مفهوم الحيازة وإزالة الإشكالات المتعلقة بجرائم التعدي على ملك الغير في القانون اليمني
القاضي/ حافظ محمد الفرح
مقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام قضاة الحق المبين سيدنا محمد وعلى آلة الطيبين الطاهرين.
وبعد فإن المشرع اليمني ورغم أنه قد نظم جرائم الاعتداء على ملك الغير في قانون العقوبات النافذ إلا أن بعض النصوص العقابية لاسيما نص المادة (321) عقوبات المتعلق بواقعة الإضرار بالمال ونص المادة (253) عقوبات المتعلق بواقعة انتهاك حرمة المسكن والعقار لم تخل من الإشكالات العديدة لاسيما ما يتعلق بإدراج واقعة الدخول إلى الأراضي وحيازتها بطريقة غير مشروعة في ألفاظ وعبارات أحد النصين المذكورين.
كما أن نظر تلك الوقائع قد أحاطه بعض الإشكالات أيضاً لاسيما فيما يتعلق بمسأله الحيازة والملكية بشأن أيهما أولى بالاعتبار والحماية الجنائية في تلك الجرائم الحيازة أم الملكية أم الحيازة والملكية معاً.
وثمة إشكال ثالث يتمثل بإصدار أوامر وقف الاستحداث من قبل النيابة وما هو دور النيابة في رفع الضرر القائم الناتج عن الاعتداء فيما يتعلق بتعطيل منفعة المجني عليه ومنعه من الاستفادة من حيازته للأرض أو المسكن وبقاء المتهم مسيطراً عليها خلافاً للشرع والقانون.
ومن خلال هذه الدراسة التي تم إعدادها ضمن أنشطة دائرة التأهيل والتدريب بمكتب النائب العام والمتمثلة بمفهوم الحيازة وإزالة الإشكالات المتعلقة بجرائم التعدي على ملك الغير في القانون اليمني يتبادر إلى الذهن العديد من التساؤلات التي تثار في واقع العمل القضائي ومن أهمها:
لماذا لم يصبغ المشرع اليمني حمايته للحيازة بنصوص واضحة وعبارات صريحة كما فعل بشأن الملكية وهل يعد ذلك من باب القصور التشريعي وإشكالات النصوص أم لا؟.
وهل الحماية الجنائية التي أصبغها المشرع للملكية في وقائع الاعتداء على ملك الغير كواقعة الإضرار بالمال المنصوص عليها في المادة (321) عقوبات شاملة لحماية الحيازة أم مقتصرة على الملكية؟.
وإذا كانت المادة (253) عقوبات المتعلقة بحماية المساكن قد شملت في حمايتها حيازة غيرها من العقارات فلماذا أعرض البعض من العاملين في القضاء عن تطبيق هذا النص في وقائع الاستيلاء على الأراضي ومالوا الى إدراج هذه الوقائع ضمن نص المادة (321) عقوبات.
وما هو النص القانوني الواجب تطبيقه من النصين المذكورين تطبيقاً صحيحاً حسماً للاختلاف وتحقيقاً لمقصد المشرع من الحماية في قائع التعدي على الأرضي بقصد حيازتها والاستيلاء عليها لاسيما وأن مشاكل الأراضي من أكثر المشاكل في الواقع ومن أهم الأسباب التي تؤدي الى الإخلال بالأمن والاستقرار.
وماهي المسألة المدنية الأولية التي يجب الفصل فيها أولاً حتى يتم الفصل في الجانب الجنائي في وقائع الاعتداء على ملك الغير هل هي الحيازة أم الملكية أم الحيازة والملكية معاً.
وما مدى مشروعية الأوامر التي تصدر من النيابة العامة بوقف الاستحداث وهل للنيابة إصدار قرار بتمكين الحائز حيازة مشروعة من الانتفاع بحيازته أم أنه لا يجوز لها ذلك حتى صدور حكم قضائي واجب التنفيذ.
كل هذه التساؤلات سوف يتم التطرق إليها ووضع الحلول والمقترحات بشأنها باعتبار ذلك هدف هذه الدراسة ومقصودها.
لذلك فقد تم تقسيم هذه الدراسة الى مطلبين:
تضمن المطلب الأول: الحديث عن مفهوم الحيازة بذكر تعريفها وشروطها وآثارها القانونية وتضمن المطلب الثاني: أهم الإشكالات القانونية المتعلقة بجرائم التعدي على ملك الغير وطرق إزالتها ثم بيان نتائج هذه الدراسة والتوصيات الخاصة بها.
المطلب الأول
مفهوم الحيازة
الفرع الأول
تعريف الحيازة
الحيازة في اللغة تعني: الجمع وضم الشيء.
قال صاحب القاموس المحيط: والحوز: الجمع وضم الشيء كالحيازة والاحتياز[1].
وقال صاحب مختار الصحاح: «الحوز» الجمع وكل من ضم شيئاً إلى نفسه فقد حازه واحتازه أيضاً[2].
وقد عرفها القانون المدني اليمني النافذ في المادة رقم (1103) بأنها تتمثل في استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولاً كان أو عقاراً وأنها نوعان:
الأول: حيازة ملك ثبوت يتصرف به الحائز في الشيء الذي يحوزه بأي نوع من أنواع التصرفات ظاهراً عليه بمظهر المالك وإن لم يبين سبب ملكيته فتكون يده مهما استمرت حيازة ملك ثبوت على الشيء.
الثاني: حيازة انتفاع بإجارة أو نحوها يكون الشيء فيها مملوكاً لغير حائزه الذي لا يكون له الا مجرد الانتفاع بالشيء انتفاعاً مؤقتاً طبقاً لسبب إنشائه.
والظاهر أن المشرع اليمني لم يخرج في تعريفه للحيازة عن المعنى الشرعي لها والمتمثل في وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه.
كما أنه في تعريفه للحيازة قد ذكر بأنها تنقسم الى نوعين حيازة ملك وحيازة انتفاع ثم عرف حيازة الملك وعرف حيازة الانتفاع وبين الفرق بينهما على نحو ما هو مبين أعلاه.
ومن خلال تعريف المشرع لحيازة الملك ووصفها بهذا الوصف المذكور أعلاه فإن اللازم الإشارة الى بعض الأمور ذات الأهمية والمتعلقة بهذا التعريف وتتمثل في الأمور الآتية:
1- إن جوهر حيازة الملك هو تصرف الحائز بالشيء المحوز بأي نوع من أنواع التصرفات التي يقوم بها المالك عادة فيظهر من خلالها الحائز بمظهر المالك.
2- إن المقصود بالتصرف في الشيء المحوز استعماله أو استغلاله وأمثلة ذلك كثيرة كزرع الأرض أو البناء فيها أو تأجيرها وكسكن الدار أو تأجيره وكلبس الثوب وركوب الدابة وكذا بيع الشيء المحوز أو هبته وغير ذلك من أوجه التصرف المعروفة شرعاً.
3- إن إضافة الحيازة الى الملك فيه دلالة على مشروعيتها وأنها مضافة إلى سبب من أسباب الملك الشرعية كالشراء أو الهبة أو الوصية أو الإرث أو الإحياء وغير ذلك من الأسباب المشروعة وهذا هو الأصل في الفقه الشرعي الذي يفترض في الحائز بأنه مالك للشيء المحوز مادام بيده ويتصرف به تصرف المالك.
4- إن عدم ذكر الحائز لسبب ملكيته لا يؤثر على حيازته وتظل حيازة ملك ثبوت مهما استمرت كون الظاهر معه، فالأصل أن من كان حائزاً لشي فهو المالك له والقول قوله وعلى من يدعي خلاف ذلك الإثبات ولأن الحائز قد يجهل سبب الملك كالوارث الذي يجهل سبب ملكية مؤرثه أو مؤرث مؤرثه ولو كلف الناس بإثبات ملكية ما في أيديهم من الدور والأراضي وغيرها مما تناقلت بين الناس عبر السنين الطوال لكان في ذلك حرج عليهم والحرج مرفوع شرعاً.
5- إن ثبوت يد المدعى عليه المشار إليها في الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون الإثبات النافذ بما نصه: (يشترط في الدعوى من حيث الإثبات والإجابة عليها ما يلي:
- ثبوت يد المدعى عليه على الحق المدعى فيه حقيقة أوحكماً...) لا يشترط في ذلك الثبوت ما يشترط في حيازة الملك وفقاً لما سوف نبينه في ضوابط وشروط الحيازة بل يكفي فيه الحوز والاستيلاء على الشيء ولو لمدة يسيره في العقار أما في المنقول فيكفي وضع اليد ولو لساعة واحدة.
الفرع الثاني
ضوابط وشروط الحيازة
لا شك بأن حيازة الملك في القانون اليمني قد ضُبطت بشروط شرعية تجعلها جديرة بالحماية الجنائية والمدنية.
ويمكن القول بأن ضوابط حيازة الملك وشروطها وفقاً لما تضمنه نص المادة (1103) ونص المادة (1104) من القانون المدني النافذ تتمثل في الضوابط والشروط الآتية:
- الشرط الأول: التصرف في الشيء المحوز بأي نوع من أنواع التصرفات ظاهراً عليه بمظهر المالك ويقصد بذلك أن الحائز يتصرف بالشيء المحوز بأي نوع من أنواع التصرفات التي يتصرف فيها المالك فيما يملك عادة فإذا كان الشيء المحوز أرضاً فبزراعتها أو غرسها أو البناء فيها أو تأجيرها وإن كانت داراً فبسكنها أو تأجيرها وإذا كان منقولاً فبوجوده بيد الحائز وتحت تصرفه فضلاً عن استعماله او استغلاله والعبرة في وجوه التصرف بعادة الملاك في التصرف بأملاكهم ومن ذلك التفويت ببيع أو هبة أو وصية ونحو ذلك.
كما أن الحائز قد يحوز الشيء بالتصرف فيه بنفسه أو بواسطة غيره كأن يؤجر الشيء المحوز أو يكون بيد الشريك أو العامل أو الوصي أو الولي.
ولا شك بأن شرط التصرف هو جوهر الحيازة ويعد بمثابة الركن المادي لها والذي يعبر عنه فقهاء القانون بالسيطرة الفعلية أو المادية على الشيء.
والأصل أن تظل مظاهر الحيازة مستمرة ولا تنقطع أو تزول إلا بسبب خارج عن إرادة الحائز وقد أكد على ذلك الحكم نص المادة (1106) مدني بقولها: (لا تزول حيازة الملك بمانع وقتي يمنع الحائز من السيطرة الفعلية على الشيء كغياب الحائز عن مكانه أو وجود عذر لديه من صغر أو جنون أو نحو ذلك).
وفي قول المشرع أو نحو ذلك تأكيداً بأن تلك الأسباب إنما ذكرت على سبيل التمثيل لا الحصر ذلك لأن لكل واقعة ظروفها الخاصة بها وتقدير مدى استمرار الحيازة من عدمه من المسائل المتروك تقديرها لقناعة القاضي ولا معقب عليه في ذلك مادام أن قناعته لها ما يسوغها في أوراق القضية.
- الشرط الثاني: أن يكون الحائز للشيء على قصد أنه مالك له دون غيره فلا ينسبه لغيره كمالك له ويعرف القصد أو النية بقرائن الحال التي تدل عليه من ظهور ذي اليد بمظهر المالك للشيء وتصرفه فيه تصرف الملاك والناس من حوله ينسبون الشيء إليه ويقولون إنه مالكه ويلجؤون اليه في شأنه على هذا الأساس وهذا الشرط بمثابة الركن المعنوي للحيازة.
- الشرط الثالث: أن يجاهر الحائز بملكيته للشيء الثابت عليه بأنه المالك له دون الناس ويتمسك بذلك إذا ما نازعه فيه منازع وينتصب أمام القضاء للدفاع عن ملكيته في مواجهة من ينازعه.
- الشرط الرابع: أن لا تقترن الحيازة بإكراه المالك أومن يمثله أو منازعته ويقصد بذلك أن ينتقل الشيء إلى حيازة الشخص بدون إكراه شخص آخر حائزاً قبله على ترك الحيازة له إلا أن يكون تابعاً له كخادم أو عامل أو ممثل له كوكيل ومعلوم أن نزع حيازة الغير بالقوة فضلاً عن كون ذلك عيباً من عيوب الحيازة يعرضها للبطلان فإنه يعد تعدياً أو فعلاً مجرماً قانوناً.
- الشرط الخامس: أن لا تحصل الحيازة خفية ولا يكون فيها لبس كأن يكون الحائز خليطاً لمالك أو ممثلاً شرعياً له بالولاية أو الوصاية أو الوكالة أو يكون مخولاً حيازة الشي حيازة انتفاع أو نحو ذلك فلا بد أن تكون الحيازة واضحة فإذا فسرت أو حصل فيها شك بأن الحائز يحوز لنفسه أو لغيره فإن ذلك عيب يعرضها للبطلان.
ومما يجدر الإشارة اليه أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد حددوا شروط الحيازة وبينوا ما يترتب عليها من آثار وما ذُكر في الفقه القانوني من أركان للحيازة فقد ذكرها الفقهاء ضمن شروط الحيازة وهما شرطا التصرف وقصد الملك سالف الذكر.
وشروط الحيازة في الفقه الزيدي هي التصرف والنسبة وعدم المنازع كما هو مذكور في متن الأزهار وقد ذكر صاحب التاج المذهب بأن التصرف يكون بالتأجير أو العارية ونحوه مما يفعله الملاك عادة وأن المقصود بالنسبة بأن يقال هذا الشيء ملك فلان بن فلان وأن عدم المنازع للحائز يكون فيما مضى من المدة ثم قال: ويزاد شرط رابع للحكم له بالملك بثبوت اليد عليه ثلاث سنين فصاعداً وليس للحاكم أن يحكم بالملك إلا بعد ثبوت ذلك[3].
وأما شروط الحيازة في الفقه المالكي فهي وضع اليد والتصرف بالشيء المحوز تصرف المالك وأن ينسب الحائز الملك لنفسه وعدم المنازعة مع الحضور والمشاهدة وعدم المانع للمطالبة بالإضافة الى المدة وهي عشر سنوات من يوم وضع اليد.
كما قسم بعض فقهاء الشريعة الإسلامية اليد إلى ثلاثة أقسام:
- أولها: اليد التي يعلم بأنها مبطلة ظالمة وهي التي تدل القرائن الظاهرة على بطلانها كيد السارق والمغتصب فتلك يد لا اعتبار لها ولا يلتفت إليها ولا يترتب عليها أي أثر.
- ثانيها: اليد التي يعلم بأنها محقو عادلة وهي التي تكون على عقار أو منقول لمدة طويلة فترك الحق والدعوى تلك المدة قرينة على بطلان الحق وأن اليد عليها محقة عادلة فإذا كان الشخص حائزاً لدار مثلاً متصرفاً فيها مدة سنين طويلة بالهدم والبناء والإجارة والعمارة وهو ينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وشخص حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طوال هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه فيها ولا يذكر حقاً له ولا مانع يمنعه من مطالبته من خوف سلطان أو نحوه وليس بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شراكة في ميراث وما أشبه ذلك مما يتسامح به القرابات والصهر بينهم في إضافة أموال الشركة إلى نفسه ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه ويريد أن يقيم بينة على ذلك فدعواه غير مسموعة أصلاً فضلاً عن بينته وتبقى الدار في يد حائزها لأن كل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.
- ثالثها: اليد التي يحتمل بأنها محقة ويحتمل بأنها مبطلة كاليد المجردة عن التصرفات أو كون التصرف فيها لمدة قصيرة فهذه اليد هي التي يجوز سماع الدعوى عليها فهي قرينة على ملكية صاحبها وقد يحكم بها عند عدم وجود ما هو أقوى منها.
مما يجدر الإشارة اليه أيضاً أن المشرع اليمني لم يشترط في حيازة الملك عدم وجود المنازعة للحائز مدة من الزمن بعد وضع يده ليستدل بذلك على استقرار الحيازة وللتقرير بصحتها لا للحكم بعدم سماع دعوى الملك بشأنها.
أما بشأن عدم سماع دعوى الملك فقد حدد المشرع اليمني ذلك بمضي مدة طويلة وهي ثلاثون سنة من يوم وضع اليد إذا توفرت الشروط المذكورة سلفاً بشأن اليد المحقة العادلة بالإضافة إلى شرط الظروف العادية التي لا يسود فيها الفوضى أو التغلب ولا يتعذر فيها الوصول إلى الحق وكذا عدم وجود قرائن قوية دالة على صدق الدعوى وألا يكون المال المحوز وقفاً ولا ميراثاً ولا شراكة وفقاً لما هو مبين في نص المادة (1118) مدني ويلحق بتلك الشروط ألا يكون المال المحوز من أموال الدولة سواء كان عقاراً أو منقولاً لعدم تقادم الدعوى بشأنها وفقاً للقانون.
والظاهر بأن المشرع اليمني قد ترك تقدير مدة استقرار الحيازة للتقرير بصحتها لقاضي الموضوع كون استقرار الحيازة مدة من الزمن تقره الشريعة الإسلامية والعقول السليمة ويشهد به العرف والعادة.
كما أن الظاهر أن حيازة الملك في القانون اليمني قد تكون حقيقية باستمرار التصرف بالشيء المحوز أوحكماً بالانقطاع عن التصرف لسبب خارج عن إرادة الحائز مع بقاء الشيء المحوز بيده ومنع غيره من حيازته.
الفرع الثالث
آثار الحيازة
إن إدراك مدى اعتبار المشرع للحيازة لا يتضح جلياً إلا من خلال معرفة آثارها كما يعرف من خلال ذلك العلاقة بينها وبين الملكية التي تعد جماع كل الحقوق ويمكن إجمال آثار الحيازة في القانون المدني اليمني فيما يلي:
1- تعد الحيازة سبباً من أسباب كسب الملكية في القانون اليمني والفقه الشرعي فيما عرف سببه كالحيازة بطريق إحياء الأرض الموات وهي الأرض التي لم يملكها أحد ولا تحجرها أحد ولا تعلق بها حق عام أو حق خاص لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق)).
ويكون الإحياء للأرض بإعدادها للانتفاع بها بالحرث والبذر وامتداد الكرم وإزالة الشجر النابت وتنقية الأرض من الحشائش وتحويط الأرض بحائط أو خندق عميق أو عرم للغدير من ثلاث جهات أو بناء أياً كان أو نحو ذلك.
غير أن الاحياء لا يجوز قانوناً إلا بأذن ولي الأمر ولا يتجاوز الإحياء في البناء قدر مساحة البيت ومرافقه بما لا يزيد على خمسمائة متر مربع وفي الزراعة بمقدار ما يحصل من الفوائد التي تكفي المحتاج وأسرته وللمصالح العامة بقدر ما تحتاجه.
والعلة في ذلك تحقيق العدالة بين المواطنين وحتى لا يستأثر الأغنياء وغيرهم بإحياء تلك الأراضي دون الفقراء والمحتاجين.
فقد حدد المشرع اليمني في المادة (1224) من القانون المدني النافذ أسباب كسب الملكية والمتمثلة في التصرف الشرعي والميراث الشرعي والاستيلاء على مال منقول لا مالك له وإحياء الأرض الموات المباحة والشفعة كما بين القانون سالف الذكر أحكام الإحياء وكذلك أحكام التحجر والاستيلاء على الأموال المنقولة التي لا مالك لها تفصيلاً.
2- ليس لمدعي الملك أن ينزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه إلا بحكم قضائي وقد بينت ذلك الحكم المادة (1117) من القانون المدني النافذ بما نصه: ليس لمدعي الملك أن ينزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه إلا بحكم قضائي وله أن يلجأ الى القضاء ويجوز للقاضي إن رأى ذلك للمصلحة أن يعدل الشيء المتنازع عليه بأن يأمر بتسليمه لعدل لحفظه لحين الفصل في دعوى الملك بحكم نافذ فيسلم الشيء لمن حكم له).
وقد بينت المذكرة الإيضاحية بأن هذا النص يعد قاعدة عامه تبين بأن على مدعى الملك اللجوء إلى القضاء لطلب الحكم له بما يدعيه وأن يقيم الدليل الشرعي على صحة دعواه وله أن يطلب تعديل الشيء في فترة التقاضي إلى أن يحكم القضاء لأحد الطرفين بالحق وليس له أن ينزع الشيء من يد الثابت بالإكراه أو الحيلة كما أكدت على هذه القاعدة المحكمة العليا في القواعد القضائية الصادرة منها بشأن الثبوت والحيازة.
3- لا يجوز سماع دعوى الملك بعد مضي ثلاثين عاماً من يوم وضع اليد إذا توفرت الشروط المحددة قانوناً بالإضافة إلى المدة المذكورة فلا يكون لمدعى الملك الحق في رفع الدعوى بعد مضي هذه الفترة وهو حاضر وعالم بحيازة وثبوت المدعى عليه على الشيء طول تلك الفترة وليس هناك مانع يمنعه من المطالبة فقد نصت المادة (1118) على أنه ((لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى أو التغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد والعبرة في اعتبار الشخص غائباً عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضراً إذا كان متردداً إليها ويستثنى من ذلك الوقف والميراث والشراكة فلا تحدد بمدة ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق).
ولاشك بأن مضي الفترة المذكورة مع توفر بقية الشروط يتأكد معها على أن يد الحائز يد محقة وعادلة وعلى أن دعوى الملك يكذبها العرف والعادة وأنها مرفوضة وغير مسموعة إلا ما استثنى المشرع منها وهي دعاوى الملك فيما بين القرابات والأصهار والميراث والشراكة والوقف فتلك الدعاوى مسموعة مطلقاً ولا تتقادم بمضي مدة محددة طالت أم قصرت والسبب يرجع إلى العلاقة بين أطراف الدعوى كالأقرباء والأصهار فقد تحمل تلك العلاقة البعض إلى التسامح في حيازة الأموال دون مطالبة أو لطبيعة المال كما هو حال مال الوقف الذي لا يجوز التصرف فيه ولا اعتبار لحيازته من الغير في اكتساب حق عليه.
4- يعتبر الحائز حيازة ملك لشيء أو حق مالكاً له ما لم يقم الدليل على غير ذلك فمن كان ثابتاً على حق أو شيء فهو المالك له إلا إذا ثبت خلاف ذلك بحكم قضائي وقد ذكرت هذه القاعدة المادة (1111) مدني التي نصت على أنه ((من كان حائزاً لشيء أو حق اعتبر مالكاً له مالم يقم الدليل على غير ذلك)) كما أكدت على ذلك المحكمة العليا ضمن قواعدها القضائية المتعلقة بالحيازة والثبوت ويترتب على ذلك عدة أمور أهمها:
أ) أن الحائز يكون مدعياً في إثبات الحيازة ومدعى عليه في دعوى الملكية ولا شك أن عبء إثبات الحيازة أيسر وأسهل من عب إثبات الملكية.
ب) إذا أقام مدعي الملك على ذي اليد الثابتة البينة الشرعية على ملكه بكتابة صحيحة أو بشهادة عدول أو بالقرائن التي تترجح على قرينة الثبوت فيحكم له بالملك وإذا لم يثبت ذلك كلية فإن قرينة الثبوت مع يمين ذي اليد تكفي لرفض دعوى مدعي الملك وقد بينت ذلك الحكم المادة (1114) مدني بما نصه: ((تسمع دعوى الملك على ذي اليد الثابتة مطلقاً ويحكم للمدعي في دعوى الملك إذا أقر ذو اليد الثابتة أو بناء على مستندات كتابية خالية من شبهة التزوير مستوفية للشروط الشرعية أو بشهادة عدول فإذا لم توجد مستندات مستوفية للشروط أو شهادة عدول عمل بالقرائن وتعتبر قرينة اليد الثابتة إذا لم تعارض قرينة أقوى منها مع يمين ذي اليد دليلا كافياً)).
ج) يكون الترجيح بين مستند مدعي الملك وبين دلائل وقرينة الثبوت وفقاً لما بينته أحكام نص المادتين (1115) و(1116) من القانون المدني النافذ وذلك وفقاً للأحوال الآتية:
- الحالة الأولى: إذا قدم مدعي الملك مستنداً كتابياً صادراً من أحد الحكام المعروفين وصرح فيه بلفظ يفيد الحكم فإن ما جاء في المستند يعتبر حكماً ويعمل بما جاء فيه ما لم يثبت إلغاؤه أو تعديله من جهة أعلى لها اختصاص بتعديله.
- الحالة الثانية: إذا قدم مدعى الملك مستنداً كتابياً صادراً من كاتب معروف الخط معروفاً بالعدالة ومشهوداً عليه من عدول وأقر فيه الكاتب والشهود معرفتهم بأن المتصرف تصرف وهو مالك لما تصرف فيه فيعتبر المستند دليلاً كافياً ويعمل بما جاء فيه.
- الحالة الثالثة: إذا لم يصرح الكاتب والشهود في مستند مدعي الملك بأن المتصرف مالك لما تصرف فيه وعليه تعميد مجمل من حاكم فيكون المستند قرينة ضعيفة تتساوى مع الثبوت يلزم الترجيح بينه وبين قرينة الثبوت وللقاضي في هذه الحالة أن يسأل ذا اليد الثابتة عن سبب ثبوته لأن تقديم مدعي الملك لمستند ملكه يجعل الظاهر معه وينقلب مدعي الثبوت مدعياً وعليه البينة فإذا قدم ذو اليد مستنداً كتابياً تتوافر فيه الشروط السابقة للمستند وهي عدالة الكاتب والشهود وشهادتهم بأن المتصرف تصرف وهو مالك لما تصرف به فإنه يتعين الحكم بما جاء به.
أما إذا استند ذو اليد إلى الميراث فيكلفه القاضي بتقديم فصله الذي يتضمن نصيبه من تركة مؤرثه فيعد قرينة وعلى القاضي أن يبحث في تملك مؤرث ذي اليد للموضع المتنازع عليه فإن ثبت له تملك المؤرث لما ورث عنه حكم بمقتضاه وما إذا أعيى القاضي الحال وتمسك مدعي الملك بدعواه وذو اليد بثبوته فيرجح بين أدله كل منهما بالقرائن المختلفة.
- الحالة الرابعة: الترجيح بين دعوى مدعي الملك وذي اليد الثابتة بقرائن الحال التي تلابس الثبوت وفقاً لما يلي:
أ) ينظر إلى حال ثابت اليد فإن تبين أنه ممن يجوز منه الاغتصاب هو أو سلفه عند بدء الثبوت فهذه قرينة تقوي حجة المتمسك بالمستند الكتابي الذي فقد شرط صحته على ذي اليد الذي اعتاد الغصب.
ب) ينظر إلى مدة ثبوت ذي اليد ومتى بدأت فإن كانت سابقة على تاريخ المستند فإن ذلك يقوي حجة ذي اليد لأن المستند لم يصدر منه مع أنه ثابت على الشيء المتنازع عليه في وقت صدوره وإن كانت لاحقة على تاريخ المستند قويت حجة صاحب المرقوم لأن مستنده سابق على حيازة ذي اليد.
ج) ينظر إلى حال المتمسك بالسند الكتابي «المرقوم» وهل كان حاضراً في مكان الشيء المتنازع عليه مدة ثبوت الغير عليه أم كان غائباً وهل هو قوي لا يخشى مجابهة ذي اليد بأنه المالك أم ضعيف أمامه فإن كان غائباً أو ضعيفاً أو ذا بلاهة فإن ذلك يقوي حجته على ذي اليد لأن حالته مدة الثبوت كانت تعجزه عن المطالبة بحقه.
د) ينظر إلى حال الجهة التي حصل فيها النزاع هل تجري فيها الأحكام الشرعية ويؤخذ حق المظلوم من الظالم فإن كانت كذلك قويت حجة ذي الثبوت وإن كانت غير ذلك حيث تعم فيها الفوضى وينتشر الظلم كان ذلك مقوياً حجة صاحب المرقوم.
المطلب الثاني
إزالة الإشكالات القانونية المتعلقة بجرائم التعدي على ملك الغير
ويشتمل على فرعين:
الفرع الأول
أهم الإشكاليات المتعلقة بجرائم التعدي على ملك الغير
لقد نظم المشرع اليمني جرائم الاعتداء على ملك الغير في الفصل الرابع من الباب الثاني عشر من قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 94م.
وهي جريمة الإضرار بالمال التي نصت عليها المادة (321) عقوبات وجريمة الإخلال بالثقة في بيع العقارات التي نصت عليها المادة (322) عقوبات وجريمة نقل الحدود التي نصت عليها المادة (323) عقوبات كما نظم المشرع في الفصل الثاني من الباب العاشر من ذات القانون سالف الذكر جريمة انتهاك حرمة المسكن في نص المادة (253) عقوبات ضمن جرائم الاعتداء على الحرية الشخصية والتي تضمنت أيضاً واقعة انتهاك حرمة العقار غير المسكن ويعد النص القانوني المتعلق بجريمة الإضرار بمال الغير والنص القانوني المتعلق بجريمة انتهاك حرمة المسكن والعقارات من أهم النصوص القانونية التي ثارت حولهما بعض الإشكالات القانونية مما يلزم التطرق إليهما بإيجاز غير مخل أولاً ثم ذكر وبيان الإشكالات المتعلقة بهما وفقاً لما يلي:
أولاً: جريمة الإضرار بالمال:
لقد نصت المادة (321) عقوبات على أنه ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أعدم أو أتلف عقاراً أو منقولاً أو نباتاً غير مملوك له أو جعله غير صالح للاستعمال أو أضر به أو عطله بأية كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا اقترفت الجريمة بالقوة أو التهديد أو ارتكبها عدد من الأشخاص أو وقعت في وقت هياج أو فتنة أو كارثة أو نشأ عنها تعطيل مرفق عام أو أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو ترتب عليها جعل حياة الناس أو أمنهم أو صحتهم عرضة للخطر وإذا ترتب على الجريمة موت شخص تكون العقوبة الإعدام حداً ولا يخل ذلك بحق ولي الدم بالدية أو الأرش بحسب الأحوال).
ويذكر بعض الفقه القانوني أن هذه الجريمة التي سماها المشرع اليمني بجريمة الإضرار بالمال تقوم على أربعة عناصر أو أركان هي:
1- الركن المادي ويقصد به الإضرار بذات المال بأية طريقة ومن صور ذلك الإضرار الهدم أو التخريب أو الإتلاف أو الإعدام أو جعل ذلك المال غير صالح للاستعمال.
والظاهر أن تلك الصور قد ذكرت على سبيل التمثيل لا الحصر بدلالة قول المشرع أو أضر به أو عطله بأية كيفية فالعبرة بحصول الضرر للمال ومنافعه بأية كيفية وبأية طريقة.
ولا يخرج من صور الإضرار بالمال إلا ما جرمه المشرع على سبيل الاستقلال كإحراق المال بالنار أو تفجيره بالمفرقعات فتلك صور مجرمة بنصوص قانونية أخرى فكل ما لم يجرم من صور الإضرار بالمال استقلالاً فيدخل تحت طائلة هذا النص القانوني.
2- كون المال الذي وقع عليه الإضرار منقولاً أو عقاراً أو نباتاً والظاهر أن ذكر النبات من باب التأكيد وإلا فإن النباتات داخلة في مفهوم العقار الذي يعني كل ماله أصل ثابت لا يمكن نقله أو تحويله دون تلف كالأرض والبناء والأشجار والنباتات المختلفة ويلحق به كل ما وضع لخدمته أو استغلاله وما عد ذلك فهو المنقول وقد عرف العقار والمنقول بذات التعريف السابق المشرع اليمني في منطوق نص المادة (115) من القانون المدني.
3- أن يكون المال مملوكاً للغير فإذا كان الشخص الذي أضر بالمال بأي صورة من تلك الصور مملوكاً له فلا يعتبر فعله مجرماً لأن له مطلق التصرف في ماله كيف يشاء.
4- القصد الجنائي ويتحقق في جريمة الإضرار متى تعمد الجاني إحداث الإضرار مع علمه بأنه يحدثه بغير حق فيجب لكي يتحقق القصد أن يتعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بإحدى الصور المذكورة أو غيرها واتجاه إرادته (321) إحداث ذلك وعلمه أنه يحدثه بغير حق.
وبالتالي فإن هذه الجريمة لا تقوم إذا تخلف ركن من أركانها فإذا انعدم الإضرار فلا جريمة وإذا وقع الإضرار بوجه حق فلا جريمة وكذلك إذا وقع الفعل على سبيل الخطأ كون وقائع التعدي على ملك الغير من الجرائم العمدية والخطأ فيها يلزم التعويض المدني إلا ما جرم بنص كالحريق غير العمدي.
وأما بالنسبة للعقوبة في هذه الجريمة فلا يجب الحكم بها إلا متى توفرت الأركان وانتفت أسباب الإباحة وموانع المسئولية وقد حددها المشرع بالحبس لمدة عام أو الغرامة في حالة الظروف المخففة كما حددها بالحبس لمدة لا تتجاوز خمس سنوات في حاله الظروف المشددة المذكورة أعلاه وإذا ترتب على ذلك موت شخص فتكون العقوبة هي الإعدام ولا شك أن الجريمة تكون غير جسيمة في الظروف المخففة وجسيمة في الظروف المشددة.
ثانياً: جريمة انتهاك حرمة ملك الغير:
لقد نصت المادة (253) من قانون العقوبات النافذ على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سن: أو بالغرامة من دخل مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته أو أي محل معد لحفظ المال أو عقاراً خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة في القانون وكذلك من بقي فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه وتكون العقوبة مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة إذا وقعت الجريمة ليلاً أو بواسطة العنف على الأشخاص أو الأشياء أو باستعمال سلاح من شخصين أو أكثر أومن موظف عام أو ممن ينتحل صفته).
لقد اشتمل النص القانوني سالف الذكر على جريمة انتهاك حرمة الأماكن والمساكن وكافة العقارات ولا تقوم هذه الجريمة إلا بتوفر أركانها وعناصرها وتتمثل بالأركان الآتية:
1- الركن المادي: ويتمثل بالدخول أو البقاء في عقار سواء كان العقار مكاناً مسكوناً أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته أو أي محل معد لحفظ المال وغير ذلك من الأملاك والحيازات المختلفة كالأراضي الفضاء أو المزروعة وغيرها فيتحقق الركن المادي بالدخول إلى تلك الأماكن بأي كيفية أو طريقة أو بالبقاء فيه بعد الدخول طالما كان ذلك الدخول بغير حق.
2- أن يكون الدخول بغير حق سواء كان خلافاً لإرادة صاحب الشأن وفي غير الأحوال المبينة قانوناً أو كان البقاء فيه خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه.
ويقصد بصاحب الشأن المالك وكل حائز حيازة مشروعه سواء حيازة ملك أو حيازة انتفاع وغيرها من الحيازات المشروعة وهو ذات المعنى لمن له الحق في إخراج غيره من ذلك العقار.
ويقصد بالأحوال المبينة في القانون كل حالة أباح فيها القانون الدخول للأماكن والعقارات خلافاً لإرادة أصحاب الشأن ومن ذلك أداء الواجب بناء على أمر من الجهة المختصة كتنفيذ أمر قبض أو أمر تفتيش أو تنفيذاً لحكم قضائي وكحالة الضرورة لإنقاذ الساكنين من حريق نشب فيه وغير ذلك مما يعد الدخول مشروعاً بغير إذن المالك أو الحائز.
3- القصد الجنائي المتمثل بالعلم والإرادة فيتحقق القصد متى ما كان المتهم عالماً بفعل الدخول بغير حق ومريداً له.
وينتفي الجرم الجنائي متى كان الدخول مشروعاً استعمالاً لحق أو أداء لواجب أو دفاعاً شرعياً أو كان الفاعل يعتقد بحسن نيه أن دخوله بوجه حق كمن ورث أو اشترى داراً أو أرضاً مغصوبة ولا يعلم بحقيقة ذلك.
وبالتالي فلا يحكم بالعقوبة في هذه الجريمة إلا متى توفرت الأركان وانتفت أسباب الإباحة وموانع المسئولية وقد حدد المشرع العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة في الظروف المخففة وبالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة في الظروف المشددة.
ثالثاً: الإشكالات المتعلقة بالنصوص القانونية:
يمكن أن نجمل أهم الإشكاليات القانونية المتعلقة بالحماية الجنائية للملكية والحيازة فيما يتعلق بوقائع الاعتداء على ملك الغير فيما يلي:
الإشكال الأول: أن المشرع اليمني قد اعتبر جرائم التخريب والتعييب وإتلاف الأموال الخاصة وكذا جرائم انتهاك حرمة ملك الغير من جرائم الشكوى وفقاً لنص المادة (27) إجراءات وكان يفترض أن يكون تنظيم تلك الجرائم في قانون العقوبات متناسقاً ومتفقاً مع قانون الإجراءات غير أن المشرع أفرد فصلاً خاصاً لجرائم الإعداء على ملك الغير ومنها جريمة الإضرار بالمال التي نصت عليها المادة (321) عقوبات ونص على جريمة انتهاك حرمة المسكن ضمن جرائم الاعتداء على الحريات الشخصية في نص المادة (253) عقوبات وتضمن نص تلك المادة جريمة انتهاك حرمة العقار غير المسكن مما أوجد اختلافاً في وجهات نظر القضاة بشأن إدراج واقعة الاستيلاء على الأراضي بقصد حيازتها بطريقة غير مشروعة ضمن ألفاظ وعبارات أحد النصين المذكورين لوجود إشكال في ذلك كون نص المادة (321) عقوبات متعلقاً بالإضرار بالمال عقاراً كان أو منقولاً في حين أن دخول الأراضي والبناء فيها لا يعد من أوجه الضرر المذكورة في النص وكون نص المادة (253) عقوبات قد ذُكر ضمن جرائم الاعتداء على الحريات الشخصية وليس ضمن جرائم الاعتداء على ملك الغير مما جعل بعض أعضاء النيابة وقضاه الحكم يعرضون صفحاً عن تطبيق النص الثاني وإدراج الواقعة المذكورة ضمن النص الأول فما هو النص الواجب التطبيق منهما على الواقعة المذكورة تطبيقاً صحيحاً.
الإشكال الثاني: لقد ذكر المشرع اليمني الملكية بصريح الألفاظ والعبارات سواء فيما يتعلق بعنوان الفصل الرابع من الباب الثاني عشر «الاعتداء على حرمة ملك الغير» أو بألفاظ وعبارات نصوص المواد (321) و (322) و (323) عقوبات وهي عبارة: «غير مملوك له» المذكورة في نص المادة (321) عقوبات وعبارة: «المملوك له» المذكورة في نص المادة (322) عقوبات وعبارة: «أو للفصل بين الأملاك» وكذا عبارة: «أو بقصد اغتصاب أرض مملوكة للغير» المذكورتين ضمن ألفاظ نص المادة (323) عقوبات بينما ذكرت الحيازة دلالة لا صراحة ضمن معنى عبارة: «خلافاً لإرادة صاحب الشأن» وعبارة: «خلافاً لإرادة من له الحق في إخراجه» المذكورتين ضمن ألفاظ نص المادة (253) عقوبات.
فهل المسألة المدنية الأولية التي يجب الفصل فيها أولاً في وقائع الاعتداء على ملك الغير هي الحيازة أم الملكية أم الحيازة والملكية معاً؟
الإشكال الثالث: لم ينص المشرع اليمني في قانون الإجراءات ولا في قانون المرافعات على أن للنيابة أو للقاضي الجنائي الحق في إصدار الأوامر بوقف الاستحداث إذا لزم ذلك مراعاة لمقتضيات الأمن ودرءاً لحدوث مشاكل أو فتن أخرى بين طرفي النزاع كما أنه لم ينص على جواز الأمر من قبل النيابة بإزالة العدوان ومنع التعرض أو الامر باسترداد الحيازة بما يتحقق معه رفع الضرر عن المجني عليه بصورة مستعجلة وبما يتحقق معه أيضاً عدم الإقرار من الجهة المختصة باستمرار الجريمة وبقاء الاعتداء وسيطرة المعتدي على المال المعتدى عليه بدون وجه حق إنما نص المشرع على ذلك الحق لقاضي الأمور المستعجلة وفقاً لما هو مبين في نصوص قانون المرافعات في حين أن المشرع المصري وغيره قد منح النيابة ذلك الحق بالنص عليه في قانون المرافعات.
فما مدى مشروعيه الأوامر التي تصدر من النيابة العامة بوقف الاستحداث وهل يجوز للنيابة إصدار قرار بتمكين المجني عليه الحائز حيازة مشروعة من الانتفاع بحيازته أم أن ذلك غير جائز حتى صدور حكم قضائي بذلك من المحكمة المختصة.
الفرع الثاني
طرق إزالة الإشكالات المتعلقة بالنصوص القانونية
الطريق الأول: وجوب إدراج وقائع التعدي على الأراضي بالدخول إليها أو البقاء فيها خلافاً لإرادة حائزها أو مالكها ضمن ألفاظ وعبارات نص المادة (253) عقوبات وليس ضمن نص المادة (321) عقوبات إلا إذا صاحب واقعة الدخول ظروف مشددة وارتقت تلك الظروف إلى الجرم الجنائي كالهدم والإتلاف فيطبق عليها أيضاً نص المادة (321) عقوبات وأما الدخول سواء كان لمجرد انتهاك حرمة المسكن أو العقار أو كان بغرض الاستيلاء بطريقة غير مشروعة فيطبق على تلك الواقعة نص المادة (253) عقوبات وبهذا الفهم السليم والتطبيق الصحيح للنصين المذكورين في إزالة لأهم الإشكالات بشأن التطبيق القانوني الصحيح للوقائع سالفة الذكر وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول: أن ألفاظ وعبارات نص المادة (321) عقوبات ودلالات تلك الألفاظ على المعاني تدل دلالة لا مجال للشك فيها على عدم استيعاب واقعة الدخول للأراضي والبناء فيها أو زرعها أو غرسها ضمن ألفاظ النص المذكور لدلالاتها الواضحة على الإضرار بالمال ذاته عقاراً كان أو منقولاً وذلك بالهدم أو التخريب أو الإتلاف أو التعطيل بينما ألفاظ نص المادة (253) عقوبات واضحة الدلالة وصريحة بشأن تجريم دخول أي عقار أو البقاء فيه خلافاً لإرادة حائزه أو مالكه، ولو لم يرد المشرع ذلك لاكتفى بتجريم دخول المساكن ولم يضف دخول أي عقار غير المساكن إلى ألفاظ النص المذكور.
السبب الثاني: أن النص على تجريم دخول العقارات خلافاً لإرادة أصحابها ضمن وقائع الاعتداء على الحريات الشخصية لا ينفي بأن الاعتداء عليها يعد انتهاكاً لحرمة ملك الغير بدلالة أن واقعة انتهاك حرمة المسكن قد نصت عليها بعض التشريعات ضمن وقائع انتهاك حرمة ملك الغير كالتشريع المصري والعراقي وغيرهما وبدلالة أن انتهاك حرمة المسكن إذا كان بقصد الاستيلاء عليه فإنه يطبق ذات النص ولم يقل أحد من رجال القانون والقضاء بأن ذلك النص لا يطبق إلا إذا كان الاعتداء يمثل انتهاكاً لحرية الساكنين فيه.
السبب الثالث: أن التعليمات العامة للنيابة العامة قد أرشدت قضاة التحقيق إلى إعمال هذا النص القانوني بشأن النزاع حول حيازة أي عقار فقد نصت المادة (227) من التعليمات العامة على أنه (.. وكذلك إذا قام نزاع حول حيازة عقار فيجب بحث ذلك لمعرفة مدى توفر أركان الجريمة المنصوص عليها في المادة (253) من قانون الجرائم والعقوبات)).
الطريق الثاني: وجوب حسم الاختلاف في المسألة الأولية في وقائع انتهاك حرمة ملك الغير بنصوص صريحة وواضحة الدلالة على المقصود دون لبس أو غموض حتى يسير القضاة وأعضاء النيابة في نظر تلك القضايا على هدى من الشرع والقانون وينتهي الجدل في هذه المسألة والتضارب في الأحكام إما باعتبار المسألة الأولية هي الحيازة أو الملكية أو الملكية والحيازة معاً ذلك أن النص العقابي هو الذي يحدد تلك المسألة ضمن عناصر الجريمة.
ومما لا شك فيه أن هذه المسألة محل اختلاف بين العاملين في القضاء في الواقع ويظهر ذلك من خلال الاطلاع على العديد من الأحكام الصادرة من المحاكم فمن القضاة من يرى بأن الحيازة هي المسألة الأولية وعلى من يدعي الملك اللجوء الى القضاء المدني معتبرين بأن الفصل في الملكية من اختصاص القاضي المدني دون غيره وأن ذلك الاختصاص متعلق بالنظام العام ومن القضاة من يرى أن الحيازة والملكية معاً هما المسألة الأولية التي يفصل فيها القاضي الجنائي وفقاً لظروف كل واقعة وملابساتها وأن القاضي الجنائي يفصل في النزاع فيهما بذات الأسلوب والطريقة التي يفصل بها القاضي المدني.
ومن خلال مناقشة هذه المسألة مع العديد من الزملاء سواء من قضاة التحقيق أو قضاة الحكم وكذا الاطلاع على العديد من الأحكام والتشريعات والشروح القانونية يتضح بأن الجانب الفقهي القانوني يرجح الحيازة ويعتبرها المسألة الأولية في بعض جرائم انتهاك حرمة ملك الغير ويعتبر الملكية هي المسألة الأولية في بعض الجرائم الأخرى والسبب في ذلك أن الحيازة لا تعد محل اعتبار في بعض الجرائم كحيازة أموال مملوكة للدولة أو للأوقاف الخيرية وغير ذلك من الأسباب المعتبرة كما يرى الفقه القانوني أن الحيازة الفعلية هي محل التجريم وليست الحيازة القانونية.
وبالرجوع الى الفقه الشرعي نجد أن فقهاء الشريعة قد ذكروا بأن اليد الصحيحة دليلاً على الملك وإذا لم تعارض بقرينة أقوى منها أو لم يبين مدعي الملك فإنها تترك بيد صاحبها فيقر ذو اليد على يده وقال بعض الفقهاء: إذا لم تعارض بقرينة أقوى أو لم يبين مدعي الملك فإنها تعد حجة للاستحقاق يحكم بها القاضي فقد جاء في التاج المذهب ما نصه: بأن الشهادة في الملك غير المنقول كأن يقال هذه أرض فلان أو دكان فلان أو بستان فلان لا تجوز إلا إذا حصل للمشهود له في المشهود به ثلاثة أمور.
الأول: التصرف فيه بالتأجير أو العارية أو الحرث أو البناء أو غير ذلك مما يفعله الملاك عادة.
الثاني: النسبة إليه بأن يقال هذا الشيء ملك فلان ابن فلان ذلك المشهود له.
الثالث: عدم المنازع له فيما مضى من المدة.
ويزاد على الثلاثة الأمور أمر رابع للحكم له بالملك بثبوت اليد عليه ثلاث سنين فصاعداً وليس للحاكم أن يحكم بالملك إلا بعد ثبوت ذلك لا لثبوت يده بحيث يكون القول قوله فلا تعتبر تلك الشروط ويكفي من المدة يسيرها أما في المنقول فيكفي ثبوت اليد عليه ولو ساعة ما لم يغلب في الظن كونه للغير فلا يجوز أن يشهد أنه ملك المتصرف أوذي اليد).
وبالرجوع إلى أحكام الحيازة في القانون المدني اليمني النافذ نجد أن المشرع اليمني قد جعل الحيازة محل اعتبار فقد اعتبر الحائز للشيء مالكاً له ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك وبين بأن طريق إقامة الدليل هو استخراج حكم بالملك وليس نزع يد الثابت بالإكراه أو الحيلة كما بين الأحوال التي تقدم فيها أدلة الملك على أدله الحيازة والأحوال التي ترجح فيها دلائل الحيازة على دلائل الملك ومتى يقر فيها الحائز على حيازته كما منع سماع دعوى الملك بمضي ثلاثين عاماً من يوم وضع اليد.
والظاهر أن الذين يرون انحصار المسألة الأولية في الحيازة لاسيما في جريمة انتهاك حرمة المساكن والعقارات بما فيها الأراضي يرجحون ذلك لعدة أسباب وهي:
- السبب الأول:
إن من المعلوم فقهاً وقانوناً وقضاء أن الحيازة المشروعة دليل الملك وحجته الظاهرة وأن الثابت الحائز يقر على ثبوته وليس لمدعي الملك أو غيره أن ينزع يد الثابت على الشيء إلا بحكم شرعي.
- السبب الثاني:
إن مقصد المشرع من إلزام كل مدع خلاف الظاهر بسلوك طريق القضاء وعدم الاستيلاء على ما يدعيه لنفسه بنفسه إنما هو حماية للأمور الظاهرة والمراكز الواقعية والقانونية التي تؤدي إلى حماية الملكية ودرءاً لمفاسد وأضرار الفتن والمشاكل بين الناس ورعاية للأمن والاستقرار إذ لو جاز لكل مدع أن يأخذ حقه بنفسه لانتشرت الفوضى بين أفراد المجتمع واختل الأمن والاستقرار.
- السبب الثالث:
إن حمايه الحيازة إنما هي وسيلة لحماية الملكية والحفاظ عليها إذ تعد الحيازة بشروطها القانونية بمثابة السياج المنيع الذي يحيط بالملكية ويذود عنها إلى جانب المالك من شرور المعتدين والطامعين وفي الغالب أن كل حائز مالك سواء كان حائزاً بنفسه أو بواسطة غيره.
- السبب الرابع:
أن المحكمة العليا قد ترجح لها في بعض الأحكام الصادرة منها أن المسألة الأولية في وقائع الاعتداء على ملك الغير بما في ذلك واقعة الإضرار بالمال هي الحيازة كما أصدرت العديد من القواعد القضائية الجنائية المتعلقة بالثبوت والحيازة والتي أكدت على أن الحيازة قرينة على الملك وعلى أنه يلزم بقاء الثابت على ثبوته ما لم يقم الدليل على أن يده غاصبة وأن يد الثابت لا ترفع إلا بحكم قضائي وغير ذلك من القواعد المختلفة في ألفاظها والمتفقة في معانيها على حماية القضاء الجنائي للحيازة المشروعة.
أما الذين يرون بأن القاضي الجنائي يجب أن يفصل في النزاع بين الطرفين في الحيازة والملك وفقاً لما يجب أن يفصل به القاضي المدني يرجحون ذلك للأسباب الآتية:
- السبب الأول: أن انحصار الفصل في الحيازة أمام القضاء الجنائي قد يترتب عليه إطالة أمد النزاع بين طرفيه وعدم حسمه نهائياً لعدة سنوات فبعد صدور الأحكام الجنائية وتنفيذها بشأن الحيازة يعود الطرفان للنزاع من جديد أمام القاضي المدني حتى صدور أحكام قضائية وتنفيذها ولا شك أن في ذلك إضراراً بطرفي النزاع والضرر يجب إزالته شرعاً كما يجب درء تلك الأضرار بالفصل في النزاع بين الطرفين نهائياً بشأن الحيازة والملك بحكم واحد.
- السبب الثاني: أن الفقه القانوني نفسه قد جعل الحيازة هي المسألة الأولية في بعض الجرائم وجعل الملكية هي المسألة الأولية في البعض الآخر لاسيما في الجرائم التي لا اعتبار للحيازة فيها.
- السبب الثالث: أن القاضي الجنائي يمتلك نفس التأهيل العلمي الذي يمتلكه القاضي المدني وبقدرته الفصل في الملك بنفس الطريقة التي يفصل بها القاضي المدني.
- السبب الرابع: أن الظروف والملابسات لكل واقعة تختلف من واقعة إلى أخرى وبالتالي فقد يفصل القاضي النزاع على أساس الملكية وقد يفصله على أساس الحيازة وقد يفصله على أساس الترجيح بينهما.
- السبب الخامس: أن مدعي الملك إذا نزع يد الثابت الحائز بدون حكم واقتضى الحق بنفسه وأخل بالأمن والاستقرار فإنه سوف يعاقب إذا لم يثبت له الملك وإن ثبت له الحق والملك فإنه يغفر له ذلك كونه صاحب حق وقد استعمل حقاً مشروعاً أو دافع عن حقه دفاعاً شرعياً وما يؤكد ذلك هو أن استعمال الحق والدفاع عنه من أسباب الإباحة الشرعية كما أن المشرع في أحكام الغصب قد أجاز للمالك أن يقلع زرع وغرس الغاصب ولو بدون إذن القاضي وفقاً لصريح نص المادة (1138) مدني.
والظاهر أن الجرائم الجنائية تختلف من جريمة إلى أخرى فبعضها قد تكون الملكية هي المسألة الأولية كظاهر نص المادة (321) عقوبات وبعضها قد تكون الحيازة أو الحيازة والملكية هي المسألة الأولية كظاهر نص المادة (253) عقوبات.
ولاشك أن التطبيق القضائي وتعدد الوقائع فيه والظروف والملابسات المختلفة لكل واقعة قد ينتج عنها اجتهادات تكشف عن أفهام متعددة لذات النص فالملكية قد تفسر على اشتمالها للحيازة أيضاً أو يصرف معناها إلى الحيازة كما ذهبت المحكمة العليا بشأن نص المادة (321) عقوبات بقولها بأنه يكفي القاضي الجنائي للحكم في الاعتداء في واقعة الإضرار بالمال إثبات الحيازة ولا يلزم القاضي الجنائي الفصل في دعوى المتهم بالملك لأن طريق إثبات الملك دعوى مدنية مستقلة وفقاً لما هو مبين في القواعد الصادرة من المحكمة العليا لاسيما القاعدة المتعلقة بالاختصاص والتي نصت على أنه لا يجوز للقاضي الجنائي الفصل في مسائل غير جزائية إلا إذا كان الفصل في الدعوى الجزائية متوقف عليها وأشير في التعليق عليها بأن إدانة المتهم يكفي فيها ثبوت المجني عليه على الأرض دون حاجة إلى الفصل في دعوى الملك إذ أن طريقها دعوى مدنية مستقلة (طعن رقم (27730) لعام 1428ه 82 - ص 287 - العدد التاسع)
كما أن عبارة خلافاً لإرادة صاحب الشأن قد تنصرف إلى معنى الحيازة دون الملكية وقد يحملها البعض على معنى الملكية وقد يحملها البعض الآخر على المعنين معاً في حين أن الحيازة هي المعنى المقابل لهذا النص في النصوص العقابية المقابلة في التشريع المصري وغيره كما أن الفقه القانوني يفسر عبارة: «من له الحق» في الإخراج من العقار بأنه الحائز.
وقد كان الاجتهاد في الواقع لبعض القضاة في بلادنا يتمثل في وقف الفصل في الجانب الجنائي حتى يتم الفصل في الملكية ثم عدلوا عن ذلك إلى الفصل فيها بينما اكتفى البعض الآخر بالحيازة ويؤيد هذا الاجتهاد ما ذهبت إليه المحكمة العليا من صرف معنى الملك إلى الحيازة خلافاً لظاهر النص لذلك فالاجتهادات المختلفة لم يجانبها الصواب إذ المقصد هو تحقيق العدالة وإنصاف الناس ومراعاة طبيعة ومقاصد الدعوى المدنية والدعوى الجنائية وكذا مراعاة اعتبار الشارع للحيازة في وقائع محددة وعدم اعتبارها في مواطن أخرى غير أن الذين يرون وجوب الفصل في الملك يرجحون ذلك بقصد رفع بعض الأضرار الواقعية لاسيما طول فترة النزاع في هذه القضايا وما يلحق الأطراف من أضرار وبالذات المجني عليهم من فتح نزاع آخر أمام القضاء المدني حول الملكية بعد مضي فترة زمنية ليست بالقليلة أمام القضاء الجنائي.
الطريق الثالث: إن من المصالح المرعية شرعاً إصدار بعض الأوامر الوقتية من قبل النيابة والقاضي الجزائي كالأمر بوقف الاستحداث مراعاة لمقتضيات الأمن والسكينة العامة وكالأمر بتمكين الحائز من الانتفاع بحيازته لاسيما إذا انتفت شبهة الحق للمعتدي إذ أن إقراره على ذلك من الجهة المختصة تأييد لاستمرار الجريمة وقد أجاز المشرع الرجوع فيما لا نص فيه إلى قانون المرافعات والإثبات والقواعد الشرعية العامة ومعلوم أن النص المتعلق بالدعاوى المستعجلة في قانون المرافعات خاص بقضاة الأمور المستعجلة، مما يجوز معه الاجتهاد وفقاً للقواعد الفقهية المعروفة، ومنها قاعدة إزالة الضرر وبشروط تراعي مقتضيات العدالة، فإذا ترجح للنيابة الاتهام واتضح لها بأن لا حيازة ولا شبهة ملك للمتهم أو أنه من المشهورين بغصب ملك الغير أو أن مستنداته غير صحيحة وغير ذلك من القرائن التي تدل على أنه مغتصب لملك الغير، فإنه يجب عليها رفع الضرر عن المجني عليه وتمكينه من الانتفاع بحيازته إعمالاً لنص المادة (564) إجراءات بالرجوع إلى القواعد العامة الشرعية ومنها قاعدة «الضرر يزال» ومما يؤكد وجاهة ذلك القرار أن النزاع قد ينتهي بين طرفي الخصومة ويقتنع المتهم من الغنيمة بالإياب إذ أن أمله كان معقوداً على تعطيل منافع المعتدى عليه لابتزازه أو أخذ حقه بدون وجه حق.
الخاتمة
أولاً: النتائج:
1- أن المشرع اليمني لم يخرج في تعريفه للحيازة عن المعنى الشرعي لها والمتمثل في وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه كما بين نوعي الحيازة المشروعة وهما حيازة الملك وحيازة الانتفاع وبين كذلك الحيازات المشروعة الأخرى ضمن أحكام الحيازة.
2- لقد حدد المشرع اليمني شروط الحيازة والتي اتفقت مع الشروط التي حددها بعض فقهاء الشريعة الإسلامية غير أنه لم يشترط في حيازة الملك عدم وجود المنازعة للحائز مدة من الزمن بعد وضع يده والظاهر بأنه قد ترك تقدير ذلك لقاضي الموضوع كون استقرار الحيازة مدة من الزمن تقره الشريعة الإسلامية والعقول السليمة ويشهد به العرف والعادة.
3- إن مما لا يدرك فهمه عند البعض أن حيازة الملك قد تكون حقيقية باستمرار التصرف بالشيء المحوز دون انقطاع وقد تكون حكمية إذا انقطع التصرف لسبب خارج عن إرادة الحائز مع بقاء الشيء المحوز بيده ومع كونه مانعاً غيره من حيازته وبالتالي فإن الحيازة والثبوت حقيقة أوحكماً جديرة بالحماية الجنائية والمدنية ولا فرق بينهما في ترتب الآثار القانونية.
4- لقد اعتبر المشرع اليمني حيازة الإحياء سبباً في اكتساب الملكية واعتبر حيازة الملك بغير طريق الإحياء بشروطها المذكورة في المادة (1118) مدني سبباً لعدم سماع دعوى الملك كما اعتبر بأن الحائز حيازة ملك بشروطها المحددة في المادتين (1103) و(1104) مالك لما يحوز ما لم يثبت خلاف ذلك وألزم مدعي الملك سلوك الطريق القانوني لإثبات الملك واستخراج حكم بذلك وعدم نزع يد الثابت بالإكراه أو الحيلة.
5- إن الفهم السليم والتطبيق القانوني الصحيح يقتضي إدراج وقائع التعدي على الأراضي بالدخول إليها أو البقاء فيها خلافاً لإرادة حائزها أو مالكها ضمن ألفاظ وعبارات نص المادة (253) عقوبات وليس ضمن نص المادة (321) عقوبات إلا إذا صاحب واقعة الدخول ظروف مشددة وارتقت تلك الظروف إلى الجرم الجنائي كالهدم والإتلاف فيطبق عليها أيضاً نص المادة (321) عقوبات وأما الدخول سواء كان لمجرد انتهاك حرمة المسكن أو العقار أو كان بغرض الاستيلاء بطريقة غير مشروعة فيطبق على تلك الواقعة نص المادة (253) عقوبات وبهذا الفهم السليم في إزاله لأهم الإشكالات بشأن النصين المذكورين.
6- إن الواجب يقتضي حسم الاختلاف في المسألة الأولية في وقائع انتهاك حرمة ملك الغير بنصوص صريحة وواضحة الدلالة على المقصود دون لبس أو غموض حتى يسير القضاة وأعضاء النيابة في نظر تلك القضايا على هدى من الشرع والقانون وينتهي الجدل في هذه المسألة والتضارب في الأحكام الجنائية بشأنها.
7- إن من المصالح المرعية شرعاً إصدار النيابة العامة بعض الأوامر الوقتية الضرورية كالأمر بوقف الاستحداث مراعاة لمقتضيات الأمن والسكينة العامة وكالأمر بتمكين الحائز من الانتفاع بحيازته متى ما ترجح للنيابة الاتهام واتضح لها بأن لا حيازة ولا شبهة ملك للمتهم أو أنه من المشهورين بغصب أموال الناس أو أن مستنداته مزورة فإنه يجب عليها رفع الضرر عن المجني عليه وتمكينه من الانتفاع بحيازته إعمالاً لنص المادة (564) إجراءات بالرجوع إلى القواعد العامة الشرعية ومنها قاعدة: «الضرر يزال» وللمتضرر التظلم من القرار لدى قاضي الموضوع وعلى القاضي الفصل في ذلك التظلم مع الحكم في الواقعة غير أن الأمر بحاجة إلى نص قانوني وإسناد رفع الضرر إلى النيابة أو القاضي الجنائي.
ثانياً: التوصيات:
1- أوصي بتعديل نص المادة (321) عقوبات لتشمل حماية الملكية والحيازة وفقاً لمايلي: ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من هدم أو خرب أو أتلف عقاراً أو منقولاً غير مملوك له أو تحت يد صحيحة أو جعله غير صالح للاستعمال أو أضر به أو عطله بأية كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات إذا اقترفت الجريمة بالقوة أو التهديد أو ارتكبها عدد من الأشخاص أو وقعت في وقت هياج أو فتنة أو كارثة أو نشأ عنها تعطيل مرفق عام أو أعمال مصلحة ذات منفعة عامة أو ترتب عليها جعل حياة الناس أو أمنهم أو صحتهم عرضة للخطر وإذا ترتب على الجريمة موت شخص تكون العقوبة الإعدام حداً ولا يخل ذلك بحق ولي الدم بالدية أو الأرش بحسب الأحوال)).
والسبب في التعديل بالنسبة لإضافة عبارة: «أو تحت يد صحيحة» وذلك من أجل شمول الحماية للحيازة المشروعة إلى جانب الملكية كون الحيازة معتبرة شرعاً وقانوناً ولا يجوز إهدار ما اعتبره الشرع وأما بالنسبة لحذف كلمة «الإعدام» للمال فذلك لأن كلمة الإتلاف تغني عنها وأما حذف عبارة: «أو نباتاً» فلعدم الحاجة إلى ذكرها كون ذلك تزيداً إذ المال لا يكون إلا عقاراً أو منقولاً والنبات داخل في مفهوم العقار.
2- أوصي بإضافة مادتين إلى جرائم الاعتداء على ملك الغير في الفصل الرابع من الباب الثاني عشر من قانون الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 94م أو أن يفرد لها فصل مستقل بعنوان: «جرائم انتهاك حرمة ملك الغير» وفقاً لما يلي:
النص الأول: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة كل من قام بالدخول الى أرض بقصد الاستيلاء عليها أو تعدى عليها بالحرث أو الغرس أو الزرع أو البناء أو نحو ذلك خلافاً لإرادة حائزها وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة إذا اقترفت الجريمة ليلاً أو من شخصين فأكثر أو بالتهديد أو باستخدام القوة على الأشخاص أو الأشياء.
والسبب في إضافة هذه المادة: أن نص المادة (253) عقوبات قد أشكل تطبيقه بشأن هذه الواقعة على الكثير من العاملين في القضاء بسبب ذكر ذلك النص ضمن الجرائم الماسة بالحريات الشخصية أما استبدال عبارة: «خلافاً لإرادة صاحب الشأن» بعبارة: «خلافاً لإرادة حائزها» فإن ذلك أدق في الوصف وأكثر دلالة على المقصود ولشمولية الحماية للحيازة المشروعة وللملكية كون حماية الحيازة بشروطها القانونية حماية للملكية.
النص الثاني: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بالغرامة كل من تعرض لحائز أرض بالحجر أو المنع له من الانتفاع بها ما لم يثبت بأن له وجه حق في ذلك وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو الغرامة إذا تبين بأن الغرض من التعرض مجرد الابتزاز أو اقترفت الجريمة بالتهديد أو باستخدام القوة أو تسبب المتعرض في تعطيل الانتفاع بالأرض دون اللجوء إلى المحكمة المختصة.
والسبب في إضافة هذا النص حمل كل من يدعي حقاً على اللجوء إلى القضاء وتفويت الفرصة على عصابات الأراضي والمزورين من الابتزاز وتعطيل منافع الناس والإضرار بهم بدون وجه حق.
3- أوصي بإضافة نص قانوني إلى قانون الإجراءات الجزائية يحدد فيه الحالات التي يجوز فيها للنيابة الأمر بوقف الاستحداث وكذا الحالات التي يجوز فيها إصدار قرار بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الاعتداء وكيف يتم التظلم أو الطعن فيهما وفقاً للقانون.
[1] القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص509، (الْحَوْزُ).
[2] مختار الصحاح، الرازي، ص84، (حَوَزَ).
[3] شرح الأزهار، ابن مفتاح، 3/21، والتاج المذهب لأحكام المذهب، العنسي، 6/296.