دور القضاء في التحكيم

القاضي/ عبد الكريم محمد هادي المطري

4/18/2023

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

عضو مساعد بهيئة التفتيش القضائي

مدير عام مكتب رئيس الهيئة

 

تمهيد وتقسيم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المنتجبين، ومن سار على دربه ونهج نهجه إلى يوم الدين، وبعد:

يلجأ كثير من الأشخاص إلى نظام التحكيم؛ لفض المنازعات التي قد تثور بينهم؛ لما يتميز به هذا النظام من مزايا عديدة أهمها: السرعة والبساطة والثقة والمرونة والسرية، الأمر الذي جعل التحكيم أحد أكثر الظواهر القانونية انتشاراً في العصر الحديث، إلا أن التحكيم لا يستطيع بمفرده تحقيق الأهداف المنشودة منه، خاصة وأن المحكم شخص عادي لا يتمتع بسلطة الأمر والجبر التي يتمتع بها القاضي، وبالتالي كان لابد من تدخل القضاء صاحب الاختصاص في فض المنازعات؛ ليساعد التحكيم من جهة ويراقبه من جهة أخرى.

هذا ولمّا كان التحكيم يسلب الاختصاص الأصيل للقضاء في نظر المنازعات والفصل في الخصومات، بما يشكله ذلك من خطورة على الأطراف، بل وعلى المجتمع ونظامه العام وعلى الضمانات والمبادئ العامة في التقاضي، فقد تدخل المشرع ليمنح القضاء دوراً هاماً في التحكيم؛ لتحقيق العدالة وحماية النظام العام من جهة ولتحقيق أهداف التحكيم من جهة أخرى، فلقد أضحى_ بحق_ أنه لا غنى عن القضاء حتى يقوم التحكيم بوظيفته المنشودة، فالتحكيم لا يستقيم بمفرده، وإنما يستلزم وجوده دعم ورقابة قضاء الدولة، فلا يمكن إغفال الدور المهم الذي يلعبه القضاء في التأكد من حسن تطبيق القواعد الخاصة بالتحكيم، ومدى التزام المحكم بالقواعد المتعلقة بالنظام العام والمبادئ العامة في التقاضي.

فالاتجاه السائد الآن هو إعطاء قضاء الدولة دوراً هاماً في نظام التحكيم، بحيث لم يعد دور القضاء يقتصر على الرقابة فقط، ولكنه أصبح دوراً مزدوجاً، حيث يمتد أيضاً ليشمل المساعدة بما له من سلطة عامة، يستطيع عن طريقها إجبار الخصوم على تنفيذ قرارات وأحكام المحكمين، وبذلك يسد العجز الناتج عن كون المحكم شخصاً عادياً لا يتمتع  بسلطة الأمر، وقد اتسع نطاق دور القضاء في قوانين التحكيم الحديثة، ليشمل_ إلى جانب الإشراف والرقابة_ ما يمكن أن يقدمه للتحكيم من مساعدة ومؤازرة، وأصبح دوره موجوداً في جميع مراحل التحكيم، منذ الاتفاق على التحكيم، وعند تشكيل هيئة التحكيم، وأثناء سير الخصومة التحكيمية، ثم بعد صدور حكم التحكيم.

ولكن ما هو هذا الدور الذي يقوم به القضاء في التحكيم؟ وما هي طبيعته؟ وكيف يقوم به؟ وماهي حدود سلطات القضاء في التحكيم؟ ونطاق رقابته عليه؟ ومدى مساعدته له؟ كل هذه الأسئلة وغيرها هي ما يحاول هذا البحث الإجابة عليها_ بإيجاز_ في دراسة لقانون التحكيم اليمني بالمقارنة مع قانون التحكيم المصري.

خطة البحث:

يشتمل البحث على مبحثين على النحو الآتي:

المبحث الأول: دور القضاء في اتفاق التحكيم وفي نظامه الإجرائي.

المطلب الأول: دور القضاء في إعمال اتفاق التحكيم وفي الرقابة عليه.

الفرع الأول: الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق تحكيم.

الفرع الثاني: رقابة القضاء على اتفاق التحكيم.

المطلب الثاني: دور القضاء في النظام الإجرائي للتحكيم.

الفرع الأول: دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم.

الفرع الثاني: دور القضاء في إجراءات التحكيم.

المبحث الثاني: دور القضاء في الرقابة على حكم التحكيم.

المطلب الأول: الطعن في حكم التحكيم أمام القضاء.

الفرع الأول: حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم.

الفرع الثاني: النظام الإجرائي لدعوى بطلان حكم التحكيم.

المطلب الثاني: رقابة القضاء على تنفيذ حكم التحكيم.

الفرع الأول: المحكمة المختصة بإصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم وإجراءات إصداره.

الفرع الثاني: وقف تنفيذ حكم التحكيم.

المبحث الأول
دور القضاء في اتفاق التحكيم وفي نظامه الإجرائي

يستهل القضاء دوره في نظام التحكيم ابتداءً من اتفاق التحكيم، الذي يشكل أساس وجود التحكيم، والمصدر الذي تستمد هيئة التحكيم منه سلطاتها، ويتمثل هذا الدور في إعمال اتفاق التحكيم من خلال رفض المحاكم نظر الدعاوى التي يوجد بشأنها اتفاق تحكيم، بناءً على دفع يقدم أمامها بوجود اتفاق التحكيم، ومن ناحيةٍ أخرى يتمثل هذا الدور في الرقابة على اتفاق التحكيم ذاته، ويمتد دور القضاء بعد ذلك ليشمل النظام الإجرائي للتحكيم_ الذي غالباً ما يكون مرتبطاً باتفاق التحكيم_ سواء فيما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم، أم ما يتعلق  بإجراءات التحكيم، وفي هذا المبحث يتم تناول دور القضاء في هاتين المرحلتين من مراحل التحكيم والمرتبطتين معاً، وهما اتفاق التحكيم، والنظام الإجرائي له، وذلك في مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: دور القضاء في إعمال اتفاق التحكيم وفي الرقابة عليه.

المطلب الثاني: دور القضاء في النظام الاجرائي للتحكيم.

المطلب الأول
دور القضاء في إعمال اتفاق التحكيم وفي الرقابة عليه

إعمال اتفاق التحكيم يقصد به تحقيق الهدف من إبرامه، وهو إقصاء القضاء عن نظر النزاع المتفق بشأنه على التحكيم، إلا أن القضاء_ إذا رفع إليه النزاع_ لا يمتنع من تلقاء نفسه من نظرة بسبب الاتفاق بشأنه على التحكيم، بل لابد من تمسك من له مصلحة بالدفع بوجود اتفاق التحكيم، كما أن إقصاء القضاء عن نظر النزاع المتفق بشأنه على التحكيم لا يعني أنه ليس له أي دور عليه، بل على العكس من ذلك، فللقضاء دور كبير في التحكيم، سواء في الرقابة، أم في المساعدة، ومن أهم مراحل مراقبة القضاء للتحكيم مرحلة مراقبة اتفاق التحكيم، وعلى هذا يتم تقسيم الدراسة في هذا المطلب إلى فرعين على النحو الآتي:

الفرع الأول: الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق التحكيم.

الفرع الثاني: رقابة القضاء على اتفاق التحكيم.

الفرع الأول
الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق التحكيم

ثار خلاف حول طبيعة الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق التحكيم وما يجب أن يتوفر فيه من شروط، إلا  أن الرأي السائد في الفقه و القضاء أن الدفع بالاتفاق على التحكيم هو دفع بعدم الاختصاص، بحجة أن اتفاق الطرفين على التحكيم، وعدم طرح النزاع على القضاء، وإقرار المشرع لهذا الاتفاق يجعل النزاع خارجاً عن اختصاص القضاء، وإذا كان كذلك فهو دفع شكلي لا يتعلق بالنظام العام، فلا تمتلك المحكمة الاعتداد به من تلقاء نفسها، ويتعين أن يبدى قبل الكلام في الموضوع[1]، وقد أخذ قانون التحكيم اليمني بهذا الرأي فنص في مادته (19) على ما يأتي: (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف، أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم…)، وذهب جانب آخر من الفقه إلى أن الدفع بالاتفاق على التحكيم إنما هو دفع بعدم القبول يتعلق بالإجراءات[2]، وقد أخذ قانون التحكيم المصري بهذا الرأي حيث تنص المادة (13/ 1) منه على أنه: (يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق التحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل ابدائه أي طلب، أو دفاع في الدعوى).

شروط قبول الدفع بوجود الاتفاق على التحكيم:

لكي تحكم المحكمة بقبول الدفع بالتحكيم، وبالتالي عدم قبول الدعوى المرفوعة أمامها بشأن النزاع الذي يوجد بشأنه اتفاق التحكيم يجب أن يتوفر في هذا الدفع الشروط الآتية:

 

الشرط الأول: تمسك المدعى عليه بوجود اتفاق التحكيم:

لم ينص قانون التحكيم اليمني _صراحةً_ على ضرورة اشتراط أن يقوم المدعى عليه بالدفع بوجود اتفاق على التحكيم لكي تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى، بينما تلافى قانون التحكيم المصري ذلك، حيث قضت المادة (13/1) منه بأنه: (يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب أو دفاع في الدعوى)، وضرورة وجود مثل هذا الشرط تقتضيه الطبيعة الرضائية لنظام التحكيم، وكذا طبيعة الدفع بالتحكيم غير المتعلق بالنظام العام، فأطراف اتفاق التحكيم يتمتعون دائماً بالحرية المطلقة في المضي قدماً في التحكيم، أو في التنازل عنه واللجوء إلى القضاء بدلاً منه، ويكون هذا التنازل إما صراحةً من خلال رفع دعوى أمام القضاء بشأن النزاع، أو ضمنياً من خلال المشاركة في إجراءات هذه الدعوى، دون التمسك بوجود اتفاق التحكيم[3]، والحق في التمسك باتفاق التحكيم وطلب عدم قبول الدعوى مقصور على المدعى عليه فقط، فلا يجوز للمدعي أن يتمسك بشرط التحكيم؛ كونه قد أعلن عن رغبته في التنازل عن التحكيم واللجوء إلى القضاء[4].

الشرط الثاني: ضرورة إبداء الدفع بوجود اتفاق التحكيم قبل الكلام في الموضوع:

الحق في التحكيم لا يتعلق بالنظام العام، وبالتالي فإن خوض المدعى عليه في الموضوع، سواء بإبداء طلبات أم دفوع في الدعوى يعبر عن تنازله الضمني عن اللجوء إلى التحكيم[5]، واشتراط إبداء الدفع بوجود اتفاق التحكيم قبل الكلام في الموضوع ورد صراحةً في نص المادة (13/1) من قانون التحكيم المصري، وورد ضمنياً في نص المادة (19/ب) من قانون التحكيم اليمني التي تنص على أنه: (إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن)، وهذا ما قضت به الدائرة التجارية في المحكمة العليا من أنه: (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بنزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما لم يتابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة، فعندئذ يعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن)[6]، ويشترط في الطلب أو الدفع الذي يبديه المدعى عليه والذي يترتب عليه سقوط الحق في التحكيم أن يكون مما يتعلق بالموضوع سواء تم إبداؤه كتابةً أم شفاهةً، كما يجب إبداء الدفع بالتحكيم قبل إبداء أي دفع موضوعي أو أي دفع بعدم القبول الموضوعي كالدفع المتعلق بالمصلحة أو الصفة أو حجية الأثر المقضي[7].

الشرط الثالث: يجب أن يكون اتفاق التحكيم صحيحاً:

تنص المادة (19/أ) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا الحالات الآتية: أ_ إذا تبين للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل، أو لاغ، أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها…) ، فقد اشترطت هذه المادة أن يكون اتفاق التحكيم صحيحاً حتى يمكن إعماله، وإقصاء المحكمة عن نظر النزاع المتعلق به، أما إذا كان الاتفاق باطلاً أو لاغياً أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها فعلى المحكمة نظر الدعوى والفصل فيها، فالمحكمة لا تتخلى عن نظر النزاع لمجرد أن يتمسك أحد المحتكمين بوجود اتفاق التحكيم، بل يلزم أن يكون ذلك الاتفاق صحيحاً منتجاً لآثاره، فإن كان غير ذلك استمرت في نظر النزاع[8].

الفرع الثاني
رقابة القضاء على اتفاق التحكيم

لتحديد دور القضاء في الرقابة على اتفاق التحكيم لا بد من معرفة موقفه من مسألتي صحة ونطاق اتفاق التحكيم، فقد يدفع أحد الاطراف ببطلان اتفاق التحكيم لعيب شكلي أو لعيب في الإرادة أو لعدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم، وكذلك قد يدفع أحد الأطراف بعدم شمول اتفاق التحكيم لموضوع النزاع أو بسقوط اتفاق التحكيم أو عدم وجوده أصلاً، والسؤال هنا هو: من المختص بنظر هذه الدفوع؟ هل هو القضاء أم هيئة التحكيم؟ ومن ناحية أخرى، قد يتبين للقضاء عند نظره دفعاً بوجود اتفاق تحكيم في نزاع معروض عليه أن اتفاق التحكيم الذي يدفع بوجوده باطل، أو لا يشمل النزاع المطروح أمامه، فهل يحكم القضاء ببطلان اتفاق التحكيم؟ أم لا بد من توجيه الأطراف إلى التحكيم؟

للإجابة على هذين السؤالين لا بد من الإشارة_ بدايةً_ إلى أن مما استقر عليه الفقه والقضاء في التحكيم هو الاعتراف لهيئة التحكيم بالحق في الفصل في المنازعات المتعلقة باختصاصها، بما في ذلك المنازعات التي تثور بمناسبة وجود وصحة ونطاق اتفاق التحكيم، وهو ما عرف بمبدأ (الاختصاص بالاختصاص) الذي لاقى رواجاً كبيراً في العديد من تشريعات التحكيم والاتفاقيات الدولية[9]، فأول مسألة إجرائية تلتزم هيئة التحكيم البت فيها هي التأكد من ثبوت اختصاصها بالفصل في النزاع المبرم بخصوصه اتفاق التحكيم، ومبدأ (الاختصاص بالاختصاص) يقضي بأن هيئة التحكيم تختص بالفصل في مسألة اختصاصها سواء من تلقاء ذاتها أم بناء على دفع أحد طرفي اتفاق التحكيم بعدم اختصاصها سواء أكان الدفع هو بطلان العقد الأصلي المدرج به شرط التحكيم، أم بطلان اتفاق التحكيم ذاته أم العدول عنه، أم سقوطه، أم عدم شموله موضوع النزاع[10]، كل ذلك دون الحاجة إلى وقف الخصومة لعرض المسألة على القضاء[11]، فالمحكم وفقاً لهذا المبدأ دون غيره يختص بفحص وبحث نطاق اختصاصه، أي: التصدي لكافة الاعتراضات المثارة بمناسبة التحكيم بما في ذلك الناشئة عن مدى التأثير المتبادل بين العقد الأصلي واتفاق التحكيم دون حاجة إلى وقف إجراءات التحكيم وطرح تلك المشكلات على قضاء الدولة ليفصل فيها[12]، وهيئة التحكيم عندما تفصل في المنازعات التي تثور بشأن اختصاصها لا تقضي ببطلان أو صحة الاتفاق، إذا هي ليس لها ولاية الفصل في صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه ما لم يتفق الأطراف صراحةً على تخويلها هذه الولاية، ولهذا فان هيئة التحكيم تبحث الوجود أو الصحة أو البطلان من حيث الظاهر للنظر في اختصاصها أو عدم اختصاصها، فإن ظهر لها وجود الاتفاق وصحته رفضت الدفع بعدم الاختصاص ومضت في نظر الدعوى، وإن ظهر لهيئة التحكيم عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه فإنها تقضي بعدم اختصاصها وتنهي إجراءات التحكيم أمامها[13].

وقد أخذ قانون التحكيم اليمني بمبدأ (الاختصاص بالاختصاص)، فنص في المادة رقم (28) على أنه: (تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها، بما فيها الدفع المقدم بعدم وجود اتفاق التحكيم، أو سقوطه، أو بطلانه، أو عدم شموله موضوع النزاع…) وهو ما قضت به المادة (22/1) من قانون التحكيم المصري التي تنص على أنه: (تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم، أو سقوطه، أو بطلانه، أو عدم شموله لموضوع النزاع…).

رقابة القضاء على القرارات الصادرة عن هيئة التحكيم المتعلقة باختصاصها:

إذا كان مبدأ (الاختصاص بالاختصاص ) يمنح هيئة التحكيم سلطة مراقبة اتفاق التحكيم، فإن هذا لا يعني خروج قراراتها الصادرة بشأنه عن رقابة القضاء، فإذا قررت هيئة التحكيم رفض الدفع المقدم من أحد الخصوم المتعلق باختصاص الهيئة جاز لأي طرف اللجوء إلى القضاء للطعن في هذا القرار[14]، وهذا ما نصت عليه المادة (28) من قانون التحكيم اليمني من أنه: (تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها بما فيها الدفع المقدم بعدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله موضوع النزاع، وإذا فصلت لجنة التحكيم في الدفع برفضه، جاز الطعن في هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف خلال الاسبوع الآتي لإخطار الطرف بالحكم ….)، ويتضح من هذا النص أن رقابة القضاء اليمني على قرارات هيئة التحكيم المتعلقة باختصاصها هي رقابة فورية تنشأ مباشرةً فور صدور القرار، ودون حاجة إلى الانتظار لحين صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة، وهي رقابة ذات نوعية مخالفة لما أخذ به قانون التحكيم المصري، الذي لم يعط الخصوم حقاً للطعن في قرار المحكم الذي قضى برفض الدفع المقدم من أحد الخصوم المتعلق باختصاصه، لكنه أجاز للخصوم الطعن في الحكم الصادر برفض الدفع عن طريق الطعن في الحكم المنهي للخصومة[15]، وذلك وفقاً لنص المادة (22) الفقرة (3) منه التي تنص على أنه: (…تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع ، أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معاً، وإذا قضت برفض الدفع فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها…).

رقابة القضاء على اتفاق التحكيم بسبب نظر الدفع بوجوده:

الهدف من التحكيم هو إقصاء القضاء عن نظر النزاع، إلا أن المحكمة لا تمتنع من تلقاء نفسها عن نظر النزاع الذي يوجد بشأنه اتفاق تحكيم، حيث لا بد من التمسك بوجود هذا الاتفاق عن طريق دفع بوجوده، وهنا قد يثار تساؤل مفاده: ما هو الحكم إذا نظرت المحكمة الدفع المرفوع أمامها بوجود اتفاق التحكيم فتبين لها أن اتفاق التحكيم باطل، أو لا يشمل موضوع النزاع المعروض أمامها؟ فهل تكتفي بنظر الدفع من حيث قبوله، أو رفضه؟ أم تعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن وتواصل نظر النزاع؟

حسم قانون التحكيم اليمني أمره في هذا الشأن ونص في المادة (19) على أنه: (على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف، أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم؛ أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا في الحالات الآتية : أ_ إذا تبين للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل، أو، لاغ، أولا يشمل النزاع المطروح أمامها…)، حيث يتضح من هذا النص أن على المحكمة _في هذا الفرض_ عدم قبول الدفع بوجود اتفاق التحكيم بسبب بطلان الاتفاق، أو عدم شموله النزاع المطروح أمامها، وعليها مواصلة نظر النزاع، وهذا المذهب الذي انتهجه قانون التحكيم اليمني سليم، من حيث كونه يفعل رقابة القضاء على اتفاق التحكيم، ويوفر الوقت والجهد في حالة ما إذا أحال القضاء الأطراف إلى التحكيم، وبعد أن يصدر حكم التحكيم يتم الطعن فيه بدعوى البطلان بسبب بطلان اتفاق التحكيم، فيصدر الحكم القضائي ببطلان حكم التحكيم بناءً على ذلك، فيضيع وقت وجهد الأطراف سدى[16]، أما قانون التحكيم المصري فلم ينص صراحة على إعطاء القاضي الحق في التصدي لمسألة صحة اتفاق التحكيم، وسريانه قبل الحكم بقبول الدفع بوجود اتفاق التحكيم، وبالتالي فإن الحكم بعدم قبول الدعوى المنظورة أمامه المتفق بشأن موضوعها على التحكيم ، واكتفى في المادة (13/1) بأنه: (يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى، إذا دفع المدعى عليه بذلك، قبل إبدائه أي طلب، أو دفاع في الدعوى)، وبالتالي لا يكون أمام القاضي في هذه الحالة إلا الحكم بعدم قبول الدعوى إذا تمسك المدعي بذلك، سواء أكان اتفاق التحكيم صحيحاً، أم باطلاً، وهذا توجه فيه قصور يخل بمبدأ رقابة القضاء على التحكيم، ويؤدي إلى ضياع الوقت والجهد إذا ما صدر حكم  التحكيم فيكون محلاً بعد ذلك لدعوى ببطلانه لبطلان الاتفاق على التحكيم[17].

المطلب  الثاني
دور القضاء في النظام الإجرائي للتحكيم

يتم تقسيم الدراسة في هذا المطلب إلى فرعين على النحو الآتي:

الفرع الأول: دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم.

الفرع الثاني: دور القضاء في إجراءات التحكيم.

الفرع الأول
دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم

يعتبر دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم دوراً هاماً ذا طبيعة مزدوجة، فمن ناحية قد يتدخل القضاء بالمساعدة في اختيار المحكمين، ومن ناحية ثانية قد يتدخل رقابياً من خلال رد المحكم وأحياناً عزله، ووفقاً لذلك تتناول الدراسة في هذا الفرع ثلاثة مواضيع هي: اختيار المحكم بواسطة القضاء، ودور القضاء في رد المحكم، وعزل المحكم قضائياً، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: اختيار المحكم بواسطة القضاء:

تنص المادة (22) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (أ_ إذا كان لا بد من تشكيل لجنة التحكيم من محكم فرد تقوم المحكمة المختصة بتعيينه بناءً على طلب أحد الطرفين بعد سماع وملاحظة ما قد يكون لأي من الطرفين من اعتراض مبرر على المعين … جـ _ إذا كان لا بد من تشكيل لجنة التحكيم من أكثر من محكمين يقوم كل طرف باختيار محكم عنه ثم يتفق المحكمان على المحكم الثالث، وفي حالة عدم اتفاق المحكمين على المحكم الثالث خلال مدة الثلاثين يوماً الآتية لتعيين آخرهما، تتولى المحكمة المختصة تعيينه بناءً على طلب أحد الطرفين…)، حيث يبين هذا النص حالات تدخل القضاء بالمساعدة في اختيار المحكم، وهي مقاربة للحالات الواردة في قانون التحكيم المصري والتي تضمنتها المادة (17) منه، وفي كل الأحوال فهي لا تخرج عن ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا اتفق الأطراف على أن يكون المحكم فرداً واحداً، ولكنهم لم يتفقوا عليه، فتقوم المحكمة باختياره بناءً على طلب أحد الطرفين.

الحالة الثانية: إذا اتفق الطرفان على تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكمين اثنين، أو لم يتفقوا على عدد المحكمين، حيث يكون عدد المحكمين ثلاثة وفقاً لنص المادة (21) تحكيم يمني والمادة (15/1) تحكيم مصري، وفي هذه الحالة يكون لكل طرف اختيار محكمه، ومن ثم يتولى المحكمان اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يقم المحكمان خلال ثلاثين يوماً من اختيار آخرهما باختيار المحكم الثالث تتولى المحكمة اختياره بناء على طلب أحد الطرفين.

الحالة الثالثة: إذا خالف أحد الطرفين إجراءات اختيار المحكمين المتفق عليهم، أو لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث، أو لم يقم الغير_ المتفق عليه_ بهذا الاختيار في الميعاد المتفق عليه تولت المحكمة هذا الاختيار بناءً على طلب أحد الطرفين، وهذه الحالة لم ترد في قانون التحكيم اليمني ووردت في قانون التحكيم المصري في المادة (17/3).

إجراءات تعيين المحكمة للمحكم:

لم يوضح قانون التحكيم اليمني إجراءات تعيين المحكمة للمحكم، وإن كانت المادة (22) تشير إلى أن ذلك يكون بناءً على طلب أحد الطرفين وأن المحكم الذي عينته المحكمة يترأس لجنة التحكيم، وبالرغم من كل ذلك فلم يوضح قانون التحكيم اليمني ولا قانون التحكيم المصري طبيعة طلب تعيين المحكمة للمحكم، هل يكون بطريق دعوى، وبالتالي تنظره المحكمة بالإجراءات المعتادة لنظر الدعوى وتفصل فيه بحكم قضائي أم يكون بطريق أمر على عريضة؟ هذا وقد جرى القضاء المصري وتواترت أحكامه على أن تعيين المحكم يكون وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، وليس بموجب أمر على عريضة،  وهو أمر منتقد من بعض فقهاء القانون، إذ إن ذلك من شأنه وأد التحكيم في مهده، وعرقلة مسيرته على نحو يخل بالغاية الأساسية منه، وهي سرعة الفصل في المنازعات، وذلك بسبب التطويل الذي تمر به إجراءات رفع الدعوى، وبالتالي لا بد من معالجة بما يتفق وطبيعة التحكيم والهدف الأساسي منه بالنص صراحة على أن يتم تعيين المحكم عند امتناع أحد الأطراف عند تعيين محكمه، أو فشل الأطراف في تعيين المحكم، عن طريق استصدار أمر على عريضة، من رئيس المحكمة المختصة[18].

ثانياً: دور القضاء في رد المحكم:

تنص المادة (23) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي، أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم، أو إذا تبين عدم توافر الشروط المتفق عليها أو التي نصت عليها أحكام هذا القانون…)، من خلال هذا النص يتبين أن مبررات رد المحكم في القانون اليمني مجموعة من الأسباب[19]، فالمجموعة الأولى: هي الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر غير صالح للحكم، وهي أسباب واردة على سبيل الحصر في نصي المادتين (128) و(132) من قانون المرافعات اليمني، والمجموعة الثانية: هي الأسباب التي ترجع إلى مخالفة اتفاق التحكيم، فإذا تم الاتفاق على وجوب شروط معينة في المحكم وتم مخالفة هذه الشروط في اختياره جاز رده، والمجموعة الثالثة: هي الأسباب التي ترجع إلى الإخلال بنصوص قانون التحكيم، ومن ذلك المادة (20) التي تنص على أنه: (لا يجوز أن يكون المحكم فاقد الأهلية، أو محجوراً عليه، أو محروماً من حقوقه المدنية، أو غير صالح للحكم فيما حكم فيه، ويكون قبول المحكم بمهنته كتابياً).

والحقيقة أن القانون اليمني قد بالغ بأسباب رد المحكم[20]، على عكس قانون التحكيم المصري الذي وضع سبباً وحيداً يمكن أن تندرج تحته الأسباب المذكورة سابقاً وغيرها من الأسباب، حيث تنص المادة (18/1) منه على أنه: (لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله…)، وبالتالي فإن هذا السبب وهو فقدان المحكم للحياد والاستقلال يعتبر من العموم بحيث يتسع ليشمل جميع أسباب رد أو عدم صلاحية القضاة، بل إنه إذا وجدت أسباب أخرى، أو شبهات قوية حول عدم حيدة المحكم، فإنه يمكن الاستناد إليها كسبب لرد المحكم[21]، فهذا السبب من العموم ما يجعل تقديره يختلف بحسب ظروف كل دعوى وملابساتها[22]، وقد كان المشرع المصري موفقاً في عدم تحديد حالات رد المحكم على سبيل الحصر، بل جعل الرد وسيلة للرقابة على استقلال المحكم مادياً ومعنوياً عن الخصوم وعن النزاع[23].

وفي كل الأحوال لا يجوز لأي من الطرفين رد المحكم الذي عينه، أو اشترك في تعيينه إلا لسبب يبينه بعد أن تم هذا التعيين، كما لا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلب رد المحكم نفسه في ذات التحكيم، كما يشترط أن تكون أسباب الرد قد ظهرت بعد اتفاق التحكيم حيث تنص المادة (23) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (… ويشترط أن تكون هذه الأسباب قد حدثت أو ظهرت بعد تحرير اتفاق التحكيم، إلا إنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ما عدا للأسباب التي تتبين بعد التعيين، وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقصد احتمال تعيينه محكماً أن يصرح لمن أولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته واستقلاله).

إجراءات طلب رد المحكم:

تنص المادة (24) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يقدم طلب رد المحكم إلى المحكمة المختصة في ميعاد أسبوع واحد من يوم اخطار طالب الرد بتعيين المحكم، أو من يوم علمه بالظروف المبررة للرد، وتقوم المحكمة المختصة بالفصل في الطلب خلال أسبوع واحد على وجه الاستعجال، فإذا رفضت المحكمة الطلب جاز لطالب الرد الطعن في قرارها أمام المحكمة الأعلى درجة خلال أسبوعين من تاريخ استلام القرار، كما أنه يجوز تقديم طلب الرد إلى لجنة التحكيم ذاتها، وتطبق نفس الإجراءات المذكورة في هذا المادة)، يتضح من هذا النص أن القانون اليمني حدد ميعاداً ناقصاً لتقديم طلب الرد بأسبوع من يوم إخطار طالب الرد بتعيين المحكم، أو من يوم علمه بالظروف المبررة للرد، بينما حدد قانون التحكيم المصري في المادة رقم (19/1) ميعاد تقديم الطلب بخمسة عشر يوماً، وقد منح القانون اليمني المحكمة المختصة، أو لجنة التحكيم مهلة أسبوع  واحد للنظر في طلب الرد على وجه الاستعجال، فإذا رفضت المحكمة الطلب جاز لطالب الرد الطعن في قرارها أمام المحكمة الأعلى درجة خلال أسبوعين، بينما على المحكم المطلوب رده وفقاً لقانون التحكيم المصري بعد تقديم طلب الرد أن يتنحى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب، وإلا يُحال الطلب إلى المحكمة للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن، وتجدر الإشارة إلى أن تقديم طلب الرد إلى هيئة التحكيم في القانون المصري ليس الغرض منه قيامها بالفصل فيه، وإنما الهدف منه منح المحكم فرصة للتنحي دون عرض الأمر على القضاء[24]، وسيبقى الاختصاص للقضاء للفصل في طلب الرد.

وبالتالي فإن التقاضي في خصومة رد المحكم في القانون اليمني على درجتين بينما هي على درجة واحدة في القانون المصري، كما أن تقديم طلب الرد وفقاً للقانون اليمني يؤدي إلى وقف إجراءات التحكيم، بينما لا يؤدي طلب الرد إلى وقف إجراءات التحكيم وفقاً لقانون التحكيم المصري الذي تنص مادته (19/3) على أنه: (لا يترتب على تقديم طلب الرد، أو على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه وقف إجراءات التحكيم…)، وفي كل الأحوال يترتب على الحكم برد المحكم اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم كأن لم يكن.

ثالثاً: عزل المحكم قضائياً:

عزل المحكم_ سواء أكان اتفاقياً أم قضائياً_ يعد أحد الضمانات الهامة التي تقررها معظم التشريعات لأطراف خصومة التحكيم في مواجهة المحكم[25]، والأصل أن يتم عزل المحكم باتفاق الأطراف، إلا أنه قد يتعذر اتفاقهم على ذلك، لذا يجوز لأي من الطرفين اللجوء إلى القضاء لإصدار أمر بإنهاء مهمته، هذا وقد نصت المادة (25) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (إذا لم يتمكن المحكم من أداء مهمته بما يؤدي إلى عرقلة استمرارية إجراءات التحكيم ولم يتنح، فإنه يجوز إما اتفاق الطرفين على عزلة، أو تقديم أي من الطرفين طلباً بذلك إلى اللجنة أو المحكمة المختصة)، وهذا ما قضت به المحكمة العليا_ الدائرة التجارية_  من أنه لا يجوز عزل المحكم إلا باتفاق الطرفين أو بحكم قضائي من المحكمة المختصة[26]، كما نصت المادة (20) من قانون التحكيم المصري على أنه: (إذا تعذر على المحكم أداء مهمته، أو لم يباشرها، أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم، ولم يتنح، ولم يتفق الطرفان على عزله، جاز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بإنهاء مهمته بناءً على طلب أي من الطرفين)، يتضح مما سبق أنه لا يوجد أسباب محددة لعزل المحكم قضائياً، وإن كان لا بد من توفر سبب عام يتمثل في عدم قدرة المحكم على أداء وظيفته، أو امتناعه عن أدائها، وعدم قدرة المحكم على أداء وظيفته قد يكون لأسباب قانونية، كأن يفقد أهليته، أو يحجر عليه، أو يحرم من مباشرة حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف، إذ إنه في هذه الحالة يكون قد فقد الشروط الواجب توافرها في المحكم، أو قد يكون ذلك لأسباب واقعية مثل المرض الذي يمنعه من أداء عمله، أما امتناع المحكم عن أداء مهمته فيكون لأسباب إرادية من جانبه، سواء امتنع كلياً، أم بشكل متقطع، كأن يحضر بعض الجلسات دون البعض الآخر، بحيث يكون من شأن ذلك تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم[27].

فإذا توفر هذا السبب العام، ولم يتنح المحكم، ولم يتفق الطرفان على عزله، جاز لأي منهما التقدم إلى المحكمة المختصة بعزله، ويتم تقديم هذا الطلب عن طريق طلب أمر على عريضة إلى القاضي المختص، الذي يتمتع بسلطة تقديرية في قبول أو رفض طلب العزل، وذلك على ضوء جدية المبررات التي ساقها الخصم، وفي كل الأحوال يؤدي تقديم طلب العزل إلى وقف إجراءات التحكيم[28]، وإذا انتهت مهمة المحكم برده، أو عزله، أو تنحيه، أو بأي سبب آخر فإنه يجب تعيين محكم بديل له، ويتبع في تعيين المحكم البديل ذات الإجراءات التي أتبعت في تعيين المحكم الذي انتهت مهمته وفقاَ للمادة (26) تحكيم يمني والمادة (21) تحكيم مصري.

الفرع الثاني
دور القضاء في إجراءات التحكيم

تدخل القضاء في إجراءات التحكيم يعتبر تدخلاً بالمعاونة في تسيير خصومة التحكيم، وإزالة العقبات التي تقف في سبيل تقدمها وذلك بالمساعدة في الحصول على أدلة الإثبات والإنابة القضائية، واتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية إن لزم الأمر، وهذا هو محور دراسة هذا الفرع من خلال الموضوعين الآتيين:

أولاً: دور القصاء في الحصول على أدلة الإثبات في خصومة التحكيم وفي الإنابة القضائية:

رغم أن الهدف من التحكيم_ كما سبق_ هو إقصاء القضاء عن نظر النزاع  محل التحكيم فإن هيئة التحكيم قد تضطر الى الاستعانة بالقضاء فيما يخرج عن ولايتها وسلطتها[29]، وتطبيقاً  لذلك تنص المادة (43) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز للجنة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة للحصول على أدلة…)، كما تنص المادة (37) من قانون التحكيم المصري على أنه: (يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون بناء على طلب هيئة التحكيم بما يأتي: 1_ الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور، أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين (78) و(80) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية.2_الأمر بالإنابة القضائية).

ولذلك إذا رفض الشاهد الحضور إجابة لدعوة هيئة التحكيم جاز للمحكمة المختصة_ بناءً على طلب الهيئة أو أحد الأطراف_ الأمر بإحضاره جبراً، (مادة (63) من قانون الإثبات اليمني)، أما نص المادة (78) من قانون الإثبات المصري  فتقضي بأنه يجب تكليف الشاهد بالحضور تكليفاً صحيحاً، فإذا لم يحضر حكمت عليه المحكمة بغرامة مقدارها أربعة آلاف قرش، ويكون حكمها غير قابل للطعن فيه، وفي أحوال الاستعجال الشديد يجوز أن تصدر المحكمة أمراً بإحضار الشاهد، وتقضي المادة (80) من ذات القانون بأنه: إذا حضر الشاهد وامتنع بغير مبرر قانوني عن أداء اليمين، أو الإجابة حكم عليه بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه.

ووفقاً للنص العام للمادة (43) من قانون التحكيم اليمني يجوز طلب المساعدة من المحكمة المختصة للحصول على أدلة، ووفقاً للرأي السائد وحيث أن للقضاء سلطة معاونة للتحكيم بالتدخل في كل حالة تتعرض فيها خصومة التحكيم لصعوبات تعوق حسن سيرها_ طالما أن ذلك لا يمس موضوع النزاع_ فإنه يجوز اللجوء إلى القضاء لإلزام الغير بتقديم محرر تحت يده، وذلك اعترافاً بما للقضاء من دور إيجابي وفعال في التغلب على الصعوبات التي تواجه خصومة التحكيم، وإجبار من يتغيب من الخصوم على المشاركة فيها، وسد الباب عليه حتى لا يشل العملية التحكيمية[30].

أما الإنابة القضائية ووفقاً لنص المادة (37/1) من قانون التحكيم المصري، يجوز اللجوء إلى القضاء لطلب الأمر بها، سواء أكانت إنابة داخلية أم دولية[31]، والإنابة القضائية لا تكون إلا للقضاء، حيث لا يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر بالإنابة القضائية مباشرةً، فليس لها أن تندب عنها محكمة أخرى في اتخاذ إجراء قضائي معين، ولكنها تطلب من المحكمة المختصة بإصدار الأمر بالإنابة إلى أي محكمة أخرى، لتقوم بالإجراء نيابة عنها، وفي كل الأحوال تتقيد المحكمة بما ورد في الطلب المقدم إليها من هيئة التحكيم التي تحدد محل الإنابة القضائية، ولا يجوز للمحكمة المنيبة أن تخرج عن ذلك المحل[32].

ثانياً: دور القضاء في اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية في خصومة التحكيم:

الإجراءات الوقتية أو التحفظية هي: تدابير ينظمها القانون على شخص أو مال، للوقاية من خطر التأخير في حماية حق، يرجح وجوده لدى المدعي[33]، وتتسم الإجراءات الوقتية والتحفظية بالطابع التبعي، حيث لا توجد إلا بصدد نزاع موجود، كما أنها ليست حاسمة أو قاطعة، ولا تتمتع بأي حجية أمام قاضي الموضوع، والهدف منها تسهيل تحقيق غرض الخصومة الأصلية، وهو إصدار الحكم وضمان تنفيذه مستقبلاً، فهي لا تهدف إلى حل النزاع مباشرة رغم ارتباطها بالدعوى الأصلية[34].

ولكل من المحكمة وهيئة التحكيم معاً الحق في اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية وهو ما يعرف بمبدأ (الاختصاص المشترك)[35]، حيث تنص المادة (43) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز للجنة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة للحصول على أدلة، وكذا طلب اتخاذ ما تراه ملائماً من الإجراءات التحفظية أو المؤقتة…)، وهو ما أخذ به قانون التحكيم المصري في المادة (14) منه التي تنص على أنه: (يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر، بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أم أثناء سيرها…)، ومن عموم هذين النصين يتضح أن للقضاء اختصاصاً أصيلاً في اتخاذ التدابير المؤقتة والتحفظية سواء قبل أم أثناء خصومة التحكيم، وهو اختصاص متعلق بالنظام العام، فلا يجوز للأطراف الاتفاق على سلب القضاء سلطة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية وقصرها على هيئة التحكيم وحدها، لما ينطوي عليه هذا الاتفاق من إخلال بإحدى ضمانات التقاضي الأساسية المتعلقة بإعداد الأدلة والحفاظ عليها وإثبات ماديتها، إضافة إلى أن من شأن ذلك التقليل من فاعلية نظام التحكيم ككل، فبدون مساعدة القضاء في هذا الشأن قد يعزف الأطراف عن اختيار التحكيم كوسيلة لحل نزاعاتهم نتيجة للقصور الذي يشوب سلطة التحكيم في اتخاذ مثل هذه التدابير بالسرعة والكفاءة التي يمكن أن يوفرها لهم القضاء[36]، وفي كل الأحوال تقتصر سلطة القاضي عند اتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي على إصدار الأمر المطلوب دون المساس بالحق موضوع الدعوى الأصلية الذي يكون الفصل فيه لهيئة التحكيم وحدها[37].

 

المبحث الثاني
دور القضاء في الرقابة على حكم التحكيم

يتناول هذا المبحث دور القضاء في الرقابة على حكم التحكيم من خلال نظام الطعن في حكم التحكيم عن طريق دعوى البطلان، ومن خلال رقابة القضاء على تنفيذ أحكام التحكيم، وذلك في مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: الطعن في حكم التحكيم أمام القضاء.

المطلب الثاني: رقابة القضاء على تنفيذ حكم التحكيم.

المطلب الأول
الطعن في حكم التحكيم أمام القضاء

حكم التحكيم وإن كان لا يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة في قانون المرافعات، وهي الاستئناف أو النقض أو الالتماس بإعادة النظر، فإن المشرع لم يترك حكم التحكيم بمنأى عن أية رقابة من جانب القضاء، فأجاز الطعن عليه بدعوى بطلان أصلية[38]، ولتوضيح هذا الطريق الخاص للطعن في حكم التحكيم  سيتم الحديث عن حالات قبول دعوى البطلان، ثم عن إجراءات رفع هذه الدعوى، وذلك في فرعين على النحو الآتي:

الفرع الأول: حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم.

الفرع الثاني: النظام الإجرائي لدعوى بطلان حكم التحكيم.

الفرع الأول
حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم

يمكن تصنيف حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم في قانون التحكيم اليمني، وكذا في قانون التحكيم المصري إلى مجموعتين: الأولى: تتعلق باتفاق التحكيم، وبالنظام الإجرائي له، والثانية: تتعلق بحكم التحكيم ذاته، وهذا ما سيتم تناوله على النحو الآتي:

أولاً: حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتعلقة باتفاق التحكيم، أو بنظامه الإجرائي:

ترجع حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتعلقة باتفاق التحكيم، أو بالنظام الإجرائي له إلى عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو سقوطه بانتهاء مدته، وكذا إلى مخالفة إجراءات تشكيل هيئة التحكيم للقانون أو لاتفاق الطرفين، إضافة إلى بطلان إجراءات التحكيم، والإخلال بضمانات التقاضي، وأخيراً إلى تجاوز المحكم حدود سلطاته، وهذا ما نتناوله تباعاً.

1- عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو سقوطه بانتهاء مدته:

تنص المادة (35/أ) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: أ_ إذا لم يوجد اتفاق تحكيم، أو انتهت مدته، أو كان باطلاً وفقاً للقانون…)، وتنص المادة (53/1/أ ) من قانون التحكيم المصري على أنه: (لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: أ_ إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته…)، يتضح من قراءة هذين النصين أن أولى حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم تتعلق بالأساس الذي يبنى عليه التحكيم، والمصدر الذي يستمد المحكم منه سلطاته، وهو اتفاق التحكيم، فإذا لم يكن هذا الاتفاق موجوداً، بأن لم تتوافر أركانه الموضوعية والشكلية التي يتطلبها القانون، فإن هذا الاتفاق يعتبر منعدماً، وبالتالي يجوز رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم المبني عليه[39]، كما يجوز رفع هذه الدعوى إذا كان الاتفاق موجوداً ولكنه باطل، كعدم توافر الشروط الموضوعية اللازمة لصحة اتفاق التحكيم من رضا وأهلية، وكذلك إذا شاب إرادة الأطراف أي عيب من عيوب الإرادة مثل الغش والتدليس[40].

ويعتبر اتفاق التحكيم قد فقد أحد شروط صحته إذا لم يكن مكتوباً، وهو ما يجعله قابلاً للإبطال بدعوى البطلان، وهذا ما قضت به الدائرة المدنية_ الهيئة (ه)_ في المحكمة العليا من أنه: لا يجوز الاتفاق على التحكيم الا بالكتابة، سواء قبل قيام الخلاف أو النزاع أم بعد ذلك وحتى لو كان طرفا التحكيم قد أقاما الدعوى أمام المحكمة، ويكون الاتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ومحدداً به موضوع التحكيم[41].

ومن الأسباب التي تندرج تحت هذه الحالة انتهاء مدة اتفاق التحكيم، فقد يتفق الأطراف على وجوب اللجوء إلى التحكيم خلال مدة معينة من تاريخ نشوء النزاع، وإلا سقط الحق في ذلك واسترد الأطراف حقهم في اللجوء إلى القضاء، فإذا بدأت إجراءات التحكيم بعد هذا التاريخ كان الحكم الصادر باطلاً، وذلك لأن اتفاق التحكيم المستند أصلاً كان قد سقط بانتهاء مدته[42]، ومن ناحية أخرى فقد يتفق أطراف التحكيم على أن تتم إجراءات التحكيم، ويصدر حكم التحكيم خلال فترة معينة، وبالتالي إذا تجاوزت الإجراءات هذه الفترة  وصدر حكم التحكيم بعد انتهائها فإن حكم التحكيم يكون عرضة للإبطال[43].

2- مخالفة إجراءات تشكيل هيئة التحكيم للقانون أو لاتفاق الطرفين:

اكتفت المادة (53) في فقرتها (ه) من قانون التحكيم اليمني بمخالفة اتفاق التحكيم عند تشكيل لجنة التحكيم ليكون ذلك سبباً لطلب إبطال حكم التحكيم، حيث قضت بأنه مما يجوز فيه طلب إبطال حكم التحكيم: (…ه_ إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم…)، بينما قضى قانون التحكيم المصري بأن مخالفة القانون أو اتفاق التحكيم عند تشكيل هيئة التحكيم يجعل حكم التحكيم عرضة لدعوى البطلان، حيث تنص المادة (53/1/ه) على أنه من الحالات التي تقبل فيها دعوى البطلان: (… ه_ إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين…)، وتطبيقاً لذلك تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إذا صدر الحكم من محكم قاصر، أو محجور عليه، وكذا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إذا اتفق الأطراف على وسيلة معينة لاختيار المحكمين ولم تتبع هذه الوسيلة، أو اتفقوا على شروط معينة في المحكم كشرط جنسية معينة أو مهنة معينة وتخلف أحد هذه الشروط، أو إذا صدر حكم من هيئة التحكيم بعد رد أحد أعضائها أو تنحيه أو عزله دون تعيين بديل له وفقاً للقانون[44].

3- بطلان إجراءات التحكيم والإخلال بضمانات التقاضي:

تنص المادة (53/جـ) من قانون التحكيم اليمني على أنه لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية ومنها: (…جـ_ إذا كانت الإجراءات غير صحيحة…)، وجاءت المادة (53/1/جـ) من قانون التحكيم المصري أكثر تحديداً لتنص على أنه: (لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية ومنها: (… جـ_ إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم، أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته…)، لتُأكد بذلك على مبداً حق الدفاع كأهم ضمانة من ضمانات التقاضي، ثم عادت نفس المادة في الفقرة (ز) لتشمل جميع إجراءات التحكيم حيث نصت على أنه: (…أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم).

وعلى كلٍ فقد ألزم المشرع الأطراف وهيئة التحكيم اتباع إجراءات محددة في نظام التحكيم، الغرض منها توفير الضمانات الأساسية التي تؤدي إلى وصول هذه الإجراءات إلى نهايتها الطبيعية، وهي صدور حكم التحكيم وفصل النزاع، فإن خولفت هذه الإجراءات أو أخل بتلك الضمانات كان الحكم قابلاً للإبطال بدعوى أصلية[45]، وتفترض هذه الحالة أن يقع عيب في إجراءات التحكيم أدى إلى بطلانها، وأن هذا البطلان قد أثر في الحكم، ومن أمثلة ذلك: عدم إعلان أحد الخصوم بطلبات خصمه أو بمستنداته أو بإجراءات من إجراءات الإثبات، كما تتعلق هذه الحالة بضمانات التقاضي أمام هيئة التحكيم من ضرورة احترام مبدأ المساواة بين الخصوم، واحترام حقوق الدفاع، ومبدأ المواجهة، وهي مبادئ أساسية يجب مراعاتها في جميع تشريعات التحكيم المختلفة، وقد قضت الدائرة المدنية في المحكمة العليا بأن: عدم تمكين أحد الأطراف من تقديم مستنداته إلى المُحكم من الأسباب التي يستوجب معها إعادة القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادة النظر في القضية على ضوء البراهين المستجدة تحقيقاً للعدالة[46].

4- تجاوز المحكم حدود سلطاته:

من الحالات التي يجوز فيها رفع دعوى بطلان حكم التحكيم ما نصت عليه المادة (53) الفقرة (د) من قانون التحكيم اليمني من أنه يجوز ذلك: (… د_ إذ تجاوزت لجنة التحكيم صلاحيتها…)، كما نصت المادة (53/1/د) من قانون التحكيم المصري على بطلان حكم التحكيم: (…إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، أو جاوز حدود هذا الاتفاق…)، ويعكس هذا السبب من أسباب البطلان الأساس الاتفاقي لاختصاص المحكم، فالمحكم يستمد سلطاته من اتفاق التحكيم، فإذا فصلت الهيئة في موضوعات لم يتفق الأطراف على عرضها على التحكيم كان حكمها باطلاً، إذ أنه يكون قد صدر من جهة لا ولاية لها بالفصل في المسألة المطروحة، ويدخل تحت هذا الحالة ما إذا اتفق الأطراف على تطبيق قانون معين على النزاع فاستبعد حكم التحكيم تطبيق هذا القانون فيكون الحكم بذلك معرضاً لبطلانه بدعوى البطلان، المادة (53/1/د) تحكيم مصري.

ثانياً: حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتعلقة بحكم التحكيم ذاته:

حالات قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتعلقة بحكم التحكيم هي الحالات التي تتعلق بصدوره في مسألة لا تقبل التحكيم، أو مخالفته لأحكام الشريعة الاسلامية والنظام العام، إضافة إلى بطلان حكم التحكيم نفسه، ونتكلم عن هذه الحالات بشكل مختصر فيما يأتي:

1- دور حكم التحكيم في مسألة لا تقبل التحكيم:

الحالات التي لا يجوز التحكيم فيها وفقاً لنص المادة (د) من قانون التحكيم اليمني هي: (أ_ الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح. ب_ رد القضاء ومخاصمتهم. جـ_ المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً. د_ سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح. ه_ كل ما يتعلق بالنظام العام)، ووفقاً لهذا إذا صدر حكم التحكيم في مسألة من المسائل السابقة، فإنه يكون باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام، وبالتالي يجوز للمحكمة المختصة التي تنظر دعوى بطلان حكم التحكيم أن تحكم ببطلانه لصدوره في مسألة لا تقبل التحكيم، وهو ما نصت عليه المادة (55) من قانون التحكيم اليمني من أنه: (يجوز لمحكمة الاستئناف أن تحكم ببطلان حكم التحكيم حتى ولو لم يطلب منها ذلك في الأحوال الآتية : أ_ إذا صدر الحكم في مسألة لا تقبل التحكيم …)، ولا يوجد مثل هذا النص في قانون التحكيم المصري الذي لعله اكتفى باعتبار ذلك من النظام العام الذي يعتبر مخالفته في حكم التحكيم يؤدي إلى بطلانه يستوجب معه أن تقضي المحكمة المختصة من تلقاء نفسها ببطلانه وفقاً للمادة (53/2) تحكيم مصري.

2- مخالفة حكم التحكيم لأحكام الشريعة الاسلامية، وللنظام العام:

تنص المادة (55/ب) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز لمحكمة الاستئناف أن تحكم ببطلان حكم التحكيم حتى ولو لم يطلب منها ذلك في الأحوال الآتية: ب_ إذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام)، ومخالفة حكم التحكيم للشريعة الإسلامية هي مخالفة للدستور اليمني الذي ينص في مادته الثانية على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وينص في المادة الثالثة على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر كل التشريعات، لهذا حرص قانون التحكيم اليمني على النص على بطلان كل حكم صادر من محكم مخالف لروح الشريعة الإسلامية الغراء، بل وأعطى محكمة الاستئناف الحق في إبطال أي حكم تحكيم مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية من تلقاء نفسها[47].

وبالنسبة للنظام العام فمن المسلم به أن أية قاعدة قانونية إنما تتعلق بالنظم العام عندما يكون حكمها أمراً لا يجوز الاتفاق على مخالفته لكونها قاعدة أساسية في تنظيم المجتمع وتتعلق بالصالح العام، ويؤدي الإخلال بها إلى خلل في التنظيم الذي قرره المشرع لمسألة من المسائل بصورة إلزامية[48]، وبالتالي إذا خالف حكم التحكيم أياً من هذه القواعد فإنه يكون باطلاً بطلاناً يتعلق بالنظام العام، ومثال ذلك أن ينطوي الحكم على تفرقة عنصرية أو دينية، أو أن يؤيد الحكم بعض المعاملات أو الاتفاقات المبنية على الاختلاس، أو الرشوة، أو الفساد، أو أن ينطوي تنفيذ الحكم على إلزام الأطراف بالقيام بعمل من شأنه مخالفة النظام العام في البلاد[49].

3- إذا وقع بطلان في حكم التحكيم:

اقتصرت الفقرة (و) من المادة (53) تحكيم يمني على حالة واحدة من حالات وقوع البطلان في حكم التحكيم، وهي حالة عدم التسبيب لتكون سبباً يجوز معه قبول دعوى البطلان فنصت على بطلانه: (…. و_ إذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً…) وهو ما قضت به الدائرة المدنية الهيئة (جـ) في المحكمة العليا بأن: القصور الذي يشوب تسبيب حكم التحكيم يؤدي إلى بطلانه[50]، أما المادة (53/1/ز) من قانون التحكيم المصري فقد وضعت نصاً عاماً يشمل جميع الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى وقوع البطلان في حكم التحكيم من عدم تسبيب، وغيره من الأسباب حيث نصت على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في حالات منها: (… ز_ إذا وقع بطلان في حكم التحكيم…)، وبالتالي تتسع هذه الحالة لتشمل كل ما يشوب حكم التحكيم ذاته من أوجه البطلان، فحكم التحكيم يقع باطلاً إذا صدر بغير مداولة أو لم يصدر بالأغلبية أو صدر من غير تسبيب، أو كانت الأسباب غير كافية أو متناقضة[51]، ويندرج تحت هذه الحالة عدم تضمين حكم التحكيم للأدلة والبيانات اللازم توفرها فيه، حيث قررت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بأن: حكم التحكيم يعتبر باطلاً للقصور المخل فيه من حيث جهالة الدعوى وعدم تدوين أي مقال للمتنازعين، وعدم تضمين أي مستند منهما، وعدم سرد شهادة الشهود[52]، كما قضت بأن: الحكم الصادر من المحكمين باطل لعدم اشتماله على البيانات والأقوال والدفوعات اللازم توفرها في المحاكمة[53]، وفي حكم آخر قضت الدائرة المدنية_ الهيئة (ب)_ في المحكمة العليا بأن: عدم ذكر وثيقة التحكيم وعدم ذكر المدعي ودعواه وعدم ذكر المدعى فيه يجعل حكم التحكيم مشوباً بالقصور يستوجب إلغاءه[54].

الفرع الثاني
النظام الإجرائي لدعوى بطلان حكم التحكيم

تشمل دراسة النظام الإجرائي لدعوى بطلان حكم التحكيم تحديد المحكمة المختصة بنظر هذه الدعوى، وحدود سلطاتها، وتحديد إجراءات رفع الدعوى وميعاد رفعها، وأخيراً بيان الأثر المترتب على رفع الدعوى، والحكم فيها، وهذا ما يتم تناوله في هذا الفرع على النحو الآتي:

 

أولاً: المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم:

تنص المادة (54) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (ترفع دعوى البطلان إلى محكمة الاستئناف…)، بينما تنص المادة (54/2) من قانون التحكيم المصري على أنه 🙁 تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون، وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع)، والمحكمة المشار إليها في المادة (9) هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.

يتضح من ذلك أن المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان في قانون التحكيم اليمني هي محكمة الاستئناف التي تتبعها المحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظر النزاع، بينما ميز قانون التحكيم المصري بين التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي، فإن كان داخلياً اختصت بنظر دعوى البطلان محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، وتتحدد المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع وفقاً للقواعد العامة في اختصاص المحكم، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة، أو أي محكمة استئناف أخرى يتفق عليها الأطراف.

واختصاص محاكم الدرجة الثانية بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم يعتبر اختصاصاً نوعياً متعلقاً بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز للأطراف الاتفاق على رفع الدعوى أمام محكمة أخرى غير المحاكم المنصوص عليها قانوناً، وإلا وجب على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصهاً وتحيل الدعوى إلى المحكمة المختصة[55]، وقد قضت الدائرة المدنية_ الهيئة (ج)_ في المحكمة العليا برفض الطعن المقدم إليها والمتعلق بحكم تحكيم وتأييد حكم الاستئناف القاضي برفض دعوى البطلان بسبب تقديم الدعوى إلى المحكمة الابتدائية غير المختصة بالفصل فيها[56].

ثانياً: إجراءات رفع دعوى بطلان حكم التحكيم:

تنص المادة (54) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (ترفع دعوى البطلان إلى محكمة الاستئناف خلال مدة الاستئناف القانونية ويترتب على رفع الدعوى وقف تنفيذ الحكم، إلى أن تقضي المحكمة بالاستمرار فيه بناءً على طلب الطرف المعني، ويجوز للمحكمة أن تقبل رفع الدعوى بعد انقضاء الميعاد المحدد إن كان التأخير ناتجاً عن أسباب قهرية، شريطة أن يقوم الطالب برفع الدعوى في أقرب وقت بعد زوال هذه الأسباب)، وتنص المادة (54/1) من قانون التحكيم المصري على أنه: (ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال تسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه، ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم).

يتبين من النصوص القانونية أن المشرع اليمني حدد ميعاد الطعن بالبطلان بنفس مدة الاستئناف للأحكام القضائية المحددة في المادة (275) من قانون المرافعات وهي ستون يوماً، فالقانون اليمني يساوي بين مدة الطعن بالاستئناف وبين ميعاد رفع دعوى البطلان[57]، أما القانون المصري فقد وضع ميعاداً طويلاً للطعن في حكم التحكيم وهو تسعون يوماً من تاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه، وهذا الميعاد يتجاوز في مدته جميع المواعيد المقررة للطعن في الأحكام القضائية في القانون لمصري في الظروف العادية[58]، على أنه يلاحظ أنه يجوز للمحكمة المختصة_ وفقاً لقانون التحكيم اليمني_ أن تقبل رفع دعوى البطلان بعد انقضاء الميعاد المحدد إن كان التأخير ناتجاً عن أسباب قهرية، شريطة أن يقوم الطالب برفع الدعوى في أقرب وقت بعد زوال هذه الأسباب.

ويبدأ ميعاد الطعن بالبطلان من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة من حكم التحكيم أو من تاريخ إعلانه بها إعلاناً صحيحاً (مادة (276) من قانون المرافعات اليمني)، وقد قضت الدائرة التجارية في المحكمة العليا بأنه: يحتسب الميعاد القانوني لقبول دعوى البطلان أو عدمه من تاريخ استلام المحكوم عليه أو وكيله للحكم الخاص بذلك استلاماً قاطعاً ويثبت الاستلام بالتوقيع أو بشهادة شاهدين ويرفض أي طعن بخلاف هذا[59].

وبالنسبة لكيفية رفع دعوى البطلان، فهي ترفع عن طريق دعوى مبتدأه، وبالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى، وبصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة المختصة، ويجب أن تشتمل تلك الصحيفة على بيانات المدعي والمدعى عليه، وتاريخ تقديم الصحيفة، والمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، ووقائع الدعوى، وطلبات المدعي وأسانيده[60]، وذلك وفقاً لنصي المادتين (104) من قانون المرافعات اليمني و(63) من قانون المرافعات المصري، ويجب لقبول دعوى البطلان توفر شرطي الصفة والمصلحة فيها، والذي لا يتوفر إلا لمن كان طرفاً في الخصومة التي فصل فيها حكم التحكيم وكان محكوماً عليه[61].

ثالثاً: أثر رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، والحكم فيها:

يترتب على رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وقف تنفيذ الحكم إلى أن تقضي المحكمة بالاستمرار فيه بناءً على طلب الطرف المعنى وفقاً لنص المادة (54) تحكيم يمني، بينما لا يترتب ذلك في قانون التحكيم المصري الذي تنص المادة (57) منه على أنه: (لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم، ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب المدعى ذلك في صحيفة الدعوى، وكان الطلب مبيناً على أسباب جدية، وعلى المحكمة الفصل في طلب وقف التنفيذ خلال ستين يوماً من تاريخ أول جلسة محددة لنظره، وإذا أمرت بوقف التنفيذ جاز لها أن تأمر بتقديم كفالة أو ضمان مالي، وعليها إذا أمرت بوقف التنفيذ الفصل في دعوى البطلان خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر).

وتصدر المحكمة المختصة حكمها في دعوى بطلان إما برفضها وتأييد حكم التحكيم، وإما بقبولها وإبطال هذا الحكم، فإذا صدر الحكم برفض دعوى البطلان فإن هذا يعني استقرار حكم التحكيم وتنفيذه، أما إذا صدر الحكم ببطلان حكم التحكيم، فإن هذا يعني زوال هذا الحكم، وزوال كل الآثار التي تترتب عليه، ويعني ذلك أنه إذا كان هذا الحكم لم ينفذ بعد فإنه يصبح غير قابل للتنفيذ، أما إذا كان قد تم تنفيذه كلياً أو جزئياً فإنه يجب أن تعاد الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ، وهذا ما قضت به الدائرة المدنية_ الهيئة (أ)_ في المحكمة العليا من أن إلغاء حكم المُحكم يلغي ما ترتب عليه[62].

وإذا قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم انتهت الخصومة أمامها، فليس للمحكمة بعد أن تقضي بالبطلان سلطة نظر موضوع النزاع لكي تفصل فيه، إذ إن دعوى البطلان ليست استئنافاً للحكم، وهذا ما قضت به الدائرة المدنية_ الهيئة (أ)_  في المحكمة العليا من أن: مهمة المحكمة الاستئنافية تنحصر في التأكد من توفر حالة من حالات البطلان، فإذا توفرت قررت إلغاء حكم التحكيم[63]، ويقبل الحكم الصادر في دعوى البطلان الطعن فيه بطرق الطعن المقررة في قانون المرافعات، حيث يقبل الطعن بالنقض، أو بالتماس إعادة النظر، إذا توفرت حالة من الحالات التي تجيز الطعن بأيهما[64].

المطلب الثاني
رقابة القضاء على تنفيذ حكم التحكيم

حكم التحكيم يحوز حجية الأمر المقضي، إلا أن ذلك لا يعني نفاذه أي تمتعه بالقوة التنفيذية فور صدوره[65]، فحكم التحكيم وإن كانت له قيمة قانونية ذاتية، إلا أنه تنقصه القوة التنفيذية الذاتية، لافتقار هيئة التحكيم لعنصر الأمر أو الجبر الذي يتوفر لقضاء الدولة من جهة، ولأن القضاء هو الأصل الذي لا يمكن أن يحل التحكيم محله من جهة أخرى[66]، ومن ثم لا يسمح قانون التحكيم اليمني ولا المصري ولا سائر القوانين الأخرى بتنفيذ حكم التحكيم جبراً إلا بعد اتخاذ إجراء معين، وهو صدور الأمر من القضاء بتنفيذه، أما قبل ذلك فلا يكون حكم التحكيم جائز التنفيذ، لذلك يوصف حكم التحكيم بأنه سند تنفيذي مركب، إذ يتطلب تنفيذه أمرين: الأول صدور الحكم، والثاني صدور الأمر من قبل القضاء بتنفيذه[67]، ومادام تنفيذ حكم التحكيم لا يتم إلا بإصدار أمر قضائي بتنفيذه، فنخصص هذا المطلب لهذا الأمر، لنتناوله من جهة المحكمة المختصة بإصداره، ومن جهة أخرى إجراءات استصدار أمر التنفيذ بالإضافة إلى مدى إمكانية وقف تنفيذ حكم التحكيم، وذلك على النحو الآتي:

الفرع الأول: المحكمة المختصة بإصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم، وإجراءات إصداره.

الفرع الثاني: وقف تنفيذ حكم التحكيم.

الفرع الأول
المحكمة المختصة بإصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم وإجراءات إصداره

طبقاً لقانون التحكيم اليمني تكون المحكمة المختصة بإصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم هي محكمة الاستئناف، فهي المعنية بإصدار الأمر وتسليم الصورة التنفيذية المذيلة بالصيغة التنفيذية، ولها بعد ذلك الإنابة في تنفيذ الحكم[68]، حيث تنص المادة (58) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (تختص محكمة الاستئناف، أو من تنيبه بتنفيذ أحكام التحكيم)، ووفقاً لقانون التحكيم المصري يختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم رئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أو من يندبه من قضاتها إذا لم يكن التحكيم تجارياً دولياً، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى في مصر أم خارجها، فيكون الاختصاص لرئيس محكمة استئناف القاهرة، أو من يندبه من قضاتها، مالم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر (المادتان (56)، (9) تحكيم مصري).

ومما يجدر ملاحظته_ وكإجراء سابق على التنفيذ_ فإن قانون التحكيم اليمني قد ألزم هيئة التحكيم بإيداع حكم التحكيم في قلم كتاب المحكمة المختصة، حيث نصت المادة (50) منه على أنه: (على لجنة التحكيم إيداع أصل الحكم، والقرارات التي يصدرها في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوماً التالية لإصدار الحكم، ويحرر كاتب المحكمة محضراً بهذا الإيداع، ويحق لأطراف التحكيم الحصول على نسخة منه)، أما قانون التحكيم المصري فقد جعل الإلزام بالإيداع على عاتق من صدر حكم التحكيم لصالحه (مادة (47) تحكيم مصري).

أما عن حدود سلطة محكمة التنفيذ عند إصدارها أمر التنفيذ للحكم التحكيمي، فتقتصر على التحقق من استكمال شروط الحكم الشكلية من حيث وجود اتفاق التحكيم، ودخول الحكم في ولاية المحكمين، وتوقيع الحكم من قبل المحكمين، وتحديد تاريخ صدوره، وتضمينه كافة البيانات التي اشترطها القانون، وعدم تجاوز المحكمين لوثيقة التحكيم لحدود مهمتهم المبينة في تلك الوثيقة، كما يتعين على محكمة التنفيذ التحقق من أن موضوع النزاع المعروض على المحكمين من الموضوعات التي يجوز فيها التحكيم، وعدم مخالفة الحكم للنظام العام أو الآداب[69]، وبعبارة أخرى فإن سلطة المحكمة هنا تقتصر على مراقبة خلو الحكم من العيوب المبطلة له والمانعة من تنفيذه، ومن ثم فليس للمحكمة النظر في موضوع الحكم، ولا إلى مدى سلامة أو صحة قضاء التحكيم، فإذا رأت أنه خالٍ من العيوب المبطلة أصدرت أمر التنفيذ، وإلا فإنها تكتفي برفض إصدار ذلك الأمر[70]، فالأمر بالتنفيذ لا يقصد منه أن يتحقق القاضي من عدالة الحكم، لأنه لا يعد هيئة استئنافية في هذا الصدد، ولا يعد صدور الأمر بالتنفيذ في ذاته دليلاً على سلامة حكم التحكيم[71].

ويجب أولاً لتنفيذ حكم التحكيم انقضاء ميعاد كامل يتمثل في الميعاد المحدد لرفع دعوى البطلان وهي ستون يوماً في القانون اليمني، وتسعون يوماً في القانون المصري، وبعد انقضاء هذا الميعاد يصبح من حق الطرف المحكوم لصالحه طلب التنفيذ في أي وقت لاحق طالما بقي الحق_ موضوع الحكم_ قائماً[72]، ويتقدم طالب الأمر المحكوم له بمقتضى حكم التحكيم بطلب مكتوب إلى القاضي المختص على شكل عريضة موضحاً فيها الظروف والملابسات والإجراء المطلوب اتخاذه، ويجب أن يرفق بالطلب الوثائق المطلوبة طبقاً للمادة (59) من قانون التحكيم اليمني التي تنص على أنه: (يقدم طلب تنفيذ الحكم إلى المحكمة، ويرفق به الوثائق الآتية: أ_ أصل الحكم، أو صورة معتمدة منه، وبتوقيع كل أعضاء لجنة التحكيم. ب_ صورة من اتفاق التحكيم. جـ_ صورة من محضر إيداع الحكم، وإذا كان التحكيم قد تم بلغة غير العربية فيتم تقديم ترجمة عربية معتمدة لحكم التحكيم، وللوثائق الأخرى)، وهو نفس حكم المادة (56) من قانون التحكيم المصري.

وشروط إصدار أمر التنفيذ لحكم التحكيم وردت في نص المادة (60) من قانون التحكيم اليمني، والمادة (58/2) من قانون التحكيم المصري، وهي:

1- أن يكون الحكم نهائياً وقابلاً للتنفيذ.

2- ألا يتعارض مع حكم نهائي سبق صدوره من المحاكم.

3- أن لا يتضمن ما يخالف النظام العام.

4- أن يصدر في مسألة تقبل التحكيم.

5- أن يكون قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.

الفرع الثاني
وقف تنفيذ حكم التحكيم

القاعدة في قانون التحكيم المصري_ كما سبق_ أنه لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم، غير أنه يجوز لمحكمة البطلان أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى شريطة أن يكون الطلب مبنياً على أسباب جدية، وذلك بخلاف قانون التحكيم اليمني الذي لا يزال يقرر أنه يترتب على رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وقف تنفيذ الحكم إلى أن تقضي المحكمة بالاستمرار فيه بناءً على طلب الطرف المعني، (مادة 54 تحكيم يمني)، والقاعدة أيضاً أنه بمجرد أن يستكمل حكم التحكيم شروط ثبوت قوته التنفيذية بأن يصدر أمر بتنفيذه وتوضع الصيغة التنفيذية عليه فإن المحكوم له يكون له الحق في مباشرة إجراءات التنفيذ لاقتضاء حقه جبراً عن المحكوم عليه[73].

وهنا يثور تساؤل مفاده: هل يجوز وقف تنفيذ حكم التحكيم بطريق آخر غير طلب الوقف في عريضة دعوى البطلان؟ وللإجابة على هذا التساؤل لابد من الاشارة أولاً الى أن قانون التحكيم اليمنى وكذا قانون التحكيم المصري لم تبين جميعها إمكانية وقف تنفيذ حكم التحكيم بطريق آخر غير طلب ذلك في عريضة دعوى البطلان، وبالرغم من ذلك فإنه من الممكن وقف تنفيذ حكم التحكيم عبر تقديم منازعة وقتية في تنفيذ حكم التحكيم، فعلى الرغم من عدم وجود نص صريح في قانون التحكيم يبيح وقف تنفيذ حكم التحكيم عن طريق تقديم المنازعة الوقتية، إلا أن القواعد العامة  في قانون المرافعات بشأن تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات لا تحول دون ذلك[74]، هذا فضلاً عن أنه لا يقدح في ذلك القول بأنه كان في وسع المحكوم ضده رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم وطلب وقف التنفيذ من المحكمة التي تنظر الدعوى، ذلك أن مجال دعوى البطلان يختلف عن مجال المنازعة التنفيذية، فمجال المنازعة دائماً واقعة لاحقة على الحكم، كما أن أسباب دعوى البطلان لا تتسع لكي تشمل ما يمكن أن تبنى عليه المنازعة من أسباب، كأن يكون حكم التحكيم لا يشتمل على أمر بالتنفيذ، أو أن الصيغة وضعت عليه خطأً، أو عدم مراعاة المواعيد التي يتعين انقضاؤها قبل التنفيذ[75].

ويترتب على مجرد رفع المنازعة التنفيذية في القانون المصري وقف تنفيذ الحكم تطبيقاً للمادة (312) من قانون المرافعات المصري، أما المادة (502) من قانون المرافعات اليمني فتقضي بأنه لا يترتب على رفع منازعة التنفيذ وقف التنفيذ إلا إذا قررت محكمة الاستئناف ذلك بشرط أن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه.

ويشترط لقبول المنازعة الوقتية أن يتوفر فيه الشرطان العامان الإيجابيان في كل دعوى وهما المصلحة والصفة، مع ملاحظة أن المنازعة في التنفيذ لا تقبل إلا إذا قدمت قبل البدء في التنفيذ أو بعد البدء في التنفيذ وقبل تمامه، أما بعد تمام التنفيذ فلا تقبل لانعدام المصلحة، كما يشترط لقبول المنازعة الوقتية بعض الشروط الخاصة أهمها: أن يكون المطلوب إجراءً وقتياً لا يمس أصل الحق، وأن تتوفر حالة الاستعجال فيه، وأن يستدل من ظاهر المستندات رجحان وجود هذا الحق، بالإضافة إلا أنه يشترط أن تكون المنازعة مؤسسة على واقعات لاحقه للحكم، وألا تتضمن طعناً في هذا الحكم[76].

 

خاتمة:

لقد أصبح معلوماً أن التحكيم يلعب دوراً هاماً في حل المنازعات الخاصة، ومما لا شك فيه أن ازدهار التحكيم في الآونة الأخيرة مرجعه عوامل تتمثل أساساً فيما يقدمه هذا القضاء الخاص من مزايا، قد لا تتوافر في القضاء الوطني للدول المختلفة، إلا أن نظام التحكيم ما كان له أن يؤدي دوره ذاك ولا أن يحقق ازدهاره هذا لولا تدخل القضاء فيه بالإشراف والرقابة وبالمساعدة والمؤازرة، ففي ظل التطور الاقتصادي والقانوني، نجد أن العلاقة بين القضاء والتحكيم تزداد تشعباً وارتباطاً، حيث بات من المسلم به أن نظام التحكيم ليس منفك الصلة عن قضاء الدولة الذي يقوم بمعاونة نظام التحكيم أحياناً، والرقابة عليه أحياناً أخرى، لإحاطته بالضمانات التي تكفل حماية الحقوق، وهو في النهاية ما يجعل نظام التحكيم نظاماً قانونياً موثوقاً به وذا فاعلية.

والمفترض أن يُراعى عند تدخل القضاء في التحكيم من حيث نطاقه ومداه أمران، الأول: الحرص على أن تكون الكلمة العليا في شأن الإلزام والإجبار والمراجعة النهائية لحكم التحكيم_ لاسيما على المستوى الإجرائي_ لقضاء الدولة، والثاني: ألا يكون من شأن تدخل القضاء إطالة أمد إجراءات التحكيم وتعقيدها؛ لأن في ذلك نسفاً لنظام التحكيم من أساسه، حيث أن اللجوء إليه إنما يكون بدافع السرعة في الفصل في المنازعات والبساطة في إجراءات التقاضي.

وعلى كل حال فدور القضاء في التحكيم ذو طبيعة مزدوجة تتمثل في المساعدة من جهة وفي الرقابة من جهة أخرى، ويمتد هذا الدور ليشمل جميع مراحل التحكيم، منذ الاتفاق على التحكيم، وحل الصعوبات المتعلقة بتشكيل هيئة التحكيم، وأثناء سير خصومة التحكيم، ثم بعد صدور الحكم التحكيمي والطعن فيه، وانتهاءً بتنفيذه، وتختلف صور المساعدة التي يقدمها القضاء للتحكيم، بدءاً من الاعتراف باتفاق التحكيم، وضمان الالتزام به، والمساعدة في تعيين المحكمين، ومروراً بردهم، وتقديم يد العون لاتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات، أو لاتخاذ إجراء تحفظي أو وقتي، وانتهاءً بالمساعدة في تنفيذ حكم التحكيم النهائي، كما تختلف صور الرقابة وأهدافها التي يباشرها القضاء على نظام التحكيم، فقد يكون الهدف من هذه الرقابة هو التثبت من وظيفة المحكم والمهمة الموكلة إليه، ومدى احترامه للقواعد القانونية، سواء المتعلقة باتفاق التحكيم ذاته أم بإجراءات التحكيم، وقد يكون الهدف من الرقابة  القضائية هو التيقن من مراعاة حكم التحكيم للشروط التي يتطلبها القانون، وذلك حتى يمكن الاعتراف بذلك الحكم وتنفيذه.

ويمكن القول أخيراً أن العلاقة بين القضاء والتحكيم هي علاقة تعاون وتكامل_ رغم أن الكلمة العليا هي للقضاء_ وذلك منذ انطلاق عملية التحكيم وحتى تنفيذ الحكم الصادر في نهايتها وتحقيق الحماية القضائية المبتغاة، برهاناً على انعدام القطيعة بين القضاء والتحكيم، بل سعيهما معاً نحو أداء العدالة لمن ينشدها، وهي عدالة لها إجراءاتها في التحكيم والتي لا تبتعد كثيراً عن إجراءات عدالة قضاء الدولة إلا فيما يخص إرادة المحتكمين في تسيير وتيسير تلك الإجراءات.

(والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)

 

 

 

 

[1]    د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مركز الصادق صنعاء،2003م،2004م، ص100. و د. فتحي والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، منشأة المعارف الاسكندرية، الطبعة الأولى ،2007م، ص181. ود. فاطمة صلاح الدين رياض يوسف، دور القضاء في خصومة التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى ،2010م، ص 12، و د. محمد عبد الخالق الزعبي، قانون التحكيم، منشأة المعارف، الإسكندرية،2010م ص105. ومحمود السيد عمر التحيوى، مفهوم الأثر السلبي للاتفاق على التحكيم، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 203، ص 151.

 

[2]    د. فتحي والي، قانون التحكيم، مرجع سابق،  ص183 .  ود. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 13.

 

[3]    د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص16. ود. على عوض حسن، التحكيم الاختياري في المنازعات المدنية والتجارية، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2001م، ص 93.

 

[4]    د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص16.

 

[5]    د. علي عوض حسن، التحكيم الاختياري في المنازعات المدنية والتجارية، مرجع سابق، ص 94.

 

[6]    مجلة البحوث القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد (11)، 2010م، طعن رقم (31555) لسنة 1428هـ، جلسة 29/5/1429هـ الموافق 3/6/2008م، ص204.

 

[7]    د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق ص 16. ود. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق ص16.

 

[8]    د أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004م، ص 508.

 

[9]    د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 82. و د. فتحي والي، قانون التحكيم، ص145. ود. أحمد عبد الكريم سلامة، قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي، مرجع سابق، ص 518.

 

[10]   د. أحمد عبد الكريم سلامة، المرجع السابق، ص 518.

 

[11]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص83.

 

[12]   د. أشرف عبد العليم الرفاعي، النظام العام والقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، دار الفكر الجامعي الإسكندرية ،2003م، ص60.

 

[13]   د. فتحي والي، المرجع السابق، ص 148.

 

[14]   د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق، ص297.

 

[15]   د. نجيب أحمد عبد الله، المرجع السابق، ص 297 و د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص127.

 

[16]   (د. أحمد السيد صاوي ، الوجيز في التحكيم، الطبعة الثالثة، 2010م، ص 127.

 

[17]   (د. أحمد السيد صاوي، المرجع السابق، ص 127.

 

[18]   د. أحمد السيد صاوي ، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص 138-142.

 

[19]   د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق، ص276.

 

[20]   د. نجيب أحمد عبد الله، المرجع السابق، ص276.

 

[21]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص143.

 

[22]   د. أحمد السيد صاوي، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص179.

 

[23]   د. محمد عبد الخالق الزعبي، قانون التحكيم، مرجع سابق، ص222.

 

[24]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصوم التحكيم، مرجع سابق، ص149.

 

[25]   د. احمد السيد صاوي ، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص185.

 

[26]   3) مجلة البحوث القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد الثامن، 2007م، طعن رقم (17723) لسنة 1424ه، جلسة 13 /محرم /1425ه الموافق 4/ 3/2004م، ص 250.

 

[27]   د. رضا السيد عبد الحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة والرقابة، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى،1997م.

 

[28]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص 158.

 

[29]   ) د. أحمد السيد صاوي، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص240.

 

[30]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص177.

 

[31]   د. فاطمة صلاح الدين، المرجع السابق، ص173.

 

[32]   د. رضا السيد عبد الحميد، المرجع سابق، ص55.

 

[33]   د. سعيد خالد علي جباري الشرعبي، الموجز في أصول قانون القضاء المدني، مركز الصادق، صنعاء، الطبعة الثالثة ،2004م-2005م، ص43.

 

[34]   سيد أحمد محمود، سلطة المحكم في إصدار الأحكام الوقتية والأوامر، دار الكتب القانونية، مصر، المحلة، 2007، ص14.

 

[35]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص211.

 

[36]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص251. ود. سيد أحمد محمود، سلطة المحكم في إصدار الأحكام الوقتية والأوامر، ص41.

 

[37]   د. فاطمة صلاح الدين، المرجع السابق، ص237 وما بعدها.

 

[38]   د. رضا السيد عبد الحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة والرقابة، مرجع سابق، ص110.

 

[39]   د. رضا السيد عبدالحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة والرقابة، مرجع سابق، ص112.

 

[40]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص320.

 

[41]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد الثاني، ج1، طعن رقم (435)، جلسة 1/ ذي القعدة/1422هـ الموافق 14/1/2002م، ص 397.

 

[42]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، المرجع سابق، ص 321.

 

[43]   د. أحمد السيد صاوي، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص 365. ود. سلطان عمر الشجيفي، الرقابة القضائية على الحكم التحكيمي، عدن للطباعة والنشر،2009م، ص61.

 

[44]   د. فتحي والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص589.

 

[45]   د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق، ص503.

 

[46]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد الثاني، ج1، طعن رقم (7438) لسنة1422هـ، بتاريخ 29/ 9/ 2001م، ص221.

 

[47]   د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق، ص 508.

 

[48]   د. سعيد خالد علي جباري الشرعبي، الموجز في أصول القضاء المدني، مرجع سابق، ص 262.

 

[49]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص330.

 

[50]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد الثاني، ج1، الطعن رقم (115) جلسة 9/10/2001م، ص249.

 

[51]   د. أحمد السيد صاوي، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص376.

 

[52]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، القرار رقم (530) الصادر بتاريخ 10/ذي القعدة/1422هـ الموافق 23/ا/2002م، ص 408.

 

[53]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، الطعن رقم (157) جلسة 23/شعبان /1422هـ، الموافق 8/11/2001م، ص 311.

 

[54]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، طعن رقم (215) لسنه3 142هـ، جلسة 29ربيع الأول / 1423هـ الموافق 10/6/2002م.

 

[55]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص302.

 

[56]   القواعد القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد الثاني، ج1، طعن رقم (4899) لسنة 1422هـ، جلسة 11/ شوال / 1422هـ الموافق 26/12/ 2001م، ص351.

 

[57]   د. نجيب أحمد عبد الله، التحكيم في القانون اليمني، مرجع سابق، ص511.

 

[58]   د. حفيظة السيد الحداد، الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، ص231.

 

[59]   مجلة البحوث القضائية، المكتب الفني في المحكمة العليا، العدد (11)، 2010، طعن رقم (28878) لسنة 1428هـ، جلسة 9/2/ 1428هـ الموافق 27/2/2007م، ص190.

 

[60]   د. فاطمة صلاح الدين رياض، المرجع السابق ص 304. و د. فتحي والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص 607.

 

[61]   د. فتحي والي، المرجع السابق، ص 617. و د. رضا السيد عبد الحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة والرقابة، مرجع سابق، ص139.

 

[62]   القواعد القضائية، العدد الثاني، ج1، طعن رقم (6985) لسنة 1422هـ، جلسة 19/ محرم / 1423هـ الموافق2/4/2002م، ص120.

 

[63]   القواعد القضائية، المرجع السابق، طعن رقم (4490) لسنة 1422هـ، جلسة 14/1/2002م، ص 399.

 

[64]   د. فتحي والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، مرجع سابق، 626.

 

[65]   عمرو عيسى الفقي، الجديد في التحكيم في الدول العربية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2003م، ص95.

 

[66]   د. محمد عبد الخالق الزعبي، قانون التحكيم، مرجع سابق، ص309.

 

[67]   د. عمرو عيسى الفقي، المرجع السابق، ص95. و د. نجيب أحمد عبد الله، قانون التنفيذ الجبري في المسائل المدنية والتجارية، مركز الصادق، صنعاء، 2010م، ص152.

 

[68]   د. نجيب أحمد عبد الله، المرجع السابق، ص153.

 

[69]   د. سلطان عمر الشجيفي، الرقابة القضائية على الحكم التحكيمي، مرجع سابق، ص 88.

 

[70]   د. سلطان عمر الشجيفي، المرجع السابق، ص 87.

 

[71]   د. أحمد أبو الوفا، التحكيم في القوانين العربية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002م، ص73.

 

[72]   د. فاطمة صلاح الدين، دور القضاء في خصومة التحكيم، مرجع سابق، ص396.

 

[73]   ) د. أحمد شرف الدين، المرشد إلى قواعد التحكيم، الطبعة الثانية، 2010م، ص99.

 

[74]   د. أحمد السيد صاوي، الوجيز في التحكيم، مرجع سابق، ص437.

 

[75]   د. أحمد السيد صاوي، المرجع السابق، ص438.

 

[76]   د. سعيد خالد علي جباري الشرعبي، الموجز في أصول قانون القضاء المدني، مرجع سابق، ص89.