زارها والأشخاص الذين خالطهمً؛ كما ينبغي الاتصال المسبق بمقدم الرعاية الطبية الخاصة بمرضى كورونا لأن ذلك سوف  يسمح له بتوجيه المريض سريعاً إلى مرفق الرعاية الصحية المناسب؛ وسيساعد ذلك أيضاً على منع أي انتشار محتمل للفيروس المسبب لمرض (كوفيد-19) وغيره من الفيروسات.

وبالنسبة لمعظم الناس في معظم الأماكن، لا يزال خطر الإصابة بعدوى مرض (كوفيد-19) ضعيفاً ومع ذلك فإن الإصابة واردة في بعض المدن أو المناطق التي ينتشر فيها المرض حالياً، ويكون خطر الإصابة بعدوى مرض (كوفيد-19) أعلى لدى الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق أو يزورونها؛ ولذلك تتخذ الحكومات والسلطات الصحية حالياً إجراءات صارمة كلما تم الكَشف عن حالة إصابة جديدة بمرض (كوفيد-19)، لذا ينبغي الالتزام بالقيود التي تفرضها الحكومة على السفر أو التنقل أو التجمعات الكبيرة، فالتعاون مع الجهات المعنية بمكافحة كورونا كوفيد من شأنه أن يحدّ من خطر الإصابة بمرض كوفيد-19 وانتشاره.

ويمكن احتواء وسائل انتشار مرض (كوفيد-19) ووقف انتقال العدوى، كما تجلّى ذلك في الصين وفي بلدان أخرى، ولكن لسوء الحظ، يمكن أن تظهر وسائل نشر جديدة لنشر المرض بسرعة، لذا من المهم الاطّلاع على الوضع في المكان الذي يتواجد فيه الشخص أو ينوي الذهاب إليه. وتنشر منظمة الصحة العالمية يوميا أحدث المعلومات عن وضع عدوى (كوفيد-19) في العالم.

مع إن المرض الذي تسببه العدوى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) خفيف بشكل عام، لاسيما عند الأطفال والشباب، الا إن هذا المرض خطير إذ يحتاج نحو شخص واحد من كل (5) أشخاص مصابين بهذا المرض إلى تلقّي الرعاية في المستشفى، لذا فإن من الطبيعي أن يشعر الناس بالقلق إزاء كيفية تأثير انتشار مرض (كوفيد-19) عليهم وعلى أحبائهم، إلا أنه يمكننا توجيه قلقنا على النحو الصحيح بتحويله إلى إجراءات لحماية أنفسنا وأحبائنا ومجتمعاتنا المحلية، وعلى رأس هذه الإجراءات غسل اليدين بشكل منتظم واتّباع ممارسات النظافة التنفسية الجيدة، والاطلاع بانتظام على مشورة السلطات الصحية المحلية والتقيّد بها بما في ذلك القيود المفروضة على السفر والتنقل والتجمعات، ويبدو أن المسنين والأشخاص المصابين بحالات مرضية موجودة مسبقاً (مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وداء السكري) يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض كما إن وقعه عليهم أكثر خطورة من غيرهم، وللأسف فان المضادات الحيوية لا تقضي على فيروس كورونا، فهي لا تقضي إلا على العدوى الجرثومية.

وبما أن مرض (كوفيد-19) سببه فيروس، فإن المضادات الحيوية لا تقضي عليه، فلا ينبغي استعمال المضادات الحيوية كوسيلة للوقاية من مرض (كوفيد-19) أو علاجه، ولا ينبغي استعمالها إلا وفقاً لتعليمات الطبيب لعلاج حالات العدوى الجرثومية، في حين قد تريح بعض الأدوية الغربية أو التقليدية أو المنزلية من بعض أعراض (كوفيد-19) أو تخففها، إلا أنه ليس هناك دليل على وجود أدوية حالياً من شأنها الوقاية من هذا المرض أو علاجه؛ ولا توصي منظمة  الصحة العالمية بالتطبيب الذاتي بواسطة أية أدوية بما فيها المضادات الحيوية من غير طلب المشورة الصحية من المرفق الطبي المختص بهذا الوباء، سواء أكان استعمال هذه الأدوية على سبيل الوقاية من مرض (كوفيد-19) أم معالجته؛ غير أن هناك عدة تجارب سريرية جارية تتضمن أدوية غربية وتقليدية معاً، وستواصل المنظمة إتاحة معلومات محدّثة بهذا الشأن عندما تتوفر النتائج السريرية، كما أنه  لا يوجد حتى يومنا هذا لقاح ولا دواء محدد مضاد للوقاية من (كوفيد-19) أو علاجه؛ ومع ذلك ينبغي أن يتلقى المصابون به الرعاية لتخفيف الأعراض؛ وينبغي إدخال الأشخاص المصابين بأمراض القلب والسكري وكبار السن إلى المستشفيات عند إصابتهم بهذا الفيروس وبإذن الله يتعافى معظم المرضى بفضل الرعاية الداعمة، ويجري حالياً تحري بعض اللقاحات المحتملة والأدوية الخاصة بعلاج هذا المرض تحديداً؛ ويجري اختبارها عن طريق التجارب السريرية، وتقوم المنظمة بتنسيق الجهود المبذولة لتطوير اللقاحات والأدوية للوقاية من مرض (كوفيد-19) وعلاجه.

وتتمثل السبل الأكثر فعّالية للحماية من مرض (كوفيد-19) في المواظبة على تنظيف اليدين، وتغطية الفم عند السعال بثني المرفق أو بمنديل ورقي، والابتعاد مسافة لا تقل عن متر واحد (3 أقدام) عن الأشخاص الذين يسعلون أو يعطسون.

وتنصح المنظمة بالاستخدام الرشيد للكمامات الطبية لتلافي إهدار الموارد الثمينة وإساءة استخدام الأقنعة فلا تستخدم الكمامة إلا إذا ظهرت على الشخص أعراض الإصابة مثل ضيق التنفس أو السعال والعطس أو إذا كان يُشتبه أن الشخص مصاب بعدوى مرض (كوفيد-19) المصحوبة بأعراض خفيفة، أو كان الشخص يقوم بتقديم الرعاية إلى شخص يشتبه بإصابته بهذه العدوى، وترتبط العدوى المشتبه فيها بمرض (كوفيد-19) بالسفر إلى المناطق التي أبلغت عن وجود حالات، أو بالمخالطة الوثيقة لشخص سافر إلى تلك المناطق وأُصيب بالمرض.

وعند استعمال الكمامة في الحالات التي تستدعي ذلك فقد وضعت منظمة الصحة العالمية قواعد لاستعمال الكمامة كما يأتي:

1-       تذكر أن استخدام الكمامة ينبغي أن يقتصر على العاملين الصحيين ومقدمي الرعاية والأشخاص المصابين بأعراض تنفسية مثل الحمى والسعال.

2-       قبل لمس الكمامة، نظف يديك بفركهما بمطهر كحولي أو بغسلهما بالماء والصابون.

3-      أمسك الكمامة وافحصها للتأكد من أنها غير ممزقة أو مثقوبة.

4-      حدد الطرف العلوي من الكمامة (موضع الشريط المعدني).

5-      تأكد من توجيه الجانب الصحيح من الكمامة إلى الخارج (الجهة الملونة).

6-      ضع الكمامة على وجهك، واضغط على الشريط المعدني أو الطرف المقوى للكمامة ليتخذ شكل أنفك.

7-      اسحب الجزء السفلي من الكمامة لتغطي فمك وذقنك.

8-      بعد الاستخدام، اخلع الكمامة بنزع الشريط المطاطي من خلف الأذنين مبعداً الكمامة عن وجهك وملابسك لتجنب ملامسة أجزاء الكمامة التي يحتمل أن تكون ملوثة.

9-      تخلص من الكمامة المستعملة على الفور برميها في صندوق نفايات مغلق.

10-  نظف يديك بعد ملامسة الكمامة أو رميها بفركهما بمطهر كحولي، أو بغسلهما بالماء والصابون إذا كانت متسختين بوضوح.

المطلب الثالث
مدة حياة كورونا (كوفيد-19) وإمكانية انتقاله من الحيوانات

مصطلح «فترة الحضانة» يشير إلى المدة من الإصابة بالفيروس إلى بدء ظهور أعراض المرض، وتتراوح معظم تقديرات فترة حضانة مرض (كوفيد-19) ما بين يوم واحد و(14) يوماً، وعادة ما تستمر خمسة أيام، وستُحدّث منظمة الصحة هذه التقديرات كلما توفر المزيد من البيانات، ومع أن فيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات الشائعة بين الخفافيش والحيوانات إلا أنه من النادر أن يصاب البشر بعدوى هذه الفيروسات التي ينقلونها بعد ذلك إلى الآخرين؛ ومن الأمثلة على ذلك أن فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) الذي ارتبط بقطط الزباد، وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية الذي انتقل للإنسان عن طريق الإبل إلا أنه لم تتأكد بعد المصادر الحيوانية المحتملة لمرض (كوفيد-19).

ولغرض الوقاية  ينبغي تجنب الملامسة المباشرة للحيوانات وللأسطح الملامسة للحيوانات؛ وينبغي  اتّباع ممارسات السلامة الغذائية الجيدة في جميع الأوقات بتوخي العناية الواجبة عند التعامل مع اللحوم النيئة والحليب الخام وأعضاء الحيوانات لتلافي تلوث الأغذية غير المطهوة، وتجنب تناول المنتجات الحيوانية النيئة أو غير المطبوخة جيداً فعلى الرغم من تسجيل حالة إصابة كلب بعدوى (كوفيد-19) في هونغ كونغ، فلا يوجد حتى اليوم دليل علمي على إمكانية انتقال عدوى (كوفيد-19) من كلب أو قط أو أي حيوان أليف؛ فمرض (كوفيد-19) ينتشر بشكل أساسي عن طريق الرذاذ  الذي  يفرزه الشخص المصاب بالعدوى عندما يسعل أو يعطس أو يتكلم، وللحماية من العدوى، ينبغي تنظيف اليدين بشكل جيد ومتكرر، وتواصل منظمة الصحة العالمية رصد آخر الأبحاث في هذا المجال وغيره من المواضيع المتصلة (كوفيد-19) وتحرص على تحديث هذه المعلومات كلما توفرت استنتاجات جديدة في هذا الصدد.

لا يُعرف على وجه اليقين فترة استمرار الفيروس المسبب لمرض (كوفيد-19) حياً على الأسطح، ولكن يبدو أنه يشبه في ذلك سائر فيروسات كورونا؛ حيث تشير الدراسات إلى أن فيروسات كورونا (بما في ذلك المعلومات الأولية عن الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19) قد تظل حية على الأسطح لبضع ساعات أو لعدة أيام، وقد يختلف ذلك باختلاف الظروف (مثل نوع السطح ودرجة الحرارة أو الرطوبة البيئية) فعند الاعتقاد أن سطحاً ما قد يكون ملوثاً ينبغي تنظيفه بمطهر عادي لقتل الفيروس كما ينبغي تنظيف اليدين بفركهما بمطهر كحولي أو بغسلهما بالماء والصابون وتجنب لمس العينين أو الفم أو الأنف.

كما إن احتمالات تلوث السلع التجارية عن طريق شخص مصاب بالعدوى هي احتمالات ضعيفة، كما أن مخاطر الإصابة بالفيروس الذي يسبب مرض (كوفيد-19) عن طريق طرد نُقل وشُحن وتعرض لمختلف الظروف ودرجات الحرارة، هي مخاطر ضئيلة (موقع منظمة الصحة العالمية).

ومن خلال ما تقدم في هذا المبحث نجد أن وباء كورونا مرض قاتل مهلك للأنفس كما إن تكاليف الوقاية منه والمعالجة منه تستغرق أموالاً باهظة إضافة إلى إن إجراءات الحجر الصحي تستغرق أموالاً طائلة كما تتسبب هذه التدابير بتعطيل المصالح العامة والخاصة وإلحاق أضرار فادحة وتفويت أرباح محققة، ومن خلال ذلك يظهر مساس هذا الوباء بالمقاصد الشرعية.

 

المبحث الثاني
الحكم الشرعي للتدابير والمعالجات لوباء كورونا (كوفيد-19)

من خلال المتابعة والرصد لما تتناقله وسائل الإعلام نجد أن الحكومات الإسلامية المختلفة قد أقدمت على اتخاذ إجراءات وتدابير كثيرة سواء فيما يتعلق بالوقاية من وقوع وباء كورونا أم للحيلولة دون انتشاره، ويمكن تلخيص هذه اجراءات والتدابير على النحو الآتي:

1- منع الأشخاص من السفر إلى مناطق انتشار هذا الوباء أو مغادرة تلك المناطق.

2- تطبيق نظام الحجر الصحي على القادمين إلى الدول.

3- تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس والمعاهد.

4- تقليص عدد الموظفين والعاملين في الدوام الرسمي.

5- إلزام المؤسسات والمحلات والأفراد باتباع إجراءات السلامة الصحية.

6- فرض عقوبات على المخالفين لإجراءات السلامة الصحية والحجر.

7- تقرير إجراءات تحد من تنقل المواطنين كحظر التجول والتنقل بين المدن.

8- تنظيم أسواق القات وإغلاق صالات المناسبات ومنع التجمعات.

وبيان هذه الإجراءات والتدابير وحكمها الشرعي في المطالب الآتية:

المطلب الأول
منع الاشخاص من السفر إلى مناطق انتشار كورونا أو مغادرتها

سبق القول أن وباء كورونا (كوفيد-19) لم يتم رصده إلا في ديسمبر 2019م وسبق القول إن هذا المرض معد وقاتل وله مخاطره وأضراره المختلفة وأن الجهات الدولية المختصة قد أعلنت اعتبار كورونا (كوفيد-19) وباءً عالمياً يهدد بمخاطره وأضراره العالم بأسره, وعلى هذا الأساس فان كورونا (كوفيد-19) يعد من وجهة نظر الشريعة الإسلامية وباء خطيراً تنطبق عليه الأحكام الشرعية المقررة للتعامل مع الوباء، فالوباء عند فقهاء الشريعة الإسلامية هو انتشار مرض معد في بلد أو بلدات، فيقال أصاب أهل البلدة وباء شديد، كما يقال أرض وبئة إذا كثر مرضاها أو كثرت أمراضها (زاد المعاد 4/38) ويذهب جمهور العلماء إلى منع السفر إلى البلدة التي ظهر فيها الطاعون أو الوباء ومنع أهل هذه البلدة من مغادرتها فراراً من الطاعون أو الوباء لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الطاعون آية الرجز ابتلى الله عز وجل به أناساً من عباده، فإذا سمعتم به فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تفروا منها) (البخاري بشرح فتح الباري 10/179)، فالطاعون كان مرضاً لكنه كان معدياً ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السفر إلى البلاد التي ينتشر فيها الطاعون أو مغادرة أهلها لها حتى لا ينتشر هذا المرض المعدي ولذلك فإن هذا الحديث وغيره ينطبق على وباء كورونا (كوفيد-19).

وأخرج مسلم من حديث عامر بن سعد أن رجلاً سأل سعد بن أبي وقاص عن الطاعون فقال أسامة بن زيد: انا أخبرك عنه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني اسرائيل او ناس كانوا قبلكم فاذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه واذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فرارا) (مسلم 4/1738 والبخاري بفتح الباري 6/513)، وقد سبق الاستدلال بأن حكم الطاعون ينطبق على وباء كورونا (كوفيد-19)، لأن الجامع المشترك بينهما خشية العدوى, وقد ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ أنه حين أصاب الشام طاعون عمواس أخرج امير الشام أهل المدن إلى الجبال المحيطة بها وقسمهم مجموعات بحسب شدة المرض ومنع اختلاط المجموعات ببعضها وظلت المجموعات في الجبال فترة من الزمان حتى مات المصابون جميعاً ثم عاد الأمير بالباقي إلى المدن (الكامل3/112).

أما في القانون فإن الحكومة تستند في فرضها لهذا التدبير إلى أن الدستور والقوانين النافذة قد أناطت بالحكومة حفظ الصحة العامة والأمن العام والسكينة العامة، ولذلك فإن إجراءات منع السفر أو المغادرة التي تفرضها الدولة في مواجهة الأوبئة الغاية منها حفظ الصحة العامة في الدولة ولعامة المواطنين، إضافة إلى إن الدستور قد أوجب على الحكومة مواجهة الكوارث، ومنها وباء كورونا حيث نصت المادة (33) من الدستور على أن (تكفل الدولة بالتضامن مع المجتمع تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة).

 

المطلب الثاني
الحكم الشرعي للحجر الصحي

اتخذت الحكومات إجراءات الحجر الصحي, وهو عبارة عن إيقاف المسافرين القادمين إلى الدول في مناطق محددة ووضعهم تحت المراقبة الصحية لمدة معينة للتأكد من خلوهم من وباء كورونا (كوفيد-19) والسماح بعد مضي المدة المعلومة بالسفر إلى المناطق التي يقصدونها داخل الدولة (أحكام الحجر الصحي في الفقه الإسلامي، قاسم محمد القاسم ص20) وعند التأمل في نظام الحجر الصحي نجد أن الغاية منه التأكد من سلامة المسافرين القادمين إلى الدولة من هذا الوباء، فالغرض من ذلك هو حماية القادم الذي يتم وضعه تحت الحجر الصحي للتأكد من ذلك فإن تم التأكد من خلوه من المرض فإنه يتم الإذن له بالدخول إلى الدولة، وإن كان مصاباً بهذا الوباء فإنه يتم احتجازه ووضعه تحت الملاحظة والعلاج حتى يشفيه الله أو يموت، ومن هذه الوجهة فإن نظام الحجر الصحي جائز لأن فيه مصلحة للشخص في حفظ نفسه تفوق مصلحته في السفر إلى المنطقة التي يريد السفر اليها إضافة إلى إن في حجزه في الحجر الصحي دفع مفسدة وهي هلاكه وموته فدرء المفسدة مقدم على جلب المنفعة كما هو مقرر في القواعد الشرعية، ومن وجهة أخرى فإن حجز المسافرين القادمين إلى الدولة في الحجر الصحي مفسدة ولكن  تركهم للتوجه إلى المناطق التي يقصدونها داخل الدولة من غير فحص أو حجر مفسدة أعظم وهي انتشار هذا الوباء وتفشيه في الدولة بأسرها وهلاك الحرث والنسل، فلا ريب أن أصول وقواعد الشريعة الإسلامية تقرر أنه ينبغي عند تعارض المفاسد أن تدفع المفسدة الأعظم والأكبر بالمفسدة الأقل، كما إن الحكومة هي وكيلة عن أفراد الأمة ونائبة عنهم  في تدبير أمورهم فللحكومة بموجب هذا التوكيل اتخاذ ما تراه من إجراءات وتدابير حماية لمقاصد الشريعة ومصالح الأمة ودفع الأضرار والمخاطر عنها وإن أدى ذلك إلى تقييد حريات أو حقوق بعض الأمة عن طريق الحجر الصحي، لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ويتعزز القول بوجوب الحجر الصحي في مواجهة جائحة وباء كورونا (كوفيد-19) بالحديثين السابق ذكرهما في المطلب السابق وهما حديثا الطاعون اللذان أمر فيهما النبي بعدم السفر إلى الأرض الموبوءة أو السفر منها خشية العدوى فهذا المنع هو تطبيق لمفهوم الحجر الصحي في العصر الحديث، فذلك يدل على جواز الحجر الصحي الذي تتخذه الدول في مواجهة كورونا، فلا ينبغي التأويل المتعسف لحديث (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) (أخرجه مسلم برقم 2222) .

لأن هذا الحديث يتناول الأمراض غير المميتة الشائعة التي يتعذر التحرز منها (حكم الحجر الصحي، د. محيي الدين الألوائي ص2) كما إن هذا الحديث رد على أهل الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أن الأمراض جميعها معدية بحسب طبيعتها؛ إضافة إلى إن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة وترك ما قد يفضي إلى الشر (فتاوى شيخ الأزهر عبد الحليم محمود 1/175).

أما في القانون فإن هذه الحجر الصحي يتأسس على أحكام قانون الصحة العامة الذي عرف في المادة (2) الجائحة بأنها: (وباء ينتشر عبر مساحة واسعة جداً، وباء عالمي ويصيب نسبة كبيرة من التجمعات السكانية) وبناء على ذلك فإن كورونا جائحة بحسب تعبير قانون الصحة العامة؛ وقد ورد ضمن أهداف هذا القانون  في المادة ( (3تأمين القدرات المناسبة لمواجهة الجائحة الوبائية) علاوة على إن هذا القانون في الفصل الخامس وعنوانه (الترصد الوبائي) قد أناط بوزارة الصحة اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات لمنع انتقال الأمراض المعدية وعزل المصابين بالأمراض المعدية حسبما ورد في المادة (11)، أما المادة ((16 من ذلك القانون فقد صرحت بأن لوزارة الصحة فرض الحجر الصحي حيث نصت على أنه (للوزارة فرض الحجر الصحي في أي منطقة لمنع انتقال الأمراض الوبائية  منها وإليها).

المطلب الثالث
تعليق الدراسة في الجامعات والمعاهد والمدارس

أصدرت الحكومات قرارتها التي قضت بتعليق الدراسة في الجامعات والمعاهد والمدارس للحيلولة دون انتشار وباء كورونا؛ لأنه من المتعذر على الطلبة مراعاة المسافات الصحية المعتبرة بين الأشخاص (متر على الأقل) في المدارس والجامعات كما إن هذه الأماكن تزدحم بالطلبة لا سيما في اليمن, والأماكن المزدحمة بالأشخاص هي البيئة المناسبة لتفشي وانتشار كورونا (كوفيد-19) حيث إن نسبة انتشار هذا الوباء في  الأماكن المزدحمة مرتفعة جداً, وهذا التدبير الاحترازي الذي تتخذه بعض الحكومات للوقاية من انتشار هذا الوباء جائز شرعاً سواء اتخذته الحكومة للحيلولة دون حدوث الوباء لأن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين كافة بأخذ الحيطة والحذر قبل وقوع الأخطار والأضرار والنصوص في هذا الباب كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) (النساء، آية رقم 71) فقد أمر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة المؤمنين كافة بالحذر وأخذ الحيطة والاحتراس والوقاية للحيلولة دون وقوع المخاطر والأضرار، ولا شك إن وباء كورونا من أكبر الأخطار والأضرار حسبما سبق بيانه، وكذلك ينبغي أخذ الحيطة والحذر من انتشار الوباء أو الحيلولة دون زيادة انتشاره ووصد الابواب المؤدية والأسباب المفضية إليه، فتعليق الدراسة تدبير وقائي وعلاجي يدفع مفسدة عظيمة وخطيرة ويحمي مقاصد من أهم مقاصد الشريعة وهو حفظ النفس، ولذلك فإن تعليق الدراسة وسيلة لحفظ الأنفس من الهلاك؛ وحفظ النفس واجب في الشريعة وما يؤدي إلى حفظ النفس واجب ومن ذلك تدبير تعليق الدراسة؛ لأن القاعدة تقضي بأنه (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وكذا فإن التعليم حاجي وحفظ النفس ضروري والقاعدة تقضي أن الضروري مقدم على الحاجي عند التعارض.

أما السند القانوني لهذه الإجراءات والتدابير فهو المادة (11) من قانون الصحة العامة التي أناطت بوزارة الصحة مراقبة ورصد الأمراض الوبائية ومراقبة الشروط الصحية التي تكفل منع انتشار الأمراض الوبائية واتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون انتشار الأمراض الوبائية.

المطلب الرابع
تقليص عدد الموظفين في الدوام الرسمي

عمدت الحكومات في سياق التدابير التي اتخذتها للوقاية من انتشار وباء كورونا (كوفيد-19) إلى تقليص أعداد الموظفين الملزمين بالدوام في دوائر الدولة المختلفة، تقليصها إلى المستوى الضروري فقط الذي يكفل تسيير المرفق للنهوض بواجباته الدستورية والقانونية حيث وصلت نسبة التقليص إلى 80% من إجمالي الموظفين العاملين في الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط، والباعث على هذا التقليص هو الحيلولة دون وصول الوباء أو محاصرته إذا لم يتم رصده، لأن الزام الموظفين جميعهم بالدوام  بحسب ما ينص عليه قانون الخدمة المدنية يوجد الازدحام في المكاتب، والازدحام في دوائر الدولة والقطاعين العام والمختلط والخاص أقل من الازدحام الحاصل في الجامعات والمعاهد والمدارس، ولذلك فإن قرار الحكومة قد قضى بتقليص عدد الموظفين الملزمين بالدوام  فقط في حين قضى بتعليق الدراسة كلية في الجامعات والمعاهد والمدارس, ولا شك أن تقليص الموظفين الملزمين بالدوام الرسمي يدفع مفسدة عظيمة هي وباء كورونا، ولذلك فإن هذا الإجراء جائز شرعاً.

أما السند القانوني لهذه الإجراءات والتدابير فهو المادة (11) من قانون الصحة العامة التي أناطت بوزارة الصحة مراقبة ورصد الأمراض الوبائية ومراقبة الشروط الصحية التي تكفل منع انتشار الأمراض الوبائية واتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون انتشار الأمراض الوبائية.

المطلب الخامس
إلزام المؤسسات والمحلات والأفراد باتباع إجراءات السلامة الصحية

من ضمن التدابير الوقائية والعلاجية التي اتخذتها الحكومة إلزام المؤسسات والمحلات والأفراد باتباع إجراءات السلامة الصحية التي تحول دون انتشار وباء كورونا، ومن ذلك وضع القفازات الوقائية لليدين وأغطية الرأس الطبية ووضع الكمامات على الأفواه والانوف وتعقيم المحلات والعاملين بها وغير ذلك من شروط الصحة والنظافة، ولا شك أن هذه الإجراءات والتدابير تدفع عن العاملين  في المحلات والمؤسسات خطر هذا الوباء القاتل، وفي نفس الوقت فإن هذه التدابير تستهدف دفع مفسدة الوباء عن الأمة وتحفظ مصالحها؛ كما إن الحكومة نائبة أو وكيلة عن الأمة في تدبير أمورها ومناط ذلك تحقيق المصالح للأمة ودفع المفاسد عنها، إضافة إلى إن الحكومة عندما تتخذ هذه التدابير والإجراءات فإنها تعتمد على معلومات وبيانات أكيدة عن المخاطر والأضرار المحدقة بالأمة وعن جدوى وفاعلية التدابير والإجراءات التي تتخذها لمواجهة تلك المخاطر والمفاسد والأضرار، فضلاً عن إن هذه الإجراءات التي أوجبتها الحكومة على المؤسسات والمحلات والأفراد تحقق مصالح العاملين وأرباب العمل في تلك المؤسسات والمحلات وتدفع عنها مفاسد، وكذا فإن هذه الإجراءات من مظاهر النظافة المأمور بها شرعاً.

أما السند القانوني لهذه الإجراءات والتدابير فهو المادة (11) من قانون الصحة العامة التي أناطت بوزارة الصحة مراقبة ورصد الأمراض الوبائية ومراقبة الشروط الصحية التي تكفل منع انتشار الأمراض الوبائية واتخاذ الإجراءات المناسبة للحيلولة دون انتشار الأمراض الوبائية.

المطلب السادس
تنظيم أسواق القات وغلق صالات المناسبات ومنع التجمعات

من ضمن القرارات التي اتخذتها الحكومة تنظيم أسواق القات بحيث تكون في أماكن مفتوحة جيدة التهوية تتوفر فيها شروط الصحة التنفسية السابق ذكرها في المبحث الأول؛ وللتخفيف من حدة الازدحام الذي تشتهر به تلك الأسواق، كذلك قررت الحكومة غلق صالات الأفراح والمناسبات التي تكون مكتظة بروادها الكثيرين حيث يتعاقب على دخولها في وقت واحد آلاف الأشخاص، ولذلك فهي بيئة مناسبة ووخيمة لفيروس كورونا (كوفيد-19)، كما قضت قرارات الحكومة بمنع تجمع أكثر من ثمانية أشخاص في مكان واحد لأن تجمع هذا العدد يخشى معه انتشار المرض فقد يكون أحدهم مصاباً أو حاملاً للفيروس على النحو السابق بيانه حيث ينتقل الوباء المعدي من المريض إلى السليم، وبعد أن ينتهي  الاجتماع ويعود كل واحد إلى أهله ينتشر الوباء بين أهله ومحيطه الاجتماعي الكبير، ولذلك فإن باعث الحكومة على اتخاذ هذه التدابير هو دفع مفسدة الوباء عن هؤلاء الرواد لأسواق القات أو الصالات المزدحمة أو المجتمعين خارج الأسواق والقاعات وحفظ حياة وصحة هؤلاء، كما إن في ذلك دفعاً لمفسدة عظيمة قد تقع بالأمة وهي مفسدة وباء كورونا وحفظاً لنفوس الأمة، ولذلك فإن هذا التدبير جائز شرعاً للأدلة والقواعد الشرعية السابق ذكرها في المطالب السابقة .

أما الأساس القانوني لهذه التدابير فنجده في قانون الصحة العامة وتحديداً المادة (11) التي أناطت بوزارة الصحة الحق في مراقبة ورصد الأمراض الوبائية واتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشارها إضافة إلى مراقبة الشروط الصحية التي تكفل منع انتشار الأمراض المعدية والوبائية.

 

المطلب السابع
فرض إجراءات تحد من حرية المواطنين في التنقل داخل الدولة

ضمن التدابير والإجراءات التي قررت الحكومة اتخاذها في مواجهة وباء كورونا (كوفيد-19)، فقد فرضت الحكومة إجراءات وتدابير من شأنها أن تحد من حرية المواطنين في التنقل داخل الدولة، مع إن هذه الحرية مكفولة شرعاً وبموجب ما ينص عليه الدستور والقانون، حيث قررت الحكومة تقليص تنقل المواطنين بين المدن والمحافظات إلا في الحالات الضرورية وأرشدت الحكومة مواطنيها إلى لزوم بيوتهم وذلك من قبيل الحجر الصحي الاختياري لمدة شهر ريثما بإذن الله يرفع هذا الوباء، وقد قررت الحكومة تقليص تنقل المواطنين من بيوتهم أو التنقل فيما بين المحافظات والمدن إلا للأغراض الضرورية فقط، والباعث على ذلك هو منع انتشار الوباء أو الوقاية منه، وعند التأمل في هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة نجد أن الحكومة لا تستهدف من ذلك تحقيق نفع لها أو دفع ضرر عنها، بل إن الحكومة تستهدف من ذلك دفع مفسدة وباء كورونا عن هؤلاء وعن عامة المسلمين وكذا حفظ مصالح هؤلاء ومصالح الأمة بأسرها؛ وتصرف الحكومة منوط بالمصلحة العامة فحيث ما تكون المصلحة يكون شرع الله، وعلى ذلك فإن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومة  في هذا الشأن جائزة شرعاً، علماً أن بعض الدول مثل الأردن والسعودية قامت بفرض حظر التجول في الدولة بأسرها وقررت عقوبات كبيرة على من يخالف ذلك.

المطلب الثامن
فرض الحكومة العقوبات على المخالفين للتدابير

سبق القول بأن الحكومة قررت مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية والعلاجية للوقاية من وباء كورونا واحتوائه، ولا شك أن هذه الإجراءات والتدابير لا يمكن احترامها والالتزام بها، دون أن تكون مقترنة بعقاب يتم فرضه على من يتعمد مخالفة هذه التدابير وتلك الإجراءات، فقد قيل: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) (التمهيد لابن عبد البر1/118) وبما أن التدابير والإجراءات التي تقررها الدولة جائزة شرعاً على النحو السابق بيانه لأنها تهدف إلى دفع مفسدة وباء كورونا وحفظ الأنفس وتحقيق المصالح العامة والخاصة لذلك فإنه يجوز للحكومة أن تفرض العقوبات التعزيرية على المخالفين بحسب جسامة المخالفة وأثرها وبحسب الضوابط الشرعية المقررة في العقوبات التعزيرية، ومن هذا المنطلق فقد نصت المادة (12) فقرة (ب) على أن (كل من أخفى عن قصد مصاباً بمرض معد أو عرض شخصاً للعدوى بمرض وبائي أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طلب منه لمنع تفشي العدوى يعتبر من مرتكبي الجرم يعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون) ولذلك أيضاً وجدنا حكومات كثيرة منها الحكومة الأردنية والسعودية  تقرر توقيع عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة لمن يخالف تلك الإجراءات.

المبحث الثالث
آثار وباء كورونا على التكاليف والالتزامات

وباء كورونا (كوفيد-19) جائحة أصابت العالم بأسره، وألقت بظلالها وآثارها على كافة نواحي الحياة، ولا ريب أن لهذا الوباء تأثيراً على التكاليف الشرعية مثل صلاة الجمعة والجماعة والحج والعمرة، إضافة إلى أن لهذا الوباء المعدي القاتل تأثيراً على الالتزامات القانونية والعقدية باعتبار هذا الوباء عذراً قهرياً وظرفاً طارئاً لم يكن من الممكن توقعه، ولذلك من المناسب عرض آثار كورونا على التكاليف الشرعية والالتزامات القانونية والعقدية في المطالب الآتية:

المطلب الأول: آثار كورونا على العبادات.

المطلب الثاني: آثار كورونا على الالتزامات القانونية.

المطلب الثالث: آثار كورونا على الالتزامات العقدية.

المطلب الأول
آثار كورونا على العبادات

العبادات أساس الدين الإسلامي فهي الغاية من خلق الله للأنس والجن، فقد قال تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) (الذاريات آية 56)، ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى غني حميد عن عبادات خلقه، فقد ورد في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً) (صحيح مسلم حديث رقم 2577)، فالعبادات حقوق محضة لله تبارك وتعالى وهي مبنية على التخفيف واليسر؛ فقد قال تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) (النساء آية 26) وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة آية 185) وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد أن يطهركم) (المائدة اية 6) وفي ضوء هذه النصوص الشرعية الواضحة تتحدد ىثار كورونا على العبادات والشعائر الإسلامية بعد ان علم الناس علم اليقين ماهية وباء كورونا وعدواه وخطورته وهلاكه للحرث والنسل حيث تحقق ذلك في كثير من الدول بسبب عدواه وانتشاره في التجمعات انتشار النار في الهشيم، وعلى هذا الأساس صدرت الفتاوى في غالبية الدول الإسلامية التي تشير إلى آثار هذا الوباء على العبادات، ولا شك أن هذا التأثير قاصر على العبادات التي تؤدى بصفة جماعية وهي صلاة الجماعة والجمعة والحج والعمرة، وبيان ذلك على النحو الآتي:

أولاً: آثار كورونا على صلاة الجمعة والجماعة والاعتكاف والمكث في المساجد:

اتفق الفقهاء على أفضلية صلاة الجماعة والصلاة في المسجد، ولا خلاف بين الفقهاء على سنية الاعتكاف والمكث في المسجد انتظاراً للصلاة أو لقراءة القرآن أو ذكر الله باعتبار ذلك من عمارة المساجد، هذا كله إذا كان الظرف عادياً ولا يتهدد المصلين أي وباء أو خطر، أما وقد ثبت بالقطع واليقين أن وباء كورونا (كوفيد-19) معد وقاتل وأنه ينتشر عن طريق التجمعات في الأماكن المزدحمة، وحيث إن مساجد الله عامرة ومزدحمة بالمصلين والمعتكفين والقراء للقرآن وحلقات الذكر والعلم، وحيث إن أماكن الوضوء الجماعية في المساجد  مصدر للعدوى بوباء كورونا حيث يتمضمض المتوضئون ويستنشقون ويستنثرون ما في أنوفهم وأفواههم على مقربة من بعضهم  يدخلون إلى المسجد للصلاة والمياه تسيل من وجوههم وأنوفهم إلى فراش المسجد، وبما أنه يحتمل إصابة أحد هؤلاء بوباء كورونا الذي يعشش في أفواه وأنوف الناس، فيحتمل أيضاً انتشار هذا الوباء داخل المساجد أكثر من غيرها، حيث إن المسلمون يرتادون المساجد خمس مرات على الأقل في اليوم الواحد، ولذلك فإن نسبة احتمال انتقال وباء كورونا إليهم تكون مرتفعة جداً، وعلى هذا الأساس فقد اختلف الفقهاء المعاصرون بشأن هذه المسألة حيث صدرت فتاوى متباينة، وعلى ذلك يمكن جمع أقوال الفقهاء المعاصرين بشأن هذه المسالة في قولين، الأول: حث المسلمين على ترك صلاة الجمعة والجماعة في المساجد لثبوت خطورة مرض كورونا وإهلاكه للحرث والنسل ولأنه معد، في حين ذهب  القول الثاني: إلى حث المصلين في المساجد على الاعتناء بالنظافة الشخصية والجماعية عند صلاة الجماعة والجمعة وارتياد المساجد، فقد صدرت عن  دار الافتاء في اليمن فتوى مفادها بأنه يجب على المصلين عند دخول المساجد وأداء صلاة الجماعة الأخذ بأسباب الحيطة والحذر من هذا الوباء والاهتمام بالنظافة الشخصية والجماعية ونظافة المسجد، وصدرت فتاوى مماثلة لهذه الفتوى من جهات وعلماء في دول مختلفة، وبالمقابل فقد ذهبت فتاوى أخرى إلى التصريح بجواز ترك صلاة الجماعة في المسجد، ومن ذلك الفتوى الصادرة عن دار الافتاء المصرية التي أعلنت أن الإصرار على إقامة الصلاة في المساجد رغم وجود خطر كورونا وتعليمات الأجهزة المختصة بوقف الصلاة في المسجد مخالف للشريعة فقد قالت دار الإفتاء المصرية: (إنه يجب شرعاً على المواطنين في كل البلدان الالتزام بتعليمات الجهات الطبية المختصة المسؤولة التي تقضي بتعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد في هذه الآونة وذلك للحد من انتشار وباء كورونا؛ لأنه مرض معد قاتل ينتقل بسهولة وسرعة بالمخالطة بين الناس وملامستهم لبعضهم) وقد أكدت فتوى دار الإفتاء المصرية أن المحافظة على النفوس من أهم المقاصد الخمسة الكلية وإنه قد تقرر في قواعد الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذلك شرع الإسلام نظم الوقاية من الأمراض والاوبئة المعدية وأرسى مبادئ الحجر الصحي وحث على الإجراءات الوقائية ونهى عن مخالطة المصابين وحمل ولاة الأمر مسؤولية الرعية حسبما ورد في فتوى دار الإفتاء المصرية (موقع دار الإفتاء المصرية 23/3/2020م) وصدرت عن دار الفتوى اللبنانية فتوى مماثلة للفتوى المصرية (موقع دار الإفتاء اللبنانية 23/3/2020م) وهناك فتاوى كثيرة لا تخرج في مضمونها عما تقدم ولا يتسع المجال لسردها أو الإشارة إليها في هذا البحث.

المطلب الثاني
آثار وباء كورونا على شعيرتي الحج والعمرة

تؤدى شعيرة الحج والعمرة في مكان واحد يجتمع لها المسلمون من أصقاع الأرض، ولا يعدم أن يكون من بينهم مصاب بالوباء أو حامل له، فعندئذ تسري العدوى إلى بقية الحجاج والمعتمرين الذين يعودون إلى أوطانهم حاملين الفيروس القاتل، وفي ذلك مفسدة عظيمة، وعلى هذا الأساس فقد صدرت فتاوى عدة بشأن تعليق الحج والعمرة إذا انتشر الوباء؛ ومن ذلك: قال العلامة محمد رشيد رضا: (اجتمع مجلس النظار- أي: مجلس الوزراء في مصر- اجتماعاً خاصاً للمذاكرة في أمر منع الحج لانتشار الوباء في بلاد الحجاز، ولأن الحج ركن من أركان الإسلام لم يكن للنظار، أي: الوزراء أن  يبرموا فيه أمراً إلا بعد الاستفتاء من العلماء؛ ولهذا طلب عطوفة رئيس مجلس النظار لحضور الاجتماع صاحب السماحة قاضي مصر، وأصحاب الفضيلة شيخ الأزهر، ومفتي الديار المصرية، والشيخ عبد الرحمن النواوي مفتي الحقانية، والشيخ عبد القادر الرافعي رئيس المجلس العلمي سابقاً، فحضروا وتذاكروا مع النظار، وبعد أن انفض العلماء من اجتماع مجلس النظار كتبوا هذه الفتوى: الحمد لله وحده فلم يذكر أحد الأئمة من شرائط وجوب أداء الحج عدم وجود المرض العام في البلاد الحجازية، فوجود شيء منها فيها لا يمنع وجوب أدائه على المستطيع؛ وعلى ذلك لا يجوز المنع لمن أراد الخروج للحج مع وجود هذا المرض متى كان مستطيعاً، أما النهي عن الإقدام على الأرض الموبوءة الوارد في الحديث فمحمول على ما إذا لم يعارضه أقوى، كأداء الفريضة كما يستفاد ذلك من كلام علمائنا؛ حررت هذه الفتوى بتاريخ 2/ ذي القعدة/1316هـ) (مجلة المنار العدد 51) ويظهر من هذه الفتوى عدم جواز منع فريضة الحج بسبب الوباء بخلاف العمرة، وقد صدرت هذه الفتوى عام 1919م حينما انتشرت الإنفلونزا الأسبانية التي تسببت في وفاة أكثر من خمسين مليون إنسان خلال عامي 1918م و1919م وتسمى في اليمن سنة الفناء وقد مات خلالها 30% من سكان اليمن.

وبخلاف قول العلامة محمد رشيد رضا، قال الدكتور أحمد الريسوني الخبير في مجمع الفقه الإسلامي: (إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء عند التجمع للحج أو العمرة فيتعين حينئذ على جميع الدول الإسلامية اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجمعات وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء فهذا الإجراء لاعتبار (إذا كان الوباء أو الطاعون في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه وكذلك قام عمر- رضي الله عنه- بإيقاف سير جيش بأكمله كان يتجه إلى الشام حينما علم أن بها وباء الطاعون (موقع أحمد الريسوني  http\\wwwralssouniar.com) وهناك فتاوى عدة لا تخرج في مضمونها عما ورد في فتوى محمد رشيد رضا أو فتوى أحمد الريسوني السابق ذكرهما ونجد أنه لا حاجة لسردها في هذا البحث خشية الإطالة والتكرار.

المطلب الثاني
آثار وباء كورونا على الالتزامات القانونية

من المعلوم أن الدستور والقوانين واللوائح المختلفة تقرر التزامات كثيرة على الدولة وأجهزتها وعلى المواطنين وغيرهم؛ وهذه الالتزامات واجبة حتماً، ليس هذا فحسب، بل إن القوانين تفرض جزاءات وعقوبات على من لا يقوم أو ينفذ هذه الالتزامات أو يقصر فيها، ومن ذلك الالتزام بالدوام الرسمي وتمكين المواطنين من حقوقهم الأساسية وحرياتهم وعدم التعرض لهم؛ وتكون هذه الالتزامات نافذة وقائمة في الظروف العادية أما في حالة الظروف الطارئة ومنها حلول الكوارث والمحن ومن ذلك كارثة وباء كورونا الذي يهدد وجود الشعوب والدول في آن واحد، حيث أعلنت كثير من الدول عجزها عن مواجهة هذا الوباء المخيف، ففي هذه الحالة يكون لهذا الوباء تأثير بالغ على الالتزامات الدستورية والقانونية، حيث يؤدي ذلك تعطيل بعض الالتزامات الدستورية والقانونية ومن ذلك القيود والإجراءات التي تضعها الحكومات والتي يترتب عليها تعطيل بعض الحقوق والحريات أو الحد منها مثل حرية السفر والانتقال أو حق التجمع وغيرها، كما إن هذا الظرف الطارئ يجعل يد الحكومة طليقة في اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لمحاصرة الوباء أو الحيلولة دون وقوعه أو تسربه إلى الدولة، وتستند الدولة في ذلك إلى النص الدستوري وهو المادة (33) من الدستور التي تنص على أن (تكفل الدولة بالتضامن مع المجتمع تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة) ولا شك أن وباء كورونا من الكوارث فتنطبق عليه أحكام الكوارث، كما إن النص الدستوري السابق ذكره يضيف التزامات لم تكن موجودة أصلاً قبل حلول كارثة كورونا ومن ذلك وجوب قيام الحكومة بتوفير الخدمات للمواطنين الذين استدعت الكارثة وتدابير مواجهتها مكوثهم في منازلهم وتعطيل مصادر عيشهم؛ ولذلك نجد أن غالبية الدول قد رصدت المليارات لمواجهة أعباء كارثة العصر كورونا، إضافة إلى أن النص الدستوري السابق ذكره قد حتم على المجتمع، أي: المواطنين عامة أن يتضامنوا مع الحكومة لمواجهة أعباء الكوارث ومنها كورونا ويتحقق هذا التضامن من وجهين، الأول: التخلي في أثناء الكارثة عن بعض حقوقهم وحرياتهم بسبب القيود التي تضعها الحكومات لحماية الشعب من أخطار وتداعيات الكارثة، والوجه الثاني مبادرة المواطنين جميعاً إلى التعاون مع الدولة والتعاون فيما بينهم لمواجهة الأعباء والمتطلبات التي تقتضيها طبيعة الكارثة والتدابير المتخذة للوقاية منها أو في مواجهتها.

المطلب الثالث
آثار وباء كورونا على الالتزامات العقدية

يقرر القانون المدني اليمني وهو القانون الأساسي أنه يجب على المتعاقدين تنفيذ التزاماتهم العقدية احتراماً لقاعدة: (العقد شريعة المتعاقدين) حيث نصت المادة (211) من القانون المدني  على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون الشرعي، ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدد بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد ولا يعني ذلك ارتفاع الأسعار وانخفاضها؛ جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غنى أو غير ذلك وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول) ومن خلال استقراء هذا النص القانوني نجد أنه قد قرر الأصل العام وهو وجوب  تنفيذ الالتزامات العقدية كما تم الاتفاق عليها وإفراغها ضمن بنود العقد وإنه لا يجوز للمتقاعد الملتزم أن يتحلل من التزاماته العقدية في الظروف العادية التي لم تقع أو تحدث فيها الكوارث، أما إذا وقعت كارثة ككارثة كورونا (كوفيد-19) التي عطلت الأعمال والمصالح وألزمت الناس المكث في بيوتهم فلا شك أن هذه الكارثة قد أثرت على الالتزامات المتفق عليها قبل وقوع هذه الكارثة حيث صارت الالتزامات مرهقة جداً وذلك يجيز للمتعاقدين أنفسهم تعديل التزاماتهم العقدية للتخفيف من حدة الإرهاق والجور فيها لأن المتعاقدين قبل حلول الكارثة لم يكن بوسعهم توقع هذا الظرف الطارئ الذي حصل بعد  التعاقد فلو كان بوسعهم توقع ذلك لما كانت التزاماتهم على هذا النحو، وإن لم يتفق المتعاقدون على تعديل الالتزامات المرهقة بسبب الكارثة فيحق للمتضرر منهم أن يلجأ إلى القضاء لتعديل الالتزامات المرهقة جبراً بقوة القانون، وخلاصة القول إن وصف الكارثة ينطبق تماماً على كارثة كورونا فشروط الكارثة أو الظرف الطارئ المشار إليها في النص القانوني السابق تتحدد في ثلاثة شروط وهي عدم توقع حصول الكارثة وعدم قدرة المتعاقد على دفع الكارثة وعدم صدور خطأ من الملتزم المتمسك بالقوة القاهرة أو الكارثة (الآثار القانونية لكورونا على الالتزامات التعاقدية، د. محمد الخضراوي ص2).

 

خاتمة البحث

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الذي وفقني إلى إتمام هذا البحث الذي خلصت فيه إلى نتائج وتوصيات عدة قمت بإثباتها في مواضعها من البحث؛ ونلخص أهمها كما يأتي:

أولاً: نتائج البحث:

وتتلخص في الآتي:

1- جدة هذا الموضوع وحداثته لأن كارثة كورونا (كوفيد-19) من المسائل المستجدة المعاصرة.

2- فيروس كورونا مرض معد وقاتل له تأثيراته البالغة والخطرة على كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية …….الخ، ولذلك تنطبق عليه مصطلحات الوباء بالمفهوم الفقهي ومصطلحات الكارثة والجائحة والقوة القاهرة والظرف الطارئ بالمفهوم القانوني.

3- يقتضي قيام الدولة بواجباتها في حفظ الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة أن تتخذ الحكومة تدابير عدة للوقاية من حصول هذا الوباء كورونا أو للحيلولة دون انتشاره ومن ذلك الحجر الصحي، ومنع التجمعات، وتعليق الدراسة، وتقليص عدد الموظفين المداومين وغير ذلك، وقد أشار إلى ذلك الدستور وقانون الصحة العامة.

4- التدابير التي تتخذها الدولة جائزة شرعاً لأن الحكومة وكيلة عن الأمة في رعاية مصالحها ودفع المفاسد والأضرار عنها.

5- تتضمن التدابير التي تتخذها الدولة قيوداً على حقوق وحريات المواطنين، بل يترتب عليها تعطيل بعض الحقوق والحريات ولذلك ينبغي أن تكون التدابير مؤقتة ومنظمة.

6- كارثة كورونا لها تأثير على العبادات وتحديداً على صلاة الجماعة والصلاة في المسجد والحج والعمرة؛ لأن هذه العبادات تتم شعائرها في أماكن مزدحمة وضمن جماعات من الحجاج والمعتمرين والمصلين، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين، الأول: يذهب إلى عدم منع صلاة الجماعة أو الحج، وإنما ينبغي أن تتخذ الدول تدابير لوقاية المصلين والحجاج من الإصابة، في حين يذهب القول الثاني إلى جواز منع المصلين والحجاج من أداء الشعائر في جماعات لأن حقوق الله مبنية على المسامحة وأن الاستطاعة غير متوفرة في ظل وجود هذه الكارثة وأنه بالإمكان أداء فريضة الصلاة في المنازل مؤقتاً.

7- يمتد تأثير كورونا إلى الالتزامات القانونية المقررة بموجب الدستور والقوانين النافذة حيث تتحلل الحكومة من بعض التزاماتها الدستورية والقانونية وكذلك الحال بالنسبة للمواطنين.

8- كورونا كارثة وجائحة وقوة قاهرة وظرف طارئ لم يمكن توقعه عند التعاقد وبسبب وقوع كورونا تعطلت الأعمال والمصالح والالتزامات التي صارت مرهقة ينبغي تعديلها بالاتفاق فيما بين الأطراف المتعاقدين أو بنظر القاضي.

ثانياً: التوصيات:

وتتلخص في الآتي:

1- وجوب استحداث وزارة الطوارئ العامة، تكون مهمتها إدارة الكوارث والأزمات، على شاكلة الوزارة الموجودة في روسيا الاتحادية بهذا الاسم، حيث تكون مهمة هذه الوزارة وضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج، للتعامل مع الكوارث والأزمات والتنظيم والتنسيق والاتصال مع الجهات المعنية.

2- استحداث قانون وطني للطوارئ العامة ينظم الحقوق والواجبات في أثناء الحالات الطارئة، بما فيها الكوارث حتى تكون القيود الواردة على حقوق ومصالح المواطنين واضحة، وحتى لا تكون الكوارث وليجة لمصادرة الحقوق والحريات.

3- توفير المتطلبات الأساسية للمواطنين الذين تم إخضاعهم لتدابير الوقاية من كورونا.

4- وضع الضوابط المناسبة للتدابير المتخذة للوقاية والعلاج من هذا الوباء، حتى لا يتم استغلالها من البعض في الافتئات على حقوق ومصالح المواطنين.

5- نشر الوعي الديني الصحيح والقويم فيما يتعلق بتعامل المواطنين مع الأوبئة ومحاربة ثقافة التواكل.

6- بيان الموقف الشرعي من النظافة الشخصية والجماعية والتوعية الشرعية المستدامة بهذا الجانب.

7- أعداد هائلة رغم كارثة كورونا في بلد الإيمان والحكمة ما زالوا على صلاتهم في المساجد دائمون، وفي أماكن الوضوء الجماعية في المساجد يتزاحمون، يتمضمضون ويستنشقون ويستنثرون ما في أفواههم وأنوفهم، ولذلك ينبغي التفكير الجاد بمعالجة هذه الظاهرة التي تمثل مصدراً من مصادر العدوى بوباء كورونا في المساجد.

قائمة مراجع البحث

1- القرآن الكريم.

2- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد البر، الطبعة الثانية، وزارة الأوقاف المغربية 1412هـ.

3- دستور الجمهورية اليمنية؛ وزارة الشئون القانونية؛ مطابع التوجيه المعنوي، صنعاء 2007م.

4- زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، مكتبة المنار، الكويت، 1994م.

5- حكم الحجر الصحي، د. محيي الدين الألوائي– مجلة الخليج، العدد (7) ص2.

6- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 2010م.

7- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث، بيروت، الطبعة الثانية.

8- فتاوى الإمام عبد الحليم محمود، دار المعارف مصر، 1439هـ.

9- قانون الصحة العامة، وزارة الشئون القانونية، مطابع التوجيه المعنوي، صنعاء 2006م.

10-                                                                                               القانون المدني اليمني، وزارة الشئون القانونية، مطابع التوجيه المعنوي، صنعاء 2009م.

11-                                                                                               القواعد الفقهية وتطبيقاتها المعاصرة، د. محمد الزحيلي، دار النفائس الاردن,2009م.

12- مجلة المنار، محمد رشيد رضا، العدد 56 سنة 1919م.

13- موقع دار الإفتاء المصرية.

14- موقع دار الإفتاء اللبنانية.

15- موقع منظمة الصحة العالمية.

16- موقع الدكتور أحمد الريسوني.