نطاق تطبيق التشريع الجزائي اليمني من حيث المكان 2-2

الأستاذ. الدكتور/ تهاني علي يحيى زياد

4/17/2023

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

أستاذ مساعد كلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

ملخص

يتحدد تطبيق القانون الجزائي لدولة معينة ضمن نطاق مكاني محدد، عادة ما يكون على أراضيها   أي على الجرائم الواقعة ضمن سيادتها من أرض وبحر وجو، ولكن من الممكن أن تمتد قواعد القانون الجزائي للتطبيق على جرائم مرتكبة خارج أراضيها لاعتبارات معينة قد تتعلق بأحد مواطنيها أو مصالحها أو لعدم إفلات مجرم من العقاب، وتختلف التشريعات الجنائية في مدى توسيع نطاق قانونها من حيث المكان ومن هنا جاءت الدراسة للتركيز على البعد المكاني للقانون الجزائي اليمني.

 

Abstract

The application of penal law of states is normally bordered on its land, the crimes that fells on its (land, sea, or air). But sometimes it can be applied on other crimes outside for some considerations such as relating with one of its citizens or for its importance or avoiding evasion of a criminal. Legislations differs from one state to another of the Domain that it gives to its legislation to be applied in the place. Certes, this study lightens the domain of  Yemeni  penal law    .

 

الْمُقَدِّمَةُ

أولًا: موضـوع البـحث:

لنصوص القانون الجزائي بشقيه الموضوعي والإجرائي منطقة جغرافية محددة يكون له فيها كل النفوذ والسلطان، فيسري على كل ما يُرتكب على هذه المنطقة من جرائم، وهذا ما يعبر عنه بالاختصاص المكاني للقانون الجزائي، أو مبدأ الاقليمية.

وفي الأزمنة الحديثة ومع تطور الحياة، وتداخل التعاملات بين الأفراد محليًا ودوليًا، وتزايد انتقال الأشخاص والأموال بين الدول (الاتجار بالبشر، تجارة الأسلحة والمخدرات، جرائم الاحتيال العالمي) وجدت التشريعات الجزائية ومنها التشريع اليمني شأنه شأن أغلب تلك التشريعات أنها لن تستطع الأخذ بقاعدة الإقليمية بصفة مطلقة، بل نصت على حالات أخرى يطبق فيها التشريع الجزائي الأجنبي على أراضي الدولة؛ وفي المقابل هناك حالات يطبق فيها القانون الجزائي للدولة في إقليم الدولة الأجنبية أخذًا بمبدأ الاختصاص العيني أو إعمالًا لمبدأ الاختصاص الشخصي.

وبذلك أصبح يتنازع تطبيق القانون الجزائي من حيث المكان في العصر الحديث أربعة مبادئ: مبدأ (إقليمية القوانين)، ويعني: أن كل الجرائم التي ترتكب على إقليم الدولة تخضع لقانون الدولة، ومبدأ (التطبيق العيني للقانون)، ويعني: سريان القانون الجزائي الوطني على بعض الجرائم التي تمس مصالح جوهرية للدولة والتي ترتكب خارج إقليمها، ومبدأ (شخصية القوانين)، ويعني: سريان القانون الجزائي الوطني على الجرائم التي ترتكب في الخارج من أو ضد من يحملون جنسية الدولة، ومبدأ (الاختصاص الشامل)، ويعني: تحديد الاختصاص المكاني للتشريع الجزائي بمحل تواجد المتهم بصرف النظر عن جنسيته، أو جنسية المجني عليه، أو مكان ارتكاب الجريمة؛ لذا سمي أيضًا بمبدأ عالمية حق العقاب[1]، ويستهدف هذا المبدأ أساسًا تلافي احتمال إفلات الجاني من الخضوع للعقاب، تضامنًا بين كافة دول العالم في مكافحة الجريمة.

المشرع اليمني لم يأخذ بمبدأ الاختصاص الشخصي في صورته التي تعتد بجنسية المجني عليه، كما لم يأخذ بمبدأ (الاختصاص الشامل).

ثانيًا: خطة البحث:

موضوع الدراسة، نطاق تطبيق التشريع الجزائي اليمني من حيث المكان وعلى أساس هذا ارتأينا لتوضيح موضوع البحث أن نحدد مضمون مبدأ إقليمية القوانين، ثم بعد ذلك نستعرض الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ، وما قرره المشرع من قيود على تحريك الدعوى الجزائية عن الجرائم التي يختص بها القانون الوطني رغم وقوعها خارج الدولة.

وبذلك قسمنا هذه الدراسة على مقدمة، ومبحثين أولهما: مبدأ إقليمية القانون الجزائي وقد تناولناه في الجزء الأول من هذه الدراسة (في العدد- 6)، وفي هذا العدد نتناول المبحث الثاني: الاستثناءات الواردة على مبدأ الإقليمية، وأنهينا البحث بخاتمة تضمنت النتائج والتوصيات.

 

المبحث الثاني
الاستثناءات الواردة على مبدأ الإقليمية

–         تمهيد وتقسيم:

بالرغم من اتباع المشرع اليمني مبدأ إقليمية القانون الجزائي بشقيه، الإيجابي: الذي يقتضي تطبيق قوانينه الوطنية على كافة الجرائم التي ترتكب على إقليم اليمن بلا تفرقة بين مرتكبي هذه الجرائم سواء أكان أجنبياً أم وطنياً، والسلبي: الذى يعني عدم امتداد قانونها الجزائي على الجرائم التي ترتكب خارج إقليمها، وهذا وفق ما جاء في المادة (17/1،2) من قانون الإجراءات الجزائية، والمادة (3) من قانون العقوبات.

إلا أنه كغيره[2] أدرك أن الأخذ بهذا المبدأ بشكل مطلق قد لا يكفي لتحقيق الحماية الجزائية في الميدان الداخلي، والخارجي للدولة، مما قد يؤدي إلى نتائج غير مقبولة لذلك نجده تدخل للحيلولة دون حصول هذه النتائج من خلال النص على بعض الحالات كاستثناءات، فمن ناحية قد ترتكب جرائم فوق إقليم اليمن لا يخضع مرتكبوها للقضاء اليمني لتوافر صفات معينة فيهم، ومن ناحية أخرى هناك جرائم قد ترتكب خارج إقليم اليمن، ومع ذلك يسري عليها التشريع الجزائي اليمني، ونجد السند القانوني لهذه الاستثناءات وارداً في القانون الداخلي اليمني أو بموجب القانون الدولي والاتفاقيات التي تكون اليمن طرفاً فيها.

وحتى يكون الشرح وافيًا سيتم تقسيم المبحث إلى مطلبين، أولهما: الاستثناءات التي ترد على الشق الإيجابي، والآخر: الاستثناءات الواردة على الشق السلبي.

 

 

 

 

 

المطلب الأول
الاستثناءات التي ترد على الشق الإيجابي

الأصل وفقًا لمبدأ الإقليمية إن جميع الجرائم المرتكبة داخل إقليم الدولة أرضًا وبحرًا وجوًا يطبق عليها القانون الجزائي اليمني؛ إلا أنَّ المصلحة العامة وتحقيقًا لاعتبارات معينة تقتضي في بعض الأحوال إعفاء بعض الأشخاص من الخضوع لأحكام القانون الجزائي الوطني لتمتعهم بنوع من الحصانة (رؤساء الدول الأجنبية، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، وأفراد القوات العسكرية الأجنبية) أو انحسار سلطان قانون الإجراءات الجزائية عن بعض الأماكن داخل الدولة (عدم تفتيش القنصليات والسفارات الأجنبية….إلخ)، أو استثناء الجرائم المرتكبة على متن الطائرات والسفن الأجنبية، كما يشمل هذا الاستثناء المنظمات الدولية، أو الإقليمية المعترف بها في نطاق عضويتها وسوف نوضح ذلك بشكل أكثر تفصيلًا.

الفرع الأول
الأشخاص المستثنون من مبدأ الإقليمية

نص المشرع الدستوري على مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص؛ إذ نصت المادة (41) من الدستور اليمني النافذ على أن «المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة».

وتأكيدًا لهذا المبدأ الدستوري نصت المادة (3) من قانون العقوبات في خضوع كل من يرتكب جريمة في اليمن لأحكامه؛ بلا تفرقة بين يمني أو أجنبي، أو تمييز بين مواطن وآخر لظروف شخصية، أو اعتبارات خاصة كانتماء لطبقة اجتماعية، أو تقلد منصب، أو وظيفة، على أنه قد يرد على هذا المبدأ استثناءات معينة؛ منها عدم سريان القانون الجزائي اليمني على فئات من الأجانب الموجودين على إقليم الدولة ويستند ذلك الاستثناء إلى قواعد القانون الدولي العام والاتفاقيات الدولية، وقد يشمل الاستثناء بعض مواطني اليمن فهؤلاء الأشخاص يتم إعفاؤهم من الخضوع لأحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية العام، أو بعض إجراءاته، لتمتعهم بنوع من الحصانة لأداء وظائف ومهام محددة على الوجه الأكمل، تزول الحصانة بانتهاء المهمة أو الوظيفة ويستند ذلك الاستثناء إلى قواعد القانون الداخلي، وإن كان من الممكن مساءلتهم طبقًا لقوانين خاصة[3].

أولًا: حصانات سندها القانوني التشريع اليمني:

1- رئيس الجمهورية [4] : مستثنى من تطبيق بعض بنود قانون الإجراءات الجزائية العام خصوصًا ما يتعلق بتحريك الدعاوى الجزائية ضده بسبب أهمية وخطورة المسؤوليات الملقاة على عاتقه، وهذا الاستثناء يكاد لا يخلو دستور، أو قانون وطني من إقراره؛[5] ولكن مع الاختلاف فبعض الدساتير تمنحهم حصانة مطلقة[6]، في المقابل نجد دساتير دول أخرى قد منحت رئيس الدولة حصانة مقيدة، فأقرت مسؤوليته الجزائية عن جرائم معينة قد يرتكبها بمناسبة أداء وظيفته أهمها الخيانة العظمى، وجريمة الاعتداء على الدستور[7].

وبالنسبة للمشرع اليمني فقد اتبع النهج ذاته في إقرار الحصانة لرئيس الدولة؛ فلا تبعة عليه حال قيامه بوظيفته؛ ولكنه أخذ بحصانة نسبية أي استثنى من هذه الحصانة جريمة الخيانة العظمى، أو خرق الدستور، أي: محاولة تغييره بغير الطريق الدستوري، أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد؛ ويكون اتهام رئيس الجمهورية في اليمن وفقًا للمادة (138) من الدستور اليمني بناءً على اقتراح مقدم من ثلت أعضاء مجلس النواب على الأقل ولا يصدر إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وتكون المحاكمة أمام محاكم خاصة.

2-                                                                                                   نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ونوابه والوزراء: يتمتعون بالحصانات المقررة لأعضاء مجلس النواب- كما سنرى- وإن كانت المادة (139) من الدستور اليمني النافذ تخول لرئيس الجمهورية ولمجلس النواب حق إحالة الوزراء إلى المحاكمة عما يقع منهم من جرائم اثناء تأديتهم أعمال وظيفتهم، وهو ما يفيد مسئوليتهم عن هذه الجرائم.

3- أفراد الجيش اليمني ومراتبه: يستثنى أفراد الجيش اليمني ومراتبه، وضباطه، ومنتسبو الشرطة والأمن، وقوات حرس الحدود من أحكام قانون الإجراءات الجزائية العام، وتكون مساءلتهم طبقًا لقانون القضاء العسكري وقانون الجرائم والعقوبات العسكرية، وهذا الاستثناء أمر تحتمه طبيعة أعمال العسكريين[8].

4- أعضاء مجلس النواب:

يتمتع أعضاء مجلس النواب اليمني بنوعين من الحصانة، الأولى: حصانة موضوعية دائمة بمقتضاها يتم إعفاء العضو من المسئولية الجزائية عن الجرائم التي تقع بالقول، أو بالكتابة في أثناء تأديته لعمله داخل المجلس أو لجانه[9]، والواقع أن تقرير هذه الحصانة يصدر عن مقتضيات حرية التعبير والرأي ومن شأن تقريرها أن يوفر للأعضاء الحرية الكاملة أثناء مناقشتهم أو قيامهم بواجباتهم.

والأخرى: حصانة إجرائية مؤقته[10] بوجودها لا يجوز أن يُتَّخَذ نحو العضو أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب، والحصانة الإجرائية المؤقتة الممنوحة للعضو ليست مطلقة، وإنما يقتصر أثرها على الإجراءات الجزائية؛ إذ يجوز للنيابة العامة عند ارتكاب أحد الأعضاء جريمة تقديم طلب لمجلس النواب لرفع الحصانة، بحيث يتم التصويت لرفع الحصانة بثلثي الأعضاء إذا تم التصويت برفع الحصانة، في هذه الحالة تقوم النيابة العامة باتخاذ إجراءات المتابعة في مواجهة النائب بعد حصولها على إذن، أما إذا تم التصويت برفض رفع الحصانة ولاسيما إذا كان هذا النائب ينتمي إلى حزب يتمتع بالأغلبية، ففي هذه الحالة يجب انتظار انتهاء المدة النيابية وهي خمس سنوات، ولكن تثار في هذه الحالة مسألة تقادم الدعوى الجزائية.

والإجراءات الجزائية التي تتطلب الحصول على إذن المجلس أو رئيسه هي فقط الإجراءات الماسة بشخص المتهم أو بحرمة مسكنه كالقبض عليه وحبسه احتياطيًا واستجوابه وتفتيش مسكنه، وضبط المراسلات الصادرة منه أو الواردة إليه، لأنَّ هذه الإجراءات هي التي تقيد حرية عضو المجلس وتعوقه عن أداء واجباته النيابية داخل المجلس، أما غيرها من الإجراءات التي لا تمس شخصه أو حرمة مسكنه، كسماع الشهود وإجراء المعاينة وانتداب الخبراء، فيجوز للنيابة العامة مباشرتها دون توقف على صدور الإذن.

أما إذا كان العضو قد ضبط بارتكاب الجريمة في أي حالة من حالات التلبس المنصوص عليها في المادة (98) من قانون الإجراءات الجزائية؛ فلا حصانة له ويجوز اتخاذ كافة إجراءات التحقيق قِبله حتى ما كان منها ماسًا لشخصه، كما يجوز رفع الدعوى الجزائية ضده، دون حاجة للحصول على إذن من المجلس. ذلك لأنَّ حالة التلبس تتطلب السرعة في اتخاذ الإجراءات قبل أن تضيع معالم الجريمة، ولأنَّ مظنة الكيد والخطأ في التقدير ضعيفة الاحتمال، إذ إن أدلة الجريمة ومعالمها واضحة قوية.

وترجع العلة في تقرير الحصانة الإجرائية إلى الرغبة في ضمان الحرية التامة للعضو فهذه الحصانة ليست حماية شخصية وإنما هي حماية دستورية أملتها اعتبارات المصلحة العامة، إذ تمكن العضو من أداء دوره في التشريع والرقابة وهو في مأمن من التهديد باتخاذ الإجراءات الجزائية ضده، لذلك فهي تتعلق بالنظام العام فيترتب على مخالفتها بطلان الإجراء الذى يتخذ ضد العضو بطلانًا مطلقًا، فلا يصححه رضاء العضو به؛ فالعضو نفسه لا يملك التنازل عن حصانته صراحة أو ضمنًا؛ فإذا رفعت الدعوى دون الحصول على الإذن وجب على المحكمة أن تقضى بالبطلان من تلقاء نفسها، ويقبل بهذا البطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.

ثانيًا: حصانة  سندها القانون والعرف الدوليان:

يتمتع بعض الأجانب بالحصانة من الولاية القضائية الجزائية الأجنبية وهذه الحصانة تحقق نتيجة معاكسة، وهي تفادي تطبيق مبدأ الإقليمية؛ حيث تعمل عمل حاجز إجرائي، أو عائق يعترض سلطة الدولة في ممارسة سلطتها القضائية وتطبيق قانونها ضد مسؤولي دولة أخرى متمتعين بالحصانة ولو ارتكبوا على إقليمها أفعالاً تُعدُّ جرائم وفقاً لقانون العقوبات؛ لأنَّ ذلك فيه مساس بمبدأ سيادة الدول التي يمثلونها، وأغلب الدول تلتزم بالتقيد بهذه الحصانة عن طريق المعاملة بالمثل.

ونجد في الغالب أن الحصانات التي تشمل الموظفين الدوليين أساسها في بنود الاتفاقيات التي تكون الدولة طرفاً فيها، وقد جرت العادة على أن مثل هذه الاتفاقيات سواء الثنائية أو الجماعية تخضع دائمًا إلى تقدير الدولة المصادقة آخذة في الاعتبار مصالحها وخلفية مدى المس بسيادتها الوطنية وهو المجال الذي تجد فيه الدول مساحة وهامشًا من الحرية لتختار ما يتلاءم مع مصالحها الحيوية وسيادتها ذلك أن الحصانات الممنوحة للموظفين الدوليين على تماس دائم مع سيادة الدول المصادقة والتي خول المذكورين حق إفلاتهم من الخضوع إلى سيادتها بعدم التعرض لهم أو اعتقالهم على خلفية اقترافهم لأفعال مجرمة لديها.

ويختلف نطاق الحصانة تبعًا لاختلاف الصفة التمثيلية للمستفيد منها فهناك حصانة عامة يتمتع بها رؤساء الدول الأجنبية والممثلون الدبلوماسيون، وحصانة محدودة وهى الحصانة القنصلية؛ والحصانة الممنوحة لموظفي المنظمات، وقد أشارت معظم التشريعات في قوانينها الداخلية صراحة لحصانات بعض الاشخاص[11] لم يشر التشريع اليمني إلى ذلك في قانونه الداخلي؛ ولكن تماشيًا مع العرف الدولي وتطبيقًا للاتفاقيات الدولية، التي تكون اليمن طرفاً فيها كاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963م، والاتفاقية الخاصة بتمثيل الدول لدى المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي 1975م، واتفاقية المزايا والحصانات للأمم المتحدة 1946م[12]، يتم إعفاء بعض الأشخاص من الخضوع للقضاء اليمني.

وعَوْدًا على بدء فالحصانة لا تشكل وسيلة لإعفاء الفرد المتمتع بها من المسؤولية الجزائية المستندة إلى القواعد الموضوعية للقانون الجزائي، وهي مسؤولية تظل قائمة بصرف النظر عن كون الدولة لا تستطيع عن طريق ممارسة ولايتها القضائية، أن تُقرر وجود هذه المسؤولية في لحظة محددة وفيما يتعلق بشخص بعينه؛ فالحصانة هي  إعفاء من تطبيق قانون الإجراءات الجزائية وليست إعفاء من تطبيق قانون العقوبات، فالفعل يعد جريمة ولكن لا تجوز محاكمة مرتكبه أمام قضاء الدولة الأجنبية التي ارتكبت فيها الجريمة.

1- حصانات رؤساء الدول الأجنبية، وأفراد عائلاتهم وحاشيتهم أثناء تواجدهم باليمن:

استقرت القاعدة عبر تاريخ قوانين الشعوب أن رئيس الدولة الأجنبية؛ يتمتع بموجب القانون الدولي العام والعرف الدولي بحصانة عامة[13] فهو معفي من المساءلة الجزائية أثناء إقامته في بلاد أخرى، إزاء ما يأتيه من أفعال وما يُقَارِفُهُ من جرائم تخالف القانون[14] سواء أكانت الجريمة تتعلق بوظيفته كرئيس الدولة أم كانت تتعلق بحياته الخاصة، والفرق بين الحصانتين يكمن في أنه إذا ارتكب الجريمة أثناء تأديته لمهامه الرسمية، فإن الحصانة تكون نهائية، أما إذا كان ارتكاب الجريمة أثناء ممارسته لحياته العادية فإن الدولة التي وقعت الجريمة على أرضها تستعيد ولايتها القضائية عندما يزول عنه صفته كرئيس للدولة، وذلك إما باستقالته، أو بعزله أو بانتهاء مدة ولايته بالدولة، على أنه جرى العمل الدولي أن تحتفظ الدول ببعض هذه الحصانات لرؤساء الدول السابقين على سبيل المجاملة.

وتبرر هذه الحصانة أنه مفوض من قبل شعبه الذي له السيادة الشعبية، ومن ثم فإن كان من محاسب له فلن يكون غير شعبه، وأن عدم خضوع رؤساء الدول لأي ولاية قضائية أجنبية بسبب أعمال قاموا بها حال مباشرتهم لوظائفهم من أهم مظاهر سيادة الدول، وإخضاعه لقانون الدولة التي يوجد فوق إقليمها يعنى إخضاعه لسيادة هذه الدولة الأجنبية، وفى هذا مساس بسيادة دولته.

وقد يقال إن الحصانة من تطبيق القانون تعد في حقيقة الأمر هدراً لمبادئ العدالة والإنصاف والسيادة الوطنية، إذ كيف يقر القانون مثلًا اعتداء رئيس دولة أجنبي على حياة أو مال، أو عرض إنسان في وطنه؛ لهذا يرجح أن منح هذه الحصانة قد تم بموجب العرف الدولي الذي يحصن به رؤساء وملوك الدول بعضهم بعضًا وبصفة متبادلة، وهو المبدأ المعروف في القانون الدولي العام أنه ليس للمتساويين سلطان لأحدهم على الآخر.

وتمتد هذه الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة الأجنبي إلى أفراد أسرته والحاشية التي تتبعه وأعضاء الوفد المرافقين؛ وذلك بشرط إبلاغ أسمائهم قبل الزيارة لسلطات الدولة المعنية، ولا تقف حدود الحصانة إلى هذا الحد، بل تمتد للمسكن الذي يتخذه رئيس الدولة الأجنبية مقرًا له، ويعتقد أن الحصانة التي منحت أفراد أسرته والحاشية والمرافقين إزاء الفعل المقترف حال تواجدهم معه قد منحت تكريمًا لشخصه وعلى سبيل الاحترام والتقدير والمجاملة، وكمظهر من مظاهر الصداقة من جانب الدولة الأجنبية إزاء دولته[15].

2- حصانة وزراء خارجية الدول الأجنبية:

يعد وزير الخارجية الناطق باسم دولته، وأحد أجهزة التعبير عن إرادتها في الخارج والرئيس الإداري للجهاز الدبلوماسي للدولة؛ لذا ينبغي أن يحاط شخصه بالاحترام اللازم حال وجوده بالخارج لتمثيل دولته، كما ينبغي أن توفر له كافة الضمانات التي تتصل بحماية شخصه من أي محاولة للاعتداء عليه.

وفيما يتعلق بالحصانة القضائية فهي كاملة ومطلقة بالنسبة للمحاكم الأجنبية ولكنها ليست كذلك فيما يتعلق بالمسائل المدنية؛ حيث لا تشمل هذه الحصانة إلا الأعمال الرسمية لوزير الخارجية فتظل أعماله الخاصة خاضعة لاختصاص محاكم الدول الأجنبية.

كما أن زوجة وزير الخارجية وأولاده ومرافقيه في رحلاته الرسمية خارج البلاد يتمتعون بالمركز القانوني ذاته الذي يتمتع به الوزير بما يشمله من حصانات وامتيازات.

4- حصانة أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي:

يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحرمة الشخصية فلا يجوز إخضاعه لأي إجراء من إجراءات القبض، أو الاحتجاز، أو التوقيف، أو الاعتقال، أو الاعتداء وعلى الدولة المستقبلة له أن تتخذ كافة الوسائل المعقولة لمنع الاعتداء عليه، ومعاملته معاملة تليق بمقامه الوظيفي، وتفادي أية تصرفات قد تمتهن كرامته[16].

كما يتمتع إلى جانب الحرمة الشخصية بالحصانة القضائية وهذا يعني أنه إذا ما ارتكب جريمةً في إقليم الدولة التي يمثل دولته فيها، فلا تملك تلك الدولة اتخاذ أي إجراء جزائي ضدة، كالقبض عليه، أو تقديمه للمحاكمة أمام القضاء الجزائي، أو أن تطبق عليه قوانينها الجنائية أو تسليمه إلى أية دولة أخرى؛ مهما كان الجرم الذي ارتكبه خطيراً وكل ما تملكه هو أن تعدّه شخصًا غير مرغوب فيه وتطلب منه مغادرة البلاد في مدة معينة.

ولكن إذا كان من المسلم به دوليًا هو إعفاء المبعوث الدبلوماسي من الخضوع لقضاء الدولة التي يتواجد فيها لأداء عمله، إلا إن ذلك لا يعني إعفاءه من المساءلة الجزائية وتبقى إمكانية مساءلته على ذات الأفعال أمام قضاء دولته الموفدة؛ أو إمكانية أن تقوم الدولة المعتمدة بالتنازل عن الحصانة القضائية فيتم محاكمته أمام الدولة المعتمد لديها؛ فإذا ما ارتكب جريمة فإن الدولة المضيفة تخطر بذلك دولته وتطلب منها أن تقوم بالتنازل عن حصانته من أجل أن يتم معاقبته على الجريمة التي تم إسنادها إليه، وفي الكثير من الأحيان ترفض الدولة المعتمدة التنازل وفي هذه الحالة تطلب الدولة المعتمد لديها من دولته أن تقوم بمحاكمته على هذه الجريمة ولا يمكن للدولة هنا أن ترفض وإلا عد ذلك إخلالاً بالتزاماتها تجاه الدولة الأخرى وتُعد شريكة في هذه الجريمة ولا يستطيع المبعوث الدبلوماسي الاحتجاج أمام محاكم دولته بحصانته القضائية.

والحكمة من إقرار الحصانة أنه إذا كانت الدولة المعتمد لديها من حقها القبض، والحبس، والمحاكمة في حال وجوده على إقليمها، هنا يصبح أداؤه تحت رحمة حكومات الدول المعتمدة لديها؛ ويكون مبدأ استقلالية دولته وسيادتها لا وجود له، فضلًا عن إمكانية الدولة المعتمد لديها اختراق محفوظات مقر المبعوث الدبلوماسي والاطلاع على أسرارها، بذريعة التفتيش، والتحري، والبحث والتحقيق في الجرائم، وتصبح إمكانية محاكمتهم فرصة للانتقام منهم وتهديد من سيخلفونهم.

والحصانة لم تقرر لمصلحة المبعوث الدبلوماسي أو لتميزه عن غيره من الأفراد وإنما تسهيلًا لقيامه بأعماله فهي رمز لاستقلاليته وصون لكرامته وكرامة الدولة التي يمثلها ومن ثمَ فهو لا يملك، كقاعدة عامة، التنازل عنها والخضوع للقضاء الإقليمي، بل يجب أن يتمسك بها دائمًا، فهي تحميه على الرغم منه، وإذا حدث وتنازل عنها فإنه لا يعتد بالتنازل؛ لأنه ليست له أية صفة في التنازل عن شيء ليس له حق فيه بصفته الشخصية وإنما حقه فيه استنادًا لصفته الاعتبارية، والتنازل يكون فقط للدولة التي يتبعها.

وتمتد الحصانة أيضًا لتشمل أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي وخدمه بشرط ألا يكون من مواطني الدولة المعتمد لديها، وإنما أن يكون من رعايا الدولة المعتمدة أو من رعايا دولة أخرى وأن يكون هؤلاء الأفراد من أهل بيت المبعوث الدبلوماسي الذين يقيمون معه تحت سقف واحد.

5- الحصانة الخاصة بأعضاء البعثة القنصلية:

يتمتع القنصل بحرمه شخصية وعلى الدولة الموجود لديها الممثل القنصلي السماح له بممارسة مهام وظيفته في إقليمها وتلتزم أن تعامله بالاحترام الواجب له وأن تتخذ كافة التدابير المناسبة لمنع أي مساس بشخصه[17] فلا يجوز القبض عليه أو اعتقاله أو حبسه احتياطيًا إلا إذا ارتكب جريمة وبعد صدور قرار من السلطة القضائية المختصة.

ولكن فيما يخص الحصانة القضائية فإنهم لا يتمتعون بالحصانة ذاتها المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين؛ لأنَّ مقتضيات وظائفهم لا تتطلب منحهم كافة الحصانات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي لانعدام صفته التمثيلية فهو لا يمثل دولته في الشئون السياسية وإنما يقوم بأداء أعمال من نوع معين يغلب فيها الطابع الاقتصادي والإداري وفى سبيل تمكينه من أداء مهمته ووظيفته يتمتع بقدر من الحصانة اللازمة لهذا التمثيل، وهي حصانة فردية لا تشمل أسرته.

وعليه إذا ارتكب الممثل فعلًا يعد جريمة وفقًا لقانون الدولة التي يقوم بعمله فيها، جازت محاكمته والحكم عليه في حالة إدانته بالعقوبة المقررة لمثل فعله في هذا القانون، وتنفيذ الحكم الجزائي النهائي ضده شأنه شأن عموم الأفراد دون أن يكون له الحق في الاحتجاج بأية حصانة شخصية كما هو شأن الممثل الدبلوماسي، وينبغي إخطار رئيس البعثة القنصلية عند اتخاذ أول إجراء، أما إذا كان المتخذ ضده تلك الإجراءات هو رئيس البعثة فتخطر دولته.

6- حصانة ممثلي الدولة في المنظمات الدولية وموظفيها:

نتيجة للإيقاع السريع الذي يشهده المجتمع الدولي في مجال العلاقات الدولية منذ القرن التاسع عشر[18] جعل من المنظمات الدولية ظاهرة أساسية من ظواهر الحياة الإنسانية المعاصرة، ومع ظهور هذه المنظمات  ظهر صنف جديد من الموظفين المشاركين في إدارة دفة الشئون الدولية والذين هم جزء من ظاهرة جديدة لم تألفها العلاقات الدولية السابقة لظهورهم وهي ظاهرة الإدارة الدولية، ومن هنا تقرر لمثل هذه المنظمات جملة من الامتيازات والحصانات تفعل أداءها وتضمن لها النجاح وتمتد إلى موظفيها الذين يتمتعون بمقتضى اتفاقيات إنشائها بالحصانات فلا يجوز القبض على ممثلي الدول الأعضاء في المنظمات الدولية أو احتجازهم أو حجز أمتعتهم الشخصية، أو تفتيشهم؛ ولكن إذا ارتكب العضو المشمول بالحصانة جريمة في حالة تلبس فيمكن لسلطات الدولة الموجود فيها حجزه؛ ويشترط لتمتع أعضاء المنظمات بالحصانة القضائية ألا يحملوا جنسية الدولة التي يعملون في إقليمها.

ثالثًا: حصانة القوات العسكرية الأجنبية التي توجد في اليمن بترخيص منها:

يتمتع أفراد القوات العسكرية الأجنبية سواء أكانوا من القوات البرية أم البحرية أو الجوية الذين يقيمون أو يرابطون أو المارة في إقليم الجمهورية اليمنية؛ بناء على اتفاق أو معاهدة بين اليمن والدولة التي ينتمي إليها العسكريون، بحصانة تحول دون خضوعهم للقضاء اليمني، وهذه الحصانة تـشمل جميـع الجرائم التي تقع منهم ومحاكمتهم تكون من اختصاص المحاكم العسكرية لهذه الجيوش[19]، ولكن إذا كان تواجد هذه القوات على إقليم الدولة بغير إذن من الدولة التي يقيمون فيها، فإن ذلك يعد احتلالًا لا تستحق بموجبه هذه القوات الحصانة بل تُعدُّ قوات خارجة عن القانون (غازية) الأمر الذي يستوجب مقاومتها لاعتدائها على سيادة الدولة؛ وقد نصت المادة (3/ ز) من قانون العقوبات العسكري رقم (14) لسنة 1998م، بأن يخضع لأحكام هذا القانون «… ضباط وضباط صف وجنود، وعسكريو القوات الحليفة أو الملحقون بهم إذا كانون يقيمون في أراضي الجمهورية، إلا إذا كانت هناك معاهدات أو اتفاقيات خاصة أو دولية تقضي بخلاف ذلك».

كما يشترط أن يكون ارتكاب الجريمة قد حدث أثناء مباشرة أعمالهم الرسمية، وداخل المناطق والقواعد المخصصة لتواجدهم فيها، أما إذا وقعت هذه الجرائم في غير هذه الأحوال فتخضع للقضاء اليمني ولقانونه الجزائي، والحكمة من تقرير حصانة هذه القوات يرجع إلى كونها تمثل سيادة الدولة التي تتبعها، فضلًا عما يستلزمه النظام والانضباط العسكري من خضوع أفراده لرؤسائهم أثناء تأدية أعمالهم الرسمية أو في المناطق المخصصة لهم وتـدخل السلطات الإقليمية مخل بهذا النظام.

الفرع الثاني
الجرائم المرتكبة على متن السفن أو الطائرات الأجنبية

1- استثناء الجرائم المرتكبة على متن الطائرات الأجنبية:

نصت المادة (245) من قانون الإجراءات الجزائية على أن «…تختص بالفصل بالجرائم التي تقع على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه يمني الجنسية، وإذا هبطت الطائرة في اليمن بعد وقوع الجريمة، ينعقد الاختصاص عندئذ للمحكمة التي يقع في دائرتها مكان هبوط الطائرة إن ألقي القبض عليها وقت الهبوط أو للمحكمة التي ألقي القبض على المتهم في دائرتها إذا تم القبض في اليمن، أما إذا قبض على المتهم خارج إقليم الدولة فيجوز للمحاكم اليمنية أن تنظر الدعوى».

يستشف من صريح نص المادة (245) بأنه لا يطبق القانون اليمني، وينعقد الاختصاص لقضائه بالفصل بالجرائم التي تقع على متن طائرات أجنبية إلا في حالتين[20]:

الأولى: إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في الطائرة الأجنبية وهي تطير وكان الجاني أو المجني علية يمنيًا؛ تطبيقًا لمبدأ شخصية النص الجزائي.

الثانية: إذا حطت الطائرة الأجنبية في الأراضي اليمنية بعد اقتراف الجريمة .

2- استثناء الجرائم المرتكبة على متن السفن الأجنبية:

نصت المادة (244) من قانون الإجراءات الجزائية على أن « تختص المحاكم اليمنية … في الجرائم التي تقع على متن باخرة تجارية أجنبية متى كان وجودها داخل ميناء بحري يمني أو المياه الإقليمية اليمنية وينعقد الاختصاص لمحكمة أول ميناء يمني ترسو فيه الباخرة».

يستشف من صريح نص المادة (244) أن القانون اليمني يختص بالفصل في الجرائم التي تقع على متن السفن التجارية الأجنبية إذا كانت راسية داخل الميناء أو المياه الإقليمية لليمن، هنا القانون اليمني هو ما يطبق على الجرائم التي ترتكب على متنها؛ أما إذا كانت السفينة الأجنبية في حالة مرور بريء في البحر الإقليمي اليمني ففي هذه الحالة لا يكون للدولة سيادة عليها ومن ثَّم لا تختص المحاكم اليمنية بالفصل في الجرائم التي تقع على متنها إلا في إحدى الحالات الأربع التي نصت عليها المادة (27) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وهي:

1- إذا امتدت آثار الجريمة إلى إقليم دولة اليمن.

2- إذا كانت الجريمة بطبيعتها تمس أمن اليمن أو تعكر السلم فيه أو تخل بالآداب العامة،

أو حسن النظام في موانيها أو بحرها الإقليمي.

3- إذا طلب ربان السفينة أو قنصل الدولة التي تحمل علمها المعونة من السلطات اليمنية .

4- إذا كانت السفينة تحمل مواد أو أشياء محظور تداولها أو حيازتها أو الاتجار فيها دوليًا.

بالنسبة للسفن الحربية الأجنبية: تتمتع السفن الحربية والسفن الحكومية المخصصة لأغراض غير تجارية كقاعدة عامة أثناء مرورها البريء في البحر الاقليمي للدولة الساحلية بالحصانة التامة من ولاية أي دولة فإن أي جريمة تقع تخضع طبقًا لما استقر عليه العرف الدولي لقانون الدولة التي ترفع علمها، نظرًا لأنها تمثل سيادة هذه الدولة[21].

المطلب الثاني
الاستثناءات التي ترد على الشق السلبى لمبدأ الإقليمية

لتلافي أوجه النقد التي قد يسفر عنها التطبيق الدقيق لمبدأ الإقليمية أورد المشرع اليمني على الشق السلبي من مبدأ الإقليمية استثناءات، تتحصل في مد اختصاص المحاكم اليمنية على بعض الجرائم المرتكبة خارج اليمن، وذلك ما أشار إليه في المادة (3) من قانون العقوبات بالقول: «… يسري هذا القانون على الجرائم التي تقع خارج إقليم الدولة وتختص المحاكم اليمنية بها وفقًا لقانون الإجراءات الجزائية».

وقد نص القانون الجزائي اليمني على حالتين يمكن أن يمتد بهما الاختصاص الوطني، إما تطبيقًا لمبدأ العينية، أو تطبيقًا لمبدأ الشخصية، وفي هذا المطلب سوف نتناول هذين المبدأين تباعًا، ثم نوضح قيود المحاكمة عن الجرائم التي تقع خارج اليمن، وبعد ذلك ولكمال الفائدة من هذا البحث سوف نوضح كيفية التعاون القضائي لمكافحة الجريمة.

الفرع الأول
مبدأ شخصية القوانين

أولًا : مضمون المبدأ وتبريره:

مبدأ الاختصاص الشخصي، أو ما يسميه البعض بمبدأ (شخصية القانون الجزائي) أو مبدأ (الجنسية) يعني النص استثناء في القانون الجزائي على اختصاص الدولة بالجرائم المرتكبة في الخارج والتي تتعلق برعاياها سواء أكانوا فاعلين، أم ضحايا؛ وحقها في المعاقبة عنها، وهذا المبدأ، كان قديمًا هو الأصل في تطبيق القانون الجزائي؛ ثم تحولت عنه إلى مبدأ الإقليمية وبالرغم من ذلك لم يفقد وجوده إنما أصبح دوره تكميليًا لا أساسيًا كما كان، حيث أصبح يقتصر على بعض الحالات المعينة، التي يقصد منها تفادي الإفلات من العقاب، ولمبدأ شخصية القانون وجهان:

الوجه الأول: سلبي، يعني تطبيق النص الجزائي على كل جريمة يكون المجني عليه فيها منتميًا إلى جنسية الدولة بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية مرتكبها، وترد العلة في ذلك إلى رغبة الدولة في حماية رعاياها إذا تعرضوا لاعتداء إجرامي وهم خارج إقليمها، في أن المشرع اليمني لا يأخذ بالوجه السلبي لمبدأ الشخصية.

الوجه الثاني: إيجابي، يعني تطبيق القانون الوطني على كل من يحمل جنسية الدولة ولو ارتكب جريمته خارج إقليمها إذا عاد إلى أرض الوطن، وتأخذ غالبية التشريعات الجزائية بالوجه الإيجابي لمبدأ الشخصية ومنها التشريع الجزائي اليمني.

والحكمة التي ارتآها المشرع من ذلك هي تفادي الحالات التي يؤدي تطبيق مبدأ الإقليمية عليها إلى أن يفلت المجرم من العقاب؛ كحالة من يرتكب جريمة خارج إقليم دولته التي يحمل جنسيتها ثم يهرب إلى إقليم دولته قبل اتخاذ الإجراءات القانونية والحكم عليه بسبب جريمته هذه؛ أو قبل تنفيذ العقوبة فيه؛ ففي هذه الحالة لا تستطيع دولته وفقًا لمبدأ الإقليمية أن تحاكمه لأنَّ الجريمة ارتكبت خارج إقليمها، كما لا تستطيع الدولة التي ارتكبت الجريمة على إقليمها طلبه من دولته لأنَّ دولته لا تستطيع تسليمه لها؛ لأنه لا يجوز للدولة، وفقًا لقواعد دستورية مستقرة أن تسلم أحد رعاياها إلى دولة أخرى لمحاكمته، أو لتنفيذ العقوبات فيه[22] هذا بالإضافة إلى أن الدولة التي ارتكبت الجريمة على أرضها لن تستطيع محاكمة الجاني، أو تنفيذ العقوبة فيه إن حكمت عليه غيابيًا بعد أن غادرها، مما يجعله في مأمن من الملاحقة والعقاب، وهي نتيجة خطرة تلافاها المشرع الجزائي الحديث بتطبيقه مبدأ شخصية القانون الجزائي[23].

كما يتيح مبدأ شخصية القانون الجزائي معاقبة الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة الذين يعملون في الخارج ويتمتعون بحصانة يقررها لهم القانون الدولي ويرتكبون جرائم أثناء تمتعهم بتلك الحصانة على نحو لا يمكن معه طبقًا لمبدأ إقليمية القانون الجزائي أن تتخذ ضدهم إجراءات الملاحقة عن جرائمهم تلك؛ إذ قد يتخلص هؤلاء من العقاب في الدولة التي ارتكبوا جرائمهم فيها لتمتعهم بحصانة دبلوماسية أو قنصلية، أو لإحجام هذه الدولة عن ملاحقتهم خشية أن تتهم بالتدخل في شؤون الدولة التي يتبعونها [24].

ثانيًا: مبدأ الشخصية الإيجابية في التشريع الجزائي اليمني:

رأى المشرع اليمني كغيره أن السير مع مبدأ إقليمية القانون الجزائي بصورة مطلقة قد يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب، الأمر الذي حمله مدفوعًا بدافع التعاون بين الدول في مكافحة الإجرام، على التفكير بنظام (تسليم المجرمين) غير أن من مبادئ هذا النظام عدم جواز تسليم الدولة رعاياها إلى الدولة طالبة التسليم، وهذا ما أخذ به النظام القانوني اليمني[25] مما يحقق إفلات المجرم من العقاب إذا ما هرب من الدولة التي ارتكب الجريمة على إقليمها إلى اليمن، الأمر الذي حدا بالمشرع إلى استثناء هذه الحالة من مبدأ الإقليمية؛ وذلك بإخضاع كل يمني يرتكب خارج اليمن عملًا يعد جريمة خارج وطنه إلى التشريع الجزائي اليمني ولاختصاص المحاكم الجزائية اليمنية بالنسبة لتلك الجريمة فيما إذا جاء لليمن قبل الحكم عليه بسبب تلك الجريمة، أو تنفيذ عقوبتها فيه متبعًا بذلك خطى المشرع الجزائي الحديث، وهذا ما نجد سنده القانوني في المادة (246) من قانون الإجراءات الجزائية التي قرر فيها المشرع أن «تختص المحاكم اليمنية بمحاكمة كل يمني ارتكب خارج إقليم الدولة فعلًا يعد بمقتضى القانون جريمة إذا عاد إلى الجمهورية وكان الفعل معاقبًا عليه بمقتضى قانون الدولة التي ارتكبت فيها».

يستشف من صريح نص المادة (246) آنفة الذكر، وجوب توافر عدة شروط حتى يتم تطبيق التشريع الجزائي اليمني وفقًا لمبدأ الشخصية على كل يمني ارتكب خارج اليمن جريمة سواء أكان فاعلًا أصليًا لها أو شريكًا فيها، ويمكن إجمال تلك الشروط بــ :

الشرط الأول: أن يحمل الجاني الجنسية اليمنية:

إن تطبيق قانون العقوبات اليمني على الجريمة المرتكبة في الخارج عملاً بمبدأ شخصية قانون العقوبات مرهون بكون الجاني يمنيًا، فلا يطبق هذا القانون إذا كان الجاني أجنبيًا ولو كان المجنى عليه يمنيًا، ويرجع في ذلك إلى أحكام قانون الجنسية اليمني، وعلة هذا الشرط أنه إذا لم يكن مرتكب الجريمة يمنيًا لما قامت الحاجة إلى محاكمته وتوقيع العقاب عليه داخل الأراضي اليمنية، حيث يكون متيسرًا تسليمه إلى الدولة التي ارتكب الجريمة فيها.

والعبرة في تحديد جنسية الجاني هي بجنسيته وقت ارتكاب الجريمة، فإن كان يمنيًا في ذلك الوقت خضع لقانون العقوبات اليمني، ولا يعفيه من تطبيق هذا القانون أن يفقد جنسية الدولة بعد ارتكابه لجريمته.

غير أنه قد يثار تساؤل مفاده ماذا لو لم يكن المتهم يحمل الجنسية اليمنية وقت أن ارتكب الجريمة خارج إقليم اليمن، ثم اكتسب هذه الجنسية بعد ارتكابه الجريمة؟

تساؤل لاشك يحظى بأهمية بالغة ولا بد من الإجابة عليه، ولذا فقد أجاب عليه المشرع اليمني بشكل واضح في المادة (248) من الإجراءات الجزائية بالقول أنه يطبق مبدأ الاختصاص الشخصي حتى لو اكتسب الجاني الجنسية اليمنية بعد ارتكاب الفعل المسند إليه، ومن ثَّم يخضع لحكم القانون اليمني أيضًا، من كان وقت ارتكاب الجريمة أجنبيًا ثم اكتسب الجنسية اليمنية بعد ارتكابها، لوجود العلة ذاتها وهي عدم استطاعة اليمن تسليمه للدولة التي وقعت فيها الجريمة بعد أن صار من مواطنيها.

الشرط الثاني: أن يكون الفعل المرتكب في الخارج جريمة بمقتضى قانون العقوبات اليمني:

لا يطبق القانون اليمني إذا كان الفعل المرتكب في الخارج لا يشكل جريمة وفقًا لأحكام هذا القانون، حتى ولو كان يشكل جريمة طبقًا لقانون الدولة التي ارتكب في إقليمه، وتطبيقًا لذلك: المواطن اليمني الذى يتزوج في أميركا مثلًا أكثر من زوجة يعد مرتكبًا لجنحة تعدد الزوجات، ولكنه لا يعد جريمة طبقًا لقانون العقوبات اليمني؛ ولذلك لا تجب محاكمته عن هذا الفعل وفقًا لمبدأ الاختصاص الشخصي عندما يعود لليمن، هذا وقد استلزم المشرع اليمني درجة جسامة معينة في الفعل الذي يرتكبه اليمني في الخارج لكى يخضع لحكم هذا القانون، وهذا يعني استثناء المخالفة من المحاكمة في اليمن إذا ارتكبت من قبل اليمني في الخارج لبساطتها وعدم خطورتها.

الشرط الثالث: أن يكون الفعل معاقبًا عليه طبقًا لقانون الدولة الأجنبية التي ارتكب فيها:

يتطلب المشرع اليمني أن يكون الفعل المرتكب في الخارج معاقبًا عليه طبقًا لقانون الدولة التي ارتكب فيها، أيا كانت درجة جسامة هذا الفعل وأياً كان نوع العقوبة المقررة له؛ وهذا ما تؤكده المادة (246) من قانون الإجراءات الجزائية، فإذا كان القانون الأجنبي لا يعاقب على الفعل تحت أي وصف فلا يسري عليه القانون اليمني حتى ولو كان الفعل يعد جريمة وفقًا لأحكامه، وذلك لأنَّ المواطن يتقيد أثناء وجوده في الخارج بقانون عقوبات الدولة التي يوجد في إقليمها، فلا يجوز معاقبته عن فعل غير مجرم في الدولة التي وقع فيها هذا بالإضافة إلى أنَّ العلة من مبدأ الشخصية الإيجابية هى الحيلولة دون إفلاته من العقاب عما يرتكب من جرائم خارج الدولة تكون غير متوافرة، وتطبيقًا لذلك المواطن اليمني الذي يشرب الخمر أو يرتكب جريمة الزنا في أميركا مثلًا يعد مرتكبًا جريمة وفقًا للقانون اليمني ولكنه لا يعد كذلك في الدولة التي ارتكب الفعل فيها.

الشرط الرابع: أن يعود الجاني إلى اليمن:

ينبغي أن يعود المواطن اليمني بعد ارتكاب جريمته في الخارج إلى اليمن، فإن بقي في الخارج فلا يخضع لسلطان القانون اليمني؛ لأنَّ الجاني بعودته إلى وطنه يكون قد أفلت من يد السلطات الأجنبية، ويكون قد استحال تسليمه أو إبعاده فلا يكون هناك بد من محاكمته في اليمن حتى لا يفلت من العقاب.

ويكفي لتحقق هذا الشرط أن يعود الجاني إلى اليمن حتى ولو غادرها بعد ذلك حيث تجوز محاكمته غيابيًا في هذه الحالة وفقًا للقواعد العامة ولا تتطلب النصوص بقاء المتهم في اليمن حتى انتهاء محاكمته، لذا ممكن أن تبدأ محاكمته أو تستمر حتى لو تحقق مغادرة المتهم مرة أخرى للإقليم اليمني، ويستوى أن تكون عودة الجاني إلى وطنه اختيارية، أو إجبارية، إذا في كلتا الحالتين تتحقق الحكمة من تطبيق القانون الوطني عليه، أما إذا لم يعد إطلاقًا إلى اليمن فإنه لا يجوز محاكمته عن جريمته التي ارتكبها في الخارج غيابيًا في اليمن، وتكون محاكمته وعقابه من اختصاص الدولة التي ارتكب فيها جريمته، ويمكنها المطالبة بتسليمه إليها إذا هرب إلى دولة أجنبية أخرى غير اليمن.

محصل القول: أخذ المشرع اليمني بالشق الإيجابي من مبدأ الشخصية، حيث يطبق القانون اليمني إذا كان فاعل الجريمة يمنيًا في حين لا يطبق هذا القانون إذا كان المجني عليه يمنيًا (باستثناء الجرائم المرتكبة على متن الطائرات الأجنبية إذا كان الجاني أو المجني عليه يمنيًا) وكان الأولى بالمشرع اليمني الأخذ بشقي المبدأ الإيجابي والسلبي أسوة بغيره من التشريعات فكما حرص المشرع اليمني على معاقبة مواطنيه عليه أن يحرص على حماية مواطنية وذلك بملاحقة ومعاقبة من يعتدون على مواطنيه حتى لا يفلتوا من العقاب.

الفرع الثاني
مبدأ العينية

أولاً: مضمون المبدأ وتبريره:

أشرنا إلى أن الجرائم التي ترتكب خارج الدولة لا تخضع لتشريعها الجزائي ومع ذلك قد تظهر أحيانًا ضرورة حيوية في العقاب على نوعية محددة من الجرائم إذا ما كانت من الجرائم الخطيرة والماسة بالمصالح الجوهرية للدولة، الأمر الذي يتطلب أن تخضع هذه النوعية من الجرائم لنصوصها التشريعية ولقضائها الوطني وهذا ما يسمى بالاستثناء القائم على (الاختصاص العيني) ويسميه البعض الاختصاص الوقائي، أو مبدأ عينية القانون الجنائي أو مبدأ الصلاحية الذاتية.

وتبرز أهمية هذا المبدأ، في حرص كل دولة على مصالحها الأساسية، واهتمامها بإخضاع الجرائم التي تمس بسيادة الدولة وكيانها، أو تهديد أمنها، أو الإخلال بسمعتها المالية، إلى تشريعها وقضائها بصرف النظر عن جنسية مرتكبها وعن المكان الذى وقعت فيه؛ ولا تنتظر بما يمكن أن تتخذه الدولة الأجنبية من إجراءات وفقًا لتشريعها الجزائي، خاصة إذا ما كانت الدول الأجنبية لا تجرم هذه الأفعال ولا تقيم وزنًا لمصالح الدولة وعاداتها وتقاليدها وتشريعاتها.

ثانيًا: مبدأ العينية في التشريع الجزائي اليمني:

أخذ المشرع اليمني بمبدأ العينية، متتبعًا بذلك خطى التشريعات الجزائية الحديث، حيث حدد بعض الجرائم على سبيل– الحصر- وأخضعها لسلطانه بالرغم من ارتكابها خارج اليمن بعد أن وجد أنها تمس أمن اليمن ومركزها الاقتصادي؛ فقرر في المادة (247) من قانون الإجراءات الجزائية أن«تختص المحاكم اليمنية بمحاكمة كل من ارتكب خارج إقليم الدولة جريمة مخلة بأمن الدولة مما نص عليه في (الباب الأول من الكتاب الثاني) عقوبات أو جريمة تقليد أو تزييف أختام الدولة أو إحدى الهيئات العامة، تزوير عملة وطنية متداولة قانونًا أو إخراجها أو ترويجها أو حيازتها بقصد الترويج أو التعامل بها».

استثناء من مبدأ الإقليمية؛ وتطبيقًا لنص المادة (247) آنفة الذكر يخضع لأحكام قانون العقوبات اليمني ولاختصاص محاكمها كل من يرتكب خارج اليمن جريمة من الجرائم التالية:

1- الجرائم المخلة بأمن الدولة الخارجية مما نص عليه في الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وهذه الجرائم هي الجرائم المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج كجرائم المساس باستقلال الجمهورية اليمنية، أو وحدتها، أو سلامة أراضيها وإضعاف القوات المسلحة أو الالتحاق بأي وجه بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع اليمن، وإفشاء أسرار الدفاع عن البلاد، وجريمة التجسس وجريمة الخيانة وجريمة تسهيل دخول قوات العدو إلى أرض الوطن وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات اليمني[26].

2- الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي، وهي الجرائم المرتكبة ضد النظام الجمهوري، كجريمة الشروع بالقوة أو العنف في قلب نظام الحكم الجمهوري المقرر بالدستور ومحاولة تغيير دستور الدولة، أو شكل الحكومة بالقوة، وجريمة التمرد والعصيان وتشكيل عصابة، وإذاعة أخبار بغرض تكدير الأمن العام وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني من القانون ذاته[27].

3- جريمة التزوير مما نص عليه المشرع اليمني في المواد (208) و(210) من قانون العقوبات وتتعلق بتقليد أو تزوير أو استعمال أوراق الدولة مع العلم بتزويرها وهذه الأوراق هي الأوامر الجمهورية أو القوانين أو المراسيم أو القرارات الصادرة من الحكومة أو خاتم الدولة أو إمضاء رئيس الجمهورية أو ختمه، أختام أو دمغات، أو علامات إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة، أو أحد موظفي الدولة، أو أية جهة يعد العاملون فيها من الموظفين العموميين، جرائم تزوير السندات المالية المأذون بإصدارها قانوناً؛ وجرائم تزوير الطوابع اليمنية سواء أكانت بريدية أم مالية، وجرائم تزوير الأوراق الرسمية كجرائم تزوير جوازات السفر، أو دفاتر المواليد أو البطاقات الصادرة من السلطات الرسمية، أو أية ورقة صادرة من جهة حكومية رسمية أو شبه رسمية.

4- جريمة تقليد أو تزييف عملة ورقية أو معدنية، أو إدخال تلك العملة المقلدة، أو المزيفة، أو المزورة إلى اليمن أو إخراجها منها أو ترويجها أو حيازتها بقصد الترويج أو التعامل بها وذلك وفقًا لما جاء في المادة (204) من قانون العقوبات.

وفي هذه الجرائم يشترط لإعمال قواعد الاختصاص العيني أن تكون العملة متداولة قانونًا في اليمن ، وهذا الشرط تقتضيه حكمة تقرير الاختصاص العيني؛ وهي حماية النقد والائتمان اليمني من الجرائم التي تقع عليه بالخارج.

يلحظ أن المشرع اليمني وخلافًا لبعض التشريعات[28] قد وسع من نطاق مبدأ العينية، في اخضاعه لعدد كبير من الجرائم لسلطان القانون والقضاء اليمني بالرغم من ارتكابها خارج اليمن، وذلك لاتصال هذه الجرائم بصميم المصالح العليا لليمن ولعلاقتها القوية بسيادتها واستقلالها أو بأمنها ووحدتها وسلامة نظام الحكم الجمهوري فيها أو لاتصالها بكيانها المالي الاقتصادي أو الإخلال بسمعتها المالية أو بسلامة وثائقها ومحرراتها.

وإذا خلصنا إلى أن الجرائم الواردة في نص المادة (247) معينة بالذات وعلى سبيل الحصر نصل إلى نتيجة غاية في الأهمية ينبغي على قضاة المحاكم الجزائية الالتزام بها مفادها أنه لا يجوز التوسع في تلك الجرائم أو القياس عليها ويمنع القاضي من أن يضيف إليها جريمة أخرى وإن بدا له إضرارها بمصلحة أساسية للدولة.

بالنتيجة: يتفق مبدأ شخصية النص الجزائي (سواء في وجهه الإيجابي أو السلبي) مع مبدأ عينية النص الجزائي في أنهما مبادئ استثنائية من قاعدة الإقليمية، ولكن يختلف المبدآن أن اختصاص الدولة بملاحقة مرتكبي الجريمة وفقًا لمبدأ الشخصية يتوقف على عدة شروط أغلبها لا يتطلبها إعمال مبدأ عينية النص الجزائي؛ فلا أهمية وفقًا لمبدأ عينية النص الجزائي أن يكون مرتكب الجريمة يمنيًا، أم أجنبيًا، أو فاعلاً أصلي أو شريكاً في الجريمة أو كان قانون الدولة الأجنبية التي ارتكبت الجريمة على إقليمها يعاقب على هذه الجريمة، أو لا يعاقب، أو مكان ارتكاب الجريمة ففي أي مكان في العالم ارتكبت الجريمة، مرتبكها يخضع للقانون اليمني ولاختصاص محاكم الجزاء اليمني.

وأخيرًا لا يشترط لتطبيق القانون اليمني خضوع مرتكب الجريمة للقضاء اليمني وفقًا لمبدأ العينية أن يكون موجودًا في الأراضي اليمنية، وعلى ذلك تجوز محاكمة المتهم غيابيًا في اليمن.

الفرع الثالث
قيود تحريك الدعوى الجزائية عن الجرائم المرتكبة في الخارج

بعد أن نص المشرع في المادتين (246) و (247) من قانون الإجراءات الجزائية على الجرائم التي تسرى عليها أحكام هذا القانون رغم ارتكابها في الخارج عملًا بمبدأي الاختصاص العيني والشخصي، نص في المادتين (249) و(250) من قانون الإجراءات الجزائية، على قيدين إجرائيين هامين يردان على محاكمة المتهم عن الجرائم التي تقع خارج اليمن، ويخضع لهذين القيدين الفاعل أو الشريك الذي تقتصر مساهمته في الجريمة على أفعال ارتكبها خارج اليمن، أما المساهمون الذين يرتكبون أفعالهم داخل اليمن فلا تخضع محاكمتهم لهذه القيود وفقًا للقواعد العامة في مبدأ الإقليمية وهذان القيدان هما:

القيد الأول: لا تقام الدعوى الجزائية على مرتكب جريمة وقعت في الخارج إلا من النيابة العامة[29]:

قصر المشرع اليمني حق تحريك الدعوى الجزائية عن مرتكب جريمة، أو فعل وقع في الخارج على النيابة العامة وحدها دون المدعي بالحق المدني؛ وعلى ذلك فلا يجوز للمتضرر من الجريمة تحريك الدعوى مباشرة للمطالبة بتعويض ما أصابه من ضرر؛ فمثلًا لا يجوز للمجني عليه في جريمة نصب وقعت خارج الحدود اليمنية، تحريك الدعوى الجزائية في اليمن عن طريق تكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام المحاكم اليمنية وإلا قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ؛ بل على المجني عليه دائمًا أن يلجأ إلى النيابة العامة التي تتولى تقدير تحريك الدعوى.

وقد أراد المشرع بهذا القيد أن يأخذ باحتكار واستثناء النيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية، فهي الأمينة عليها؛ والتي تقدر مدى ملاءمة تحريكها وفقًا لظروف كل حالة ومدى خطورتها وتوافر أدلتها، وتزن كافة الاعتبارات التي تتعلق بالشخص نفسه وبما ارتكبه من أفعال في الخارج، فقد ترى عدم ملاءمة تحريكها لاعتبارات سياسية كأن يكون مثلًا في تحريكها الإضرار بالعلاقة الدولية بين اليمن وغيرها من الدول.

ولكن بالرغم من ذلك فهذه الحرية التي تتمتع بها النيابة العامة في تقدير ملاءمة الدعوى الجزائية في الجرائم المنصوص عليها في المادة (247) تقيد في الجرائم المنصوص عليها في المادة (27) من قانون الإجراءات الجزائية التي يجب أن يسبقها شكوى المضرور أو بلاغ رسمي من السلطات الأجنبية التي وقعت الجريمة في إقليمها.

القيد الثاني: ألا يكون الجاني قد حوكم أمام المحاكم الأجنبية، واستوفى عقوبته بالخارج كاملة[30].

قضى المشرع اليمني أنه لا تجوز إقامة الدعوى الجزائية ضد مرتكب الجريمة في الخارج إذا قدم ما يدل على أنه عوقب نهائيًا في الخارج وأن العقوبة المقضي عليه بها قد نفذت في الخارج، تنفيذا كاملًا، فإن هذا الحكم يكتسب حجية تمنع من إعادة المحاكمة، ولو كان وصف الجريمة في القانون الأجنبي أقل خطورة من وصفها في قانون العقوبات اليمني، كأن يكون جنحة في القانون الأجنبي وجريمة جسيمة في قانون العقوبات اليمني، بل ولو كانت العقوبة المقضي بها من المحاكم الأجنبية أقل في نوعها أو مقدارها مما كانت المحاكم اليمنية تقضي به.

أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها لم تنفذ كلها، أو أي جزء منها، كأن يكون المحكوم عليه قد هرب قبل تنفيذ العقوبة فيه، أو هرب بعد أن نفذ فيه جزء منها فإنه لا يتمتع بالإعفاء، بل يجوز محاكمته في اليمن من جديد أمام القضاء اليمني، وتحسب للمحكوم عليه عند تنفيذ العقوبة التي يقضي بها المدة التي قضاها في الحجز أو الحبس الاحتياطي أو تنفيذ العقوبة في الخارج عن الجريمة التي حكم عليه من أجلها.

كما أضاف المشرع اليمني إلى حالة استيفاء العقوبة كاملة حالة سقوط العقوبة بالتقادم فقد جعل المشرع لسقوط العقوبة بالتقادم ذات الأثر المترتب على تنفيذ العقوبة كاملة ويرجع في تقدير سقوط العقوبة بالتقادم إلى قانون البلد الذى صدر فيه الحكم.

والحكمة من ذلك هو عدم جواز معاقبة الشخص عن فعل واحد مرتين وهو ما يرفضه نظام الإجراءات الجزائية لمجافاته قواعد العدالة، وليس معنى ذلك أن يكون القيد متضمنًا اعترافًا للحكم الأجنبي بأية قوة تنفيذية، وإنما المقصود من هذا القيد أن ينحصر نطاقه في منع تحريك الدعوى الجزائية مرة أخرى ضد مرتكب الجريمة في الخارج إذا كان قد نفذ العقوبة المحكوم بها كاملة فإذا حدث وأعيد رفع الدعوى أمام القضاء اليمني، رغم سبق تنفيذ العقوبة المحكوم بها كاملة، يتحتم على القضاء اليمني الحكم بعدم جواز نظر الدعوى وذلك احترامًا لقوة الشيء المقضي فيه.

الفرع الرابع
التعاون القضائي لمكافحة الجريمة

وفقًا لمبدأ الإقليمية لا يمكن للدولة أن تتجاوز حدود سيادتها، فإِنه يمتنع عليها القيام بأي إجراء قضائي في الأرض الخاضعة لسيادة دولة أخرى، لذا يتوجب عليها، إذا اقتضت الحاجة، أن تطلب العون القضائي من دول أخرى.

تتعدد صور التعاون القضائي الذي يمكن أن تلجأَ إليه الدول للقضاء على الجريمة ولكن أبرز هذه الصور، وأهمها يتمثل في:

الصورة الأولى: تسليم المجرمين:

تنشأ الحاجة إلى مثل هذه الصورة من التعاون في المجال القضائي عندما يقترف المجرم جريمته، وتكون هناك أدلة كافية لهذا الاتهام، ويركن إلى الفرار، قبل أن يحاكم أمام السلطة القضائية صاحبة الاختصاص بالمحاكمة طبقًا لما تنص عليه قوانينها وعندئذ ولكي لا يفلت المجرم من العقاب، تضطر الدولة التي وقع الجرم في أراضيها أن تطلب من الدولة التي لجأ إليها المجرم الفار إعادته إلى حيث ارتكب جرمه لينال جزاء عمله.

وقد يكون المجرم الذي اقترف الجريمة قد حوكم وصدر ضده حكم ولكن هروبه إلى دولة أخرى يجعل الحكم بالعقاب لا جدوى منه ما لم يقترن بالتنفيذ، فتلجأ الدولة الطالبة إلى طلب المجرم من الدولة المطلوب منها التسليم، أي:تسليم الشخص المطلوب والموجود على إقليمها لتنفيذ الحكم، وإذا رفضت الدولة التسليم فعليها تقديمه للمحاكمة في محاكمها، وهذا يؤدي إلى عدم إفلات المجرم من العقاب.

ومن هنا نشأت فكرة التسليم، التي تُعدُّ فعلًا الصورة، أو التجسيد الحقيقي لتعاون الدول في منع الجريمة وضمان عدم إفلات المجرم من العقاب؛ وذلك بأن يحاكم المتهم أمام محاكم الدولة الأولى، سواء أكان ذلك في الدولة طالبة التسليم، في حالة قبول التسليم، أم في حالة رفض الدولة المطلوب منها التسليم لأي سبب كان فتلتزم هي بمحاكمته طبقًا لقانونها، وفي محاكمها، ومن ثمَّ ينخفض معدل الجريمة إذ إِن المجرم سوف يعي أنه لن يُفلت من العقاب.

وبموجب السيادة التي تتمتع بها الدول فإِن الدولة المطلوب منها التسليم غير ملزمة بتلبية هذا الطلب كمبدأ عام إلا في حالة ارتباطها مع الدولة طالبة التسليم باتفاقية؛ حيث تُعدُّ المعاهدات المصدر الرئيس المنظم لأحكام تسليم المجرمين، سواء أكانت معاهدات ثنائية أم متعددة الأطراف، وقد يتم الاستجابة لطلب التسليم على أساس المعاملة بالمثل، إذا لم يكن هناك اتفاق بين الدولتين .

والجمهورية اليمنية لم تُعنَ بموضوع التسليم، ولذا خلت قوانينها الجنائية اليمنية من أن تتضمن نصوصًا خاصة بتنظيم تسليم المجرمين، ولكن رغم ذلك فقد أبرمت، القليل من الاتفاقيات الثنائية بشأن التسليم نذكر منها- على سبيل المثال لا الحصر- اتفاقية التسليم بين اليمن ولبنان لسنة 1949م، والاتفاقية بين اليمن والعراق لسنة 1946م، ومعاهدات جماعية كاتفاقية جامعة الدول العربية لعام1952م، أو معاهدات الرياض للتعاون القضائي في المواد الجزائية والمدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية لعام1983م، أو الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998م، واتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي لمحاربة الإرهاب الدولي عام 1999م.

ومن أهم المبادئ التي أقرتها تلك الاتفاقيات الخاصة بموضوع تسليم المجرمين أو غيرها من الاتفاقيات المدرج ضمن بنودها موضوع التسليم مبدآن:

الأول: مبدأ استثناء مرتكبي الجرائم السياسية من التسليم، والمبدأ الثاني: مبدأ عدم إجبار أية دولة متعاقدة على تسليم رعاياها، وعند ذلك تلتزم الدولة المطلوب منها التسليم بتوجيه الاتهام ضد من يرتكب منهم لدى أي من الدول جريمة وهو ما يسمى بمبدأ «التسليم أو المحاكمة» ولها أن تستعين في هذا الشأن بالتحقيقات التي أجرتها الدولة طالبة التسليم[31].

الصورة الثانية: الإنابة القضائية:

هي شكل من أشكال صور التعاون الدولي للقضاء على الجريمة، تتم على مستوى الاختصاص القضائي الدولي وليس على مستوى الاختصاص الداخلي، ومن هذا المنطلق يمكن وصفها بأنها مساعدة أو تعاون بين الأجهزة القضائية للدول المختلفة بعضها لبعض وليست معاونة للخصوم، وتلجأ الدول إلى مثل هذه الصورة عادة عندما لا يتمكن المتهم من الهرب ويبقى في متناول أيدي قضاته ويشعر قضاة تلك الدولة أنهم بحاجة إلى بعض الأدلة والقرائن والبينة على تورط المتهم لجلاء الحقيقة، وقد تكون تلك البينة في دولة أخرى لا يمتد إليها سلطانها، وعندها تلجأ تلك الدولة إلى الدولة الأجنبية التي ينبغي إجراء العمل القضائي المطلوب فوق أراضيها، لتقوم سلطاتها المختصة بالإجراءات الأصولية المطلوبة للوصول إلى الحقيقة وينبغي لتحقيق التعاون في مواجهة الجريمة، أن تلبي الدولة المطلوب منها إجراء العمل القضائي المطلوب فوق أراضيها رغبة الدولة الطالبة.

وقد خول المشرع اليمني السلطات القضائية أن تطلب إلى أية دولة أخرى القيام في إقليمها بأي إجراء قضائي نيابة عنها متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة، وحدد موضوع الطلب بشكل خاص فيما يتعلق باتخاذ إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق الابتدائي أو النهائي؛ كطلب سماع شهادة الشهود الذين قد يكونون موجودين في الدولة المطلوب منها الإنابة، وتلقي تقارير الخبراء ومناقشتهم وطلب تحليف اليمين، وتنفيذ عمليات التفتيش والحجز، وإجراء المعاينة وفحص الأشياء.

واشترط المشرع اليمني أن يكون الإجراء المراد اتخاذه ضروريًا للفصل في دعوى ناشئة تكون قيد النظر وليس بدعوى من المحتمل إثارتها في المستقبل؛ وهذا ما وضحته العبارة الواردة في المادة (252) من قانون الإجراءات الجزائية بالقول: «أثناء نظر الدعوى».

ويحرر طلب الإنابة القضائية، ويرسل وفقًا للقانون اليمني مشتملًا جميع الوثائق والبيانات المطلوبة مثال ذلك: الجهة الصادر عنها الطلب، وكذا الجهة المطلوب منها التنفيذ، وأعمال التحقيق والإجراءات القضائية المراد إنجازها، وفي هذه الجزئية نصت المادة (252) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه «يجب أن ترسل صورة من الإنابة القضائية مصحوبة بجميع الوثائق..».

– طرق تبليغ الإنابة القضائية: تختلف طرق إرسال طلبات الإنابة من اتفاقية لأخري، ولكن الغالب منها ينص على:

الطريقة الأولى: أن يقدم الطلب من السلطة القضائية في الدولة المنيبة إلى السلطة القضائية في الدولة المنابة وذلك عن طريق وزارتي العدل في كل من الدولتين.

الطريقة الثانية: أن يكون بواسطة الطريق الدبلوماسي وذلك بأن ترسل الجهة القضائية المنيبة ممثلة في وزارة العدل الطلب منها إلى وزارة الخارجية، فإلى الممثل الدبلوماسي الذي يبلغها في الخارج، إلى وزارة الخارجية في الدولة المنابة، فترسلها بدورها إلى وزارة العدل التي تحدد الجهة القضائية المختصة.

ونظرًا لطول هذا الطريق، فإن أغلب التشريعات تفضل عليه إرسال طلب الإنابة القضائية مباشرة من السلطة القضائية المختصة في الدولة المنيبة إلى السلطة المختصة في الدولة المنابة.

أما ما يخص المشرع اليمني فيمكن فهم الطريقة التي أخذها في إرسال طلبات الإنابة القضائية من خلال المادة (252) من قانون الإجراءات، بأنها «… توجه هذه الإنابة إلى وزارة الخارجية لتبليغها بالطرق الدبلوماسية ويجوز في أحوال الاستعجال أن توجه الإنابة مباشرة إلى السلطة القضائية الأجنبية المطلوب منها القيام بالإجراء …».

وفي المقابل طريقة استقبال طلبات الإنابة وضحها المشرع في المادة (253) من قانون الإجراءات بالقول: «تقبل النيابة العامة أو المحكمة الإنابة القضائية التي ترد إليها بالطرق الدبلوماسية من إحدى السلطات الأجنبية».

أما بالنسبة للقانون الذي يحكم إجراءات تنفيذ الإنابة القضائية، فقد صرح المشرع اليمني أن القانون الذي يحكم مسائل الإنابة القضائية هو قانون دولة القاضي المحال إليه القضية للمحاكمة أو المناب؛ أي: القانون اليمني في حالة طلب منها الإنابة وذلك نزولًا على حكم المادة (253) من قانون الإجراءات الجزائية التي قضت أن «يجري تنفيذها وفقًا للقواعد المقررة في القانون اليمني ولا يجوز إبلاغ نتيجة الإجراء إلى السلطات الأجنبية قبل وصول الطلب الرسمي بالطريق الدبلوماسي إذا كانت الإنابة قد وجهت».

محصل القول: بالرغم من المواد (252و253) آنفة الذكر إلا أن المشرع اليمني بدأ أحكام المادة (251) من قانون الإجراءات الجزائية بأنه «لا تطبق أحكام هذا الفصل إلا عند عدم وجود اتفاقيات مع الدول الأجنبية أو في حال سكوت تلك الاتفاقيات عن إيراد حكم فيها».

الصورة الثالثة: تنفيذ الحكم الجزائي الأجنبي:

هناك شكل آخر من أشكال التعاون القضائي بين الدول لمكافحة الجريمة، هو «مفعول الأحكام الجزائية الأجنبية»، وقد تطرق المشرع اليمني إلى ذلك النوع من التعاون للتعبير عن الجدية في مكافحة الجريمة، والقضاء على إفلات المجرم من العقاب، في المادة (250) من قانون الإجراءات الجزائية بالقول: «لا يجوز أن تقام الدعوى الجزائية على المتهم إذا قدم ما يدل على أنه عوقب نهائيًا في الخارج وأن العقوبة المقضي عليه بها قد نفذت في الخارج أو سقطت بالتقادم فإن كان قد نفذ جزء منها تعين مراعاة ذلك قدر الإمكان عند تنفيذ الحكم الذي يصدر بعد إعادة محاكمته».

ومن خلال النص يتضح أن المشرع اليمني قد تمسك بمبدأ إقليمية القانون الجنائي، فالجرائم التي تقع في نطاق الإقليم اليمني تقع ضمن اختصاص القضاء اليمني كأصل عام، والأحكام الصادرة من المحاكم اليمنية تطبق على الإقليم اليمني أيضًا، ونتيجة طبيعية لمبدأ الإقليمية فإن الأحكام الصادرة من محاكم أجنبية لا يعترف بها ولا تنفذ داخل اليمن؛ فلا يجوز أن تنفذ في اليمن العقوبات الصادر بها حكم أجنبي سواء أكانت عقوبات أصلية أم تكميلية، كما لا يجوز أن تنفذ في اليمن ما قد تقرره هذه الأحكام من تدابير وقائية، وما يترتب على الحكم من آثار قانونية أخرى، إلا إذا نصت عليها اتفاقية ثنائية أو جماعية تُعدُّ اليمن طرفًا فيها وهذا ما أشارت اليه المادة (251) من قانون الإجراءات الجزائية بالقول: «لا تطبق أحكام هذا الفصل إلا عند عدم وجود اتفاقيات مع الدول الأجنبية…» [32].

وبالرغم من ذلك يعترف بحجية محددة للأحكام الجزائية الأجنبية بشروط معينة نصت عليها المادة (250) من قانون الإجراءات الجزائية فالحكم الصادر بالإدانة فقط دون الحكم الصادر بالبراءة يعترف له القانون الجزائي اليمني بحجية تحول دون إعادة المحاكمة في اليمن عن الواقعة ذاتها– كما سبق الإشارة- ولكن يشترط لكي يترتب على حكم الإدانة هذا الأثر أن تكون العقوبة المقضي بها قد نفذت بالكامل خارج اليمن أو سقطت بالتقادم.

الخاتمة

أود أن أشير في البداية إلى أنني لن أقوم في هذا المقام بتلخيص موضوع البحث، كون هذا الجهد لا يعدو إلا أن يكون تكرارًا لما سبق أن تناولته عند بحث كل مسألة من المسائل التي تطرقت إليها من قبل، ولكن لعله من المفيد استخلاص أهم النتائج التي وردت بالبحث، فضلًا عن تسجيل بعض المقترحات التي رأيتها لازمة لتحقيق ما هو ملائم بعد البحث وبذلك تكتمل الفائدة من هذا البحث.

أولًا: النــــــــتائج:

توافقت رؤية المشرع اليمني في نطاق تطبيق القانون من حيث المكان مع معظم التشريعات في أن المبدأ الأساسي المطبق هو مبدأ الإقليمية، أي: القانون الواجب التطبيق يتعلق بمكان وقوع الفعل، إلا إنه لم يتبع مبدأ الإقليمية بشكل مطلق، بل نص على مبدأين مكملين لمبدأ الإقليمية من شأنهما أن يقوما بامتداد نطاق تطبيق التشريع الجزائي اليمني في الخارج، أخذاً بمبدأ عينية النص الجزائي، ومبدأ شخصية النص الجزائي.

وفي سياق تعرضنا لامتداد الإقليم اليمني خلصنا إلى أن المشرع اليمني كان موفقًا في الصياغة التشريعية الدالة على الإقليم اليمني حينما لم يشمل ذلك «الأراضي الأجنبية التي يحتلها الجيش» كما فعل بعض مشرعي الدول العربية، هنا نحن نرفض مثل هذا المنطق وتقنين ذلك[33].

بالرغم أنه وفقًا لمعاهدة فينا للحصانات والامتيازات الدبلوماسية1961م، تُعدُّ مقر البعثة الدبلوماسية حكمًا امتداداً لإقليم الدولة التي ترفع الدولة علمها عليها والعلم يعني السيادة، إلا إن ذلك لا يمنع حال حدوث جريمة أن الاختصاص يخضع لقانون الدولة الموجودة على أرضها المقر، وفقًا لمبدأ الإقليمية.

كما خلصنا إلى إن أغلب الاستثناءات الواردة على الشق الإيجابي لمبدأ الإقليمية أساسها القانوني في اليمن هو الاتفاقيات التي اليمن مصادقة عليها وملزمة بتنفيذ بنودها، فالمشرع اليمني لم ينص على تلك الاستثناءات التي تمس السيادة اليمنية.

وعَوْدًا على بدء– إذا اعتبرنا الحصانة هي إفلات المبعوث الدبلوماسي من الخضوع للقضاء اليمني إلا إنها لا تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة الموفدة (المرسلة)، فالمبعوث الدبلوماسي يخضع في الأصل لقضاء دولته، ولكن يجوز استثناء أن يخضع للقضاء اليمني، بعد موافقة دولته على التنازل عن حصانته القضائية الجزائية وتكون دولته صاحبة الحق الأصيل في التنازل عن حصانة مبعوثها الدبلوماسي، ولا يجوز للرئيس البعثة الدبلوماسية أو العضو الدبلوماسي التنازل من تلقاء نفسه عن الحصانة القضائية الجنائية.

ثانيًا: التوصيات :

من أهم التوصيات التي خرجت بها هذه الدراسة الآتي:

1- السعي لتعديل قانون الإجراءات الجزائية لتفادي الأخطاء الموجودة فيه كي تتماشى مع الواقع الراهن الذي نعيشه لأنَّ هناك مواد عديدة في القانون الجزائي اليمني تحتاج الى إعادة النظر في صياغتها.

2- توسيع نطاق مبدأ الصلاحية الشخصية بحيث لا يقتصر تطبق القانون اليمني على الجرائم التي يرتكبها اليمنيون في الخارج، بل يشمل أيضًا اليمنيين الذين تقع عليهم جرائم في الخارج.

3- ضرورة تقييد إقامة الدعوى الجزائية الناشئة عن الجرائم المرتكبة خارج اليمن بوجوب الحصول على إذن من جهة ذات اختصاص، حيث إن إقامة مثل هذه الدعاوى أمر لا يخلو من الدقة والصعوبة وقد تدعو بعض الاعتبارات إلى التغاضي عنه، كما أن التكلفة الفعلية على اليمن قد تكون أكبر من العائد أو المصلحة المنتظر تحقيقها بإقامة تلك الدعوى، فيكون من الأفضل ترك تقدير ذلك كله إلى جهة تكون هي الأقدر على وزن الظروف والملابسات والانتهاء إلى رأي حصيف في إقامة الدعوى أو عدمها.

4- إعادة النظر في جميع الاتفاقيات التي صادقة اليمن عليها، وتمنح الأجنبي المتواجد على الإقليم اليمني الإفلات من الخضوع للقضاء اليمني، إضافة إلى ضرورة وجود نصوص وطنية تفسر الحصانات الدبلوماسية، وتكون أكثر تفصيلًا لما هو وارد في اتفاقية فيينا1963م.

5- الحصانة القضائية ليست إعفاء من المسئولية الجزائية، وبالتالي نهيب بالمشرع اليمني أن يضمن التشريع اليمني نصًا يلزم بموجبه الدولة الموفدة بإرسال (مذكرة قضائية) إلى اليمن يفيد بأن المبعوث قد تمت محاكمته لدى محاكمها الوطنية وقد صدر بحقه حكم نهائي، مع إرفاق صورة مصدقة عن الحكم.

تَمَّ بحمد الله رب العالمين

 

[1]    يعمل هذا المبدأ بشكل محدود نذكر- على سبيل المثال لا الحصر- قانون العقوبات الإيطالي.

 

[2]    وهذا ما قضت به محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 1927م، الذي لم يعد مبدأ إقليمية القانون الجزائي من مبادئ القانون الدولي المطلقة.

 

[3]    نصت المـادة (1) مـن قانون محاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا رقم 6 لعام 1995م، على أن «يسمـى هذا القانون قانون إجراءات اتهام ومـحاكمـة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا» ونصت المـادة (2/ د) على أن «المـحكمـة المـختصة: المـحكمـة العليا في الجمـهورية اليمـنية (الدائرة الدستورية)».

 

[4]    لكل دولة رئيس أعلى يحدده دستورها ويمثلها في علاقاتها مع الدول، إما أن يكون عاهلًا (ملكًا أو إمبراطورًا  أو أميراُ أو قيصر.. إلخ)، وإما أن يكون رئيسًا للجمهورية، وإما أن يكون مجلسًا ذا تكوين معين، وأيا كان شكل الرئاسة أو تكوينها، فإن رئيس الدولة هو الممثل الأعلى في الدولة والاعتراف به اعتراف بالدولة التي يمثلها، ويعد الامتناع عن الاعتراف برئيس دولة، تدخلًا في الشؤون الداخلية لدولته وهو ما لا يجيزه القانون الدولي.

 

[5]    في الواقع العملي تدلنا بعض المشاهدات على أن الرؤساء مثلهم مثل باقي أفراد السلطة التنفيذية، يخضعون للقانون الجزائي في بلدانهم أسوة بغيرهم من الأفراد، ولا يتمتعون بحصانة تعفيهم من أن يطالهم القانون الجزائي، ويساءلون مساءلة يديرها القضاء- مع اختلاف طفيف في الإجراءات– وأوضح مثال على ذلك ما حصل مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في قضيته المشهورة مع مونيكا لوينسكي.

 

[6]    مثال ما جاء في المادة (30) من الدستور الأردني بأن «الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة أو مسؤولية»، والمادة (54) من الدستور الكويتي التي نصت على أن «الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس».

 

[7]    مثال ما جاء في المادة (85) من الدستور المصري.

 

[8]    نصت المـادة (9) من قانون الإجراءات الجزائية العسكرية رقم 7 لعام 1996م، على أن «تختص المـحاكم العسكرية بالنظر في الجرائم العسكرية البحتة المـنصوص عليها في قانون العقوبات وفي هذا القانون يعد في حكم الجرائم العسكرية الجرائم العادية المـرتكبة مـن العسكريين في المـعسكرات والمـؤسسات العسكرية والسفن والطائرات والمـركبات العسكرية والأمـاكن والمـجالات التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المـسلحة وإذا كان أحد المـساهمـين في الجريمـة مـن المـدنيين كان الاختصاص بنظرها للمـحكمـة المـختصة».

 

[9]    تراجع: المادة (81) من الدستور.

 

[10]   تراجع: المادة (82) من الدستور.

 

[11]   في هذا المعني تقضي المادة (22) من قانون العقوبات اللبناني بأن «لا تطبق الشريعة اللبنانية في الأراضي اللبنانية على الجرائم التي يقترفها موظفو السلك الدبلوماسي الأجانب ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي العام»، وتقضي المادة (10) من قانون العقوبات المغربي بأن «يسري التشريع الجزائي المغربي على كل من يوجد بإقليم المملكة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية، مع مراعاة الاستثناءات المقررة في القانون العام الداخلي والقانون الدولي»، والمادة (١١) من قانون العقوبات الأردني نصت على أن «لا تسري أحكام هذا القانون على الجرائم التي يرتكبها في المملكة موظفو السلك الخارجي والقناصل والأجانب…»، والمادة (٢٥) من قانون العقوبات الإماراتي نصت على أن «لا يسري هذا القانون على الأشخاص المتمتعين بحصانة مقررة بمقتضى الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي أو القانون الداخلي وذلك في إقليم الإمارات…».

 

[12]   أبرمت اتفاقية المزايا والحصانات للأمم المتحدة في 13 /2/1946م، وأصبحت سارية المفعول اعتبارًا من 17/9/1946م، وانضمت اليمن إلى هذه الاتفاقية في 23 يوليو1963م.

 

[13]   وعدم خضوع رئيس الدولة للقضاء الجزائي مطلق لا يحتمل أي استثناء، أما القضاء المدني فيجوز لرئيس الدولة أن يتنازل عن حقه في عدم الخضوع له.

 

[14]   ويتمتعون أيضًا بالحرمة الشخصية فأي تعد عليهم بأي شكل يعد جريمة شريطة أن يتم إشعار الحكومة بوجودهم، تراجع: المادة (197) من قانون العقوبات تحت عنوان: «إهانة رئيس الدولة والهيئات النظامية».

 

[15]   الحصانة تمنح لهم حال تبعيتهم لرئيس الدولة، أما في غير ذلك فلا حصانة لهم وهذا ما قرره القضاء الفرنسي في قضية نجل الزعيم الليبي معتصم بلال القذافي الملقب بـ هنيبعل»، فقد حكم عليه بالسجن 4 شهور مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها ٥٠٠ يورو بسبب أعمال عنف ضد صديقته، وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية أن حيازته الجواز الدبلوماسي لا تمنحه الحصانة الدبلوماسية فالحصانة يستفيد منها الأشخاص المعتمدون من قبل فرنسا لتمثيل بلادهم والأشخاص الذين يقومون بمهمة، وابن القذافي ليس جزءاً منهم.

 

[16]   الدكتور/ وائل أحمد علام: القانون الدولي العام والعلاقات الدبلوماسية، دون دار نشر، 1995م، ص82.

 

[17]   تراجع: المادة (40) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963م.

 

[18]   أول إدارة دولية دائمة عرفها العالم الحديث تتمثل في هيئة نهر الراين التي أسست عام 1804م، وظهرت بها أول منظمة دولية أخذت على عاتقها إدارة الملاحة في نهر الراين بعد أن كانت من الاختصاص الإقليمي لكل دولة يمر بها النهر()، وبموجب المعاهد التي نشأت بها الهيئة أصبح مدير هذه الإدارة والموظفون العاملون بها بوصفهم مسؤولين عن تنظيم الملاحة في نهر الراين هم أول من أطلق عليهم اسم «الموظفون الدوليون» ومنحتهم المادة (131) من الاتفاقية مجموعة من الحصانات والامتيازات؛ ظهرت بعد ذلك العديد من المنظمات واستمرت بالتكوين وأصبحت تُعدُّ بالآلاف في وقتنًا الحاضر إلى الحد الذي أخذت فيه بزمام العالم وتمارس عليه الوصاية كمثل منظمة الأمم المتحدة 1945م، من خلال تعهدها بالعمل على فرض الأمن والسلم بين الأطراف الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية 1998م، وعملها على عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، ومنظمة اليونسكو، وجامعة الدول العربية …إلخ.

 

[19]   الاحتلال الأمريكي لدولة العراق الشقيقة حاكم أفراد جيشه عن جرائم التعذيب في سجن أبو غريب في أمريكا.

 

[20]   لم تستقر الجماعة الدولية على تطبيق قانون جنسية الطائرة أو قانون علم الطائرة إلا عند توقيع اتفاقية طوكيو لعام 1963م، المتعلقة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرة، وقد تبنت تلك الاتفاقية معيار علم الطائرة كقاعدة عامة لتحديد القانون الواجب التطبيق على الوقائع التي تحدث على متنها، وذلك بنصها في المادة (3) من الاتفاقية بأن تختص دولة تسجيل الطائرة بمباشرة اختصاصها القضائي فيما يتعلق بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرة»، وبما أن تسجيل الطائرة هو معيار تحديد الجنسية فإن القانون الواجب التطبيق هو قانون علم الطائرة أو جنسية الطائرة، وبهذا الصدد قضت المادة (5) من الاتفاقية بأن يطبق قانون جنسية الطائرة على الوقائع والأعمال التي تحصل في أثناء طيرانها أينما وجدت، إلا إذا كانت مبادئ القانون الدولي الخاص المسلم بها تقضي بغير ذلك، أو إذا اختار الأطراف قانوناً آخر واجب التطبيق، إلا أن هذه الاتفاقية لم تأخذ بهذا المعيار على إطلاقه بل أعطت الأفضلية لقانون دولة السطح أي قانون الدولة التي توجد فيها الطائرة على إقليمها وذلك في خمس حالات وردت على سبيل الحصر هي:

1-  إذا امتد أثر الجريمة إلى إقليم الدولة.

2- إذا كان الجاني أو المجني عليه من رعايا هذه الدول أو المقيمين فيها.

3- إذا كان من شأن الجريمة المساس بأمن الدولة.

4- إذا كانت الواقعة تمثل مخالفة للقواعد التي تحكم الملاحة الجوية في هذه الدولة.

5-  إذا كان فرض الاختصاص ضروريًا لتمكين دولة السطح من الوفاء بالتزاماتها الدولية.

[21]   تراجع في ذلك: المادة (32) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982م.

 

[22]   هناك بعض الاتجاهات التي ترفض التقيد بمبدأ عدم تسليم الدولة لرعاياها، فعلى سبيل المثال دعا معهد القانون الدولي الدول التي تشتمل تشريعاتها ونظمها القضائية المتماثلة على ضمانات وافية إلى قبول مبدأ تسليم رعاياها في ما بينها لأنَّ ذلك أجدى لحسن سير العدالة وأكفل لصيانة حرمة القانون ورعاية الحقوق بين الناس، ثم أوصى معهد القانون الدولي الدول التي تصر على عدم تسليم مواطنيها أن لا تعتد بالجنسية التي يكتسبها الجاني بعد ارتكابه الجريمة وذلك قطعًا لدابر التحايل وحتى لا يفلت المجرم من التسليم لمجرد مبادرته بعد اقترافه جريمته إلى اكتساب جنسية الدولة التي يلجأ إليها، كما حذا المعهد الأمريكي للقانون الدولي حذو معهد القانون الدولي في مقرراته في أكسفورد وأقر في دورته المنعقدة في مونتفيديو بأنه «لا يجوز أن تتخذ جنسية الشخص المطلوب ذريعة لرفض التسليم»، وفي المؤتمر الدولي الثالث لتوحيد القوانين الجزائية، المعقود في بروكسل عام 1930م أشار الفقيه غاروفالو إلى المجرمين الدوليين الذين يقومون بفضل سهولة المواصلات وسرعتها بممارسة نشاطهم الإجرامي في جميع البلدان وقد استجاب المؤتمر لهذه الملحوظة القيمة فأوصى بوجوب مبادرة الدول إلى عقد معاهدات واتفاقيات خاصة فيما بينها توافق فيها على تسليم رعاياها حينما ينتمون إلى طوائف معينة من المجرمين أو يرتكبون أنماطًا من الجرائم التي تؤلف خطرًا عامًا مشتركًا على جميع المجتمعات المتمدنة، وفي مشروع اتفاق التسليم الذي وضعته جامعة هارفارد سنة 1935م، نص في المادة السابعة على أنه «لا يجوز للدولة المطلوب منها التسليم أن ترفض التسليم لأنَّ الشخص المطلوب من رعاياها» كما تبنت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية في عام 1948م، مشروعًا يقضي بجواز تسليم المواطن إذا كان يؤلف خطرًا عامًا، ويعود تقدير ذلك إلى الدول المطلوب منها التسليم، وإذا أحجمت هذه الدولة عن تسليم أحد مواطنيها فينبغي عليها أن تحاكمه بمقتضى قوانينها بناء على طلب الدولة طالبة التسليم التي يجب عليها تقديم وثائق القضية وأدلتها، ويجب تبليغها بالحكم ولا يعود من الجائز إثارة الموضوع ومحاكمة الشخص المطلوب مجددًا.

 

[23]   تراجع: المادة (250) من قانون الإجراءات الجزائية.

 

[24]   نذكر مثالاً على ذلك قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم في شقتها بدبي، الجريمة وقعت تامة على إقليم الإمارات والمفترض أن تجري محاكمة المتهمين لدى قضائها- بناء على مبدأ الإقليمية– ولكن وجود الجاني في مصر وكونه يتمتع بالجنسية المصرية جعل إمكانية تسليمه للقضاء الإماراتي غير ممكن فتم استكمال المحاكمة في مصر- بناء على مبدأ الشخصية.

 

[25]   اليمن دائمًا تؤكد على التزامها بهذا المبدأ وترفض في تشريعاتها المتعاقبة تسليم اليمني لجهة أجنبية فدستور الجمهورية اليمنية النافذ الصادر سنة 1990م، ذكر ذلك صراحة في المادة (45) منه بالقول: «لا يجوز تسليم أي مواطن يمني إلى سلطة أجنبية» والمادة (55) دستور جمهورية اليمن الديمقراطية سابقًا بتاريخ 31/10/1978م نصت على أنه «لا يجوز أن يسلم أي مواطن من مواطني جمهورية اليمن.. إلى سلطة أجنبية» والمادة (20) من الدستور المؤقت الأول للجمهورية العربية اليمنية سابقًا الصادر عام 1963م والمادة (27) من الدستور الدائم لعام 1964م والمادة (50) من الدستور المؤقت الثاني لعام 1965م والمادة (24) من الدستور المؤقت الثالث لعام 1967م والمادة (27) من الدستور الدائم الثاني لعام 1970م، نصت جميعها على أنه «لا يجوز إبعاد يمني من الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها» وهذه النصوص على الرغم من أنها لم تقر صراحة عدم التسليم ولكن يفهم ضمنًا أنه لا يجوز إن يسلم المواطن اليمني لدولة أجنبية.

ومبدأ عدم جواز تسليم الرعايا مبدأ أخذت به كل التشريعات الوطنية للدول العربية عدا الأردن، ودستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971م، فقد نصت المادة (51) منه على أنه «لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها».

[26]   تراجع في ذلك: المواد (من 125إلى 128) من قانون العقوبات اليمني.

 

[27]   تراجع في ذلك: المواد (من 131 إلى 136) من قانون العقوبات اليمني.

 

[28]   فمثلًا نصت المادة (٩) من قانون العقوبات الأردني على أن «تسرى أحكام هذا القانون على كل أردني أو أجنبي– فاعلًا كان أو شريكًا محرضًا أو متدخلًا– ارتكب خارج المملكة جناية أو جنحة مخلة بأمن الدولة أو قلد ختم الدولة أو قلد نقوداً أو زور أوراق النقد أو السندات المصرفية الأردنية أو الأجنبية المتداولة قانونًا أو تعاملًا في المملكة»، وبالتالي، فإنها لا تشمل تزوير جوازات السفر، أو تزوير الطوابع، أو سمات الدخول، أو البطائق الشخصية أو شهادات الزواج أو الميلاد…إلخ، على العكس من المشرع المصري الذي وسع نطاق مبدأ الصلاحية العينية حيث نص في المادة (2) من قانون العقوبات المصري بأن تسري أحكام هذا القانون أيضًا على الأشخاص الآتي ذكرهم :… ثانيًا: كل من ارتكب في خارج القطر جريمة من الجرائم الآتية:

أ- جناية مخلة بأمن الحكومة مما نص عليه في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون .

ب- جناية تزوير مما نص عليه في المادة (206) من هذا القانون.

جـ- جناية تقليد، أو تزيف، أو تزوير عملة ورقية أو معدنية مما نص عليه في المادة (202)، أو جناية إدخال تلك العملة الورقية، أو المعدنية المقلدة، أو المزيفة، أو المزورة إلى مصر، أو إخراجها منها أو ترويجها، أو حيازتها بقصد الترويج، أو التعامل بها مما نص عليه في المادة (202) بشرط أن تكون العملة متداولة قانونًا في مصر.

[29]   تراجع: المادة (249) من قانون الإجراءات الجزائية.

 

[30]   تراجع: المادة (250) من قانون الإجراءات الجزائية.

 

[31]   لا يعني عدم تسليم الدولة رعاياها إفلاتهم من العقاب فهناك مبدأ في العرف الدولي والاتفاقات الدولية مفاده: (المحاكمة أو التسليم) تلتزم بموجبه بتسليم رعاياها إلى الدولة الاجنبية لمحاكمتهم على اقترافهم الجريمة على أراضيها إذا لم تقم هي بمحاكمتهم.

 

[32]   تراجع: المادة (249) من قانون الإجراءات الجزائية.

 

[33]   هذا المنطق يعود في أصله إلى قانون العقوبات الفرنسي القديم الصادر سنة ١٨١٠م، (قانون نابليون)، حيث وصلت غزوات نابليون إلى حدود مصر…