الانعدام الإجرائي في القانون اليمني

المحامي. الدكتور/ هشام قائد عبد السلام الشميري

11/1/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

تباينت آراء الفقه وأحكام القضاء بشأن مدى اعتراف القانون اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي وبشأن تحديد مجال العمل القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام؛ ويرجع ذلك التباين إلى الاختلاف حول مدلول مصطلح (العمل القضائي) الذي يرد عليه جزاء الانعدام الوارد في المادة (55) من قانون المرافعات بين مضيق وموسع، وسوف نبين ذلك على النحو الآتي:

أولاً: موقف الفقه اليمني

إن استعمال المشرع في المادة (55) مرافعات بشأن تحديده للمحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام مصطلح (العمل القضائي) لم يحظ باستحسان فقهاء وشراح قانون المرافعات اليمني الذين اعتبروا هذا المصطلح مصطلحاً غير واضح وغير منضبط ما أدى إلى اختلافهم بشأن المراد بمصطلح (العمل القضائي) الذي استتبع اختلافهم بشأن تحديد المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام، وانقسم اختلافهم ذلك إلى ثلاثة آراء وهي:

الرأي الأول: ذهب أغلب الفقه اليمني إلى أن مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (55) مرافعات ينصرف فقط إلى العمل القضائي الذي يقوم به القاضي ولا ينصرف إلى الأعمال الإجرائية الأخرى التي تحكمها القواعد العامة في الانعدام، فهذا الرأي وإن كان قد ذهب إلى أن مصطلح (العمل القضائي) لا ينصرف إلى الأعمال الإجرائية التي ليست من عمل القاضي إلا أنه انتهى إلى أن هذه الاعمال يرد عليها الانعدام وتحكمها القواعد العامة للانعدام. (د. سعيد خالد الشرعبي أصول القضاء المدني ص304، د. إبراهيم محمد الشرفي شرح قانون المرافعات ص235، القاضي محمد نعمان الأمير تنظيم البطلان في قانون المرافعات)

الرأي الثاني: ذهب إليه بعض الفقه اليمني الذي يرى أن مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (55) مرافعات ينصرف إلى العمل القضائي الذي يقوم به القاضي وينصرف أيضاً إلى الأعمال الإجرائية الأخرى التي ليست من عمل القاضي، فالانعدام مثله مثل جزاء البطلان يرد على العمل الإجرائي أياً كان شخص القائم به سواءً أكان القاضي أو معاونيه أو الخصوم أو الغير بشرط أن يكون ذلك العمل جزاءً من العمل القضائي الذي يقوم به القاضي. (د. نجيب الجبلي قانون المرافعات اليمني ص432).

 

الرأي الثالث: في حين ذهب جانب آخر من الفقه اليمني إلى أن مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (55) مرافعات الذي يرد عليه جزاء الانعدام ينصرف فقط إلى الحكم القضائي دون غيره من الأعمال الإجرائية الأخرى سواءً التي يقوم بها القاضي أو التي ليست من عمل القاضي؛ وحجة هذا الرأي أن المشرع في المادة (55) مرافعات قد جعل العمل القضائي هو المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام وأن الحكم القضائي يعتبر هو العمل القضائي الذي يقوم به القاضي، كما أن جميع تطبيقات الانعدام التي أوردها المشرع اليمني في قانون المرافعات تكاد جميعهاً تتعلق بالحكم القضائي.(د. صادق العري انعدام الحكم القضائي ص46، 80، القاضي. د. عصام السماوي نظرية الانعدام ورقة عمل)

ثانياً: موقف القضاء اليمني

تباينت أحكام المحكمة العليا بشأن مدى اعتراف القانون اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي وبشأن تحديد مجال العمل القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام؛ ويرجع ذلك التباين إلى الاختلاف حول مدلول مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (55) من قانون المرافعات الذي يرد عليه جزاء الانعدام بين مضيق وموسع، ولذلك فقد ذهبت أحكام المحكمة العليا في رؤيتها لفكرة الانعدام الإجرائي إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: ذهب جانب من أحكام المحكمة العليا إلى أن القانون اليمني لا يعترف بالانعدام الإجرائي وأن الانعدام المقرر في قانون المرافعات يقتصر على الأحكام القضائية التي اختلفوا بشأنها بين موسع ومضيق، فمنهم من ذهب إلى أن جزاء الانعدام يقتصر على الأحكام الموضوعية فقط دون غيرها من الأحكام الأخرى كالأحكام الإجرائية أو الأحكام المستعجلة أو الأحكام التنفيذية، ومنهم من ذهب إلى أن جزاء الانعدام يقتصر على الأحكام المتعلقة بمرحلة الخصومة الصادرة في خصومة إجرائية أو موضوعية دون القرارات التنفيذية الصادرة في مرحلة التنفیذ، ومنهم من ذهب إلى أن الانعدام يلحق أي حكم سواءً أكان قطعياً أو غير قطعي، موضوعي أو إجرائي وقتي أو غير وقتي وسواءً أكان متعلقاً بمرحلة الخصومة أو بمرحلة التنفیذ وسواء أكان متعلقاً بخصومة قضائية أو بخصومة تحكيم، ومنهم من ذهب إلى أن الانعدام يقتصر على الأحكام الصادرة من المحاكم فقط دون أحكام التحكيم. ونذكر من أحكام المحكمة العليا التي أخذت بهذا الاتجاه على سبيل المثال لا الحصر الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) برقم (٢٠٣) لسنة ١٤٤٣هـ وتاريخ ٢٩/٦/٢٠٢٣م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (إن الانعدام الإجرائي ليس له محل في القانون اليمني وأن الانعدام لا يرد إلا على الأحكام الموضوعية وفقاً لما بينته المادة (٢١٧) مرافعات، والحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) برقم (١٢٩) لسنة ١٤٤٢هـ وتاريخ ١٠/٧/٢٠٢١م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (إن ما تضمنته عريضة دعوى الانعدام جميعه يقوم على الانعدام الإجرائي وهو غير معترف به في القانون اليمني كون الانعدام مقصور على ما قرره القانون في المادة (٥٥) مرافعات، والحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) بتاريخ ٢٦/٥/٢٠٠٨م في الطعن المدني رقم (٢٩٠٢٣) لسنة ١٤٢٧هـ الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (أما صدور ما سمي بالقرار التنفيذي الصادر في ١٩/القعدة/١٤٢٥هـ بعد ذلك فالظاهر أن الطاعن لم يدرك حقيقته القانونية وما إذا كان حكماً أو قراراً ولائياً أو أنه غير ذلك؟ ومن المعلوم أن لكل نظامه القانوني الخاص وأن أحكام الانعدام المقررة في قانون المرافعات تتعلق بالأحكام فقط وعلى وجه الخصوص بأركان الحكم. المادة (٢١٧) مرافعات دون غيرها مما يكون في الحكم أو أي من إجراءات المرافعات.. وهذا إذا كان القرار حكماً وعلى افتراض بأنه كذلك فإنه مما يكون داخلاً في استثناء المادة (١٣) مرافعات على اعتبار أنه متعلق بإجراءات التنفيذ والحال أنه ليس بحكم لأن الحكم يلزم أن يصدر في خصومة وعليه فإن كل ما ذكره الطاعن عنه لا يفيد في شيء)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) في دعوى الانعدام رقم (٥٩١٧٥) لعام ١٤٣٧هـ بتاريخ ٢٤/٤/ ٢٠١٧م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (ما تجدر الإشارة إليه في ذلك أن الانعدام يقع على الأحكام سواء كانت قطعية أو غير ذلك إجرائية أو غير ذلك وقتية أو غير وقتية مقررة أو منشئة متى ما كانت تتضمن سبباً من أسباب الانعدام المنصوص عليها في المادة (٢١٧) مرافعات، والحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) برقم (177) لسنة 1435هـ جلسة 23/4/2014م في دعوى الانعدام المرفوعة برقم (٥٤٣٣٧) لعام١٤٣٥هـ الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (....فإن هذا القول لیس بسند قانوني مقبول كون دعوى الانعدام یمكن أن تلحق أي حكم كان موضوعیاً أو إجرائياً تعلق بمرحلة الفصل في خصومة تقریر الحق أو بمرحلة إجراءات التنفیذ ولا یحصنه من دعوى الانعدام أي حكم سبقه أو لحق به...وآن الأوان لإزالته وما یترتب على ذلك من التقریر بانعدام كل ما تعقبه من قرارات تنفیذیة)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة (أ) بتاريخ ٩/١/٢٠١٢م في الطعن المدني رقم (٤٣٦٢٨) لعام١٤٣١هـ الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (ولذلك فإن القانون قد أحاط القضاء بالانعدام بضمانات يلزم التحري فيها أهمها أن يتعلق الدفع بالانعدام أو الدعوى به بحكم قضائي وفقاً لما تقرره في ذلك المادة (٢١٧) مرافعات.... وعليه يخرج من ذلك وبحكم المادة (٢١٧) مرافعات كل ما يباشر به القضاة أعمالهم مثل الأوامر الذاتية والأوامر على العرائض وما يقررونه من إجراءات في بعض الأحكام وما شاع لدى قضاة التنفيذ مما يسمى بقرارات التنفيذ الاختياري والجبري وقرارات التنفيذ الأخرى عدا ما كان منها فاصلاً في منازعة تنفيذ موضوعية أو إجرائية....)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية في الطعن المدني رقم (28481) لسنة1426هـ وتاريخ 18/6/2007م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (إن حكم التحكيم هو عمل قضائي يلحقه الانعدام إذا توافرت شروطه كما حددتها المادة (217) من قانون المرافعات...) وهو ذات ما قرره الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بتاريخ 2/3/2011م في الطعن رقم (45363).

الاتجاه الثاني: ذهب هذا الاتجاه القضائي إلى الاعتراف بالانعدام الإجرائي، بحيث لا يرد جزاء الانعدام فحسب على القرار القضائي، وإنما يرد أيضاً على الخصومة القضائية وكافة الأعمال الإجرائية المكونة لها التي فقدت أحد أركانها والتي منها المطالبة القضائية والاعلان القضائي وغيرها من الأعمال الإجرائية الأخرى، ويرد كذلك على إجراءات التنفيذ التي فقدت أحد أركانها اللازمة لوجودها القانوني كإجراءات التنفيذ المتخذة من غير ذي ولاية أو الواردة على غير محل قانوني أو المتخذة بناءً على محرر لا يعد سنداً تنفيذياً. ونذكر من أحكام المحكمة العليا التي أخذت بهذا الاتجاه على سبيل المثال لا الحصر الحكم الصادر من الدائرة التجارية بتاريخ ١٩/ ٤/ ١٤٣٠هـ في الطعن التجاري رقم (٣٣١٩٨) لسنة ١٤٣٠هـ الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (....فإذا كانت المطالبة القضائية هي الباعث من وراء طلب الحماية القضائية فلا يتصور وجود قضاء دون ادعاء قانوني والقضاء بما لم يطلبه الخصوم يعد عيباً من العيوب الجسيمة التي تشوب الحكم كما أن الطلبات المقدمة من الخصوم هي المبتغى والباعث لممارسة الحق الدستوري باللجوء إلى القضاء بهدف حماية الحقوق والمصالح المشروعة فإن جرى الحكم بما لم يطلبه الخصوم فإنه يكون قضاء تجاوز الخصومة المنظورة وعيباً جسيماً يخلع عن الحكم صفته القضائية في تلك الجزائية وقد قيل قديماً: »القضاء دون طلب من أعجب العجب«....والخصومة المعتبرة في نظر القانون هي الخصومة المستكملة المقومات أطرافاً ومحلاً وسبباً فمن لم تتوافر فيه صفة الخصم–بما تشترطه القواعد العامة في الخصم– لا يجوز الحكم له أو عليه....هو ذات مؤدى الانعدام فالحكم في موضوع الالتماس يحل محل الحكم السابق - المادة (٣١٢) مرافعات- ومن التطبيقات القضائية مثلاً حالة ثبوت وفاة الخصم المحكوم عليه قبل رفع الدعوى أو التنفيذ على شخص بمناسبة تنفيذ حكم محكم دون أن يكون طرفاً في عقد التحكيم)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية في الطعن رقم (26584) لسنة 1427هـ وتاريخ 18/2/2007م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (إذا فقدت الخصومة أحد أركانها وهو الخصم كانت منعدمة، فلا يصح أن يصدر حكم على شخص لم يمثل في الخصومة، لأن الخصومة لا تنعقد في هذه الحالة في مواجهته ومن ذلك صدور قرار تنفيذي دون انعقاد خصومة بين طرفيه أو صدر على شخص قد توفى قبل صدوره ولم يعلن ورثته ولم يحضروا) وهو ذات ما قررته المحكمة العليا في أحكام أخرى منها حكمها الصادر في الطعن المدني رقم (4958) لسنة 1422هـ وتاريخ 5/1/2002م (مجموعة القواعد القضائية العدد الثاني ص373)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية في الطعن رقم (31350) لسنة 1428هـ وتاريخ 1/4/2008م الذي انتهى إلى التقرير بانعدام الخصومة وكافة إجراءاتها إذا لم يتم إعلان المدعى عليه بصحيفة الدعوى إطلاقاً باعتبار هذا الإعلان يُعد إجراءً لازماً لانعقاد الخصومة واستكمال وجودها الذي يلزم لوجود العمل القضائي وأن الحكم الصادر على من لم يُعلن إطلاقاً بصحيفة الدعوى يعد صادراً دون خصومة ومن ثم يكون منعدماً ويفقد صفته كحكم. وهو ذات ما قررته المحكمة العليا في أحكام أخرى منها حكمها الصادر في الطعن المدني رقم (26584) لسنة 1427هـ وتاريخ 18/2/2007م (مجموعة القواعد القضائية والقانونية العدد الثامن ص324)، وحكمها في الطعن المدني رقم (27836) لسنة 1427هـ وتاريخ 11/4/2007م (مجموعة القواعد القضائية والقانونية العدد العاشر ص340)، والحكم الصادر من الدائرة المدنية برقم (118) لسنة 1433هـ وتاريخ 4/6/2012م الذي انتهى إلى التقرير بانعدام إجراءات التنفيذ التي تمت على ذات المال الذي سبق استهلاكه في تنفيذ حكم قضائي آخر بموجب إجراءات تنفيذ لم يسبق الحكم ببطلانها أو على شيء لا يقبل الانقسام أو التجزؤ، والحكم الصادر من الدائرة المدنية في الطعن رقم (25282) لسنة1426هـ وتاريخ 5/7/2006م الذي انتهى إلى التقرير بأن القرار التنفيذي الصادر بناءً على حكم لا يُعد سنداً تنفيذياً يتعين نقضه وإلغاؤه هو وكل ما ترتب عليه وكل ما اتخذت من إجراءات التنفيذ لورودها على غير محل قانوني لعدم توافر السند التنفيذي.

الجدير بالذكر أن محكمة النقض السورية أخذت بالاتجاه الثاني، فقد استقر قضاؤها على أن الانعدام يلحق الإجراء كما يلحق الحكم (نقض سوري هيئة عامة قرار رقم (3) تاريخ 7/10/1992م منشور في مجلة المحامون السورية لعام 1992م ص796). كما أن الكثير من أحكام محكمة النقض المصرية أخذت بالاتجاه الثاني بما قررته من ورود جزاء الانعدام على الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة وليس على القرار القضائي فقط، ونذكر من تلك الأحكام على سبيل المثال لا الحصر نقض مصري رقم (٣٥٥٥ (لسنة ٧٤ ق جلسة ٢/٦/٢٠٢٤م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (إذ كان الطاعنون قد تمسكوا بانعدام الخصومة أمام محكمة الاستئناف بالنسبة لمورث الطاعنين من الرابعة وحتى الأخيرة لوفاته بتاريخ ١٩/٣/٢٠٠٣م  قبل رفع الاستئناف إلا أنه لما كان البين من الأوراق أن وفاة المورث المذكور سابقة على إيداع صحيفة افتتاح الدعوى أمام محكمة أول درجة في 5/4/2003م فإن الخصومة بالنسبة له تكون قد ولدت منعدمة وينسحب هذا الانعدام على كافة الإجراءات اللاحقة بما فيها الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه.....)، ونقض مصري رقم ١١٢ لسنة ٦٠ق جلسة ٢٥/٧/١٩٩٠م ورقم (١٠٤١٧) لسنة ٨٣ ق جلسة ٨/٣/٢٠١٦م الذي جاء ضمن أسبابهما ما لفظه: (ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخصومة لا تقوم إلا بين طرفين من الأحياء فلا تنعقد أصلاً إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة وإلا كانت معدومة لا ترتب أثراً ولا يصححها إجراء لاحق....)، ونقض مصري رقم( ٩٠٣٥) لسنة ٧٨ق جلسة ١٠/١/٢٠١٠م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (والأصل في انعقاد الخصومة أن يكون طرفاها أهلاً للتقاضي وإلا قام مقامهم من يمثلهم قانوناً....وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنين تمسكوا في دفاعهم أمام محكمة الاستئناف أن المطعون ضده اختصم الطاعنة الأولى عن نفسها وبصفتها وصية على ابنتها المطعون ضدها الثانية باعتبار أنها قاصر رغم بلوغها سن الرشد قبل رفع الدعوى الحاصل في 27/5/2003م وقدموا شهادة قيد الميلاد الدالة على صحة هذا الدفاع، فإن مؤدى ما تقدم اعتبارها غير ممثلة في الخصومة تمثيلاً صحيحاً وتكون هذه الخصومة بالنسبة لها غير ذات أثر وبالتالي تكون منعدمة (....، ونقض مصري طعن رقم (34) لسنة 71 ق جلسة 27/ 11/ 2001م مكتب فني 52 ج 2 ق 237 ص 1228جلسة 27 من نوفمبر سنة 2001م الذي جاء ضمن أسبابه ما لفظه: (انعدام العمل الإجرائي الصادر من جهة لا ولاية لها وعدم ترتيب القانون أثراً عليه مؤداه عدم تحصنه بفوات مواعيد الطعن وجواز الحكم بانعدامه مهما استطالت المدة بين وقوعه والطعن فيه)، ونقض مصري طعن رقم(592) لسنة 78 ق جلسة 23/1/2016م الذي قضى بانعدام الخصومة إذا تم الاعلان مع جهة الإدارة ولم يتم تسليم الخطاب المسجل الذى يخطر فيه المحضر بأن صورة الإعلان قد سلمت لتلك الجهة، وحكم محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 22/4/1982م الذي أشار إليه محمد كمال عبدالعزيز ص139، والذي قضى بانعدام الإعلان إذا تم دون توقيع المحضر على ورقة الإعلان.

ثالثاً: رأينا

باستقراء نصوص قانون المرافعات نجد أن المشرع اليمني قد أخذ بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير، وأن مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (55) مرافعات لا ينصرف فحسب إلى الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي وإنما ينصرف أيضاً إلى الأعمال الإجرائية الأخرى المكونة للخصومة التي ليست من عمل القاضي باعتبارها وسيلة تكوين إرادة القاضي وتُعد من الأعمال المكونة للخصومة التي تتوقف عليها إضافة إلى الأركان الأخرى للعمل القضائي الآثار النهائية للعمل القضائي، فلا يقتصر العمل القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام فحسب على الأحكام والأوامر القضائية التي يصدرها القاضي وإنما يشمل غيرها من الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي المتعلقة بالعمل القضائي الذي يقوم به ويشمل أيضاً الأعمال الإجرائية الأخرى التي ليست من عمل القاضي المتعلقة بالعمل القضائي الذي يقوم به بغض النظر عن شخص القائم بها سواءً أكان معاوني القاضي أو الخصوم أو الغير. ونرى أن استعمال المشرع اليمني في المادة (55) مرافعات مصطلح (العمل القضائي) إنما كان للدلالة على ضرورة تعلق العمل الإجرائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام بالعمل القضائي الذي يقوم به القاضي، حيث أن مدلول مصطلح (العمل القضائي) لا يعني أن يكون العمل الإجرائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام من الأعمال التي يقوم بها القاضي وإنما يعني ضرورة تعلق ذلك العمل الإجرائي بالعمل القضائي الذي يقوم به القاضي أياً كان شخص القائم به القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير. وهذا التفسير الذي نراه يستخلص من النظام القانوني في قانون المرافعات اليمني وسندنا في ذلك الآتي:

١-  أن التفسير الذي نراه يجد سنده من عبارات المادة (٥٥) مرافعات التي جعلت العمل القضائي هو المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام والتي عرفت الانعدام بوصف عام بما نصت عليه من أن: (الانعدام وصف قانوني يلحق العمل القضائي ويجعله مجرداً من جميع آثاره الشرعية والقانونية...)، والمقصود بالعمل القضائي وفقاً للفقه الإجرائي العمل الذي يقوم به القاضي طبقاً لإجراءات قانونية محددة لحماية حقوق الأفراد وتطبيق القانون عند حصول المنازعة التي تستدعي تدخل القاضي لحسمها، فهو العمل الذي يباشره القائم به بصفته القضائية بما له من سلطة قضائية طبقاً للإجراءات التي حددها القانون لحماية الحقوق عند حصول النزاع بين الأفراد الذي يستدعي تدخل القاضي لحسمه في صورة عمل قضائي يصدر عن القاضي متخذاً صوراً عديدة أبرزها الحكم أو الأمر القضائي. والملاحظ أن مصطلح (العمل القضائي) الوارد في المادة (٥٥) مرافعات الذي يرد عليه جزاء الانعدام قد ورد بصيغة العموم، بحيث يشمل كل عمل قضائي أياً كانت صورته سواءً الحكم القضائي أو غيره من صور العمل القضائي الأخرى، فالحكم القضائي بإجماع الفقه وإن كان يعد أهم صور العمل القضائي إلا أنه يوجد بجانبه صور أخرى، حيث أن العمل القضائي يشمل الحكم الصادر في خصومة سواءً أكان قطعياً أو غير قطعي موضوعی أو إجرائي وقتي أو غير وقتي وسواءً تعلق بمرحلة الخصومة أو بمرحلة التنفیذ وسواءً تعلق بخصومة قضائية أو بخصومة تحكيم، ويشمل أيضاً الأمر القضائي الصادر دون خصومة كأوامر الأداء الموضوعية والأوامر الوقتية الصادرة على عرائض، ويشمل كذلك قرارات تفسير وتصحيح الأحكام والقرارات التنفيذية، ومن ثم فإنه لا يمكن القول بقصر دلالة مصطلح (العمل القضائي) الوارد بصيغة العموم على الحكم القضائي دون بقية صور العمل القضائي الأخرى؛ لأن المشرع لو كان قد أراد قصر جزاء الانعدام فقط على الحكم القضائي لاستعمل في المادة (٥٥) مرافعات مصطلح (الحكم القضائي) بدلاً من استعماله مصطلح (العمل القضائي) مادام أن مصطلح (العمل القضائي) يُعد أعم من مصطلح (الحكم القضائي) باعتبار الحكم القضائي بإجماع الفقه يُعد جزءاً من العمل القضائي وليس هو بذاته العمل القضائي. وأساس ذلك أن ممارسة العمل القضائي بمظاهره المختلفة والمتنوعة وفقاً للفقه الإجرائي مرهون بوجود منازعة بين أشخاص القانون تستدعي هذا النشاط وتحثه الفصل فيها وحسمها حيث أصبحت العلاقة بين المنازعة والعمل القضائي بمظاهره المختلفة والمتنوعة من الأمور المسلم بها بما في ذلك العمل القضائي العادي والعمل القضائي الاستثنائي دون خصومة لأن الخلاف بين العمل القضائي العادي والعمل القضائي دون خصومة ليس خلافاً في الطبيعة فكلاهما يصدر عن الوظيفة القضائية ويعد ممارسة لنشاط قضائي وإنما خلاف في الدرجة يرجع إلى اختلاف طبيعة المنازعة والشكل الذي يتخذه، فالعمل القضائي يباشر كقاعدة عامة في صورة أحكام قضائية تصدر بناءً على خصومة تمثل الشكل العام للعمل القضائي سواءً خصومة عادية فيما يتعلق بالدعوى الموضوعية أو خصومة مختصرة فيما يتعلق بالدعاوى المستعجلة ومع ذلك واستثناءً من هذه القاعدة أجاز المشرع بنص خاص مباشرة العمل القضائي في صورة أوامر تصدر دون خصومة في غير مواجهة الخصوم سواءً أكانت تلك الأوامر موضوعية “أوامر الأداء” أو وقتية “الأوامر على عرائض” فبالرغم من أن هذه الأوامر ليس لها صفة وطبيعة الأحكام إلا أنها تعتبر أحد صور الحماية القضائية وتُعد ذات طبيعة قضائية ومن قبيل الأعمال القضائية التي يباشرها القاضي بما له من سلطة قضائية. كما يجمع الفقه الإجرائي على أن العوارض التي تبرر ممارسة العمل القضائي لا تقتصر فحسب على عارض التجهيل القانوني بالاعتداء على الحق أو المركز القانوني وإنما تشمل أيضاً عارض مخالفة القانون وهو صورة أكثر جسامة قد تصل إلى إحداث تغيير مادي مخالف له فلا يتأتى حمايته إلا باتخاذ وسائل مادية لإعادة المركز الواقعي للمركز القانوني وذلك عن طريق أعمال التنفيذ الجبري لأن القانون يكون مخالفاً دون تجهيل في حالة وجود حكم قضائي لم ينفذ بعد، ومن ثم فإن أعمال التنفيذ الجبري القضائي تعتبر نموذجاً خاصاً للعمل القضائي يستمد ذاتيته من خصوصية العائق الذي يواجهه وإن كانت لا تحوز حجية الأمر المقضي به وهي الأعمال والإجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري. (د. أحمد ماهر زغلول -أعمال القاضي التي تحوز حجية الأمر المقضي به ص2 ، 14، 41، 69، 389، د. وجدي راغب- النظرية العامة للعمل القضائي ص41، 96، 115، د. فتحي والي- التنفيذ الجبري ص249، د. حسن علي حسين- الجزاء الإجرائي ص45، د. محمود هاشم- قانون القضاء المدني ص130).

كما يشمل العمل القضائي الوارد في المادة (٥٥) مرافعات بصيغة العموم كافة الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة المتعلقة بوسيلة تكوين العمل القضائي الذي يقوم به القاضي بغض النظر عن صفة القائم بها سواءً أكان القاضي أو معاونيه أو الخصوم أو الغير، حيث أن العمل القضائي لا يشمل فحسب الأحكام والقرارات القضائية التي تُعد وسيلة التعبير عن العمل القضائي وإنما يشمل أيضاً الأعمال الإجرائية المتعلقة بوسيلة تكوين العمل القضائي بغض النظر عن صفة القائم بها. وأساس ذلك أن الشكل الإجرائي للعمل القضائي وفقاً للفقه الإجرائي الغالب لا يقتصر على وسيلة التعبير عن إرادة القاضي في ورقة الحكم وإنما يمتد إلى وسيلة تكوين هذه الإرادة لتشمل مراحل تكوينها وهي الخصومة القضائية التي تتكون من عدة أعمال إجرائية تتوقف عليها إضافة إلى الأركان الأخرى للعمل القضائي الآثار النهائية للعمل القضائي، حيث أن هذه الأعمال الإجرائية تساهم مع غيرها من أركان العمل القضائي في وجود القرار القضائي الذي يُعد الآثار النهائية للعمل القضائي والذي يتوقف على هذه الأعمال الإجرائية إلى جانب الأركان الأخرى للعمل القضائي، ومن ثم فإن العمل القضائي الوارد في المادة (٥٥) مرافعات بصيغة العموم لا يقتصر على وسيلة التعبير عن إرادة القاضي في القرار أو الحكم القضائي الذي يُعد الآثار النهائية للعمل القضائي وإنما يشمل أيضاً وسيلة تكوين هذه الإرادة لتشمل مراحل تكوينها وهي الخصومة القضائية التي تتكون من عدة أعمال إجرائية تتوقف عليها إضافة إلى الأركان الأخرى للعمل القضائي الآثار النهائية للعمل القضائي وتساهم هذه الأعمال الإجرائية مع غيرها من أركان العمل القضائي في وجود القرار القضائي الذي يُعد الآثار النهائية للعمل القضائي، وليس أدل على ذلك أن المشرع في المادة (٢) مرافعات قد عرف الخصومة القضائية التي تُعد الشكل الإجرائي العام للعمل القضائي بأنها: "مجموعة من الإجراءات القضائية تبدأ بالمطالبة وتنتهي بحكم". (د. جدي راغب فهمي- النظرية العامة للعمل القضائي ص140، 622، 629، د. نبيل اسماعيل عمر- عدم فاعلية الجزاءات ص23، د. حسن علي حسين- الجزاء الإجرائي ص78 وما بعدها، د. فتحي والي- نظرية البطلان ص82، د. محمود نجيب حسني- شرح قانون الإجراءات الجنائية ص354، د. خيري عبدالفتاح- الانعدام في قانون المرافعات ص79، د. علي هيكل- الدفع بالإحالة ص644، د. طلعت يوسف خاطر- الانعدام في قانون المرافعات ص67، د. أيمن رمضان- الجزاء الإجرائي ص125، د. سعيد الشرعبي- أصول القضاء المدني ص268، د. محمود هاشم- قانون القضاء المدني ص153، د. نبيل إسماعيل عمر- أصول المرافعات ص33). 

٢- إن التفسير الذي نراه يجد سنده من نصوص قانون المرافعات التي تعتبر تطبيقاً لجزاء الانعدام والتي جاءت مقررة جزاء الانعدام ليس فحسب على الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي وإنما أيضاً على الأعمال الإجرائية المتعلقة بعمل القاضي التي يقوم بها بقية الأشخاص الإجرائيين كمعاوني القاضي أو الخصوم أو الغير، ونذكر من تلك النصوص القانونية الآتي:

 

*     المادة (129) من قانون المرافعات نصت على أنه: (يكون عمل القاضي أو عضو النيابة في الأحوال المذكورة في البنود (1، 2، 4، 6، 8، 9) من المادة السابقة منعدماً كأن لم يكن)، والملاحظ أن عبارة (عمل القاضي) الواردة في هذا النص وردت بصيغة العموم بحيث تشمل كافة الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي سواءً الحكم أم غيره من الأعمال الإجرائية السابقة له، والملاحظ أيضاً أن المشرع أعقب تلك العبارة بعبارة (أو عضو النيابة) وبلاشك أن الأعمال التي يقوم بها عضو النيابة العامة ليس من بينها إطلاقاً الحكم القضائي، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

*     المادة (441) من قانون المرافعات قررت انعدام إجراءات التنفيذ المتخذة بعد الحكم باستحقاق العقار المحجوز للغير بما نصت عليه من أن (ترفع دعوى الاستحقاق سواء قبل بيع العقار أو بعده....ويترتب على الحكم باستحقاق العقار للمدعي انعدام إجراءات التنفيذ)، والملاحظ ان عبارة (إجراءات التنفيذ) الواردة في هذا النص قد وردت بصيغة العموم بحيث تشمل القرارات التنفيذية وغيرها من إجراءات التنفيذ بغض النظر عن صفة القائم بها سواءً أكان القاضي أو معاونيه أو الخصوم أو الغير لأن إجراءات التنفيذ لا يقوم بها القاضي فقط، بل إن بعضها يقوم بها معاونوه والبعض الآخر يقوم بها الخصوم أو الغير، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

*     المادة (12) من قانون المرافعات نصت على أنه: (لا يجوز للقاضي أن يفتح نزاعاً حُسم بحكم قائم صدر من ذي ولاية..)، والملاحظ أن المانع القانوني المقرر في هذا النص القانوني المتمثل بسبق الفصل في محل الدعوى بحكم صادر من ذي ولاية لا يُعد مانعاً من الفصل في الدعوى فحسب، وإنما يُعد أيضاً مانعاً من نظرها وفتح النزاع بشأنها ابتداءً، ومقتضى ذلك أن جزاء الانعدام الذي رتبته المادة (15) مرافعات على مخالفة هذا المانع القانوني لا يلحق فقط الحكم الصادر في الدعوى التي سبق حسمها وإنما يلحق أيضاً المطالبة القضائية ابتداءً وكافة إجراءات الخصومة المتخذة بشأنها، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

*     المادة (56) من قانون المرافعات قررت انعدام الحكم إذا فقد أحد أركانه المنصوص عليها في المادة (217) من ذات القانون التي عرفت الحكم بوصف عام بما نصت عليه من أن (الحكم قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية)، والملاحظ أن هذا النص القانوني قد ورد بصيغة العموم بحيث يشمل كافة الأحكام سواءً أكانت قطعية أم غير قطعية موضوعیة أو إجرائية وقتية أو غير وقتية وسواءً أكانت متعلقة بمرحلة الخصومة أو بمرحلة التنفیذ وسواءً أكانت متعلقة بخصومة قضائية أو بخصومة تحكيم. والملاحظ أيضاً أن هذا النص القانوني قد أورد أركان الحكم القضائي والتي منها الأركان الشكلية التي نص عليها صراحةً »الولاية والخصومة والشكل«، وبلاشك أن الأعمال الإجرائية المتعلقة بهذه الأركان ليست جميعها من عمل القاضي وعلى وجه الخصوص ركن الخصومة القضائية التي رتب المشرع على انعدامها وعدم وجودها انعدام الحكم والتي تتكون من مجموعة من الأعمال الإجرائية المختلفة في مضمونها وطبيعتها وأشخاصها حيث أن الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة ليست جميعها من عمل القاضي وإنما بعضها يقوم بها معاونوه أو الخصوم أو الغير، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

*     المادة (11) من قانون المرافعات التي رتبت المادة (15) على مخالفتها انعدام العمل القضائي نصت على أنه: (إذا كانت هيئة الحكم في المحكمة مشكلة من أكثر من قاضٍ وجب اجتماعهم لنظر الدعوى والحكم فيها...)، والمراد بعبارة (وجب اجتماعهم لنظر الدعوى والحكم فيها) الواردة في المادة (11) مرافعات ضرورة اشتراك جميع قضاة هيئة المحكمة في نظر الدعوى وفي المداولة التي يتوصل من خلالها إلى الحكم في القضية بحيث يجب أن تباشر هيئة المحكمة مجتمعة بكافة أعضائها إجراءات نظر الدعوى حتى الحكم فيها، وبالتالي فإن الانعدام المترتب على مخالفة هذه المادة لا يتحقق فقط في حالة مخالفة تشكيل هيئة المحكمة لتشكيلها العددي المحدد قانوناً عند المداولة والحكم في القضية وإنما يتحقق أيضاً في حالة مخالفة تشكيلها العددي عند نظر الدعوى وسماع المرافعة والدفاع، ومقتضى ذلك أن إجراءات نظر الدعوى التي باشرتها هيئة غير مكتملة التشكيل العددي تكون منعدمة كما أن الحكم المستند على تلك الإجراءات المنعدمة يكون منعدماً أيضاً حتى ولو اشترك في المداولة جميع قضاة هيئة المحكمة لأن ما بني على منعدم فهو منعدم، ومما لاشك فيه أن إجراءات نظر الدعوى التي تعد من الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة والتي يرد عليها جزاء الانعدام عند مخالفة التشكيل العددي لهيئة المحكمة ليست جميعها من عمل القاضي وإنما بعضها يقوم بها معاونوه أو الخصوم أو الغير، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

٣- إن التفسير الذي نراه يجد سنده من نص المادة (104) من قانون المرافعات التي اعتبرت إيداع صحيفة الدعوى قلم الكتاب “المطالبة القضائية« هو الإجراء اللازم لنشأة ووجود الخصومة التي تعد ركناً لازماً لوجود العمل القضائي بما قررته من نشأة الخصومة القضائية بمجرد رفع الدعوى عن طريق الإيداع الذي حدده القانون طريقاً أساسياً لرفع الدعوى، ومقتضى ذلك النص القانوني أن المطالبة القضائية التي تعتبر من الأعمال الإجرائية التي يقوم بها الخصوم تُعد مفترضاً ضرورياً لازماً للوجود القانوني للخصومة القضائية يترتب على تخلفها انعدام كافة إجراءات الخصومة والحكم الصادر فيها، فهي الأساس الذي يقوم عليه العمل القضائي وكافة إجراءات الخصومة القضائية التي لا توجد بدونها، وهي محل العمل القضائي الذي لا يمكن تصور وجوده دون وجود محله وهو المطالبة القضائية فلا يباشر القضاء وظيفته في حماية الحقوق إلا بناءً على طلب من أصحابها. كما أن الوجود القانوني للمطالبة القضائية التي تعتبر من الأعمال الإجرائية التي يقوم بها الخصوم والتي تعد مفترضاً ضرورياً لازماً لوجود الخصومة القضائية يتطلب توافر أركان ومقتضيات وجودها القانوني من إرادة ومحل وسبب وشكل وصلاحية والتي يترتب على تخلفها كلها أو بعضها انعدام المطالبة القضائية الذي يؤدي إلى عدم نشأة الخصومة وانعدامها ومن ثم انعدام الحكم القضائي فما بُني على منعدم فهو معدوم، ومما لاشك فيه أن تلك المطالبة القضائية التي يرد عليها جزاء الانعدام عند تخلف أركان وجودها القانوني إنما تُعد من الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة التي يقوم بها الخصوم وليس القاضي، وهو ما يعني اعتراف المشرع اليمني بفكرة الانعدام الإجرائي التي تشمل الأعمال الإجرائية المتعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أو المتعلقة بمرحلة التعبير عنه أياً كان شخص القائم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير. وليس هذا فحسب، بل أن صحيفة الدعوى«صحيفة افتتاح الخصومة« تعد مفترضاً قانونياً لازماً لأغلب الأعمال الإجرائية التي تليها كالطلبات والدفوع وسائر إجراءات الخصومة والأحكام التي تصدر فيها، ومن ثم فإن انعدام صحيفة افتتاح الخصومة يؤدي إلى انعدم كل الأعمال الإجرائية اللاحقة لها، ويترتب على انعدام المطالبة القضائية عدم إنتاجها لآثارها الإجرائية والموضوعية وعدم الاعتداد بها أو التعويل عليها واعتبارها كأن لم تكن، فلا تنشأ بها الخصومة القضائية ولا ترتب أيضاً أي التزام على الأطراف ولا يصبح الحق المطالب به في الدعوى المنعدمة منازعاً فيه ولا يتحدد بها نطاق الخصومة من حيث الوقائع والطلبات فيمكن رفع دعوى جديدة بإدخال خصوم جدد وطلبات جديدة، ولا تقطع المدة المانعة من سماع الدعوى. 

٤- إن التفسير الذي نراه يجد سنده من خلال عنوان الفصل الذي نظم فيه المشرع اليمني الانعدام، حيث أن المشرع نظم الانعدام والبطلان في الفصل الثامن من الباب التمهيدي تحت عنوان (بطلان الإجراءات وانعدامها)، فلم ينظم المشرع الانعدام تحت عنوان (انعدام الخصومة) الذي يُعرض كانعدام للعمل الأخير منها وهو الحكم القضائي، وإنما نظمه تحت عنوان (انعدام الإجراءات) الذي يُراد به (انعدام الأعمال الإجرائية). كما أنه بالرجوع إلى النصوص القانونية التي تحكم جزاءات مشابهة نجد أن المشرع قد استعمل فيها مصطلح (إجراء) الذي يراد به (العمل الإجرائي)، ويتجلى ذلك من خلال تقريب نص المادة (55) مرافعات مع النصوص القانونية التي تحكم جزاء البطلان الذي يتشابه مع الانعدام في أوجه كثيرة والتي استعمل فيها المشرع مصطلح (إجراء) الذي يراد به (العمل الإجرائي)، حيث أن النصوص القانونية التي تحكم جزاء البطلان قد جعلت الأعمال الإجرائية هي المحل الذي يرد عليه جزاء البطلان سواءً الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي أو معاونوه أو الخصوم أو الغير.

٥ - إن التفسير الذي نراه يتفق مع الغاية التي قصد المشرع تحقيقها من وراء تقرير جزاء الانعدام بنص قانوني، بحيث يجب أن يستجيب ذلك الجزاء لهدف النظام الإجرائي الذي يعمل به، وهو ضمان احترام القاعدة الإجرائية وحسن سير المنظومة الإجرائية على نحو صحيح بعيداً عن المخالفات الجسيمة التي تجرد العمل من وجوده القانوني عند تخلف ركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده، وهذه الغاية متحققة سواءً في الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي أو غيرها من الأعمال الإجرائية التي ليست من عمل القاضي، وسواءً أكان ذلك العمل الإجرائي هو الحكم القضائي أو الخصومة بأكملها أو أي عمل من الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة؛ وذلك لاتحاد العلة، وهي العيب الجسيم الذي يفقد العمل صفته ووجوده. كما أن لكل عمل إجرائي من الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة غايته الخاصة التي تضاف إليها غاية مشتركة بينه وبين غيره من الأعمال الإجرائية الأخرى وهو تكوين الخصومة بوصفها عملاً إجرائياً. وكذلك أن مقتضيات وجود العمل الإجرائي ليست فقط عناصره الداخلية، بل يدخل فيها أيضاً مفترضاته ومن هذه المفترضات وجود الأعمال السابقة التي يعتمد عليها، ما يعني أن الانعدام لا يرد فحسب على الرابطة الإجرائية (الخصومة) برمتها الذي يُعرض كانعدام للعمل الأخير فيها وهو القرار القضائي (الحكم القضائي) وإنما يرد أيضاً على أي عمل إجرائي من الأعمال المكونة للخصومة كل منها على حدة. أضف إلى ذلك أن القول بورود الانعدام على أي عمل إجرائي من الأعمال المكونة للخصومة يؤدي إلى محاصرة عيب الانعدام منذ الوهلة الأولى للمحاكمة، وهذا يؤدي إلى تفادي السير في إجراءات مهددة بالزوال ما يوفر الجهد والوقت؛ لأنه قد يترتب أحياناً على انعدام أي عمل من الأعمال المكونة للخصومة زوال الخصومة وانعدامها هي والحكم الصادر فيها كانعدام المطالبة القضائية الذي يؤدي إلى انعدام الخصومة هي والحكم الصادر فيها، وبالتالي فلا يستقيم القول بحرمان كل ذي مصلحة التمسك أثناء نظر الدعوى بانعدام الدعوى لرفعها ضد شخص متوفى إلا بعد صدور الحكم فيها لأن هذا فيه ضياع للجهد والوقت. 

كما أن التفسير الذي نراه يتفق مع ما ذهب إليه الفقه العربي الغالب من أن الانعدام مثله مثل البطلان في قانون المرافعات قد يرد على الأعمال التي يتكون منها الخصومة كل منها على حدة، وقد يرد على الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة كوحدة واحدة وفي هذه الحالة فإنه يعرض كانعدام للحكم القضائي.(د. فتحي والي- نظرية البطلان ص69، د. حسن علي حسين- الجزاء الإجرائي ص81، د. طلعت يوسف خاطر- الانعدام في قانون المرافعات ص35، د. غنام محمد غنام- الانعدام في قانون الإجراءات الجنائية ص14، د. عبد الحكم فوده- البطلان في قانون الإجراءات الجنائية ص54، د. أحمد عبدالحميد- الانعدام في قانون الإجراءات الجنائية ص98، د. عبدالفتاح الصيفي- النظرية العامة للقاعدة الإجرائية ص105). ويتفق أيضاً مع ما ذهب إليه أغلب فقهاء وشراح قانون المرافعات اليمني من أن جزاء الانعدام يرد على العمل القضائي الذي يقوم به القاضي ويرد أيضاً على الأعمال الإجرائية الأخرى التي ليست من عمل القاضي والتي تُعد جزءاً من العمل القضائي الذي يقوم به القاضي. (د.سعيد خالد الشرعبي- أصول القضاء المدني ص304، د. نجيب الجبلي- قانون المرافعات اليمني ص432، د. إبراهيم محمد الشرفي- شرح قانون المرافعات ص235، ق. محمد نعمان الأمير- تنظيم البطلان في قانون المرافعات). ويتفق كذلك مع ما ذهب إليه أغلب الفقه الإجرائي العربي واليمني من أنه يأخذ حكم عدم وجود الإعلان إعلان الخصم بإعلان منعدم من الناحية القانونية الذي يؤدي إلى عدم انعقاد الخصومة وانعدام كافة إجراءاتها والحكم الصادر فيها؛ لأن الإعلان المنعدم ليس له أي وجود قانوني ولا يرتب أي أثر قانوني ولا تنعقد به الخصومة ومن ثم تنعدم جميع الإجراءات المتخذة فيها والحكم الصادر فيها. (د. طلعت يوسف خاطر- نظرية الانعدام في قانون المرافعات ص61، د. خيري عبد الفتاح- نظرية الانعدام الإجرائي ص96، د. غنام محمد غنام- نظرية الانعدام ص191، د. أحمد أبو الوفا- نظرية الدفوع ص72، د. أحمد عبد الحميد- الانعدام الإجرائي في قانون الإجراءات الجنائية ص255، د. محمد محمود إبراهيم- أصول صحف الدعاوى ص309، د. هشام رشاد هيكل- انعدام الحكم القضائي ص146، د. أحمد السيد صاوي- الوسيط ص579، د. نبيل إسماعيل عمر- الارتباط الإجرائي في قانون المرافعات ص16، د. سعيد الشرعبي- أصول القضاء المدني ص471، د. نجيب الجبلي- قانون المرافعات ص452- 453).

وبناءً على ما سبق فإنه يدخل في طائفة الأعمال الإجرائية التي يرد عليها جزاء الانعدام الأعمال القانونية التي يقوم بها القاضي، سواءً تمثلت في الأحكام أم القرارات أم الأوامر، وسواءً أكانت صادرة قبل الفصل في الموضوع أم فاصلة فيه أم متعلقة بمرحلة التنفيذ، وسواءً أكانت صادرة في خصومة أم صادرة دون خصومة كأوامر الأداء والأوامر على عرائض. ويدخل أيضاً في طائفة الأعمال الإجرائية التي يرد عليها جزاء الانعدام الأعمال القانونية التي يقوم بها الأشخاص الإجرائيون في الخصومة والتي تؤثر فيها، سواءً أكانوا الخصوم أو وكلاءهم أم أعوان القضاء كالكتبة والمحضرين أم الغير الذي ليس طرفاً في الخصومة كالخبير الذي يقوم بعمل بناءً على تكليف من القاضي في خصومة قائمة والشاهد الذي يؤدي شهادة في خصومة قائمة. كما يدخل في طائفة الأعمال الإجرائية التي يرد عليها جزاء الانعدام الأعمال القانونية التي تتم في الخصومة التحكيمية وتؤثر فيها بغض النظر عن شخص القائم بها، سواءً أكان المحكم أم الخصوم أم الغير، والأمر كذلك بشأن الأعمال القانونية التي تتم في الخصومة أمام جهات القضاء الخاص أو الاستثنائي وتؤثر فيها.

والله ولي الهداية والتوفيق، ، ،