قواعد وأحكام الدفاع الشرعي في التشريع اليمني
الباحث/
طاهر محمد الجنيد
مقدمة
الدفاع الشرعي حق وواجب يعطيه القانون لمواجهة خطر محدق ومستمر دون الحاجة إلى الاستعانة بالسلطات العامة، وفي هذا البحث نتناول تعريف الدفاع الشرعي اللغوي والاصطلاحي ونتعرف على الأسس الشرعية في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم وذلك في المطلب الثاني، ثم نعرج على القواعد القانونية التي صاغها المشرع اليمني للدفاع الشرعي في قوانين وتشريعات شمال الوطن وجنوبه قبل الوحدة المباركة، والقواعد التي اعتمدها في التشريع الوحدوي وذلك في المطلب الثالث، ونتعرف في المطلب الرابع على شروط الدفاع الشرعي فنبدأ بدراسة شروط التعرض وشروط فعل الدفاع وفي المطلب الخامس ندرس أثر فعل الدفاع على المسئولية المدنية والجنائية وحدوده، ومواجهة حالات التجاوز في ممارسة الدفاع الشرعي وفقاً لنصوص القوانين
ومن خلال دراسة قواعد الدفاع الشرعي يتبين لنا كذب من ادعى أن العدوان والإجرام الصهيوني على الأشقاء في غزة فلسطين دفاع شرعي وهم مجرمو الحرب من زعماء الغرب وغيرهم، وأيضاً كذب وافتراء بعض صهاينة العرب الذين قالوا أن المقاومة الإسلامية استفزت إسرائيل لأنهم يعلمون أن الكيان الصهيوني محتل للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من مائة عام وعدوانه مستمر حتى الآن.
ملخص البحث:
التعريف بقواعد الدفاع الشرعي في الشريعة الإسلامية والتشريع اليمني والمنهج الذي سار عليه في تقنين قواعد الدفاع الشرعي.
قواعد وأحكام الدفاع الشرعي في التشريع اليمني
يتناول هذا البحث قواعد وأحكام الدفاع الشرعي التي صاغها المشرع اليمني في منظومته القانونية بعد قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وبعد الوحدة المباركة مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية التي تنظم الدفاع الشرعي ويشتمل على العناوين الآتية:
• المطلب الأول: تعريف الدفاع الشرعي.
o الفرع الأول: التعريف اللغوي.
o الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي.
• المطلب الثاني: الأساس الشرعي للدفاع.
o الفرع الأول: في نصوص القرآن الكريم.
o الفرع الثاني: السنة النبوية المطهرة.
• المطلب الثالث: قواعد الدفاع الشرعي في التشريع.
o الفرع الأول: في تشريع المحافظات الشمالية.
o الفرع الثاني: في تشريع المحافظات الجنوبية.
o الفرع الثالث: في التشريع الوحدوي.
• المطلب الرابع: شروط الدفاع الشرعي.
شروط التعرض:
o الفرع الأول: وجود فعل خطر وحال.
o الفرع الثاني: أن يكون الاعتداء جريمة.
o الفرع الثالث: أن لا يكون مثاراً أو واقعاً بخطأ المدافع.
• المطلب الخامس: أثر الدفاع الشرعي وتجاوز حدوده.
o الفرع الأول: آثار توافر الدفاع الشرعي.
o الفرع الثاني: تجاوز حدود الدفاع.
المطلب الأول
تعريف الدفاع الشرعي
التعريف اللغوي:
الدفاع الشرعي مكون من كلمتين دفاع وشرعي وكلمه دفاع تأتي بعده معان.
- التنحية والإزالة: ومنه دفعت الشيء دفعاً بمعنى نحاه وأزاله بقوة.
- الإعطاء: دفع إليه، أعطاه، وتأتي بمعنى الرد دفع القول معنا رده بالحجة
- المحامي: ومنه دافع عنه، حامى عنه أي حامى عنه وانتصر له.
- وكلمة شرعي. مأخوذة من الشرع بمعنى: أخذ يفعل ومنه شرع الدين سنه وبينه.
- وشرع الأمر: جعله مشروعاً ومسنوناً.
بمعنى الرفع: ومنه: شرع البيت إذا رفعه والتسديد أشرع نحوه الرمح سدده(2)،
ومما سبق يمكننا تعريف الدفاع الشرعي بأنه: التنحية والإزالة المشروعة والمسنونة لاعتداء خطر وحال بالقدر اللازم والوسيلة دون انتظار السلطات.
التعريف الاصطلاحي:
وضع فقهاء القانون للدفاع الشرعي تعريفات مختلفة ومنها على سبيل المثال:
1- الدفاع الشرعي: حق يخوله القانون للشخص فيبيح له الالتجاء إلى القدر اللازم من القوة لدرء خطر الاعتداء على نفسه أو ماله أو على نفسه غير وماله(3).
2- استعمال القوه اللازمة لصد تعرض غير محق ولا مثار يهدد بإيذاء حق يحميه القانون(4).
3- الحق في استعمال القوه لصد اعتداء حال غير مشروع(5).
وهذه التعريفات: تبرز أركان حق الدفاع الشرعي وهي الآتي:
أولاً: الدفاع الشرعي: حق بموجب نصوص القوانين وهو أحد أهم وأقدم أسباب الإباحة.
ثانياً: أن يكون هناك اعتداء خطر وحال.
ثالثاً: أن لا يكون هناك إمكانية للالتجاء إلى السلطات لدفع هذا الخطر.
رابعاً: أنه يبيح للمدافع استخدام الوسيلة بالقدر اللازم من القوة لمواجهته.
الفرق بين الشريعة الإسلامية والقوانين:
تختلف الشريعة الإسلامية عن التشريعات الوضعية في تحديد الأساس للدفاع الشرعي فبينما القوانين ترى أن الدفاع الشرعي حق تؤكد الشريعة أن صد العدوان واجب والفرق واضح بين الحق والواجب ولكي يتضح الأمر فإننا نتعرف على معنى الحق أولاً وثانياً الواجب.
تعريف الحق: ما يثاب فاعله ولا يذم أو يعاقب تاركه ويقال: حق الامر حقا وحقوقاً: صح وثبت وصدق(6). فمن ثبت له الحق في إمكانه استعماله وبإمكانه ترك ذلك ولا يلام ولا يعاقب على ذلك.
تعريف الواجب:
ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بحيث يذم تاركه ومع الذم العقاب ويمدح فاعله ومع المدح الثواب(7).
هنا نجد أن الشريعة جعلت الدفاع الشرعي واجب يذم تاركه ويثاب فاعله وهو ما سيتم التطرق إليه عند الحديث عن أساس الدفاع الشرعي من القرآن والسنة النبوية الشريفة ويكون الدفاع الشرعي واجباً لاحقاً وخاصة إذا تعلق الأمر بالضروريات أو الكليات الخمس التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها والتي تسمى بالكليات الخمس وهي (الدين والنفس والعقل والنسل والمال).
وهذه راعتها وحمتها الشرائع والأديان السماوية وكان أكملها في الحفظ والرعاية وهي الشريعة الإسلامية وأبرز مثال على ذلك أنها جعلت الدفاع الشرعي عنها واجباً لاحقاً.
المطلب الثاني
الأساس الشرعي للدفاع في القرآن والسنة
أكدت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية على واجب الدفاع الشرعي سواء العام أو الخاص، فالعام لحمايه الأوطان من الاعتداء ومواجهة المعتدين والخاص لمواجهة الاعتداء على النفس والعرض والمال أو العقل أو الدين، نتعرف على تلك الأسس في القرآن والسنة.
الفرع الأول
في القرآن الكريم
جاءت آيات القرآن الكريم آمرة بوجوب التصدي للمعتدي أياً كان ومنها على سبيل المثال:
1- قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [سورة البقرة الآية 196] وموجب الأمر في الآية الكريمة أنه يجب رد الاعتداء بمثله سواء كان ذلك في الحال وهو ما يسميه فقهاء الإسلام دفع الصائل أو برده بموجب القصاص في حال عدم مواجهته أثناء حدوثه وسمى الله سبحانه وتعالى رد العدوان- اعتداء من باب المقابلة لا من باب الإنكار على رد الاعتداء بمثله.
2- وأكد الله سبحانه وتعالى على أهمية انضباط الرد على الاعتداء وعدم التجاوز إذا كان على سبيل الدفاع الشرعي فقال جل جلاله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل:126] وهذه الآية تشمل أمرين اثنين، أولهما: أن يكون الدفع والرد بمثل فعل الاعتداء والمماثلة تعني استخدام القوة اللازمة والوسيلة المناسبة بغير تجاوز أو إسراف، وثانيهما: الترغيب بالصبر إذا كان ذلك ممكناً لأن فيه خيراً لمن صبر وترك الانتقام.
وجاءت الآية الثالثة تشير إلى أن الله ناصر من اعتدى على حقه وقام برد العدوان لكن الأمر أدى إلى اعتداء أكبر عليه، حتى وصل إلى البغي فقال جل جلاله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو الغفور} [الحج:60].
فإذا دفع الإنسان الاعتداء بمثله لكنه تعرض لاعتداء أكبر من ذلك فإن نصره من عند الله سبحانه وتعالى وهذه الآية تدل على وجوب دفع الاعتداء بمثله وسواء كان ذلك في الحال دفع الصائل وهو ما يسمى الدفاع الشرعي أو بالاقتصاص من الاعتداء بعد وقوعه والترغيب في الصبر وأن الله ناصره على من بغي عليه بعد أن رد العدوان.
الفرع الثاني
الأساس في السنة للدفاع الشرعي
أكدت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم على أهميه دفع الصائل وأن من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد وأيضاً ماله ودمه وعرضه نذكر منها على سبيل المثال.
1- حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول ÷: (من قتل دون ماله فهو شهيد) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
في الحديث دليل على جواز المقاتلة لمن قصد أخذ مال غيره بغير حق قليلاً كان المال أو كثيراً. وهذا قول الجماهير وقال بعض المالكية: لا يجوز القتال على أخذ القليل من المال وحكى ابن المنذر عن الشافعي رضي الله عنه أن من أراد ماله أو نفسه أو حريمه ولم يمكنه الدفع إلا بالقتل فله ذلك وليس عليه قود ولا دية ولا كفارة.
2- ووسع الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الترمذي رضي الله عنهم واجبات الدفاع: (من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(8) فقد شمل الحديث واجب الدفاع عن الدين والدم والنفس والمال والأهل وهي التي وضع لها الفقه الحديث موجبات الدفاع الشرعي.
3- وجاءت أحاديث في إهدار دم المعتدي سواء التي كان بها ممارسة العدوان أو غيرها ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ÷ يقول: (لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)(9) متفق عليه واللفظ للبخاري.
4- عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قاتل يعلي بن أمية رجلاً، فعض أحدهما صاحبه فانتزع يده من فمه، فنزع ثنيته فاختصما إلى النبي ÷ فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية له» متفق عليه واللفظ لمسلم أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب إذا عض رجلاً ووقعت ثناياه. الحديث 6829.
المطلب الثالث
قواعد الدفاع الشرعي في التشريع
رغم اختلاف المرجعيات التي اعتمد عليها المشرع اليمني في صياغة المنظومة القانونية تبعاً للمدارس الفكرية التي تأثرت بها الثورة اليمنية إلا أن هناك قدراً مشتركاً من الأحكام التي اتفق عليها وخاصة قواعد وأحكام الدفاع الشرعي نتعرف على الأحكام والقواعد التي اختارها المشرع اليمني في المحافظات الشمالية قبل الوحدة وبعد الثورة المباركة ثم الأحكام والقواعد في النظام في المحافظات الجنوبية بعد الثورة وقبل الوحدة وصولاً إلى ما اختاره المشرع اليمني بعد الوحدة المباركة.
الفرع الأول
قواعد الدفاع الشرعي في المحافظات الشمالية
اعتمد المشرع في المحافظات الشمالية على تقنين أحكام الشريعة الإسلامية قبل الثورة ولما تحققت سعى إلى تقنين أحكامها بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات الدول الأخرى في مجال التقنين، ويمكن حصر القواعد التي نظمت العقاب في اربعة قوانين وذلك على النحو الآتي:
أولاً: القانون (21، 22) لعام 1962م
أ- نظم القانون رقم (21) الخاص بالجرائم والعقوبات الدفاع الشرعي بشكل ضمني من خلال الاستناد إلى المرجعية للشريعة الإسلامية حيث نصت المادة (25 منه) (لا تسري أحكام القوانين الجزائية على فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة الغراء) ومعلوم ان قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية قننت قواعد وأحكام الدفاع الشرعي وجعلته واجباً لاحقاً ومعلوم الفارق بينهما كما سلف.
ثانياً: القانون رقم 15 لعام 1975م
صدر تحت مسمى قانون العقوبات العسكري وهو تقنين عقابي متكامل وأخذ مسمى ذلك حتى لا تثار حوله المعارضة من تقنين قد يتعارض مع المرجعية الشرعية ونظم قواعد وأحكام الدفاع الشرعي في المادة (60) منه (يعد ممارسة الحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع التعرض غير محق عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله)، هذه المادة تضع قواعد الدفاع الشرعي على النحو الآتي:
1- أن فعل الدفاع الشرعي ممارسة للحق.
2- دفع اعتداء حال وضروري.
3- أن الاعتداء كونه بغير حق.
4- دفاعاً عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله.
وأكدت المادة (62) منه (لا يعد الفعل الذي تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية والقانون جريمة) ومعلوم أن الدفاع الشرعي تجيزه الشريعة الإسلامية.
وأضافت المادة (95) تحت عنوان: الأعذار المحلة (لا عذر على جريمة إلا في الأحوال التي عينتها أحكام الشريعة الإسلامية والقانون) ووضعت المادة (96) آثار العذر المحل عند وجوده (يعفى المجرم من كل عقاب على أنه يجوز أن تنزل به عند الاقتضاء التدابير الاحترازية كالكفالة الاحتياطية مثلاً حيث جعله مانعاً من موانع العقاب.
ثالثاً: قواعد الدفاع في المشروع والتعديل
شكلت لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية من مجموعة من العلماء ودكاترة القانون وأعدت المشروع والتعديل فالمشروع نظمه في المواد (27 إلى 30) والتعديل في المواد (31- 35) وكانت الأحكام والقواعد هي الآتي:
1- أن يواجه المدافع خطراً حالاً.
2- أن يكون الاعتداء غير مشروع (من جريمة).
3- أن تكون واقعة على نفس المدافع أو ماله أو نفس الغير وماله.
4- تعذر اللجوء إلى السلطات العامة لاتقاء الخطر في الوقت المناسب.
5- للمدافع أن يدفع الخطر بما يلزم لرده بالوسيلة المناسبة.
حدود الدفاع الشرعي وفقاً للمشروع والتعديل:
أوضحت المادة (28) متى يجوز أن يصل الدفاع إلى القتل وذلك في جرائم الاعتداء على النفس والمال أن يقصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية، إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
أ- الدفاع الشرعي المبيح للقتل دفاعاً شرعياً:
1- القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو أحد أقاربه.
2- الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه وأي محرم له.
3- اختطاف المدافع أو زوجه أو ولده او أحد محارمه بالقوة أو بالتهديد بالسلاح والاعتماد في كل الصور الدفاع الشرعي بالقرائن القوية، فإذا دلت على ذلك فلا قصاص ولا دية ولا أرش.
في جرائم الأموال اشترط الآتي وفقاً لنص المادة (29)
4- جريمة الحريق العمد.
5- جرائم سرقة من السرقات الجسيمة.
6- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته.
ولم تخرج قواعد تنظيم الدفاع في التعديل عن سابقها إلا من حيث الآتي: إضافة كلمة العرض إلى جملة ما يمكن أن يقع عليه الاعتداء (نفسه أو عرضه أو ماله) وذلك في الدفاع العام المادة (33) التي توافق المادة (27) في المشروع.
اتفقت أحكام المادة (34) مع المادة (28) ولم يشمل التعديل من جملة قواعد الدفاع عن المال الذي يوجب القتل دفاعاً شرعياً كما أورد ذلك المشروع ولم يكن هذا الاجتهاد موفقاً خصوصاً أن رأي جمهور الفقهاء يجيز القتل دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض ودليلهم في ذلك الأحاديث الصحيحة عن الرسول ÷ (من قتل دون ماله فهو شهيد)(14) وغيرها من الأحاديث التي سبق الإشارة إلى بعض منها خاصة وأن المشروع حدد نوع هذه الجرائم التي ورد ذكرها على سبيل الاستثناء وهي الجرائم الجسيمة التي يصاحبها الإكراه والتهديد والتي تقوم بها جماعات منظمة إضافة إلى الحرابة المواد (301، 306).
الفرع الثاني
قواعد الدفاع الشرعي في التشريع في الجنوب
نظم القانون رقم (12) لعام 1970م والقانون رقم (3) لعام 1976م قواعد وأحكام الدفاع الشرعي فالأول شمل بأحكامه الدفاع الشرعي عن الأموال والأنفس والثاني شمل المصالح الاجتماعية وغيرها، نتعرف على قواعد الدفاع وذلك على النحو الآتي:
القانون رقم (12) عام 1970م
نظم قواعد الدفاع في المواد من (9 إلى 13) فيما يخص الدفاع عن النفس، والدفاع عن المال(15).
أ- قواعد الدفاع عن النفس.
1- أنه لا عقوبة على من قتل غيره أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله. المادة (8).
2- أن حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص إلا في الأحوال الاستثنائية المبينة بعد استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوص عليها في هذا القانون. المادة (9).
3- لا يعتبر الحق موجوداً إذا أمكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال الأمن. المادة (10).
4- أن حق الدفاع الشرعي لا يبيح مقاومة أحد رجال الأمن أثناء قيامه بأمر بناءً على واجبات وظيفته مع حسن نيته. المادة (11).
ومن خلال ما سبق يمكن تحديد قواعد الدفاع الشرعي العام كما يأتي:
1- أنه لا عقوبة على قتل المعتدي استعمالاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله.
2- أنه لا يجوز قتل المعتدي إلا على سبيل الاستثناء وفقاً للقواعد التي حددها القانون.
3- أن إمكانية الركون إلى الاحتماء برجال الأمن ينفي حالة الدفاع.
4- أنه لا يعتبر دفاعاً شرعياً إذا كان القائم بالاعتداء أحد رجال الأمن خاصة إذا كان ذلك بناء على أمر كواجب وظيفي وبحسن نية.
أولاً: الجرائم التي يباح فيها القتل العمد:
وضع القانون قواعد لتحديد الجرائم التي يباح فيها القتل دفاعاً عن النفس أو المال وذلك على النحو التالي:
أ- الجرائم التي يباح فيها القتل العمد أن يكون القصد منه دفع أحد الأمور الآتية: المادة (12).
1- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جرح بالغ إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
2- إتيان أمر كرهاً أو هتك عرض إنسان بالقوة.
3- اختطاف إنسان.
وهذا النص ذاته هو نص المادة (249) من قانون العقوبات المصري الذي تضمن ما يأتي:
1- مواجهة المعتدى عليه فعلاً يتخوف أن يموت منه أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
2- إتيان المرأة كرهاً أو هتك عرض إنسان بالقوة.
3- اختطاف إنسان.
فالاختلاف واضح في اختزال الفقرة (2) فبدلاً من إتيان المرأة كرهاً ثم تحويلها إلى إتيان أمر كرهاً والفقرة بصيغتها الحالية لا يتناسق أولها وآخرها وفقاً للتعديل بينما صياغتها كما هي، يثبت التناسق والانسجام بين بداية الفقرة ونهايتها.
ثانياً: الدفاع الشرعي المبيح للقتل دفاعاً عن المال وهذه نصت عليها المادة (13):
1- جنايات السرقة.
2- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته.
3- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جرح بالغ إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
وهذا يماثل نص المادة (250) من قانون العقوبات المصري الذي أعطى الدفاع الشرعي المبيح للقتل عن المال أربع حالات وهي:
1- لدفع جريمة من جرائم الحريق العمد إذا بلغت الجريمة درجة معينة من الجسامة تحددها القوانين.
2- لدفع سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات.
3- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته.
4- فعل يتخوف منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
فالمشرع في المحافظات الشمالية حذف الفقرة الرابعة (فعل يتخوف منه الموت) وأثبت بقيه الجرائم والمشرع في المحافظات الجنوبية حذف الفقرة (1) (جريمة من جرائم الحريق العمد) وأثبت البقيه مع تعديل السرقة بغير تحديد (جسيمة أم غير جسيمة).
الدفاع الشرعي في القانون رقم (3) لعام 1976م
خالف القانون قواعد الدفاع الشرعي من حيث ماهية المصالح التي يرد عليها الدفاع الشرعي بدلاً عن الاعتداء على النفس والمال والضرر وكيفية تحديد التعدي وذلك في المادة (27) على النحو الآتي:
أ- لا يعتبر جريمة الفعل الذي، وإن كان يحتوي على سمات فعل يجرمه القانون إلا أنه ارتكب في حالة الدفاع الشرعي أي حالة الدفاع عن مصالح الدولة أو المصالح الاجتماعية أو شخص آخر ضد اعتداء خطر اجتماعياً وذلك عن طريق إلحاقه ضرراً بالمعتدي إذا لم يرتكب أثناء ذلك تعدياً لحدود الدفاع الشرعي.
ب- يعتبر تعدياً لحدود الدفاع الشرعي عدم مطابقة الدفاع بوضوح لطبيعة الاعتداء وخطورته).
من خلال ما سبق يمكن تحديد قواعد الدفاع الشرعي كما يأتي:
1- أن الفعل (الدفاع) وإن كان يجرمه القانون إلا أنه لا يعد جريمة إذا كان للدفاع الشرعي.
2- الدفاع الشرعي لمواجهة الاعتداء على مصالح الدولة والمصالح الاجتماعية أو حقوق المنافع أو شخص آخر.
3- أن يكون الاعتداء خطراً اجتماعياً.
4- أن يكون الدفاع بإلحاق أضرار بالمعتدي في حدود الدفاع بغير تجاوز.
5- أن التعدي يكون عدم المطابقة بوضوح لطبيعة الاعتداء وخطورته.
يلاحظ على صياغة قواعد الدفاع الشرعي وفقاً لنصوص القانون رقم (3) الآتي:
1- أنه اعتبر ممارسة الدفاع الشرعي (لا جريمة) بمعنى أنه سبب من أسباب الإباحة لا كما نص عليه القانون رقم (12) لعام 1970م أنه لا عقوبة بمعنى أنه مانع من موانع العقاب.
2- وأنه استبدل موضوع الحماية القانونية بعد أن كانت واردة لحماية النفس والعرض والمال بمصالح الدولة والمصالح الاجتماعية أو حقوق المنافع أو شخص آخر وهي عبارات عامة وتعطي سلطة تقديرية واسعة للجهات التنفيذية لا معقب عليها في ذلك وهو ما يتنافى مع الصياغة القانونية التي يجب أن تتسم بالدقة والوضوح والتحديد.
3- أنه لم يخرج عن ذات الأمر في تحديد نوع (الاعتداء) واعتباره خطراً اجتماعياً وأيضاً في تحديد نوع الدفاع المطلوب من (إلحاق ضرر بالمعتدي) مع التأكيد على أهمية أن لا يرتكب المدافع تعدياً لحدود الدفاع الشرعي.
4- أنه اعتمد على تحديد التعدي بعدم المطابقة الواضحة لطبيعة الاعتداء وخطورته، وفعل الدفاع بمعنى أنه لا بد من وجود التناسب بين الفعل والدفاع والرد.
5- أن القانونين وإن نظما حالة الدفاع الشرعي إلا أنهما لم يستكملا شروط الدفاع الشرعي وفقاً للمتعارف عليه في تحديد قواعد الدفاع فقد أغفلا شرط أن يكون هناك اعتداء حال وإن كان الاستدلال عليه من عبارات النص وهو نص المادة (10) من القانون رقم (12) وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال الأمن في معنى أن يكون الخطر حالاً ولا يسمح الوقت أن يسعف المجني عليه الاحتماء برجال الأمن لمواجهته فالقانون الأول يبيح القتل دفاعاً شرعياً وفقاً للضوابط التي حددها دفاعاً عن النفس أو المال.
وأما القانون الآخر فلا يبيح سوى إلحاق الضرر بالمعتدى، وترك الأمر تقديرياً للمدافع لاستخدام القوة والوسيلة المناسبة لدفع الاعتداء وأيضاً لتحديد ما يلزم دون تجاوز بمعنى أن يكون التناسب قائماً ولا يكون هناك تفاوت واضح بين الفعل ودفعه بالوسيلة المناسبة.
الفرع الثالث
قواعد الدفاع الشرعي في التشريع الوحدوي
صدر القانون رقم (12) الخاص بالجرائم والعقوبات لعام 1994م واحتوى على مجمل الأحكام والقواعد التي كان العمل بها في القوانين الشطرية مع الحذف والإضافة وفقاً لما رأته اللجنة التي قامت بإعداده، نتعرف على هذه القواعد في الأسطر الآتية:
أولاً: الدفاع الشرعي العام.
نظمته المادة (27) وذلك وفقاً للقواعد الآتية:
1- أن يواجه المدافع خطراً حالاً.
2- أن يكون الاعتداء غير مشروع (من جريمة).
3- أن تقع على النفس المدافع أو عرضه أو ماله أو نفس الغير أو عرضه وماله.
4- أن يتعذر الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء الخطر في الوقت المناسب.
5- يجوز للمدافع أن يدفع الخطر بما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة.
ثانياً: الدفاع الشرعي المبيح للقتل العمد:
أن يقصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية وأن يكون التخوف له أسباب معقولة المادة (28).
أ- الدفاع عن النفس المبيح للقتل دفاعاً شرعياً.
1- القتل أو جراح بالغة إذا كان القتل أو الجراح واقعة على المدافع نفسه أو أحد أقاربه.
2- الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه وأي محرم له.
3- اختطاف المدافع أو زوجه أو ولده أو أحد محارمه بالقوة أو بالتهديد بالسلاح.
أن المعتمد في تحديد فعل الدفاع والاعتداء في كل صورة بناءً على القرائن القوية فإذا دلت على ذلك فلا قصاص ولا دية ولا أرش.
ب- الدفاع الشرعي عن المال المبيح للقتل العمد أن يقصد به دفع أحد الأمور الآتية. المادة (19).
1- جريمة الحريق العمد.
2- جريمة سرقة من السرقات الجسيمة وهي الموجبة للحد من سرقه بالإكراه أو الحرابة المذكورة في المواد (301)، 306) أو جرائم السرقات التي تعتمد على الجماعات المنظمة.
3- الدخول ليلاً في منزل مسكون أو أحد ملحقاته.
ملاحظة هنا أن الدفاع العام لا يجيز القتل العمد في الدفاع عن النفس إذا كان نفس الغير أو عرضه أو ماله بينما في الدفاع الخاص يجوز إذا كان الاعتداء على نفس المدافع أو أحد أقاربه إذا كان الاعتداء يؤدي إلى جراح بالغة بالمدافع.
أن هذه الجرائم وردت على سبيل الاستثناء من الأصل العام الذي لا يباح إلا بناء على نص وبالتالي لا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه لأن هدف الحماية هو ذات المدافع وهي مصلحة جديرة بالحماية من مصلحة المعتدي والمتجاوز لحدود القانون.
أن القانون أعاد الدفاع الشرعي الموجب للقتل العمد دفاعاً عن المال بعد أن كان التعديل قد أسقط ذكره بخلاف المشروع الذي اثبته وأكد على قواعده.
المطلب الرابع
شروط الدفاع الشرعي والتعرض (الاعتداء)
اختلف الفقه القانوني في تحديد متطلبات الدفاع الشرعي، بعضهم يميل إلى استخدام شروط الدفاع وآخر يفضل استخدام أركان الدفاع الشرعي (ركن الشيء أحد الجوانب التي يستند إليها ويقوم بها(18) والشرط: ما لا يتم الشيء إلا به ولا يكون داخلاً في حقيقته)(19) والشرط والركن لازمان لتحقيق الفعل سنذهب مع غالبية الفقه في القول شروط الدفاع(20).
- الدفاع الشرعي يفترض فعلين متقابلين الأول: فعل يمثل خطراً وحالاً وغير مشروع، والثاني: فعل يواجه ويدفع هذا الفعل ولكن لابد أن يكون لازماً ومتناسباً مع الفعل وخطورته ولكي نتعرف على هذه الشروط ندرس شروط التعرض ثم شروط الدفع وعلى النحو الآتي:
الفرع الأول
أن يكون الفعل خطراً وحالاً
أولاً: أن يكون التعرض خطراً نتعرف على معنى الفعل الخطر أولا ًوالحال ثانياً.
الخطر: هو الضرر الذي لم يقع بعد، ولكن احتمال وقوعه ممكن وفقاً للمجرى العادي للأمور لذلك يعرف بأنه (اعتداء محتمل لم يتحقق بعد ولكن تحقيقه منتظر وفق السير العادي للأمور)(21).
ويرى آخرون أنه (وصف يلحق بالسلوك ينذر بتحقق ضرر يستهدف به مرتكبه إلحاق ضرر بمال أو بمصلحة محميين جنائياً ولم يكن قد بلغ هدفه بل إنه ضرر مقبل)(22) ومعنى ذلك أن الفعل إذا لم يكن يشكل خطراً على الإطلاق أو كان قليل الأهمية فلا يمكن وصفه بأنه خطر. موجب الدفاع الشرعي.
1- ويستوي أن يكون الفعل إيجابياً أم سلبياً طالما أنه يشكل خطراً فإن واجب الدفاع يستوجب رده ودفعه إما بمنع حدوثه ابتداء أو بوقف استمراريته نظراً لما يهدد من مصلحة يحميها القانون وقد اختلف وصف المشرع اليمني لهذا الخطر فالبعض أشار إليه (اعتداء خطر اجتماعياً) بمعنى أنه يؤثر على الجوانب الاجتماعية المتعلقة بحياة أفراد المجتمع. القانون رقم (3) لعام 1976م ووصفه المشروع وتعديله أنه خطر على النفس أو العرض أو المال.
2- ويستوى أن يكون الخطر موجهاً ضد المدافع أو ماله أو عرضه أو نفس الآخر أو ماله أو عرضه وسواءً كان جسيماً أم غير جسيم بخلاف ما إذا كان الفعل قليل الأهمية ولا يمثل خطراً.
الخطر الحقيقي والوهمي.
3- يعتبر خطراً حقيقياً إذا تطابق الاعتقاد مع الواقع بخلاف ذلك وهو أن يعتقد المدافع أن هناك خطراً وليس ذلك حقيقة واقعة فإنه يكون خطراً وهمياً ولا أساس له.
(وهذا المعيار قائم على اعتبار شخصي وموضوعي، فالشخصي قائم على اعتقاد المدافع، وموضوعي أن يكون له ما يبرره).
1- أن يكون مبنياً على أسباب معقولة(23) وصحيح أن المعيار يعتمد على الظن لكن ليس مجرد الظن ولكن غالب الظن فقد نص على ذلك الإمام الشافعي إذا الرجل أقبل بالسيف أو بغيره من السلاح إلى الرجل فإنما له ضربه على ما يقع في نفسه فإذا وقع في نفسه أن يضربه وأن لم يبدأ المقبل عليه بالضرب فليضربه وأن لم يقع في نفسه ذلك لم يكن له ضربه(24) وهو ما أشار إليه المشرع اليمني (فعل يتخوف منه أن يحدث الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة. المادة (34) من المشروع وأكد على أن يؤخذ في كل صورة الدفاع الشرعي بالقرائن القوية فإن دلت على ذلك فلا قصاص ولا دية ولا أرش. المادة (34) الفقرة الثالثة من المشروع.
2- أن الغلط في تقدير حقيقة الخطر أو أهميته ينتفي به القصد إذا كان الاعتقاد مستنداً إلى أسباب معقولة يقع فيه الشخص المعتاد فهو وإن نفى القصد والخطأ وهدم الركن المعنوي فإن الركن المادي يظل متوفراً وبالتالي يحول دون قيام المسؤولية القصدية وتبقى المسؤولية الخطأية إن توافرت سائر شروطها(25).
من حيث مصدر الخطر
يتنوع الدفاع الشرعي ضد مصدر الخطر المهدد له وهنا يمكن القول أن الخطر قد يتولد من إنسان مسؤول جنائياً فإن الدفع يتوجه إليه لمنعه من الاستمرار أو لوقف الخطر منه وهنا نجد أن الخطر وفعل الدفاع يعتمد على معيار موضوعي هو تحقق الخطر ولا يهم مصدره أكان عن إنسان مسؤول جنائياً أم غير مسؤول أو كان عن حيوان أو غيره.
الدفاع الشرعي ضد الفعل:
ولذلك يصح ضد فعل الإنسان المسؤول جنائياً وغيره وللفقه الإسلامي اتجاهان، الأول: لجمهور الفقهاء مالك وأحمد والشافعي(26) وعلى النحو الآتي:
ليس بالضرورة أن يكون الفعل جريمة معاقباً عليها بل يكفي أن يكون عملاً غير مشروع.
وليس من الضروري أن يكون الصائل مسؤولاً عن فعله بل يصح أن يكون صبياً أو مجنوناً.
الاتجاه الثاني: أبو حنيفة وأصحابه خلافاً لأبي يوسف فهم يشترطون أن يكون الاعتداء جريمة معاقباً عليها وأن يكون الصائل مسؤولاً جنائياً وإلا كان الفعل بناءً على حالة الضرورة ويخالفهم في ذلك أبو يوسف ورأيه يتفق مع رأي الجمهور.
ولا تخرج الآراء القانونية في تحديد حالة الدفاع ضد فعل المجنون والقاصر عن ذلك(27) فالرأي الأول نظر إلى الاعتداء وأنه غير مشروع وأنه يشكل جريمة ولا يهم بعد ذلك مصدره فأوجب الدفاع ضد مصدر الخطر، وآخر رأي أن حالة الدفاع الشرعي غير متوفرة وأن الاحتجاج يكون بناءً على حالة الضرورة وهذا الرأي منتقد لأن فعل الدفاع الشرعي ليس نوعاً من العقاب للمعتدي حتى يتم اشتراط الأهلية ثم إن المدافع غير ملزم بتحمل الاعتداء ويجب عليه دفعه.
دفع خطر الحيوان.
يفرق الفقه بين فرضين الأول:(28) أن يكون الحيوان بيد من يحركه ويوجهه فإن المسؤولية عليه وفعل الدفاع أيضاً لأن الحيوان ما هو إلا آلة من الآلات التي يستخدمها مثل الكلب وسائق الدابة الذي يحركها فتصيب إنساناً أو تتلف شيئاً أو قرداً يستعمله صاحبه في السرقة وغير ذلك فهنا فعل الدفاع الشرعي يوجه لمن يحرك الآلة لا الآلة ذاتها وهذا رأي الإمام مالك وأحمد والشافعي.
الثاني: أن يكون فعل الحيوان بغير تحريك وإثارة أو تحريض من أحد وإنما من تلقاء نفسه وهنا نجد أن الرأي الغالب: يوجب دفع فعل الحيوان بناءً علي الدفاع الشرعي بينما الرأي الآخر يذهب إلى دفعه بناءً على حالة الضرورة والفرق واضح بأن الدفاع الشرعي لا يوجب الضمان بينما حالة الضرورة توجب الضمان.
ثانياً: أن يكون حالاً.
هذه الصفة الثانية التي يجب أن يتصف بها فعل الاعتداء وهذا المعيار يعتمد على الزمن الذي يحدث فيه الخطر وقد عبر عنه المشرع أن يواجه المدافع خطراً حالاً وكان من المتعذر عليه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب(27).
أ- ومعنى أن يكون حالاً (يكون من شأنه خلق حالة ضرورة تحمل على إتيان فعل الدفاع(29) ولا يسع المعتدى عليه أن يحتمي أو يلجأ إلى السلطات العامة لاستمداد سلطتها بمنع الاعتداء يمكن التمييز بين الافتراضات الآتية:
1- أن يكون فعل الاعتداء بدأ وانتهى- هنا ليس للمعتدى عليه القيام بفعل تحت مبرر ممارسة حق الدفاع الشرعي لأن الدفاع لا يوجه إلا إلى الاعتداء الذي بدأ ولم ينته.
2- أن يكون الاعتداء بدأ وما زال مستمراً وهنا يمكن الالتجاء إلى الدفاع الشرعي.
3- أن يكون الاعتداء لم يبدأ لكن هناك علامات تؤكد أن المعتدي وفقاً للسير العادي للأمور سيباشر الاعتداء إذا لم يتم إيقاف عدوانه.
وهنا يتجه فعل الدفاع للوقاية من الاعتداء قبل وقوعه ومنع استمراره وعدم تركه لأن القانون أباح ذلك تحت طائلة (إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة) إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
ب- الخطر الوشيك، وهو الخطر الذي لم يحدث، لكنه وفقاً للسير العادي للأمور وسيصبح قائماً وحتمياً فالمشروع لا يلزم المعتدى عليه المهدد بالخطر أن ينتظر ابتداء الاعتداء عليه حتى يبرر له اتخاذ الدفاع بل يجيز له الدفاع بمجرد أن يهدده الخطر الوشيك(30) فهنا يتجه فعل الدفاع لممارسه الوقاية من الخطر قبل تحققه وتحوله إلى اعتداء، فمن يسكب بنزين على باب منزل ثم يشعل أعواد الثقاب ويرمى بها على الباب لكن ينطفئ العود قبل وصوله ويحاول مرة أخرى بإشعال آخر ويلاحظ صاحب المنزل أو غيره فإنه يجب عليه أن يمنعه من الاستمرار بفعل ذلك(31) حتى لا يحدث الضرر ويمكن الإشارة أيضاً إلى من يخرج سلاحه ويوجهه إلى شخص آخر ثم يطلق عليه لكن يتضح أن السلاح عاطب لا يعمل فيرميه ويأخذ سلاحاً آخر فهنا يصح للمعتدى عليه أن يمنع المعتدي من توجيه سلاحه بالقدر اللازم وبالوسيلة المناسبة ولو أدى ذلك إلى قتله أو تحطيم أي شيء من جسمه لمنعه من إتمام جريمته وعدوانه.
ج- الخطر المستقبل، وهو الذي لم يحدث وليس على وشك الحدوث لكنه يتعلق بالمستقبل فهذا لا يجوز فعل الدفاع الشرعي لأن الدفاع هو للوقاية من فعل لم يحدث لكن هناك دلائل تؤكد أنه سيحدث وفقاً للمجرى العادي للأمور يمكن التمثيل لذلك بمن يهدد غيره بأنه سيقتله أو سيعتدي عليه دون تحديد وقت معين بدون أن يبدي استعداده للقيام بذلك أو أنه سيقوم بذلك في الأشهر المقبلة فهنا الخطر مرتبط بالمستقبل لكن من ينزع سلاحه ويبدأ تعبئته بالطلقات النارية فهنا الخطر وشيك وليس مستقبلاً فيجوز توجيه فعل الدفاع الشرعي لمنعه من الحدوث أو لإيقافه حتى لا تتحقق النتيجة الإجرامية.
الفرع الثاني
أن يكون الخطر اعتداء (جريمة)
وضع المشرع اليمني صياغات عدة لوصف الخطر غير المحق الذي يشكل اعتداء وذلك على النحو الآتي:
أ- المشروع وصف الاعتداء. المادة (27) إذا واجه خطراً حالاً من جريمة على نفسه، وذات الوصف أورده في التعديل. المادة (34) واختار قانون العقوبات العسكري ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق عن النفس. المادة (60) واختار القانون رقم (3) 1976م: (وإن كان يحتوي على سمات فعل يجرمه القانون إلا أنه ارتكب في حالة الدفاع الشرعي) المادة (27) وجاء القانون رقم (12) لعام 1970م بعبارة: (لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه) المادة (8).
1- فالصياغات الأولى صريحة بأن الخطر أو الاعتداء لابد أن يكون قائماً على العدوان سواءً ورد بلفظٍ من جريمة أو تعرض غير محق أو (يحتوي على سمات فعل يجرمه القانون على خلاف ذلك (ولا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أثناء...) فإن المسؤولية الجنائية تترتب عليه وإنما يمتنع عنه العقاب.
2- ومعنى أن الاعتداء والخطر جريمة خضوعه لنص تجريم وعدم خضوعه لسبب من أسباب الإباحة وبالتالي فهو يهدد مصلحة محمية جديرة بالحماية من أي مصلحة أخرى سواء تعلق الأمر بالنفس أو المال أو العرض وكون الاعتداء غير محق يرتب نتيجتين(32):
- الأولى: أنه لا يباح الدفاع الشرعي إذا كان الخطر محقاً أي قائماً على سبب يبرره.
- الثانية: جواز الاحتجاج بالدفاع المشروع ضد كل خطر غير محق.
أولاً: لا دفع شرعي ضد خطر قائم على سبب يبرره
فالدفاع الشرعي يكون ضد الفعل الذي يعد جريمة وطالما وأن الخطر قائم على سبب إباحة فلا يعد جريمة ولا يشكل مجالاً للاحتجاج بحالة الدفاع الشرعي لأن القانون يوجب عليه ألا يقاومه وأن يتحمله، ومثل ذلك الجلاد الذي يوكل إليه إقامه الحدود وتنفيذ القصاص فلا يمكن أن يدفع المجني عليه فعله حتى وإن أدى ذلك إلى هلاكه، ولكن كل ذلك مقيد بحدود ما هو مأمور به فإذا جاوز كان الدفاع بقدر دفع الضرر وبالوسيلة المناسبة.
1- فلا يعد من قبيل الدفاع الشرعي مواجهة من يقوم بتنفيذ أمر تتحقق فيه كل الشروط الشكلية والموضوعية مثل الجلاد في تنفيذ حكم الإعدام إذا كان ذلك وفق إجراءات سليمة وصحيحة وغيره من الأمور التي تكون من سلطة مختصة إلا إذا كان التنفيذ على غير أساس وهو مقتضى نص المادة (11) من القانون رقم (12) لعام 1970م (لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد رجال الأمن أثناء قيامه بأمر بناءً علي واجبات وظيفته مع حسن نيته).
فهنا يوجب القانون عدم قيام الدفاع الشرعي لمقاومة كل من يكلف بتنفيذ الأوامر كواجب وظيفي، وأن يكون ذلك بحسن نية فإذا خالف ذلك وكانت المخالفة جسيمة وخلا الأمر من حسن النية فإن المجني عليه- تقوم بجانبه حالة الدفاع الشرعي فمثلاً لا يصح تنفيذ أي أمر للقيام بإحدى الجرائم التي أباح القانون الدفاع الشرعي بالقتل سواءً كان ذلك في جرائم الأموال أو النفس أو غيرها لأنها من أسباب الإباحة ولا يمكن الاحتجاج بتنفيذ الأمر بارتكاب أي منها وهي المنصوص عليها في المواد (12، 13) من ذات القانون.
ثانياً: أنه لا دفاع ضد الدفاع الشرعي:
لأن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة ولأن الاعتداء كان سبباً في إباحة الرد فلا يمكن القول أن من أحدث السبب يباح له أن يمارس حقوق الدفاع، لكن ما الحل إذا تجاوز المدافع حدود الدفاع إلى الاعتداء فالمسألة هنا تخضع لقاعدة التناسب بين الفعل أو الخطر ودرئه وقد وضع المشرع أكثر من معيار منها (عن طريق إلحاقه ضرراً بالمعتدي إذا لم يرتكب أثناء ذلك تعدياً لحدود الدفاع الشرعي). المادة (27) من القانون رقم (3) للعام 1976م وأكد القانون رقم (12) للعام 1970م. المادة (10) حق الدفاع الشرعي (عن النفس يبيح للشخص إلا في الأحوال الاستثنائية المبينة بعد استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوص عليها بهذا القانون).
وجاء القانون العسكري بقواعد تحكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي الفقرة (3) من المادة (60) إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة من الشروط المذكورة في المادة (89).
وجاءت المادة (89) محددة أن الإعفاء يكون بناءً على حالة الضرورة وأن لا يكون المدافع من تسبب فيه عن قصد أو أوجب عليه القانون التعرض للخطر: المادة (89) (لا يعاقب الفاعل على فعل الجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو عن ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبب فيه قصداً شرط أن يكون الفعل مناسباً والخطر).
فالدفع يجب أن يكون متناسباً مع الخطر وأن الإعفاء للعقوبة بناءً على حالة الضرورة لا يمنع من الضمان.
ومثل ذلك لا يعتبر من مسوغات الدفاع الشرعي دفع من يمارس حقاً من الحقوق التي أعطاها له القانون ومثال ذلك تأديب الأب ابنه إلا إذا كان التجاوز منه ظاهراً ومبالغاً فيه وأيضاً تأديب الزوجة بخلاف ذلك إن كان الفعل مثاراً- لأن المصلحة المحمية تستوجب أن يواجه خطر الاعتداء بما يرده وما يمنعه من الاستمرار بالقدر اللازم وبالوسيلة المناسبة لا إن كان هناك تجاوز ويضرب بعض الفقهاء مثلاً (بمن يواجه زوجة مع عشيقها فيقتله فلا يحق للزوجة إذا هي قتلت زوجها الاحتجاج بالدفاع الشرعي عن نفسها)(33).
ولأن الاعتماد في تحديد الخطر كونه غير محق يعتمد على معيار موضوعي كونه جريمة بموجب القانون لأن فيه اعتداء على حق أو مصلحة محمية، وكما يتصور الدفاع الشرعي في الأفعال الإيجابية كذلك يمكن في الأفعال السلبية فمسؤول السجن الذي يمنع الطعام عن السجين من أجل تعذيبه وموته جوعاً فإن الدفاع الشرعي يوجب الزامه بتوفير الطعام له ولو جبراً عنه لأنه اعتداء غير محق ويستهدف المساس بمصلحة محمية ويمثل أساساً للدفاع المشروع.
ثالثاً: الدفاع الشرعي ضد كل خطر:
أوجب القانون أن يكون الفعل الذي يوجه إليه الدفاع الشرعي جريمة بمعنى أنه يستند إلى نص يجرمه وليس هناك نص يبيحه لكن معيار الخطر أوسع من ذلك، فالدفاع الشرعي جائز ضد أي خطر يهدد بارتكاب جريمة ولو لم يكن محرماً في ذاته فمن يعمل على تنظيف سلاحه موجهاً إياه تجاه شخص آخر فإنه يرتكب خطراً يوجب فعل دفاع عنه حتى ولو لم يكن الفعل في حد ذاته مجرماً لأنه مخالف لقواعد الحيطة والحذر(34) وبذلك يمكن الإشارة إلى مجمل الخطر بالآتي:
1- أن الدفاع الشرعي- يستهدف مواجهة الخطر المنذر بتحقق الضرر بناءً على الاستقراء لتوالي الأحداث والأفعال وفقاً لنسقها المعتاد فكل فعل خطر يمكن أن يتحول إلى ضرر وفق المجرى العادي للأمور يصح إثارة الدفاع الشرعي في مقابلة.
2- أن الأفعال التي قد تكون مشروعة لا يمكن إثارة الدفاع الشرعي في مواجهتها طالما كانت في حدود القانون وما يسمح به لكن إن تم التجاوز فيمكن المساءلة عنها وفقاً لحالة الضرورة الموجبة للضمان دون إنزال العقاب ومثال ذلك من يوجه قبضة يده في وجه المجني عليه وإن لم يصبه، فعل ينشئ خطراً مهدداً للحق في سلامة الجسم وهو لذلك خطر غير محق(35).
3- أن قيام الدفاع الشرعي بناءً على الخطر الذي يمكن أن يحدث يتيح للمدافع مواجهة أي خطر مهما كان نوعه جسيماً أم غير جسيم يشكل جريمة عمدية أم غير عمدية ويتيح له أن يواجه مصدر الخطر سواءً من إنسان أو حيوان أو إنسان لديه مانع من موانع المسؤولية أو العقاب.
الفرع الثالث
أن لا يكون الاعتداء مثاراً أو واقعاً بخطأ المدافع
لم يتضمن المشروع (الدفاع الشرعي) هذا الشرط لكن النصوص الأخرى وردت تؤكد ذلك نتعرف على شرط الإثارة والقوانين التي ذكرت ذلك وما هي الجرائم التي اعتبرها المشرع قد يكون فيها الإثارة.
القوانين التي لم تذكر هذا الشرط:
القانون رقم (21) لعام 1963م والقانون رقم (12) لعام 1970م لم يذكرا شرط أن لا يكون الاعتداء مثاراً أو واقعاً بخطأ المعتدي إلا أن استناد الأول إلى الشريعة الإسلامية كمرجع بين أن بعض الجرائم التي تقع بفعل الإثارة ومنها من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه على فراش غير مشروع فقتلهما فإنه لا عقوبة ولا دية ولا أرش مما يعني أن ذلك سبب من أسباب الإباحة.
القوانين التي اشتملت عليها:
أولاً: القانون العسكري رقم (15) لعام 1975م وضع قواعد تحدد ذلك وعلى النحو الآتي:
استند إلى مرجعية الشريعة الإسلامية في تحديد الأعذار فجاءت المادة (95) (لا عذر على جريمة إلا في الحالات التي عينتها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين) فالمرجعية الأساسية هي أحكام الشريعة الإسلامية ثم القانون.
وبينت المادة (96) آثار العذر المحل- أن العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب على أنه يجوز أن تنزل به عند الاقتضاء تدابير الاحتراز كالكفالة الاحتياطية مثلاً.
وحددت المادة (98) أن العذر المخفف يستفيد منه من أقدم على الفعل تحت الاستفزاز فنصت على أنه (يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه).
وهذا الاستفادة تخضع لثلاث شروط هي:
1- أن يكون إقدام الجاني على الفعل تحت سيطرة الغضب الشديد.
2- أن يكون الفعل ناتجاً عن عمل غير محق.
3- أن يكون على جانب من الخطورة.
فيجب أن يكون العمل غير محق وبالتالي لا استفزاز في العمل الذي يكون على حق حتى ولو أغضب الآخرين، وأن يكون على جانب من الخطورة فالعمل البسيط لا يمكن أن يستفيد منه من قام بالتجاوز وأيضاً أن يتزامن الفعل مع الاعتداء لأنه أن تم بعد ذلك لا يستفيد منه المعتدي ولا تسري عليه أحكام العذر المخفف وهي المذكورة في المادة (97).
آثار الأعذار المخففة:
ينص القانون على أعذار مخففة وهي:
1- إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة حولت، العقوبة إلى حبس سنة على الأقل.
2- وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
3- وإذا كان الفعل جنحة كانت العقوبة الحبس ستة أشهر أو الغرامة تسعمائة ريال.
وقد وضع القانون عذرين يستفيد القاتل منهما وهما:
الأول: حال التلبس بجريمة الزنا نصت عليه المادة (336): 1- (يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حالة التلبس بالزنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو أحدهما).
في هذه الحالة واقع تحت الإثارة الشديدة ويستفيد من العذر المحل الذي يعفيه من كل عقاب ولكن يجوز عند الضرورة أن ينزل به تدابير احترازيه كالكفالة الاحتياطية.
الثاني: في غير حالات التلبيس يكون الاستفادة من العذر المخفف وهو نص الفقرة (2) من ذات المادة: (يستفيد مرتكب القتل أو الجرح أو الإيذاء من العذر المخفف إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخواته مع آخر على فراش غير مشروع).
ثانياً: القانون رقم (3) لعام 1976م
ضمن هذا الشرط في الباب الخاص بالجرائم الواقعة على الأشخاص وحدود تجاوز الدفاع الشرعي في القتل والإيذاء الجسماني بأحكام مختلفة عما قرره كقاعدة عامة للتجاوز في الفصل الرابع نتعرف على حكم القتل بناءً على الإثارة في العمد تم في الإيذاء الجسماني:
أ- عقوبة التجاوز في الدفاع الشرعي:
1- حددت المادة (132) عقوبة التجاوز في الدفاع الشرعي بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات من قتل إنساناً أثناء تجاوز حدود الدفاع الشرعي) هذا الحكم يتوافق مع نص المادة (29) (إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة، عوقب على هذا التجاوز إذا كان القانون يجرمه بوصفه جريمة غير عمديه).
2- إذا كان التجاوز بإهمال يأخذ عقوبة الجريمة غير العمدية وهي قيد الحرية مع وقف التنفيذ أو الحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات كما هو نص المادة (133) يعاقب بقيد الحرية مع وقف التنفيذ أو الحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات من قتل إنساناً نتيجة لخطأ غير عمدي، وكان من المفترض أن يشمل القصد العمد ويفرده بمادة أخرى لأن سياق المادة يجعل حكم التجاوز بكافة صوره الحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات.
ب-القتل في حالة الهياج النفسي.
نصت عليه المادة (31) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات من قتل إنساناً عمداً وهو في حالة الهياج النفسي الشديد الناجم عن استخدام العنف أو الإهانة البالغة أو أفعال أخرى غير مشروعة من جانب المجني عليه، إذا كانت هذه الأفعال قد أدت أو يمكن أن تؤدي إلى نتائج جسيمة بالنسبة إلى الجاني أو أقاربه.
ويشترط لذلك:
أ- أن يأتي المجني عليه أحد الأفعال الآتية:
1- العنف أو الإهانة- أو أي أفعال أخرى.
2- أن تكون الأفعال غير مشروعة.
3- تؤدي أو يمكن أن تؤدي إلى نتائج جسيمة وإذا كان ذلك يصدق على استخدام العنف والأفعال المادية الأخرى– فلا يصدق على الإهانة البالغة وهذه الحالة يمكن اعتبارها إحدى حالات عدم التناسب بين الفعل والاعتداء- وأنها تعتبر إحدى صور التجاوز التي يسري عليها حكم المادة (132) لكن المشرع من باب التشديد على عدم الانسياق وراء الإثارة والغضب جعل عقوبتها أشد من عقوبة التجاوز للدفاع الشرعي.
ب- الإيذاء الجسماني العمدى تحت تأثير الهياج النفسي.
وضع المشرع له أربع عقوبات وفقاً لنص المادة (36): 1- (يحال إلى إحدى هيئات القضاء الاجتماعي أو يعاقب باللوم أو بغرامة لا تزيد على عشرين ديناراً أو بقيد الحرية مع وقف التنفيذ أو بالحبس مدة لا تزيد على سنتين).
فقد نصت المادة (137) على أن تسري العقوبات المذكورة في المادة (136) فقرة (1) إذا ارتكب الإيذاء الجسماني الجسيم العمدي تحت تأثير هياج نفسي عنيف ناجم عن استخدام العنف أو الإهانة البالغة أو أفعال أخرى غير مشروعة من جانب المجني عليه إذا كانت هذه الأفعال قد أدت أو يمكن أن تؤدي إلى نتائج جسيمة بالنسبة إلى الجاني أو أقاربه.
وهذا النص معيب لأن آثار الهياج النفسي لا يعاقب عليه إلا إذا ارتكب أثناءه، أما إذا كان قد حدث فلا مجال للقول بأنه سبب للمؤاخذة والعقاب فالإثارة تستوجب تزامن الفعل مع الاعتداء والدفاع الشرعي أيضاً يستوجب أن يكون الاعتداء خطراً وحالاً وبالتالي فإن القول إذا كانت هذه الأفعال قد أدت بمعنى أنها قد أحدثت الأثر أو (يمكن أن تؤدي) متعلق بالمستقبل فلا تتوافق مع شروط الإثارة ولا شروط الدفاع الشرعي.
عقوبة التجاوز في الإيذاء الجسماني:
أعطى المشرع العقوبات ذاتها الواردة في المادة (136): 1- إذا ارتكب الإيذاء الجسماني العمد أثناء تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
ثالثاً: حكم الإثارة في قواعد المشروع وتعديله
أ- تماثلت قواعد وأحكام الإثارة في المشروع وتعديله وإن كان الاختلاف في أرقام المواد وجاءت أحكامها كما يأتي:
(أن المساس بمن لا عصمة له منوط بالسلطة المختصة وبالطريقة التي يحددها القانون ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للعقاب المادة (212)، (213».
حكم الإثارة في جرائم القتل والزنا:
أعطى القانون حكم الإثارة- لولي الدم إذا قتل الجاني بعد الحادث أو قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال التلبس عقوبة مخففة رغم أن ذلك من أسباب الإباحة التي لا يؤاخذ عليها الفاعل فنصت المادة (213، 214) منهما على التوالي كما يأتي:
(إذا اعتدى ولي الدم على الجاني فور الحادث أو قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا، أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك مع البينة) ويعزر ولي الدم أو الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة (ستة أشهر) أو بغرامة لا تتجاوز ألفي ريال (ستة ألف ريال».
ويسري ذات الحكم على من فاجأ أحد أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا.
وهذه المادة توضح الإثارة وحكمها لكن الاختلاف هو في تعزير المدافع رغم أنه يمارس فعلاً من أفعال الإباحة- وبالتالي لا مسؤولية عليه إطلاقاً.
أنه ساوى في الحكم بالتعزير للفاعل بين ولي الدم الذي يقتص للمجني عليه وقد انتهى الأمر- وفقاً لشروط الدفاع الشرعي وبين الزوج الذي يكون تحت الإثارة ويقوم بالفعل بناءً على حالة التلبس.
أن الخلاف بين القانونين في المدة ومبلغ الغرامة فالتعديل كما هو مبين بين الأقواس (لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز ألفي ريال) فيما سبق والمشروع كما هو مكتوب بغير أقواس (ستة أشهر أو بغرامة ستة آلاف ريال).
حكم قتل ولي الدم للقاتل:
1- استثناء من الأصل العام أن السلطة هي المخولة بالمساس بالمهدر فقد أعطى ولي الدم عقوبات مخففة إذا اقتص لوليه وذلك هو حكم المواد (214، 215) من القانونين.
3- إذا قتله بعد الحادث وقبل الحكم بالقصاص يعزر بالحبس مدة لا تزيد على سنتين (أربعة أشهر).
4- إذا قتله بعد الحكم بالقصاص وقبل صيرورته نهائياً الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز ألفي ريال (مدة لا تزيد على شهرين) أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف ريال.
5- إذا كان القتل وقد أصبح الحكم نهائياً بالقصاص الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التي لا تتجاوز ألف ريال (مدة لا تزيد على شهر أو الغرامة التي لا تتجاوز ألفي ريال).
رابعاً: قانون رقم (12) لعام 1994م
اعتمد في تحديد الإثارة على حالة التلبس بالزنا واعتبره سبباً من أسباب الإباحة ومع ذلك فقد أوجب تعزير الزوج أو الفاعل مع أنه يمارس سبباً من أسباب الإباحة وهي الدفاع عن النفس أو العرض أو المال.
قتل الزوج زوجته ومن يزني بها حال التلبس:
نصت المادة رقم (232) على أنه: (إذا قتل الزوج زوجته ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة، ويسرى ذات الحكم على من فاجأ إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا).
1- ويلاحظ أن النص حدد العقوبة التعزيرية في الحبس (مدة لا تزيد على سنة) وأهمل تحديد الغرامة وجعلها تقديرية للقاضي.
2- أنه أدخل في النص ما لا يصح بقوله (فلا قصاص)- وكان المفروض حذف العبارة والاكتفاء (يعزر الجاني أو الفاعل) بدلاً من ذكر الزوج- حتى يكون النص عاماً في الزوج وغيره وأن التأكيد على أنه لا قصاص يوهم القارئ أن الفعل ليس من أسباب الإباحة وإنما يجب فيه القصاص واستثناء في الدفاع عن العرض كان التعزير.
شروط فعل الدفاع:
وضع المشرع اليمني كغيره من التشريعات قواعد الدفاع الشرعي ويمكن استعراضها من خلال النصوص القانونية على النحو الآتي:
1- تعذر الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء الخطر في الوقت المناسب.
2- أن يدفع الخطر بما يلزم لرده.
3- استخدام الوسيلة المناسبة. مادة (33) من التعديل و(27) من المشروع وقانون (12) لعام 1994م.
فقد حدد القانون شروط اللجوء إلى فعل الدفاع الشرعي وترك حرية تقدير الوسيلة والقوة المناسبة لرد العدوان بناءً على ما تعرض له ووضع حكم التجاوز في استعمال الدفاع فمن ناحية الجرائم التي يباح القتل فيها دفاعاً فهي على سبيل الحصر استثناء من الأصل العام وهو عدم جواز أن يصل الدفاع إلى القتل إلا على سبيل الاستثناء.
نتعرف على شروط فعل الدفاع الشرعي- وذلك بناءً على الترتيب السابق.
الفرع الأول
تعذر الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء الخطر
السلطات العامة هي القائم على حفظ الأمن ومنع الإعتداء على الآخرين ويناط بها أيضاً معاقبة المعتدين ومن واجبها منع الجريمة قبل حدوثها واستثناء من ذلك أعطى الشرع الإسلامي والقوانين الإنسان المعتدى عليه واجب وحق حماية نفسه وماله وعرضه ونفس غيره وماله وعرضه في حال أن يكون الاعتداء قائماً والوقت لا يسمح باتخاذ إجراءات الوقاية والحماية ويضع الفقه القانوني تحديد ذلك بناءً على أمرين:
الأول: أن اعتداء وشيكاً وفق المجرى العادي للأمور قادم لا محالة، ويمكن أن يؤدي إلى موت المعتدى عليه أو إصابته بجراح بليغة، على نفسه أو ماله أو عرضه أو نفس غيره أو ماله أو عرضه.
الثاني: أن يبدأ الاعتداء ويستمر وتتوالي أفعال الجريمة على المجني عليه وليس هناك إمكانية لتدخل أو إبلاغ الجهات المسؤولية لمنع حدوثها.
هنا أتاح القانون أن يقوم المجني عليه بصد الاعتداء ولو أدى ذلك إلى قتل المعتدي أو إصابته أو تعطيل نشاطه بأي وسيلة وحدد القانون الأفعال التي يمكن للمدافع أن يستخدمها لمنع الاعتداء وذلك كالآتي:
مادة (337): تعد الأفعال الآتية دفاعاً مشروعاً:
فعل من يقتل غيره أو يصيبه بجراح أو بأي فعل مؤثر دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو نفس غيره أو عرضه بشرط أن:
1. يقع الدفاع حال وقوع الاعتداء.
2. يكون الاعتداء غير محق.
3. لا يكون في استطاعة المعتدى عليه التخلص من هذا الاعتداء إلا بالقتل أو الجراح أو الفعل المؤثر.
لكن إن كان في استطاعة المعتدى عليه اللجوء إلى السلطات العامة لاتقاء الخطر فإن الدفاع الشرعي لا يمكن الاحتجاج به طالما كان باستطاعته الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب) مادة (33) من التعديل و(27) من المشروع.
وتنص المادة (10) من القانون رقم (12) لعام 1970م على (أن حق الدفاع ينعدم إذا أمكن الالتجاء في الوقت المناسب للاحتماء برجال الأمن وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال الأمن).
أ- الدفاع الشرعي بالامتناع
أباح القانون للمدافع أن يدفع الاعتداء والخطر الحال بفعل إيجابي حتى ولو كان مؤدياً إلى القتل طالما أنه الحل الوحيد والمناسب لمواجهة الاعتداء فهل على المدافع اللجوء إلى وسيلة الامتناع عن مواجهة الاعتداء بدلاً عن الاحتماء بالسلطات العامة أو دفعه بالقوة والوسيلة المناسبة.
وقد استقر المعيار القضائي في التميز في فعل الدفاع الشرعي بين حالين أن يكون ممارسة الفعل السلبي فيه ضرر على المدافع مادي أو معنوي كأن يحط من سمعته وكرامته ومكانته الاجتماعية كمن يفر من مواجهة الخطر فإن عليه أن يواجه ذلك لأنه ليس ملزماً بالفرار عن مواجهة الخطر ولأن مصلحته أولى بالحماية من مصلحة المعتدي الذي يجب عليه أن يفر لا المعتدى عليه(36).
ب- استخدام الوسائل الآلية للحماية:
أما عن مواجهة الأخطار بواسطة وسائل الحماية الآلية التي تنصب لمواجهة أخطار الاعتداء أو السرقة ومثل ذلك استخدام الكلاب المدربة (يضع معياراً يعتمد على أن عمل هذه الوسائل مرهون بحلول الخطر على الحق وأن يكون الأذى الذي تحدثه داخلاً في حدود الدفاع الشرعي أي متناسباً مع الخطر فإذا انتفت هذه الشروط قامت المسؤولية الجزائية طبقاً للقواعد العامة كأن تعمل بدون خطر أو تحدث أذى لا يتناسب مع الخطر(37).
وأيضاً يجب أن يتم وضع لوائح إرشادية إلى وجود هذه الوسائل وحتى لا يقع فيها من يكون جاهلاً أو وقع في غلط بشأنها.
ج- نية الدفاع
أن حقيقة الدفاع الشرعي تعتمد على معيار موضوعي قائم على أن أثرها يسري على من توفرت لديه ولو كان جاهلاً بها- مثال ذلك من يرى عدواً له متجهاً إليه على غير عادة منه وفي غير المكان المعتاد المرور فيه فيطلق عليه عياراً نارياً فيقتله أو يصيبه، دون أن يعلم أنه كان سيهاجمه وأن سلاحه كان معداً لذلك ومتربصاً له ويريد قتله ونجد أن القانون في الدفاع العام لم يشترط النية في فعل الدفاع الشرعي لكن في الدفاع المجيز للقتل- وضع القصد كأساس للفعل وهذا نص المادة (28) من المشروع لا يبيح الدفاع القتل العمد إلا إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة، وهي المادة (34) في التعديل وفي جرائم الاعتداء على الأموال. المادة (29): لا يجوز أن يبيح حق الدفاع الشرعي عن المال القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور...) وهذا القصد استثناء من الأصل العام- الذي لا يشترط النية أو القصد في الفعل لأنه مشروط بدفع الخطر بما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة.
الفرع الثاني
أن يكون فعل الدفاع لازماً
تعريف اللزوم: ألزم الشيء لزوماً ثبت ودام وألزم الشيء أثبته وأدامه واللزمة من يلزم الشيء فلا يفارقه(38)، فاللزوم يعني الثبات والدوام والاستمرار- ومعنى أن يكون فعل الدفاع لازماً: أن لا يكون هناك وسيلة أخرى لمواجهة الاعتداء أو الخطر سوى الفعل الذي يواجه به المعتدي غيره لأنه لو أمكنه التخلص من الاعتداء أو الخطر عن طريق فعل لا يعد جريمة فلا يعتبر الدفاع لازماً.
وقد وضع المشرع هذا الشرط كمعيار لوجود حالة الدفاع الشرعي وغيرها من الحالات التي تثار في كل الوقائع الجنائية فالمشروع والتعديل أشار إليه (33/ 27) (أن يدفع الخطر بما يلزم لرده واختار قانون العقوبات العسكري رقم (15) لعام 1975م (كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق...) المادة (60) ونص القانون رقم (12) لعام 1970م أن حق الدفاع يباح بصورة استثنائية (استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة) المادة (9) وأكدت الفقرة الأخيرة من القانون العسكري معنى اللزوم: (أن لا يكون في استطاعة المعتدى عليه التخلص من هذا الاعتداء إلا بالقتل أو الجرح أو الفعل المؤثر) المادة (337) الفقرة (ج).
ومقتضى شرط اللزوم يتجه إلى أمرين:
الأول: أن يثبت أن المدافع لم يكن يستطيع التخلص من الاعتداء أو الخطر بغير الفعل الذي ارتكبه.
الثاني: أن عليه أن يوجه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر المراد الاتقاء منه.
لا يستطيع التخلص من الاعتداء بغير الفعل:
أ- عندما يواجه الإنسان المعتدى عليه خطراً حالاً أو يواجه عدواناً مستمراً فإن هناك جملة من الوسائل تتاح أمامه لمواجهة ذلك لكن لزوم الخطر والضرورة التي يقع فيها لا تسمح باستعمال كل تلك الوسائل وهنا يأتي شرط اللزوم.
1- الاحتماء بالسلطات العامة لاتقاء الخطر لأن فعل الدفاع الشرعي لا يصار إليه الا عند تعذر الالتجاء إلى السلطات العامة وفي الوقت المناسب فإذا كان الوقت لا يسمح أو أن الاستجابة غير محققة فلا يمنع من استعمال حق الدفاع الشرعي (أو أن يكون متعذراً على السلطة العامة القيام بتوفير الحماية اللازمة في الوقت المناسب)(39).
2- الاتقاء بالهرب من الاعتداء- فهل عليه الصمود ومواجهة الاعتداء أو الهرب: يفرق بين أمرين(40).
الأول: أن له حق الدفاع ومواجهة الاعتداء- إذا كان الهرب مشيناً ولا يجبر صاحب حق على النزول عنه والالتجاء إلى مسلك يشينه ويأخذ ذات الحكم عندما يتم إيقاف مصدر الخطر كقيام أحد الأشخاص بإمساك الجاني لكن المجني عليه المميز قام بطعنه وكان بإمكانه ترك محل الاعتداء.
الثاني: أن يكون الفرار غير مشين ولا يخل باعتبار المجني عليه كمن يفر من طفل أو مجنون أو من الأب أو الأم فإن على المعتدى عليه الابتعاد عن المعتدي ويحظر عليه استعمال القوة، أو فعل الدفاع الشرعي لأنه لا مجال للقول بلزومه ويؤكد ذلك نص المادة (36) من القانون رقم (1): (لا عقاب على من ارتكب جريمة الجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم).
أن يواجه مصدر الخطر والاعتداء بدفاعه:
وهذا هو الشرط الثاني: هو أن يوجه دفاعه إلى مصدر الخطر لا إلى شيء آخر لا يمت إلى الاعتداء أو الخطر بصلة لأن المقصود من إباحة الدفاع هو اتقاء الخطر أو منع استمراره فإذا وجه الدفاع إلى غير مصدر الخطر فإنه لا يحول دون وقوعه.
1- فمن «يتخذ طفلاً للاحتماء به ممن يهددونه بالقتل أو يقتل زوجة من يهدده أو يقتل ابن من يهاجمه لرد اعتدائه فليس من شأن هذه الأفعال أن ترد الاعتداء وليس لها مبرر في القانون»(41).
2- ويأخذ ذات الحكم من (يدخل دوابه في أرض غيره الزراعية فإن على صاحب الأرض أن يسوق الدواب بعصاة حتى لا تأكل الزرع ولا يستعملها في الاعتداء على من أدخلها إلا إذا منعه بالقوة فله أن يدرأ بالعنف تصديه إذ يصبح هذا التصدي تهديداً بضرر غير مشروع يصدق عليه إذا وقع وصف الجريمة)(42).
3- والقانون اليمني فرق بين أن يكون الفعل لدفع ضرر منها أو بغير ضرر فأوجب العقوبة على من تعمد قتلها أو أضر بها ضرراً جسيماً بخلاف إن كان ذلك لدفع ضرر فإنه يعد من أسباب الإباحة وهو نص المادة (320) من قانون العقوبات لعام 1994م الذي ينص على أن: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من قتل عمداً وبدون مقتضى دابة من الدواب أو حيواناً) فإن كان الفعل لدفع خطر أذاها كالكلب العقور الذي يحرضه صاحبه فلا مسؤولية عليه.
التفريق هنا بين الخطر المباشر وغير المباشر
فالخطر المباشر والذي يحصل منه الضرر ويجب أن يتجه فعل الدفاع إليه(43) فمن يطلق كلباً على آخر فعليه مواجهة الكلب لأنه أساس الخطر لكن يفرق البعض في حال كان ذلك بتحريض من إنسان أو كان من الكلب ذاته فأباح مواجهة الخطر ولو بالاعتداء على الإنسان كونه المحرض للحيوان أما إن كان بغير تحريض فعليه مواجهة عدوان الكلب لا من حرضه أو حرشه.
الفرع الثالث: تناسب فعل الدفاع مع جسامة الخطر
معنى التناسب: التناسب: يأتي بمعنى الملاءمة والموافقة، وتناسب الشيئان تشاكلا والتناسب التشابه والمناسبة(43).
المقصود من إباحة فعل الدفاع الشرعي- هو إيقاف العدوان ومواجهة الخطر فإذا أمكن ذلك بوسيلة معينة فلا يصار إلى غيرها، وهنا يمكن القول أنه يجب أن تتناسب الوسيلة المستخدمة مع الهدف من الإباحة وهو وقف العدوان ومواجهة الخطر، لأن المعتدى عليه قد لا يملك الوسيلة التي يملكها المعتدي والتناسب لا يعني التساوي بين فعل الاعتداء والدفاع الشرعي.
معيار التناسب:
1- يستند إلى الملاءمة بين العدوان ووسيلة إيقافه واتقائه فالتناسب لا يعني التساوي من حيث الفعل ولا الأداة المستخدمة ولا حتى القدر اللازم من القوة ويضع بعض الفقهاء معيار التناسب: (أن ينطوي على استخدام قدر من العنف لا يجاوز القدر الذي كان يستخدمه شخص معتاد أحاطت به ذات الظروف التي أحاطت بالمدافع)(44).
2- فالأدوات المستعملة المتوفرة لدى المعتدي والمدافع تختلف وتختلف القوة الجسمانية والعقلانية وتختلف الظروف لكن المعول عليه أن لا يكون هناك عدم تناسب ظاهر بين فعل الدفاع والعدوان وهذا ما أشار إليه القانون رقم (3) لعام 1976م المادة (27) الفقرة (2): (يعتبر تعدياً لحدود الدفاع الشرعي عدم مطابقة الدفاع بوضوح لطبيعة الاعتداء وخطورته).
وهنا يمكن القول أنه إذا كان بإمكان المدافع دفع الاعتداء ومواجهة الخطر بفعل غير جسيم لكنه اختار الأشد ضرراً والأكثر جسامة فإن التناسب يعد منتفياً.
3- فإذا كان بإمكانه منع الاعتداء بالصياح والاستغاثة لكنه فضل قتل المتعدي فإن التناسب غير موجود ومن تطبيقات عدم التناسب حكم محكمة النقض المصرية: (لا يمكن اعتبار شخص يحمل بندقية معدة لإطلاق النار أنه في خطر داهم إذا ما أبدى آخر يحمل مجرد عصي الرغبة في تعقبه، كما لا يمكن اعتبار هذا الخطر ليس في الاستطاعة أن يدفع بشيء سوى القتل بالنار لا سيما إذا كان حامل البندقية بين قومه وذويه)(45).
4- والاعتماد في تحديد التناسب بين فعل الدفاع والاعتداء يعود للقاضي وفق سلطة تقديرية يميز فيها بين كل حالة على حدة وفقاً للظروف والملابسات والأفعال التي تمت بها الجريمة وأفعال الدفاع ولا يؤثر على رأيه إلا أن يكون التناسب غير متوفر وظاهر بين الأفعال التي تمت والدفاع الذي كان.
المطلب الخامس
آثار الدفاع الشرعي، وتجاوز حدوده
الفرع الأول
أثر الدفاع الشرعي
الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة وإذا ثبت أن الفعل كان دفاعاً شرعياً فإن الركن الشرعي ينتفي وبالتالي لا تقوم أي جريمة في مواجهة المدافع ومعلوم أن الدفاع الشرعي من أسباب الإباحة الموضوعية وبالتالي فإن أثرها يسري على كل من ساهم في الفعل سواءً كانت مساهمته أصلية أو تبعية وسواءً كان فعل الدفاع عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو عرضه أو ماله نتعرف على أثر الدفاع الشرعي في التشريع اليمني قبل الوحدة وبعدها ونتعرف على المسؤولية في حال تجاوز حدود الدفاع الشرعي وعلى النحو الآتي:
أولاً: آثار الدفاع الشرعي في التشريع قبل الوحدة
أ- تناول القانون رقم (21) لعام 1962م الدفاع الشرعي بشكل غير مباشر فنصت المادة (35): لا تسرى أحكام القوانين الجزائية على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة الغراء.
فقد أحال على الشريعة الإسلامية في تحديد قواعد الدفاع الشرعي بالإضافة إلى القيام بالواجب وبالتالي فإن قواعد الشريعة تجعل الدفاع الشرعي واجباً لاحقاً.
وأن من يدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله ولو كان الدفع بقتل المعتدي ليس عليه قود ولا ديه ولا كفارة وإن قتل فهو شهيد وقاتله في النار.
أن القانون اشترط أن يكون ارتكاب الفعل بنية سليمة ممارسة لحق مقرر.
ب- القانون رقم (12) لعام 1970م.
جعل ممارسة الدفاع الشرعي ولو أدى ذلك إلى قتل المعتدي فلا عقوبة عليه إن دفع عن نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله بمعنى أن الدفاع الشرعي ما نع من موانع العقاب فأركان الجريمة قائمة في مواجهته من ركن مادي- (فعل ونتيجة) ورابطة سببيه وركن معنوي (قصد وإرادة) وركن شرعي (نص يجرم الفعل) وعدم وجود سبب إباحة لكن وجد مانع من موانع العقاب وهو نص المادة (8) (لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أثناء استعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله...)
ج- قانون العقوبات العسكري لعام 1975م
اعتبر الدفاع الشرعي سبباً من أسباب الإباحة وبالتالي لا مسؤولية عن فعل الدفاع الشرعي حيث جاء نص المادة (60) يُعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غير محق عن النفس أو المال أو نفس الغير أو ماله ونصت المادة (59): الفعل المرتكب في ممارسة حق دون إساءة استعماله لا يعد جريمة.
د- ولم يخرج القانون رقم (3) لعام 1976م.
عما أخذ به قانون العقوبات العسكري فقد اعتبر الدفاع الشرعي سبباً من أسباب الإباحة وهو نص المادة (27) (1): (لا يعتبر جريمة الفعل الذي وإن كان يحتوي على سمات فعل يجرمه القانون إلا أنه ارتكب في حالة الدفاع الشرعي...) بمنعى أن الدفاع الشرعي لا يعد جريمة ولا مسؤولية على من قام به وإن كان لم يجعل ذلك في الجرائم الخاصة- فقد جعله في الجرائم العامة (الدفاع عن مصالح الدولة أو المصالح الاجتماعية أو الشخصية أو حقوق المنافع أو شخص آخر ضد اعتداء خطر اجتماعياً).
هـ- وجاء المشروع وتعديله المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية- بذات القواعد فالدفاع الشرعي من أسباب الإباحة المواد (27، 33) وبالتالي فلا مسؤولية على المدافع إذا واجه خطراً حالاً من جريمة على نفسه أو عرضه أو ماله أو نفس الغير أو عرضه أو ماله مع خلاف بسيط أن المشروع لم يثبت (العرض) ضمن الدفاع الشرعي (تقوم حالة الدفاع الشرعي إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة...).
و- قانون الوحدة رقم (12) لعام 1994م
اعتبر أن الدفاع الشرعي من أسباب الإباحة ونص على ذلك في مادة (27) منه (تقوم حالة الدفاع الشرعي....) وبالتالي فلا مسؤولية على المدافع- (إن دافع عن نفسه أو عرضه أو ماله أو نفس غير أو عرضه أو ماله خطراً حالاً من جريمة..).
الفرع الثاني
تجاوز الدفاع الشرعي
في تحديد المسؤولية عن التجاوز تعددت الاتجاهات التي أخذ بها المشرع- فالأول ذكر الدفاع إجمالاً ولم يحدد المسؤولية عن التجاوز والآخر حدد المسؤولية في حال التجاوز وكيفية تحديد حصوله نتناول أولاً: الاتجاه الذي لم يحدد المسؤولية، وثانياً: الاتجاه الذي حدد المسؤولية.
أولاً: التشريع الذي حدد المسئولية إجمالاً:
وهو الذي اعتمده المشرع في القانون رقم (21) وقانون العقوبات العسكري وليس معنى ذلك عدم تحديدها إطلاقاً بل أنه أحال على الشريعة الإسلامية من خلال أقوال فقهاء الشريعة الإسلامية فالأول: أحال على الشريعة الإسلامية في تحديد قواعد الدفاع والمسؤولية عن التجاوز والثاني: نظمها على النحو التالي:
1- لا عذر على جريمة إلا في الحالات التي عينتها أحكام الشريعة الإسلامية والقانون. المادة (95).
2- أن العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب على أنه يجوز أن تنزل به عند الاقتضاء تدابير الاحتراز كالكفالة الاحتياطية. المادة (96).
فقد أعفاه من المسؤولية عن أي جريمة وأعفاه من العقوبة لكنه أجاز عند الاقتضاء إنزال تدابير الاحتراز كالكفالة الاحتياطية.
وأيضاً: إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة في الشروط المذكورة في المادة (89) الفقرة (3) من مادة (60) وتنص المادة (89) على الآتي:
لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً لم يتسبب هو فيه قصداً شرط أن يكون الفعل مناسباً والخطر (بمعنى أن تجاوز حدود الدفاع الشرعي يخضع لشروط حالة الضرورة وهي إن أعفت الفاعل من العقاب فلا تعفيه من المسؤولية المدنية في التعويض عن الأضرار التي أحدثها، سواءً كانت مادية أو معنوية.
وبخلاف الاتجاه الأول الذي لم يحدد المسئولية لكنه أحال على المرجعية التي يستمد منها- نجد الاتجاه الآخر الذي لم يحدد المسئولية عن التجاوز ولم يشر إلى المرجعية التي تحدد قواعد التجاوز ما ورد في القانون رقم (12) لعام 1970م.
التشريع الذي حدد المسئولية تفصيلاً:
حدد هذا التشريع قواعد المسئولية عن التجاوز في الدفاع الشرعي، مع خلاف في الجرائم التي يرد عليها، ولم يكن الاختلاف كبيراً في تلك القواعد، نتعرف على تحديد المسئولية في حال التجاوز:
الاختلاف في تحديد الجرائم:
اختلف القانون رقم (3) لعام 1976م والتعديل في تحديد الجرائم التي يجب الدفاع الشرعي عنها عن بقية القوانين، أما المشروع والقانون رقم (12) لعام 1994م فالاتفاق على قواعد تحديد المسئولية كان هو الأساس، وعلى النحو الآتي:
أ. إن التجاوز يعاقب عليه بناءً على الآتي:-
1- أن يكون القانون يجرمه.
2- يعتبر جريمة غير عمدية.
3- أن يكون التجاوز بإهمال.
وتلك القواعد اتفق عليها المشروع والتعديل والقانون رقم (3) لعام 1976م والقانون رقم (12) لعام 1994م وانفرد القانون رقم (3) بوضع قاعدة بيان متى يكون فعل الدفاع تعدياً بناءً على عدم المطابقة الفقرة (2) من المادة (27): (يعتبر تعدياً لحدود الدفاع الشرعي عدم مطابقة الدفاع بوضوح لطبيعة الاعتداء وخطورته).
ب. المسئولية عن التجاوز:
المادة (35) من التعديل والمادة (27) من القانون رقم (3) والمادة (30) من المشروع والقانون رقم (12) لعام 1994م.
(إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة، عوقب على هذا التجاوز، إذا كان القانون يجرمه بوصفه جريمة غير عمدية) وأضاف المشرع في بعض (حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي).
ويمكن استخلاص أحكام التجاوز التي اعتمدها المشرع كالآتي:
1- أن التجاوز في الدفاع الشرعي يعتبر جريمة، وخاضعاً للمسئولية والعقاب وليس مسموحاً به، لأنه يخالف حدود الدفاع المفترضة وهي (دفع الخطر بما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة) وهي ذات القاعدة (عدم مطابقة الدفاع بوضوح لطبيعة الاعتداء وخطورته)..
وقد حكم على شخص بالتجاوز بالإعدام قصاصاً لكونه قتل عمداً عدواناً شخصاً كان يسبه، بأن طعنه في فمه طعنة أودت بحياته ليسكته عن متابعة أقوال السب ضده)(47) فلا تناسب بين الفعل والدفاع ضده وبالتالي فالتجاوز ظاهر وعدوان يعاقب عليه.
2- أن التجاوز الذي يحدث بإهمال يكون جريمة غير عمدية، ومعنى ذلك أنه إذا كان بغير إهمال فإن المسئولية عنه وفقاً لما يجب– وهنا نجد أن المشرع ضمن حالة الإهمال دون إبراز بقية صور الفعل، وهي- العمد والخطأ وليس معنى ذلك أنه لا يعاقب عليها، وقد أثبت المشروع والقانون رقم (3)، (12)- كلمة الإهمال، وفعلاً حالفهما التوفيق– وحذفت كلمة الإهمال في التعديل مما يعني أن التجاوز يخضع للمسئولية عنه وفقاً لما يكون- عمداً أو إهمالاً أو خطأ، لكن الإبقاء على آخر المادة مع تعديل أولها يثبت خطأ الصياغة- فكيف يتم اعتبار المسؤولية وفقاً لدرجات القصد ومع ذلك في العقاب بناءً على أنه جريمة غير عمدية.
3- أن التجاوز قد يكون عمداً- إذا كان المدافع يدرك جسامة الخطر الموجه إليه ويقدر على رده بما يناسبه لكنه تعمد المبالغة في رده مستغلاً حالة الدفاع، فهنا يعتبر متجاوزاً عمداً وليس خطأ، كأن يرميه بحجر صغير أو يضربه بسوط خفيف أو باليد، لكنه يتعمد طعنه بالسلاح الأبيض فلا تقف المسئولية عند الخطأ(48).
أما إن كان المدافع قد تحرى الاعتداء وحاول أن يرده بما يستطيع وبالوسيلة المناسبة لكنه أخطأ التقدير كأي شخص كان في مكانه وفي نفس الظروف التي تعرض لها فإن المسؤولية هنا يحكمها الخطأ- وكل ذلك متروك لقاضي الموضوع في تقدير الظروف- والوسيلة، وتناسب الفعل مع الخطر الذي تعرض له.
4- أن النص لم يكن سليماً من حيث الصياغة فبالإضافة إلى الملاحظات السابقة- فالنص الذي أورده القانون رقم (3) كان أفضل من الصياغة التي جاء بها المشروع والتعديل، والقانون رقم (12) لسنة 1994م: (إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة) وهذا شيء معقول لكن الإضافة: (حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي) فمعلوم أن الدفاع الشرعي هو أحد صور الإباحة فلم عاد لتكرار ذكره دون مبرر أو مقتضى لذلك.
الهوامش:
1. المعجم الوجيز- منشورات مجمع اللغة العربية- مصر ط (1420هـ- 1999م)- مادة (دفع) ص230.
2. المعجم الوجيز- منشورات مجمع اللغة العربية- مرجع سابق- ومادة (شرع) ص340.
3. المعجم الوجيز منشورات- مجمع اللغة العربية- مرجع سابق مادة (شرع) ص340، 230.
4. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- القسم العام- منشورات دار النهضة. ط (1404هـ- 1984م) ص 209.
5. د. حسني الجندي- شرح قانون العقوبات اليمني- منشورات جامعة صنعاء ص 262.
6. سورة البقرة: الآية (194).
7. سورة النحل الآية (126).
8. سبل السلام- ابن الأمير الصنعاني- دار المعرفة– بيروت– ط الخامسة (1419هـ 1999م)- المجلد (3) ص 405.
9. سبل السلام- ابن الأمير الصنعاني- مرجع سابق ج (4) ص159.
10. سبل السلام- ابن الأمير الصنعاني- مرجع سابق ج (4) ص61.
11. الجريدة الرسمية- السنة الأولى- العدد (13)- 1383هـ الموافق (1963م.
12. تشريعات الجمهورية العربية اليمنية- قانون العقوبات العسكرية رقم (15) لعام 1975م.
13. مشروع قانون الجرائم والعقوبات الشرعي المقدم إلى لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
14. تعديل مشروع قانون الجرائم والعقوبات الشرعي المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
15. الحديث سبق تخريجه- صحيح الترغيب والترهيب- حديث رقم (1412)، بتخريج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
16. الجريدة الرسمية- جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية- 1390هـ- 1970م- رقم (21) جرائم القتل في الريف.
17. الجريدة الرسمية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1396هـ- 1976م القانون رقم (14).
18. منشورات مكتبة خالد بن الوليد- القانون رقم (12) لعام 1994م
19. المعجم الوجيز- منشورات مجمع اللغة العربية- مرجع سابق- مادة (ركن) ص276، ومادة شرط: ص 340.
20. اختار شروط الدفاع كل من د. محمود نجيب حسني، ود. حسني الجندي، ود. علي حسن الشرفي، ود. مصطفى العوجي، واختار د. عبدالفتاح الصيفي- تعبير أركان الدفاع الشرعي.
21. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- ص 213.
22. د. عبدالفتاح الصيفي- قانون العقوبات- النظرية العامة- دار الهدى- مصر- ص480.
23. د. عبدالفتاح الصيفي- قانون العقوبات- مرجع سابق- ص 482.
24. الإمام محمد بن ادريس الشافعي- كتاب الأم- ج 6 ص 27.
25. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات - مرجع سابق صفحة 187.
26. الشهيد د. عبدالقادر عون– التشريع الجنائي الإسلامي، منشورات دار القدس صفحة 479.
27. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صحفة 223.
28. د. حسني الجندي- شرح قانون العقوبات اليمني- مرجع سابق- صفحة 278 والشهيد عبدالقادر عودة- التشريع الجنائي الإسلامي ص 480.
29. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 230
30. د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 230
31. د. عبدالفتاح الصيفي- قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 485
32. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 216، 227
33. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 216،227
34. د. كامل السعيد- الأحكام العامة في قانون العقوبات ط (1 / 2002) الدار العلمية الدولية- عمان- الأردن صفحة 168.
35. د. حسني الجندي- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق صفحة 271.
36. المعجم الوجيز- مجمع اللغة العربية- مصر- مرجع سابق- مادة لزم صفحة 556.
37. د. كامل السعيد- الأحكام العامة في قانون العقوبات- مرجع سابق صفحة 168.
38. د. محمد نجيب حسني- شرح قانون العقوبات مرجع سابق صفحة 234.
39. المعجم الوجيز- منشورات مجمع اللغة العربية- مرجع سابق- مادة لزم صفحة 556.
40. د. كامل السعيد الأحكام العامة– مرجع سابق صفحة 168.
41. د. كامل السعيد الأحكام العامة– مرجع سابق صفحة 168، د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات صفحة 236، د. عبدالفتاح الصيفي- قانون العقوبات- مرجع سابق صفحة 496.
42. د. مصطفى العوجي- المسؤولية الجنائية- مرجع سابق صفحة 454.
43. مجموعة القواعد القانونية الصادرة- عن محكمة النقص المصرية- 18/ مايو/ 1946م صحفة 569 رقم (609) 16/ ديسمبر 1958م صفحة 1095 رقم (265).
44. د. حسني الجندي- شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 278.
45. د. المعجم الوجيز- منشورات مجمع اللغة العربية- مرجع سابق صفحة 612، مادة نسب.
46. د محمود نجيب حسني– شرح قانون العقوبات- مرجع سابق- صفحة 239.
47. مجموعة القواعد القانونية الصادرة- عن محكمة النقص المصرية- 20 كانون الأول 1928م رقم (70) صفحة 89.
48. د. علي حسن الشرفي- النظرية العامة للجريمة- منشورات مكتبة الصادق– صفحة 235.