التصدي في قانون الإجراءات الجزائية اليمني
(حالاته، شروطه، إجراءاته، آثاره)
القاضي/ سعد أحمد عبد الله السباوي
المقدمة
الحمد لله رب العالمين جلت قدرته على سابغ فضله ونعمته، وفائض إحسانه ورعايته، عليه عز وجل اعتمدنا، وبه سبحانه اعتززنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الإنسانية كلها ونور الأبصار وضيائها، وعافية الأبدان والأنفس وشفائها وحبيب القلوب ودوائها المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فالأصل أن القضاء لا يختص إلا بنظر الدعوى الجزائية التي ترفع إليه من الجهة التي خولها القانون هذا الحق، وهي النيابة العامة، تطبيقاً لمبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم.
واستثناءً من القاعدة السابقة فقد خول المشرع المحكمة الجزائية في أحوال معينة، وبشروط محددة، حق التصدي وتحريك الدعوى الجزائية بالنسبة لبعض الحالات، (التصدي الوجوبي)، كذلك خولها حق التصدي وتحريك الدعوى الجزائية والحكم فيها في بعض الحالات الأخرى (التصدي الجوازي).
وقد تضمنت هذه الدراسة كل ما يهم موضوع (التصدي بنوعية الوجوبي والجوازي) في طيات الدراسة مفصلاً حسب ما رأيته مهماً للتفصيل فيه.
مشكلة الدراسة:
تكمن مشكلة الدراسة في عدم معرفة بعض القضاة وأعضاء النيابة في المحاكم بالتصدي، مما يؤدي إلى إفلات بعض المتهمين من العقاب أو تخفيف العقوبة عنهم، أو إغفال جرائم وعدم تحريك الدعوى عنها، وهذا ما يؤدي إلى عدم تحقيق هدف المشرع من النص على التصدي الوجوبي في المواد (32، 33، 34) إ.ج[1]، والذي يتمثل في رقابة القضاء على عمل النيابة وقيداً على السلطة التقديرية للنيابة في تحريك الدعوى بهدف منعها من إساءة استعمال سلطتها.
كما تكمن مشكلة الدراسة من خلال نزولنا في المحاكم والعمل فيها، في عدم تطبيق القضاة في المحاكم الجزائية لنص المادة (35) إ.ج، المتعلقة بالتصدي الجوازي، مما يترتب على ذلك الإخلال بنظام الجلسة والتشويش وعدم مراعاة الهدوء الواجب لانعقاد الجلسات، وهذا ما هو حاصل في أغلب المحاكم اليمنية، وهذا ما يؤدي إلى عدم تحقق هدف المشرع من النص على التصدي الجوازي، المتمثل في المحافظة على استقلال القضاء والمحافظة على هيبة المحاكم وفرض احترامها.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة لكون موضوع التصدي أحد الموضوعات الرئيسية الهامة في الإجراءات الجزائية التي تثير العديد من المشاكل في أثناء العمل القضائي.
وتزداد أهمية دراسة الموضوع كونه يعد استثناءً على مبادئ راسخة في قانون الإجراءات الجزائية من أهمها (مبدأ عينية الدعوى وشخصيتها، ومبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم).
وعلى الرغم من أهمية الموضوع إلا أنه لم يحظ بما يستحق من عناية، ولم يخصص له من البحوث والدراسات ما يتناسب مع هذه الأهمية.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي:
1. التعريف بالتصدي وبيان خصائصه.
2. بيان علة التصدي بنوعيه الوجوبي والجوازي.
3. بيان حالات التصدي بنوعيه الوجوبي والجوازي، وما يشترط في كل منهما.
4. بيان إجراءات التصدي.
5. بيان آثار التصدي.
منهجية الدراسة:
اعتمد الباحث في بحثه على المنهج الوصفي، حيث قام بالإطلاع على بعض المؤلفات التي تناولت قانون الإجراءات الجزائية بالشرح، وأخذ منها ما يتعلق بموضوع التصدي، كما اعتمد الباحث في بحثه على المنهج التحليلي حيث قام بتحليل النصوص القانونية المتعلقة بالتصدي وإبراز ما فيها من مزايا وعيوب.
خطة الدراسة:
أخيراً فقد قمت بتقسيم دراستي إلى مبحثين يسبقهما مطلب تمهيدي كالتالي:
المقدمة.
المطلب التمهيدي: ماهية التصدي.
الفرع الأول: تعريف التصدي وخصائصه.
الفرع الثاني: علة التصدي.
المبحث الأول: التصدي الوجوبي.
المطلب الأول: حالات التصدي الوجوبي وشروطه.
المطلب الثاني: إجراءات التصدي الوجوبي وآثاره.
المبحث الثاني: التصدي الجوازي.
المطلب الأول: حالات التصدي الجوازي وشروطه.
المطلب الثاني: إجراءات التصدي الجوازي وآثاره.
الخاتمة، وفيها النتائج والتوصيات.
قائمة المراجع.
المطلب التمهيدي
ماهية التصدي
تمهيد وتقسيم:
التصدي هو سلطة المحكمة الجزائية حين تنظر دعوى معينة وأن تتعرض بإدخال وقائع جديدة، أو متهمين جدد للواقعة المنظورة أمامها، وذلك على خلاف ما هو معروض أمامها من وقائع أو أشخاص.
ويفترض التصدي بذلك وجود اختصاص ثابت ومقرر تشريعياً، ثم خروج جهة الحكم على حدود هذا الاختصاص، فالتصدي يعني حق المحكمة في تحريك دعوى جزائية لم يسبق تحريكها من النيابة العامة، ويعتبر التصدي في هذه الحالة استثناءً من مبدأ عينية الدعوى الجزائية وشخصيتها، وذلك أن الأصل أن الدعوى الجزائية متى دخلت حوزة القضاء أي المحكمة فإن سلطتها تقتصر على الجريمة المرفوعة عنها الدعوى، وعلى الأشخاص المتهمين بارتكابها، فالمحكمة مقيدة بحدود الدعوى الجزائية من حيث وقائعها وأشخاصها وكل خروج على عينة الدعوى ينطوي على توجيه الاتهام عن واقعة لم توجه إليها الدعوى من النيابة العامة وكل خروج على شخصية الدعوى ينطوي على توجيه الاتهام إلى أشخاص لم ترفع عليهم الدعوى من النيابة العامة ومن ثم فإن التصدي يعد استثناءً على هذا المبدأ لم ينطو عليه من توجيه الاتهام عن وقائع جديدة أو أشخاص جدد خروجاً على تقييد المحكمة بالاتهام بشقيه العيني والشخصي[2].
وعليه سنقسم هذا المطلب التمهيدي إلى فرعين كالتالي:
الفرع الأول
مفهوم التصدي وخصائصه
سنوضح في هذا الفرع تعريف التصدي وخصائصه كالتالي:
أولاً: تعريف التصدي:
تعددت تعريفات فقهاء القانون الجنائي للتصدي فعرفها البعض بأنها:
- التصدي هو «سلطة المحكمة حين تنظر دعوى معينة أن تتعرض لوقائع أخرى ولو لم تكن الدعوى قد رفعت بها، وكذلك إدخال متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم، أي حق المحكمة في تحريك دعوى جزائية لم يسبق تحريكها من النيابة العامة»[3].
- وعرفها آخرون بأنها «هي سلطة المحكمة في تحريك دعوى جزائية ثانية عند نظرها لدعوى معينة لوجود صلة بين الواقعة التي أقيمت من أجلها الدعوى الأولى، والواقعة التي تقام من أجلها الدعوى الثانية»[4].
- ويعرف الباحث التصدي «بأنه الحق الممنوح للقضاة في المحاكم الجزائية بمختلف درجاتها في طلب تحريك الدعوى الجزائية من النيابة العامة، في حالة توافر إحدى حالات التصدي وشروطه.
ثانياً: خصائص التصدي:
يتميز التصدي بالعديد من الخصائص أهمها[5][6]:
1. حالات التصدي جاءت على سبيل الحصر استثناءً على الأصل العام، ونتيجة للطابع الاستثنائي فإنه يتعين تفسير النصوص الخاصة بها تفسيراً ضيقاً، وعدم جواز القياس عليها.
2. يقتصر حق المحكمة في حالة التصدي الوجوبي على مجرد طلب تحريك الدعوى الجزائية أي مجرد الاتهام دون التحقيق أو الفصل فيها، فإن حققت أو حكمت فيها المحكمة التي تصدت لها كان عملها باطلاً بطلاناً مطلقاً، وهذا بخلاف التصدي الجوازي، إذ من حق المحكمة التي تصدت أن تفصل في موضوع الدعوى المتصدى لها.
3. أن أحكام التصدي تتعلق بالنظام العام، ولاتصالها بتنظيم سلطتي الاتهام والحكم، وعليه فلا يجوز للمحاكم التصدي في غير الحالات المبينة في القانون.
الفرع الثاني
علة التصدي
سنبين خلال هذا الفرع علة التصدي الوجوبي أولاً، ثم علة التصدي الجوازي كالتالي:
أولاً: علة التصدي الوجوبي:
تظهر الحكمة من إقرار حالات التصدي الوجوبي في قانون الإجراءات الجزائية في المبررات التالية:
1. أن التصدي يعد نوعاً من الرقابة القضائية على النيابة العامة إذا لم ترفع الدعوى نتيجة قصور في التحقيق، أو حتى مجرد خلاف في التقدير، والقصد منه تدارك أخطاء النيابة العامة أو سهوها[7].
2. أن حق التصدي يعد نوعاً من الرقابة على السلطة التقديرية للنيابة العامة في توجيه الاتهام كما أنه يتفق مع السلطة الواسعة التي يتمتع بها القضاء الجزائي[8].
3. أن علة التصدي الوجوبي هو الرغبة في تحري المحكمة للعدالة وتحقيقها على أوسع نطاق، لأن شعور المجتمع بوجود متهمين لم يلتفت إليهم، أو وقائع لم تباشر الإجراءات بشأنها بغير سبب، يسفر عن إهدار الثقة في العدالة، ومن ثم فحسن السياسة الجنائية وصالح الجماعة يقتضيان وجوب تقرير هذا الحق[9].
ثانياً: علة التصدي الجوازي:
تكمن علة تخويل القضاء الجزائي سلطة تحريك الدعوى والحكم فيها في أحوال التصدي الجوازي في الآتي[10]:
1. أن هيبة المحكمة الجزائية ومقتضيات الاحترام الواجب في حضرتها، يفرضان إحاطة جلسات انعقادها بالتوقير اللازم حتى تتمكن من أداء رسالتها في جو من الهدوء والاحترام.
2. وجوب أن يوفر للقضاء جو من الهدوء، والنأي به عن المؤثرات لكي يتمكن من تحري الصدق والموضوعية والحياد وتحقيق العدالة المأمولة.
المبحث الأول
التصدي الوجوبي
تمهيد وتقسيم:
نظم المشرع اليمني التصدي الوجوبي في الفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجزائية الموسوم بـ (في إقامة الدعوى الجزائية من المحكمة)، في المواد (32، 33، 34) حيث نصت المادة (32) إ.ج على: (إذا رأت المحكمة الابتدائية في دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم أو وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو أن هناك جريمة مرتبطة بالتهمة المعروضة أمامها فعليها أن تحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقاً للباب الثالث من الكتاب الثاني من هذا القانون. وإذا صدر قرار بإحالة الدعوى إلى محكمة جاز للمحكمة إحالتها إلى محكمة أخرى، وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية وكانت مرتبطة بالدعوى الجديدة ارتباطاً لا يقبل التجزئة جاز إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى).
ونصت المادة (33) إ.ج على: (لمحكمة الطعن الاستئنافية عند نظر الاستئناف نفس الصلاحيات المقررة في المادة السابقة ويجوز في هذه الحالة أن تكون الإحالة إلى محكمة ابتدائية أخرى غير التي أصدرت الحكم المستأنف، ويكون النقل في جميع الأحوال بقرار من رئيس المحكمة طبقاً للقانون).
كما نصت المادة (34) إ.ج على: (للدائرة التي تنظر الموضوع بناءً على الطعن في المرة الثانية في المحكمة العليا نفس الصلاحيات المقررة في المادتين السابقتين).
ويرى الباحث أن المشرع اليمني لم يكن موفقاً في تسمية الفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجزائية بعنوان: (في إقامة الدعوى الجزائية من المحكمة) وذلك لأن إقامة الدعوى يعني رفعها إلى قضاء الحكم، وليس هذا هو المعنى الذي يقصده المشرع هنا، إذ أن المقصود بإقامة الدعوى هنا هو قرار طلب تحريكها الذي ينفذ بإحالة الوقائع الجديدة أو المرتبطة أو المتهمين الجدد إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف فيها طبقاً للقواعد العامة المقررة في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية.
من خلال النصوص المتقدمة يتضح أن حالات التصدي الوجوبي، خولها المشرع للقضاء الجزائي في المحاكم الابتدائية والاستئنافية والدائرة الجزائية بالمحكمة العليا عند نظرها موضوع الدعوى بناءً على الطعن للمرة الثانية، وفيها أوجب المشرع على المحكمة أن تتصدى إذا رأت توافر إحدى تلك الحالات، وذلك بتحريك الدعوى الجزائية ومن ثم إحالتها إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف فيها.
ويعتبر التصدي في هذه الحالات وجوبياً، فهو ليس متروكاً لتقدير المحكمة، بل إنها ملزمة إذا رأت إحدى حالاته وتوفر جميع شروطه، وعلى ذلك أوجب القانون على المحكمة أن تستعمل الحق في التصدي لأن نص المادة (32) إ.ج جاءت بصيغة الوجوب (... فعليها أن تحيلها إلى النيابة...)[11].
وعليه سنتحدث في هذا المبحث عن سلطة المحاكم الجزائية في طلب تحريك الدعوى الجزائية في حالات التصدي الوجوبي وهو ما يقتضي تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين كالتالي:
المطلب الأول
حالات التصدي الوجوبي وشروطه
تمهيد وتقسيم:
من خلال نصوص المواد (32، 33، 34) إ.ج؛ يتضح أن للتصدي الوجوبي حالات وشروطاً، وهو ما يقتضي من الباحث تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتحدث في الفرع الأول عن حالات التصدي الوجوبي، أما الفرع الثاني فنتحدث فيه عن شروط التصدي الوجوبي وذلك على النحو التالي:
الفرع الأول
حالات التصدي الوجوبي
حددت المواد السابقة للتصدي الوجوبي حالات إذا توافرت إحدى هذه الحالات وجب على المحكمة التصدي وهذه الحالات تتمثل في:
الحالة الأولى: إذا تبين للمحكمة أثناء نظر الدعوى المرفوعة أمامها أن هناك متهماً أو متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم:
في هذه الحالة أوجب المشرع على المحكمة تحريك دعوى جزائية جديدة على متهمين جدد لم ترفع عليهم الدعوى المنظورة أمامها، وذلك في حالة تكشف لها أثناء نظر موضوع دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين آخرين غير من أقيمت الدعوى عليهم منسوباً إليهم ارتكاب الجريمة المرفوعة بها الدعوى سواءً بصفتهم فاعلين أصليين أم مجرد شركاء[12].
وتفترض هذه الحالة وحدة الجريمة مع تعدد المساهمين فيها ورفع الدعوى على بعضهم دون البعض الآخر.
مثال ذلك: رفع الدعوى الجزائية من قبل النيابة العامة في جريمة قتل ضد الفاعل ويقدم للمحكمة، ثم تكتشف المحكمة أثناء نظرها موضوع هذه الدعوى أن ثمة أشخاصاً آخرين ساهموا مع الفاعل في اقتراف جريمة القتل، ولم تشملهم الدعوى المرفوعة من النيابة، وكان يجب أن تشملهم سواءً بصفتهم فاعلين أصليين أم مجرد شركاء، كما لو كانوا قد تمالؤوا مع الفاعل، أو قدموا له مساعدة سابقة أو معاصرة أو لاحقة في اقتراف جريمة القتل.
وعلة التصدي في هذه الحالة هي تفادي محاباة محتملة لبعض المتهمين بإغفال إقامة الدعوى عليهم[13].
الحالة الثانية: إذا تبين للمحكمة أثناء نظر دعوى مرفوعة أمامها وجود وقائع أخرى ارتكبها المتهمون غير تلك التي أسندت إليهم في الدعوى:
في هذه الحالة؛ أوجب المشرع على المحكمة إقامة (تحريك) الدعوى الجزائية عن وقائع جديدة ضد المتهمين المرفوعة عليهم الدعوى ولم تشملها الدعوى المرفوعة، وذلك في حالة تكشف لها أثناء نظر موضوع الدعوى المرفوعة أمامها أن هناك وقائع أخرى غير المسندة إلى المتهمين في الدعوى ولم ترفع بها الدعوى، سواءً أكانت هذه الوقائع منسوبة إلى جميع من رفعت الدعوى عليهم أم إلى بعض منهم، وسواء أكانت هذه الوقائع مرتبطة بالدعوى المسندة إلى المتهمين أم مستقلة عنها[14].
ويشترط في هذه الوقائع لصحة تصدي المحكمة لها أن لا يكون في إمكان المحكمة إضافتها للدعوى بناءً على سلطتها في تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة طبقاً للمادة (366)إ.ج[15].
مثال ذلك: رفع الدعوى إلى المحكمة عن جريمة ضرب نشأ عنها عاهة مستديمة، ثم يكشف التحقيق الذي تجريه المحكمة عن اقتراف المتهمين أو بعضهم جريمة سرقة أو جريمة قتل مع جريمة الضرب، ثم يتضح لها كذلك عن ارتكاب جريمة إتلاف مستندات مع هذه الجرائم لم تكن معروفة.
الحالة الثالثة: إذا تبين للمحكمة أثناء نظر دعوى مرفوعة أمامها أن هناك جريمة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها:
في هذه الحالة أوجب المشرع على المحكمة إقامة (تحريك) الدعوى الجزائية في حالة تكشف لها أثناء نظر موضوع الدعوى المرفوعة إليها أن هناك جريمة مرتبطة بالتهمة المعروضة عليها ارتكبها متهمون غير المتهمين المرفوعة عليهم الدعوى سواءً أكان هذا الارتباط بسيطاً أم كان هذا الارتباط لا يقبل التجزئة.
مثال للارتباط الذي لا يقبل التجزئة: أن يقدم متهم في جريمة حريق فيتبين للمحكمة أن جريمة الحريق وقعت لإخفاء جريمة اختلاس ارتكبها متهم آخر مشترك في ارتكاب جريمة الحريق.
ومثال الارتباط البسيط: أن يقدم متهم في جريمة قتل أحد المجني عليهما فحسب، فيتبين للمحكمة أن شخصاً آخر اقترف جريمة قتل المجني عليه الآخر، كما أنه ساهم مع المتهم الذي قدم للمحاكمة في اقتراف جريمة قتل المجني عليه الأول[16].
الفرع الثاني
شروط التصدي الوجوبي
يلزم لصحة تصدي المحكمة لتحريك الدعوى الجزائية الشروط التالية:
الشرط الأول: أن تتوافر إحدى حالات التصدي الوجوبي المذكورة آنفاً.
الشرط الثاني: أن تكون المحكمة قد اتصلت بموضوع الدعوى الأصلية اتصالاً صحيحاً للحكم فيها ويقتضي تحقق هذا الشرط أمرين:
الأمر الأول: يعني أنه يجب على المحكمة الجزائية عند رفع الدعوى إليها بالتحقق من سلامة الإجراءات المبدئية للوقائع المرفوعة إليها، وذلك من حيث الكيفية التي رفعت بها الدعوى، ومن حيث احترام قواعد الاختصاص النوعي والمكاني أو الشخصي، ثم عليها بعد ذلك التثبت من أن الدعوى استوفت شروط قبولها أمامها، ومن حيث صحة إحالة المتهم إليها أو تكليفه بالحضور أمامها، ومن حيث حصول الشكوى أو الإذن أو الطلب، فإذا ما استوثقت المحكمة من ذلك فإنها تكون قد اتصلت بالدعوى الجزائية الأصلية اتصالاً صحيحاً، ومن ثم إذا توافرت إحدى حالات التصدي وجب عليها تحريك الدعوى الجزائية عنها.
وبمفهوم المخالفة لذلك فإذا كانت الدعوى المرفوعة إليها لا تدخل في نطاق اختصاصها، أو كانت الدعوى غير مستوفية لشروط قبولها فلا يجوز في هذه الحالة للمحكمة أن تتصدى لا للوقائع ولا للمتهمين، والواجب على المحكمة في هذه الحالة إصدار حكم إجرائي بعدم اختصاصها أو بعدم قبول الدعوى[17].
الأمر الثاني: أن يكون اتصال المحكمة بالدعوى الأصلية يهدف إلى إصدار حكم فاصل في موضوعها، أما إذا كانت ظروف رفعها لا تخول المحكمة سوى الفصل فيها بحكم إجرائي، أو تصحيح ما وقع في الحكم من خطأ في القانون دون التعرض لموضوعها، أو مجرد نقض الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا الحكم وإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته للحكم في الموضوع من جديد، فإنه في جميع هذه الأحوال لا يتحقق الشرط الذي نحن بصدده، ومن ثم لا يجوز لمحكمة الموضوع أو المحكمة العليا التصدي وإقامة الدعوى عن الوقائع أو المتهمين الذين لم تشملهم الدعوى الأصلية[18].
الشرط الثالث: أن يكون تحريك الدعوى الجزائية الجديدة جائزاً قانوناً:
مفاد هذا الشرط عدم جواز التصدي إذا كانت الدعوى الجزائية عن الوقائع الجديدة أو المتهمين الجدد قد انقضت أو سقطت لأي سبب من أسباب السقوط أو الانقضاء، كأن تصدر النيابة العامة قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية واستنفذت طرق الطعن فيه، أو أن تكون الدعوى قد شملها قرار بالعفو العام أو الخاص، أو صدر فيها حكم بات، كما لا يجوز التصدي كذلك إذا كان المشرع قد علق تحريك الدعوى الجزائية عن الوقائع الجديدة أو عن المتهمين الجدد على شكوى أو طلب أو إذن، إلا بعد زوال القيد الخاص بها ورفعه.
ويرى الباحث أن العفو الخاص لا تنقضي به الدعوى الجزائية كما ذهب إلى ذلك المشرع اليمني في الفقرة (و) من المادة (42) إ.ج وهو ما ندعو معه المشرع إلى تلافي هذا العيب التشريعي عند تعديل القانون، وذلك أن العفو الخاص لا يكون إلا عن العقوبة وبعد صدور حكم بات[19].
الشرط الرابع: أن تتكشف للمحكمة الوقائع الجديدة والمتهمون الجدد أثناء نظرها موضوع دعوى مرفوعة أمامها:
مفاد هذا الشرط أن تكون الوقائع والمتهمون محل الدعوى الثانية التي تتصدى لها المحكمة قد تكشفت لها أثناء نظرها موضوع الدعوى الأصلية المعروضة عليها «أي أن تكون الدعوى التي تنظرها المحكمة هي مصدر علمها بالواقعة الجديدة أو بالمتهمين الجدد وهذا العلم قد يتم عن طريق أوراق الدعوى الأولى أو من الأقوال الشفوية التي أدلي بها أمامها أثناء المرافعات[20].
وبمفهوم المخالفة لذلك فإنه لا يجوز للمحكمة التصدي إذا علمت بالمتهمين الجدد أو بالوقائع الجديدة عن طريق آخر غير طريق نظرها للدعوى الأصلية المعروضة عليها.
الشرط الخامس: أن يكون اتصال المحكمة بالموضوع متعلقاً بالدعوى الجزائية:
مفاد هذا الشرط أنه إذا كانت الدعوى الجزائية قد عرض لها عارض انقضاء أو سقوط بعد رفعها فلا يجوز للمحكمة التصدي بمناسبة نظرها للدعوى المدنية التبعية المرفوعة تبعاً للدعوى الجزائية والتي تظل باقية ولا تتأثر بسقوط الدعوى الجزائية.
ولا يشترط أن يكون اتصال المحكمة بالموضوع هو لأول مرة، إذ يجوز لمحكمة الموضوع عند نظرها الدعوى الجزائية للمرة الثانية بناءً على نقض الحكم والإحالة إليها للحكم من جديد أن تتصدى لإقامة الدعوى الجزائية عند توافر إحدى حالات التصدي.
أما بالنسبة للمحكمة العليا وهي محكمة قانون فقد قصر المشرع حقها في التصدي عند توافر إحدى حالات التصدي السابقة على فرض واحد وهو عندما تكون محكمة موضوع وذلك عند نظرها للموضوع بناءً على الطعن للمرة الثانية[21].
المطلب الثاني
إجراءات التصدي الوجوبي وآثاره
تمهيد وتقسيم:
من خلال نصوص المواد (32، 33، 34) إ.ج؛ يتضح أن للتصدي الوجوبي إجراءات لممارسة هذه السلطة كما أن له آثاراً تترتب على استخدام هذه السلطة، وهو ما يقتضي من الباحث تقسيم هذا المطلب إلى فرعين نتحدث في الفرع الأول عن إجراءات التصدي الوجوبي، أما الفرع الثاني فنتحدث فيه عن آثار التصدي الوجوبي على النحو التالي:
الفرع الأول
إجراءات التصدي الوجوبي
تقتصر سلطة المحكمة في حالة التصدي الوجوبي على مجرد طلب تحريك الدعوى الجزائية، فلا يجوز لها القيام بالتحقيق بنفسها أو الحكم فيها، حرصاً من المشرع على الحفاظ على مبدأ الفصل بين سلطتي التحقيق والمحاكمة، لذلك متى توافرت الشروط السابقة ورأت المحكمة التصدي فإنه يجب اتباع الإجراءات الآتية:
أولاً: يتم التصدي بقرار تصدره المحكمة بشأن الجرائم أو الأشخاص أو الوقائع التي ستتصدى لها، فإذا لم تكن الجرائم موضوع التصدي قد سبق تحريك الدعوى الجزائية بشأنها أمام النيابة العامة فإن قرار المحكمة يعتبر تحريكاً لهذه الدعوى، أما إذا كانت سلطة التحقيق قد تناولت الجريمة موضوع التصدي بالتحقيق من قبل ولم تصدر فيها قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى، فإن هذا التصدي من المحكمة يعتبر قراراً باستئناف التحقيق[22].
الجدير بالذكر أن قرار التصدي الذي تصدره المحكمة يجب أن يكون صريحاً، ولكن لا يشترط أن يكون مسبباً وهو قرار لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، لأنه ليس حكماً في الدعوى، بل مجرد إجراء أولي من إجراءات تحريكها[23].
والباحث لا يتفق مع أستاذه الدكتور/ عبد الباسط الحكيمي حيث يرى الباحث أنه يشترط في قرار التصدي أن يكون مسبباً، وذلك لأن القاعدة العامة أن الأصل في جميع الأوامر والقرارات القضائية أن تكون مسببة، وإلا لما عرف الغاية منها.
ثانياً: يجب على المحكمة إحالة الوقائع الجديدة أو المتهمين الجدد إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف في ذلك التحقيق وفقاً للقواعد المقررة في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية. وبالتالي فللنيابة العامة أن تصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية، أو بإحالتها إلى المحكمة المختصة.
ثالثاً: إذا صدر قرار بإحالة الدعوى من النيابة العامة إلى المحكمة ففي هذه الحالة يفرق بين حالتين، الأولى: إذا كانت الدعوى الجديدة المتصدى لها غير مرتبطة بالدعوى الأصلية أو كان الارتباط بينهما بسيطاً؛ ففي هذه الحالة تحال الدعوى الجديدة المتصدى لها إلى المحكمة المختصة بها، كأن تكون مثلاً المحكمة المتخصصة، وتستمر الدعوى الجزائية الأصلية قائمة أمام المحكمة التي كانت تنظرها، الحالة الثانية: إذا كانت الدعوى الجديدة المتصدى لها مرتبطة بالدعوى الأصلية ارتباطاً غير قابل للتجزئة، ففي هذه الحالة يتعين نظرهما أمام محكمة واحدة ويجب إحالتهما معاً إلى المحكمة المختصة بالدعوى الجديدة، إذ أن نظر هذه الدعوى ممتنع على المحكمة التي كانت تنظر الدعوى الأصلية، باعتبارها قد تصدت لها، وفي كلتا الحالتين فإنه لا يجوز للمحكمة التي تصدت للدعوى الحكم فيها[24].
رابعاً: إذا رأت الشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف أثناء نظرها موضوع الطعن، أن هناك وقائع جديدة لم تشملها الدعوى، أو متهمين جدداً غير من أقيمت الدعوى عليهم، أو جريمة مرتبطة بالتهمة التي رفعت بها الدعوى، ولم تنكشف للمحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم الابتدائي المطعون فيه بالاستئناف أو لم تفطن إليها، ففي هذه الحالة للشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف أن تتصدى وتحيل الدعوى المتصدى لها إلى النيابة المختصة التي تتولى بدورها التحقيق والتصرف في الدعوى المتصدى فيها طبقاً للقواعد العامة، فإذا أصدرت النيابة العامة قرارها بإحالة الدعوى المتصدى لها إلى المحكمة، ففي هذه الحالة للشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف أن تحيل الدعوى المتصدى لها إلى محكمة ابتدائية أخرى غير التي أصدرت الحكم المستأنف للحكم فيها[25].
كما أنه يجوز للشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف أن تحيل الدعوى المتصدى لها إلى المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم الابتدائي وذلك في حالة ما إذا كانت المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المستأنف مشكلة من أكثر من قاض، أو مشكلة من قاض فرد غير القاضي الذي أصدر الحكم والذي لم يعد يعمل في المحكمة ففي هذه الحالة، يجوز للشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف إحالة الدعوى محل التصدي إلى المحكمة ذاتها التي أصدرت الحكم المطعون فيه بحيث ينظرها قاض آخر غير مصدر الحكم.
وإذا أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً في الدعوى الجديدة التي تصدت لها الشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف فلا يجوز للقضاة الذين تصدوا، نظر الطعن في الحكم الصادر فيها[26]، وكل هذا يتفق مع نصوص وأحوال التنحي الوجوبي المنصوص عليه في المادتين (270، 271) إ.ج، والمواد (128، 129) مرافعات[27].
خامساً: للدائرة الجزائية في المحكمة العليا أن تتصدى لإقامة الدعوى، وذلك حين نظرها للموضوع بناءً على الطعن للمرة الثانية، إذ تصبح في هذه الحالة إلى محكمة موضوع، ويقتصر حق الدائرة الجزائية على تحريك الدعوى أمام النيابة المختصة التي تتولى بدورها التحقيق والتصرف فيها طبقاً للقواعد العامة، فإذا أصدرت النيابة العامة قرارها بإحالة الدعوى إلى المحكمة، ففي هذه الحالة على الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا إحالة الدعوى المتصدى لها إلى المحكمة المختصة بها وفقاً للقواعد العامة حتى لا تفوت درجة من درجات التقاضي. وإذا طعن بالنقض في الحكم الذي تصدره المحكمة المختصة التي أحيلت الدعوى المتصدى لها، ففي هذه الحالة فإنه لا يجوز أن يشترك في نظر هذا الطعن أحد قضاة الدائرة التي قررت تحريكها[28].
الفرع الثاني
آثار التصدي الوجوبي
يرتب التصدي الوجوبي أثرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي[29]:
الأثر الإيجابي: أنه يترتب على التصدي إحالة الدعوى إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق في الدعوى المتصدى لها، وبالتالي فعلى النيابة العامة أن تتصرف في التحقيق الذي تجريه طبقاً للباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية، فلها أن تصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية إذا وجد ما يبرر ذلك، ولها أن تصدر قراراً بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، وكل ما تلتزم به النيابة العامة عند إحالة الدعوى إليها هو مباشرة التحقيق فليس لها أن تصدر أمراً بحفظ الأوراق إذا لم تر ضرورة للتحقيق وهذا المعنى واضح من خلال نص المادة (32) إ.ج.
وفي كل الأحوال لا يجوز للمحكمة أن تباشر التحقيق بنفسها فحقها يقتصر على مجرد تحريك الدعوى[30]، فإذا حققت المحكمة في الدعوى بنفسها دون أن تحيلها إلى النيابة العامة للتحقيق، ودون أن تترك للنيابة العامة حرية التصرف في التحقيق التي تباشرها فإن المحكمة تكون قد أخطأت القانون[31].
الأثر السلبي: فهو عدم جواز نظر الدعوى المتصدى لها من ذات المحكمة التي تصدت للوقائع الجديدة أو المتهمين الجدد، بمعنى أنه لا يجوز للمحكمة أن تفصل في جريمة تصدت لها، أو أن تحكم على متهم جديد أدخلته في حدود سلطتها في التصدي، وإلا كان حكمها باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام.
وفي هذا السياق جاء قضاء محكمة النقض المصرية في حكم لها: بأن المحكمة الجنائية التي تستعمل حقها في التصدي وتحكم بنفسها في الواقعة دون أن تحيل الدعوى إلى النيابة العامة للتحقيق تخطئ بمخالفتها صريح نص القانون، بل ولا يؤثر في ذلك قبول الدفاع عن المتهمين للتهمة الجديدة، فقيام المحكمة بالفصل في الدعوى مخالف للنظام العام لتعلقه بأصل من أصول المحاكمات الجنائية لاعتبارات سامية تتصل بتوزيع العدالة على ما يقضي به القانون[32].
المبحث الثاني
التصدي الجوازي
تمهيد وتقسيم:
نظم المشرع اليمني التصدي الجوازي في الفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجزائية في المادة (35) إ.ج، حيث نصت على أنه: (للمحكمة في حالة نظر الموضوع إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها أو الاحترام الواجب لها والتأثير في قضائها أو في الشهود وكان ذلك في صدد دعوى منظورة أمامها أن تقيم الدعوى الجزائية على المتهم طبقاً للمادتين (32، 33) وتقتضي فيها).
فمن خلال النص المتقدم يتضح أن حالات التصدي الجوازي، خولها المشرع للقضاء الجزائي[33]، في المحاكم الابتدائية والاستئنافية، وفيها أجاز المشرع للمحكمة أن تتصدى للدعوى وتحريك الدعوى الجزائية بصدد الجرائم المخلة بأوامر المحكمة والاحترام الواجب لها، أو التأثير في قضائها أو في الشهود، وفي هذه الحالات فإن حق المحكمة في التصدي يتسم بالطبيعة الجوازية، أي أنه حق اختياري للمحكمة يخضع لسلطتها التقديرية بحيث يجوز لها إذا توافرت شروطه وحالاته أن تقيم الدعوى الجزائية على المتهم في هذه الجرائم والحكم فيها أيضاً، كما يجوز لها أيضاً أن لا تقيم الدعوى بصددها، فالأمر متروك لمطلق سلطتها التقديرية[34]، لأن نص المادة (35) جاء بصيغة الجواز (للمحكمة).
يرى الباحث أنه كان الأجدر بالمشرع اليمني مد النص إلى الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا أثناء نظرها موضوع الدعوى بصفتها محكمة موضوع، أو عندما تنظر الدعوى بناءً على الطعن للمرة الثانية.
وعليه سنتحدث في هذا المبحث عن سلطة المحكمة الجزائية في تحريك الدعوى الجزائية في حالات التصدي الجوازي، وهو ما يقتضي تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين كالتالي:
المطلب الأول
حالات التصدي الجوازي وشروطه
تمهيد وتقسيم:
من خلال نص المادة (35) إ.ج، يتضح أن للتصدي الجوازي حالات وشروطاً، وهو ما يقتضي من الباحث تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتحدث في الفرع الأول عن حالات التصدي الجوازي، أما الفرع الثاني سنوضح فيه شروط التصدي الجوازي وذلك على النحو التالي:
الفرع الأول
حالات التصدي الجوازي
حددت المادة (35) إ.ج للتصدي الجوازي حالات إذا توافرت إحدى هذه الحالات، وتوافرت الشروط، جاز للمحكمة التصدي وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى: الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها:
في هذه الحالة أجاز المشرع للمحكمة تحريك الدعوى الجزائية إذا وقعت إحدى الجرائم التي من شأنها الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها.
ومن الأفعال التي تمثل جرائم من شأنها الإخلال بأوامر القضاء الجزائي، رفض تنفيذ الأوامر والأحكام الصادرة من القاضي الجزائي المنصوص عليها في المادة (165) جرائم وعقوبات، وجريمة كسر الأختام الموضوعة على محل أو على أوراق بأمر القاضي الجزائي المنصوص عليها في المادة (175) جرائم وعقوبات.
وجريمة مساعدة المقبوض عليه على الهرب المنصوص عليها في المادة (191) جرائم وعقوبات، وجريمة إخفاء متهم بجريمة أو محكوم عليه فيها المنصوص عليها في المادة (190) جرائم وعقوبات.
ومن الأفعال التي تمثل جرائم من شأنها الإخلال بالاحترام الواجب للمحكمة، جريمة إهانة أو سب المحاكم علانية المنصوص عليها في المادة (197/ثالثاً) جرائم وعقوبات، وجريمة إهانة القاضي الجزائي أو تهديده المنصوص عليها في المادة (172) جرائم وعقوبات، وجريمة الإخلال بواسطة الكتابة أو القول أو الفعل أو بأية طريقة بمقام القاضي الجزائي أو هيبته أو سلطته، أو محاولة التأثير عليه بصدد دعوى منظورة أمامه المنصوص عليها في المادة (185) جرائم وعقوبات، وجريمة التدخل لدى القاضي الجزائي لصالح أحد الخصوم المنصوص عليها في المادة (187) جرائم وعقوبات[35].
الحالة الثانية: التأثير في قضاء المحكمة أو في الشهود:
في هذه الحالة أجاز المشرع للمحكمة تحريك الدعوى الجزائية إذا وقعت إحدى الجرائم التي من شأنها التأثير في قضاء المحكمة أو في الشهود.
ومن هذه الأفعال التي تؤثر في القضاء أو في الشهود، جريمة استعمال القوة أو التهديد أو عرض عطية أو مزية من أي نوع كان، أو وعد بشيء لحمل آخر على عدم أداء الشهادة، أو على الشهادة زوراً، أو وقع ذلك على الخبير أو المترجم المنصوص عليها في المادة (181) جرائم وعقوبات، وجرائم إثارة الفوضى والتجمهر للتأثير على القاضي المنصوص عليها في المادة (185) جرائم وعقوبات، وجريمة استعمال القوة أو التهديد ضد متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة، أو للإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها المنصوص عليها في المادة (166) جرائم وعقوبات، وجريمة تضليل القضاء الجزائي بواسطة تغيير حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة المنصوص عليها في المادة (183) جرائم وعقوبات، وجريمة إفشاء سرية الإجراءات المنصوص عليها في المادة (189) جرائم وعقوبات[36].
الفرع الثاني
شروط التصدي الجوازي
يشترط لصحة التصدي الجوازي الآتي:
الشرط الأول: أن تتوافر إحدى حالات التصدي الجوازي المذكورة آنفاً.
الشرط الثاني: أن تكون الجريمة التي وقعت من شأنها الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها، أو تنطوي على معنى التأثير في قضائها أو في الشهود، وبمفهوم المخالفة لذلك فإذا كانت الجريمة لا تنطوي على معنى الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها، أو ليس من شأنها التأثير في قضائها أو في الشهود، ففي هذه الحالة لا يجوز للمحكمة تحريك الدعوى الجزائية عنها[37].
الشرط الثالث: أن تكون الجريمة التي وقعت من شأنها الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها، أو تنطوي على معنى التأثير في قضائها أو في الشهود، قد ارتكبت خارج الجلسة، إذ لو ارتكبت في الجلسة لكان من حق المحكمة تحريك الدعوى في شأنها والحكم فيها لاعتبارها من جرائم الجلسات التي نظمها المشرع في المواد (173، 174، 175، 176، 178) من قانون المرافعات[38]، وكذلك المادتان (319، 357) من قانون الإجراءات الجزائية.
الشرط الرابع: أن يكون تحريك الدعوى الجزائية من المحكمة الجزائية بمناسبة دعوى معروضة عليها، ولا يشترط أن تكون الدعوى المنظورة أمامها من الدعاوى الجزائية، وهذا بخلاف التصدي الوجوبي إذ طبقاً لنص المادة (35) إ.ج، يجوز أن تكون الدعوى المنظورة أمام المحكمة هي الدعوى المدنية التبعية للدعوى الجزائية وحدها، وذلك في الحالة التي تكون فيها الدعوى الجزائية قد انقضت لسبب طارئ بعد رفعها، أو اقتصر الطعن بالاستئناف أمام المحكمة الاستئنافية على الدعوى المدنية التبعية فقط.
إذ تتمثل الغاية من تخويل المحكمة سلطة تحريك الدعوى في حالات التصدي الجوازي في صيانة كرامة المحكمة وهيبتها، وعدم التأثير في قضائها، فضلاً عن حماية الشهود، بصرف النظر عن موضوع الدعوى المنظورة أمامها[39].
المطلب الثاني
إجراءات التصدي الجوازي وآثاره
تمهيد وتقسيم:
من خلال نص المادة (35) إ.ج، يتضح أن للتصدي الجوازي إجراءات لممارسة هذه السلطة، كما أن له آثاراً تترتب على استخدام هذه السلطة، وهو ما يقتضي من الباحث تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، نتحدث في الفرع الأول عن إجراءات التصدي الجوازي، أما الفرع الثاني فنبين فيه آثار التصدي الجوازي وذلك على النحو التالي:
الفرع الأول
إجراءات التصدي الجوازي
استناداً لنص المادة (35) إ.ج، فإن للمحكمة الجزائية في أحوال التصدي الجوازي تحريك الدعوى الجزائية، وإحالتها إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، كما أن للمحكمة الحكم في هذه الدعوى[40]، وبالتالي فإنه يجب اتباع الإجراءات التالية:
أولاً: يتم التصدي بقرار تصدره المحكمة بشأن الجرائم التي تمثل إخلالاً بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها، أو التأثير في قضائها أو في الشهود التي ستتصدى لها.
وقرار التصدي الذي تصدره المحكمة يجب أن يكون صريحاً، ولكنه لا يشترط أن يكون مسبباً، وهو قرار لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، لأنه ليس حكماً في الدعوى بل مجرد إجراء أولي من إجراءات تحريكها[41].
ويرى الباحث خلاف ذلك حيث يرى أنه يجب أن يكون قرار التصدي مسبباً، وذلك لأن القاعدة العامة أن الأصل في جميع الأوامر والقرارات القضائية أن تكون مسببة وإلا لما عرف الغاية منها.
ثانياً: يجب على المحكمة إحالة الدعوى المتصدى لها إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف في ذلك التحقيق وفقاً للقواعد المقررة في الباب الثالث من الكتاب الثاني، وبالتالي فللنيابة العامة أن تصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية، أو بإحالتها إلى المحكمة المختصة، وكل ما تلتزم به النيابة العامة عند إحالة الدعوى إليها هو مباشرة التحقيق فليس لها أن تصدر أمراً بحفظ الأوراق إذا لم تر ضرورة للتحقيق، وهذا المعنى واضح من خلال نص المادة (32) إ.ج.
ثالثاً: إذا صدر قرار من النيابة العامة بإحالته الدعوى إلى المحكمة، ففي هذه الحالة فإنه يجوز للمحكمة التي تصدت للدعوى سواءً كانت هذه المحكمة هي المحكمة الابتدائية أم الشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف، أن تفصل في الدعوى التي تصدت لها، وهذا بخلاف التصدي الوجوبي الذي يقتصر على مجرد تحريك الدعوى إلى النيابة العامة للتحقيق، ولا يحق للمحكمة التي تصدت أن تفصل في الدعوى.
وعلة هذا الاختلاف أن الجريمة التي تتصدى لها المحكمة ليست مرتبطة بالدعوى المرفوعة أمامها، وإنما التأثير في القضاء وحسن سير العدالة، ولا مبرر لأن تكون المحكمة التي ستنظر الدعوى هي غير المحكمة التي حركتها، ما دام أن القضية ستخضع قبل ذلك لمرحلة التحقيق[42].
الفرع الثاني
آثار التصدي الجوازي
يرتب التصدي الجوازي أثرين كلاهما إيجابيان، وهذا بخلاف التصدي الوجوبي:
الأثر الأول: أنه يترتب على التصدي إحالة الدعوى إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق في الدعوى المتصدى لها، وبالتالي فعلى النيابة العامة أن تتصرف في التحقيق الذي تجريه طبقاً للباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية، ولها أن تصدر قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية، أو بإحالتها إلى المحكمة المختصة.
وبالتالي فإنه لا يجوز للمحكمة أن تباشر التحقيق بنفسها، فإذا حققت المحكمة في الدعوى بنفسها دون أن تحيلها إلى النيابة العامة للتحقيق فإن المحكمة تكون قد أخطأت القانون[43]، ذلك أن نص المادة (32) إ.ج يوجب على المحكمة إحالتها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقاً للقواعد العامة.
الأثر الثاني: وهو جواز نظر الدعوى المتصدى لها من ذات المحكمة التي تصدت، بمعنى أنه يجوز للمحكمة التي تصدت للدعوى سواءً كانت هذه المحكمة هي المحكمة الابتدائية أو الشعبة الجزائية بمحكمة الاستئناف أن تفصل في الدعوى التي تصدت لها.
ونعتقد بأن المشرع حينما خول المحكمة الجزائية الجمع بين سلطتي التحقيق والحكم أنه قد غلب اعتبارات ضمان احترام القضاء وكفالة هيبته والنأي به على التأثير على غيره من الاعتبارات.
والباحث لا يتفق مع وجهة نظر المشرع حيث يرى الباحث قصر سلطة المحكمة على تحريك الدعوى إلى النيابة للتحقيق فيها دون أن تفصل فيها ذات المحكمة التي تصدت لها، وذلك تغليباً لاعتبارات مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم من ناحية، وتحقيق ضمانات حق الدفاع للمتهم، وحياد القاضي، وأحوال التنحي الوجوبي المنصوص عليها دستوراً وقانوناً من ناحية ثانية.
الخاتمة
قال تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}
الحمد لله الذي وفقني لإتمام هذه الدراسة، بعد جهد دؤوب ومشقة وضيق وقت في البحث عن المادة العلمية، وكتابة موضوع هذه الدراسة وتنقيحه، وتقسيم المباحث والفروع، والصلاة والسلام على من أرسله الله هادياً للأنام سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فقد توصلت من خلال هذه الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات وهي على النحو الآتي:
أولاً: النتائج:
انتهى الباحث إلى عدد من النتائج أهمها:
1. أن حالات التصدي بنوعيه الوجوبي والجوازي، نص عليها المشرع على سبيل الحصر، ومن ثم فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها، لأنها استثناء من الأصل وهو عدم جواز تحريك الدعوى الجزائية من سلطة الحكم وفقاً لمبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم، وبالتالي فإن أحكام التصدي تتعلق بالنظام العام.
2. حق التصدي لا يعني (إقامة الدعوى الجزائية) كما جاء في تعبير القانون، وإنما يفيد فقط طلب تحريك الدعوى إلى سلطة التحقيق لكي تقوم من بعد بإقامة الدعوى وإحالتها إلى المحكمة إذا ما قدرت ذلك.
3. للمحكمة من حيث المبدأ سلطة تقديرية من حيث تقرير توافر إحدى حالات التصدي الوجوبي، أو تقرير عدم توافرها، فإذا رأت أثناء نظرها في دعوى مرفوعة أمامها توافر شروط إحدى هذه الحالات، فإنها لا تملك سلطة تقديرية عندئذ، ومن ثم يجب عليها التصدي بقوة القانون، بحيث لا يكون لها سلطة تقديرية في التصدي أو عدم التصدي.
4. ن أن سلطة تحريك الدعوى الجزائية في أحوال التصدي بنوعيه، قصرها المشرع على القضاء الجزائي، لأن التصدي يستحيل أن يثار إلا بصدد دعوى جزائية منظورة أمام القضاء الجزائي، وهذا بخلاف سلطة المحاكم في تحريك الدعوى في جرائم الجلسات فقد خولها المشرع للقضاء عموماً الجزائي وغير الجزائي.
5. أن قأن قرار التصدي الذي تصدره المحكمة يجب أن يكون صريحاً، ولا يشترط فيه أن يكون مسبباً، وقرار المحكمة بالتصدي لا يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، لأنه ليس حكماً في الدعوى بل مجرد إجراء أولي من إجراءات تحريكها.
6. أن المقصود بنص المادة (35) إ.ج والتي نصت على الجرائم التي تمثل إخلالاً بأوامر المحكمة أو الاحترام الواجب لها والتأثير في قضائها أو في الشهود، أنها التي تقع خارج الجلسة فقط، أما الجرائم التي تقع في الجلسة فقد تكفلت نصوص أخرى بتنظيمها تحت عنوان: «جرائم الجلسات» وهي المواد (319، 357) إ.ج، والمواد (173، 174، 175، 176، 178) مرافعات.
7. يقتصر حق المحكمة في حالات التصدي الوجوبي على مجرد تحريك الدعوى الجزائية أي مجرد الاتهام دون التحقيق أو الفصل فيها، فإن حققت أو حكمت فيها المحكمة التي تصدت لها كان عملها باطلاً بطلاناً مطلقاً، وهذا بخلاف التصدي الجوازي إذ من حق المحكمة التي تصدت أن تفصل في موضوع الدعوى المتصدى لها.
ثانياً: التوصيات:
خلص الباحث إلى عدد من التوصيات أهمها:
1. أوصي المشرع اليمني بتعديل عنوان الفصل الثالث من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجزائية الموسوم بـ (في إقامة الدعوى الجزائية من المحكمة) إلى (تحريك الدعوى الجزائية من المحكمة) وذلك لأن إقامة الدعوى يعني رفعها إلى قضاء الحكم، وليس هذا هو المعنى الذي يقصده المشرع هنا، إذ أن المقصود بإقامة الدعوى هنا هو قرار تحريكها الذي ينفذ بإحالة الوقائع الجديدة أو المرتبطة أو المتهمين الجدد إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف فيها طبقاً للقواعد العامة المقررة في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية.
2. أوصي المشرع اليمني بتعديل نص المادتين (32، 33) إ.ج، بحذف عبارة: (يجوز) من النصين واستبداله بعبارة: (يجب) حتى لا يفهم أن المشرع يخول القاضي الجزائي في المحكمة سلطة الجمع بين صفة الخصم وصفة الحكم في آن واحد، مع ما في ذلك من تعارض مع القواعد الإجرائية الآمرة، لاسيما القواعد المتعلقة بالتنحي الوجوبي، وبالتالي نقترح أن يكون نص المادتين كالتالي:
نص المادة (32): (إذا رأت المحكمة الابتدائية في دعوى مرفوعة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم أو وقائع أخرى غير المسندة فيها إليهم أو أن هناك جريمة مرتبطة بالتهمة المعروضة أمامها فعليها أن تحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها طبقاً للباب الثالث من الكتاب الثاني من هذا القانون. وإذا صدر قرار بإحالة الدعوى إلى المحكمة وجب على المحكمة إحالتها إلى محكمة أخرى، وإذا كانت المحكمة لم تفصل في الدعوى الأصلية وكانت مرتبطة بالدعوى الجديدة ارتباطاً لا يقبل التجزئة وجب إحالة القضية كلها إلى محكمة أخرى).
ونص المادة (33) إ.ج على: (لمحكمة الطعن الاستئنافية عند نظر الاستئناف نفس الصلاحيات المقررة في المادة السابقة ويجب في هذه الحالة أن تكون الإحالة إلى محكمة ابتدائية أخرى غير التي أصدرت الحكم المستأنف، ويكون النقل في جميع الأحوال بقرار من رئيس المحكمة طبقاً للقانون).
3. أوصي المشرع اليمني بإدخال الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا أثناء نظرها للدعوى بناءً على الطعن للمرة الثانية تحت حكم نص المادة (35) إ.ج باعتبار أن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا تحتاج إلى أوفر نصيب من الاحترام ثم أن الأفعال التي تقوم بها الجرائم الماسة بالاحترام الواجب للقضاء يغلب أن ترتكب ضد المحاكم العليا. وبالتالي نقترح أن يكون نص المادة كالتالي:
نص المادة (35) إ.ج: (للمحكمة في حالة نظر الموضوع إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها أو الاحترام الواجب لها والتأثير في قضائها أو في الشهود وكان ذلك في صدد دعوى منظورة أمامها أن تقيم الدعوى الجزائية على المتهم طبقاً للمواد (32، 33، 34) وتقضي فيها). لاسيما وأن مستهل نص المادة (35) جاء عاماً ومطلقاً (للمحكمة) ولم يحدد محكمة بعينها.
4. أوصي المشرع اليمني بتعديل نص المادة (35) إ.ج، حيث نرى قصر سلطة المحكمة إزاء الجرائم التي من شأنها الإخلال بأوامر المحكمة أو الاحترام الواجب لها أو التأثير في قضائها أو في الشهود على مجرد تحريك الدعوى إلى النيابة العامة للتحقيق فيها دون أن تفصل فيها ذات المحكمة نظراً لتعارض ذلك مع مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم من ناحية وتحقيق ضمانات حق الدفاع للمتهم وحياد القاضي وأحوال التنحي الوجوبي المنصوص عليها دستوراً وقانوناً من ناحية ثانية وبالتالي نقترح أن يكون نص المادة كالتالي:
نص المادة (35) إ.ج: (للمحكمة في حالة نظر الموضوع إذا وقعت أفعال من شأنها الإخلال بأوامرها أو الاحترام الواجب لها والتأثير في قضائها أو في الشهود وكان ذلك في صدد دعوى منظورة أمامها أن تقيم الدعوى الجزائية على المتهم طبقاً للمادتين (32، 33)، وإذا صدر قرار بإحالة الدعوى إلى المحكمة، جاز إحالتها إلى محكمة أخرى للفصل فيها).
قائمة المراجع
أولاً: المؤلفات القانونية:
1. د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، ج1، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، الطبعة الأولى، 1979م.
2. د. حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجزائية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1981م.
3. د. رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري، دار الفكر العربي، الطبعة الثامنة عشرة، 2006م.
4. د. طاهر صالح العبيدي، قانون الجرائم والعقوبات اليمني، القسم العام، ج2، مكتبة ومركز الصادق للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 2009م.
5. د. عبدالباسط محمد سيف الحكيمي، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، مكتبة الصادق للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، 2012م.
6. د. مأمون محمد سلامة، قانون الإجراءات الجنائية، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1980م.
7. د. محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الطبعة السابعة، 2005م.
8. د. محمد سيف شجاع، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، مكتبة ومركز الصادق للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، 2004-2005م.
9. د. محمد عبدالغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، النسر الذهبي للطباعة، الطبعة الثانية، القاهرة، 1996م.
10. د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، الطبعة الحادية عشرة، 1976م.
11. د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1982م.
12. د. مطهر علي صالح أنقع، شرح قانون الإجراءات الجزائية، ج1، المطبعة القضائية، الطبعة الخامسة، 2015م.
13. د. نديم محمد حسن الترزي، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، مكتبة ومركز الصادق للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2015م.
ثانياً: القوانين:
1. قانون الإجراءات الجزائية اليمنية، رقم (13) لسنة 1994م، العدد (19)، ج4، لسنة 1994م.
2. قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م، العدد (19)، ج3، لسنة 1994م.
3. قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م.
[1] الجريدة الرسمية، قانون الإجراءات الجزائية، رقم (13) لسنة 1994م، العدد (19)، ج4.
[2] د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، ج1، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، الطبعة الأولى، 1979م، ص233.
[3] د. محمد عيد الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، النسر الذهبي للطباعة، الطبعة الثانية، القاهرة، 1996م، ص193.
[4] د. محمد سيف شجاع، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، مركز الصادق، الطبعة الخامسة، 2004-2005م، ص131.
[5] د. محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1982م، ص154.
[6] د. نديم محمد حسن الترزي، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، مكتبة ومركز الصادق للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2015م، ص124.
[7] د. مأمون محمد سلامة، قانون الإجراءات الجنائية، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، 1980م، ص129.
[8] د. مطهر علي صالح أنقع، شرح قانون الإجراءات الجزائية، ج1، المطبعة القضائية، الطبعة الخامسة، 2015م، ص132.
[9] د. حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف بالإسكندرية، ص126.
[10] د. حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص129.
[11] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص160.
[12] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص160.
[13] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص158.
[14] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص160-161.
[15] تنص المادة (366) إ.ج على: (للمحكمة أن تعدل في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند إلى المتهم ولها أيضاً إصلاح كل خطأ مادي وتدارك كل سهو في صحيفة الاتهام أو ورقة التكليف بالحضور وعلى المحكمة في جميع الأحوال أن تنبه المتهم إلى هذا التعديل وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناءً على هذا الوصف والتعديل الجديد إذا طلب ذلك).
[16] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص162.
[17] د. مأمون محمد سلامة، مرجع سابق، ص130.
[18] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص165-166.
[19] تنص المادة (42) إ.ج على أنه (لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية ويتعين إنهاء إجراءاتها إذا كان قد بدأت في إحدى الأحوال الآتية:
أ. عند عدم وجود جريمة.
ب. إذا لم تتوافر عناصر الجريمة.
ج. عدم بلوغ سن المساءلة الجزائية.
د. لسبق صدور حكم في القضية غير قابل للطعن.
ه. لسبق صدور قرار بألا وجه لإقامة الدعوى واستنفاذ طرق طعنه.
و. صدور عفو عام أو خاص.
ز. وفاة المتهم.
ح. بانقضاء الدعوى بالتقادم.
الجدير بالذكر أن الفرق بين العفو الخاص (العفو عن العقوبة) والعفو العام (الشامل) يتمثل في:
1. العفو الخاص أثره يقتصر على المستقبل، ولذلك فالأصل فيه أنه لا يؤثر على الجريمة، فهو لا يمحو الصفة الإجرامية لها، ولا يؤثر على الحكم الصادر بها إذ يحسب سابقة في العود، ولا يسقط الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة، ولا يسقط العقوبات التكميلية ما لم ينص قرار العفو على إسقاطها، وهذا بخلاف العفو العام (الشامل) فهو يعمل على محو الصفة الإجرامية للجريمة.
2. العفو الخاص يعد قراراً شخصياً يمنح لفرد واحد أو أكثر لا لنوع معين من الجرائم، بخلاف العفو العام فهو يصدر في نوع معين من الجرائم وبالذات الجرائم السياسية.
3. لا يصدر قرار العفو الخاص عن العقوبة إلا بعد أن يصبح الحكم بالعقوبة باتاً، بخلاف العفو العام فإنه يصدر في أي وقت تكون عليها الدعوى، سواءً كان ذلك قبل رفع الدعوى والبدء في التحقيق أو بعد رفع الدعوى والبدء في التحقيق أو بعد صدور الحكم أو قبل صدور الحكم في الدعوى.
4. العفو الخاص يصدر بقرار من رئيس الجمهورية، بخلاف العفو العام الذي يصدر بقانون من قبل السلطة التشريعية.
أشار إليه د/ طاهر صالح العبيدي، قانون الجرائم والعقوبات اليمني، القسم العام، ج2، مكتبة ومركز الصادق للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 2009م، ص207.
[20] د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، الطبعة الحادية عشرة، 1976م، ص108.
[21] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص167، 168.
[22] د. أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص243.
[23] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص169.
[24] د. مطهرعلي صالح أنقع، مرجع سابق، ص133، 134.
[25] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص174.
[26] المرجع السابق.
[27] الجريدة الرسمية، قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م.
[28] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص175.
[29] د. مأمون محمد سلامة، مرجع سابق، ص132-133.
[30] د. رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري، دار الفكر العربي، الطبعة الثامنة عشرة، 2006م، ص106؛ د. مأمون محمد سلامة، مرجع سابق، ص132؛ د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص156.
[31] د. محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الطبعة السابعة، 2005م، ص290.
[32] حكم النقض المصري الصادر في أول نوفمبر 1966م، مجموعة أحكام النقض، س17، ق200، ص1069؛ أشار إليه د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص170.
[33] قصر المشرع سلطة التصدي الوجوبي الجوازي على القضاء الجزائي دون المدني والتجاري مرده أن التدخل في شؤون القضاء ومحاولات التأثير فيه أو في قضائه أو في الشهود إنما يغلب وقوعه في القضايا الجزائية، وكذلك الحال فيما يتعلق بالإخلال بأوامر القضاء، كما أن ذلك يعد استثناءً على مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم، ولذلك لم يشأ المشرع التوسع فيه.
[34] د. عبد الباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص179.
[35] الجريدة الرسمية، قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م، العدد (19) ج3.
[36] الجريدة الرسمية، قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م، العدد (19) ج3.
[37] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص181.
[38] الجريدة الرسمية، قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م.
[39] د. عبد الباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص181.
[40] يوصي الباحث المشرع اليمني بتعديل نص المادة (35) إ.ج حيث يرى قصر سلطة المحكمة إزاء الجرائم التي من شأنها الإخلال بأوامر المحكمة أو الاحترام الواجب لها أو التأثير في قضائها أو في الشهود على مجرد تحريك الدعوى إلى النيابة العامة للتحقيق فيها دون أن تفصل فيها ذات المحكمة، نظراً لتعارض ذلك مع مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والحكم من ناحية، وتحقيق ضمانات حق الدفاع للمتهم من ناحية وحياد القاضي، وأحوال التنحي الوجوبي المنصوص عليها دستوراً وقانوناً من ناحية ثانية.
[41] د. عبدالباسط الحكيمي، مرجع سابق، ص169.
[42] د. مطهر أنقع، مرجع سابق، ص136.
[43] د. محمد زكي أبو عامر، مرجع سابق، ص290.