بطلان الإجراء الجـزائي في القانون اليمني ((دراسة مقارنة))

الأستاذ. الدكتور/ منير محمد علي الجوبي أستاذ القانون الجنائي المشارك

11/1/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

قال تعالى: 

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾.

سورة محمد، الآية (3)

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾.

سورة محمد، الآية (33)

 

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.

سورة الإسراء، الآية (81)

 

صدق الله العلي العظيم

 

المقدمــة

تهدف الإجراءات الجنائية إلى معرفة الحقيقة عن الجريمة لتوقيع الجزاء على مرتكبيها أو الحكم ببراءة البريء، ومن ثم يجب اتباعها وفقاً لما نظمه المشرع تحقيقاً للغرض منها، ولكن قد يسلك الأشخاص المعهود إليهم ممارسة الإجراءات الجنائية أثناء قيامهم بأعمالهم مسلكاً يكونون قد أغفلوا وخالفوا ما رسمته القواعد الإجرائية، مما يجب معه وضع جزاء يترتب على مخالفة القاعدة الإجرائية يتمثل في حرمان من باشر الإجراء المخالف من بلوغ الغاية التي يستهدفها الإجراء، وذلك بإهدار الأثر القانوني للعمل الذي تم مخالفاً للقاعدة الإجرائية[1].

ويترتب على تقرير البطلان آثار هامة، منها ما يتعلق بالإجراء الباطل ذاته، ومنها ما يتعلق بالإجراءات المتصلة به، سواءً كانت سابقة أم لاحقة، فمتى تقرر بطلان إجراء معين وجب استبعاد الدليل المستمد منه، كما أن من المتفق عليه أن الدليل اللاحق لهذا الإجراء يتأثر بالبطلان إذا كان مترتباً مباشرة من الدليل الناجم عن الإجراء الباطل، فينهار هو الآخر ويتعين إهداره.

لذا، تقرر غالبية التشريعات عدد من الجزاءات في مواجهة الإجراءات غير المشروعة، التي يباشرها ممثلو السلطة ضد الحرية الشخصية للمتهم، فهناك الجزاء التأديبي كالتنبيه والإنذار ولفت النظر، والجزاء المدني كالتعويض والرد والمصادرة، والجزاء الجنائي الذي يتمثل في فرض العقوبة الجنائية على الموظف الذي يحقق في تصرفه النموذج القانوني لجريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون العقابي، والجزاء الإجرائي من أهم أنواع الجزاءات المقررة لمخالفة شرعية الإجراءات الجزائية، وأهم صور هذا الجزاء هو البطلان.

ويلاحظ أن الجزاء الإجرائي يختلف عن غيره من الأنواع الأخرى من الجزاءات في أمرين:

الأول: أن الجزاء الإجرائي موضوعي الأثر، بمعنى أنه لا ينال من شخص من باشر الإجراء، وإنما يرد على العمل.

الثاني: أن الجزاء الإجرائي يؤدي إلى سلب العمل الإجرائي المعيب آثاره القانونية, ويرد على المخالف قصده من المخالفة، بخلاف الجزاءات الأخرى التي تنطوي على عنصر الألم أو التعويض.

وليس من شك أن العمل الإجرائي المخالف قد تصيبه جزاءات أخرى غير البطلان، كالانعدام، أو السقوط، أو عدم القبول، وإن كان البطلان هو أهم هذه الجزاءات الإجرائية، ولذلك سيكون حديثنا منصباً عليه.

وإذا كان البطلان جزاء إجرائي عرفته التشريعات ذوات الأصل اللاتيني، وأفردت له نظرية ساهم في تأصيلها الفقه والقضاء، فإن التشريعات ذوات الأصل الأنجلوسكسوني لم تعن كثيراً بإيجاد نظرية محددة المعالم للبطلان كجزاء إجرائي، وعرفت ما يسمى بقاعدة الاستبعاد، وهذه القاعدة وجدت أساساً لها في قواعد القانون العام ونصوص التشريع.

أولاً: مشكلة البحث

إن نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجزائية من النظريات الهامة، والتي اختلف الفقه حول أساسها وتباينت أحكام القضاء فيها أحياناً؛ لأنها تمس حقوق وحريات الأفراد.

فأعمال القبض والتفتيش وحبس المشتبه به وغير ذلك تنتقص من حقوق وحريات الأفراد، حيث أن الأصل في المتهم البراءة حتى تثبت إدانته، والبطلان جزاء لكل إجراء يأتي على خلاف القانون، بما يمس هذه الحقوق والحريات بكافة صورها.

وتبرز مشكلة الدراسة أيضاً في وجود ثغرات إجرائية في قانون الإجراءات الجزائية سنحاول من خلال دراستنا سد هذه الثغرات، وحيث يتضح أن خطاب البطلان موجه من المشرع، والذي بدوره يقوم بالصياغة القانونية للإجراءات بصورة دقيقة وتجنب الصياغة التي فيها لبس في توصيف الإجراءات، وهذا أمر على قدر كبير من الأهمية.

كما تظهر مشكلة البحث في وجود جزاءات إجرائية أخرى تتشابه مع البطلان، فكيف يتم التمييز بين البطلان وغيره من الجزاءات الإجرائية الأخرى، كالانعدام، والسقوط، وعدم القبول، ولهذا يجب وضع معايير وضوابط قانونية للتفرقة بين البطلان كجزاء إجرائي وغيره من الجزاءات الأخرى، لاسيما أنها تتشابه كثيراً، حتى تكاد أن تكون متداخلة مع بعضها البعض، أو تكون كل واحدة من هذه الجزاءات مكملة للأخرى، إلا أن البطلان هو الجزاء الإجرائي الأكثر شيوعاً، كما أن هناك صعوبة تتجلى على الصعيد التشريعي، وهي صعوبة الأخذ بإحدى نظريتي البطلان القانوني أو الجوهري (الذاتي)، وكذلك غموض معايير تمييز الإجراء الجوهري، ومن أبرز هذه المعايير: معيار الغاية من الإجراء، ومعيار المصلحة العامة, ومعيار حقوق الخصوم، وهذه المعايير متداخلة مع بعضها البعض، وليس لها تحديد تشريعي.

ثانياً: أهمية البحث

تظهر أهمية البحث في النقاط الآتية:

-    البطلان جزاء إجرائي لكنه ليس الجزاء الإجرائي الوحيد، ومن هنا تبدو أهميته وإشكالية تمييزه عن غيره من صور الجزاءات الأخرى.

-    البطلان يلحق كل إجراء معيب، والعيب الإجرائي هو نتيجة عدم المطابقة بين الإجراء الواقع وبين نموذجه الموصوف قانوناً، وهو أمر مهم، إذ أن القواعد القانونية قاطبة ما وضعت إلا لكي تطبق على النحو المنصوص عليه قانوناً.

-    أن البطلان يجرد الإجراء المعيب من آثاره القانونية، ولكن اعتبارات تفعيل العدالة قد تقضي تارة بوجوب إعادة الإجراء المعيب، وتارة أخرى بجواز تصحيحه، ونحن في الحالتين أمام ترشيد الإجراءات الجزائية، وهو أمر مقبول.

-    القائمون على تنفيذ وتطبيق النصوص الإجرائية مطالبون بدورهم بتنفيذ صارم وأمين وتطبيق واعٍ لهذه النصوص، ولعل الإلمام بحالات البطلان وأسبابه يفيد هؤلاء في حسن إجراء عملية المطابقة بين الإجراء مثلما تتم مباشرته وبين نموذجه المرسوم قانوناً، وبهذا يتم ترشيد الإجراءات ودفعها على نحو سليم إلى غايتها.

-    البطلان لا يعني إنهاء الحكم وتبرئة المتهم وتفويت حق المجتمع في العقوبة فحسب، بل قد يؤدي إلى إعادة مباشرة الإجراء وتصحيحه.

-    تتسم الإجراءات الجزائية بكونها في الغالب استعمال لوسائل القهر والإكراه من جانب سلطة عامة في مواجهة الأفراد، وتحمل هذه السمة مخاطر الافتئات على الحقوق والحريات الفردية، ولهذا تبدو أحد مظاهر أهمية موضوع البطلان في أنه جزاء إجرائي ضامن لهذه الحقوق والحريات، فأعمال القبض وتفتيش المنازل وضبط المراسلات والتنصت الهاتفي وحبس المشتبه فيه، ولو لم يحكم عليه نهائياً تمثل في حقيقتها إهداراً لحرية الشخص في التنقل وحرمة حياته الخاصة وحقه في افتراض براءته، من هنا يبدو من الأهمية بمكان تقييد هذه الإجراءات، وإحاطتها بضمانات، ولن يكفل احترام تلك القيود والضمانات سوى تقرير بطلان كل إجراء يتم بالمخالفة لها.

ثالثاً: أهداف البحث

يرمي الباحث من خلال دراسته إلى تحقيق الأهداف الآتية:

-    بيان المقصود بالبطلان ومذاهبه وأنواعه.

-    التمييز بين البطلان والجزاءات الإجرائية الأخرى (الانعدام، السقوط، عدم القبول).

-    إظهار أسباب بطلان الإجراء الجزائي.

-    استقراء دور القضاء في تحديد أسباب البطلان.

-    تحديد المعايير التي تميز بين البطلان المطلق والبطلان النسبي.

-    معرفة الآثار المترتبة على بطلان الإجراءات.

-    إظهار القيمة العلمية لقواعد قانون الإجراءات الجزائية بتحويل هذه القواعد القانونية من قواعد نظرية إلى قواعد إجرائية لها دور في سير الدعوى حتى تنتهي بصدور حكم بأن يفصل في الموضوع.

 

رابعاً: تساؤلات البحث

تثير الدراسة السؤال الرئيس الآتي:

هل كل مخالفة إجرائية تجيز أو توجب تعييب الإجراء وتستدعي تقرير بطلانه؟

ويتفرع عن هذا السؤال الأسئلة الفرعية الآتية:

-    ما المقصود بالبطلان؟ وما مذاهبه؟ وأنواعه؟

-    ما الفرق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي؟

-    ما معايير التمييز بين البطلان القانوني والبطلان الذاتي؟

-    ما الآثار المترتبة على بطلان الإجراء المخالف؟

-    كيف يمكن الحد من الإجراءات المعيبة؟

خامساً: منهج البحث

سوف اتبع في إعداد هذا البحث المنهج الوصفي والتحليلي والمقارن من خلال استخلاص الأفكار المتعلقة بموضوعه من المؤلفات العامة, والرسائل العلمية، والأبحاث والمقالات والدوريات المتخصصة من جهة، وتجميع النصوص القانونية ومقارنتها بالتشريع المصري لمعرفة الأحكام التشريعية لمواضيع البحث المختلفة من جهة أخرى، بالإضافة إلى الرجوع إلى أحكام القضاء لاستخلاص الاتجاه القضائي من جهة ثالثة.

سادساً: خطة البحث

قسم الباحث دراسته إلى ثلاثة مباحث كالآتي:

المبحث الأول: ماهية البطلان.

المطلب الأول: المقصود بالبطلان.

المطب الثاني: مذاهب البطلان.

المطلب الثالث: التمييز بين البطلان والجزاءات الإجرائية الأخرى.

المبحث الثاني: أنواع البطلان.

المطلب الأول: البطلان المتعلق بالنظام العام (البطلان المطلق).

المطلب الثاني: البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم (البطلان النسبي).

المبحث الثالث: آثار البطلان.

المطلب الأول: أثر البطلان على الإجراء المخالف.

المطلب الثاني: أثر البطلان على الإجراءات السابقة.

المطلب الثالث: أثر البطلان على الإجراءات اللاحقة.

المطلب الرابع: الحد من آثار البطلان.

 

المبحث الأول 
ماهية البطلان

تمهيد وتقسيم:

الدعوى الجزائية هي مجموعة الأعمال الإجرائية التي تهدف إلى التحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، وهي بذلك تشمل جميع الإجراءات التي تباشر منذ أول عمل من أعمال التحقيق حتى صدور حكم بات، والعمل الإجرائي لكي يكون صحيحاً لابد من توافر شروط موضوعية تتعلق بالإرادة والأهلية الإجرائية، وما يتطلبه القانون من شروط خاصة بالمحل المنصب عليه العمل وسبب القيام به وشروط شكلية تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه العمل الإجرائي.

وإذا توافر في العمل الإجرائي الشروط القانونية المتعلقة به سواءً من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية كان صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية، أما إذا تخلف عن العمل الإجرائي شرط من الشروط القانونية فإنه يعد مخالفاً للقانون، ويسمى الجزاء الإجرائي (البطلان).

وسنقوم ببحث هذا الموضوع في ثلاثة مطالب، نبين في الأول المقصود بالبطلان، ونوضح في الثاني مذاهب البطلان، ونخصص الثالث لتمييز البطلان عن غيره.

المطلب الأول 
المقصود بالبطلان

سنوضح في هذا المطلب تعريف البطلان في الفقه القانوني والشرعي في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول 
تعريف البطلان في الفقه القانوني

البطلان هو «جزاء لتخلف كل أو بعض شروط صحة الإجراء الجنائي، ويترتب عليه عدم إنتاج الإجراء آثاره والمعطاة في القانون»[2].

كما عُرف بأنه: «جزاء إجرائي يستهدف كل عمل إجرائي لا يتوافر فيه عنصر أو أكثر من العناصر الجوهرية التي يستلزمها فيه القانون، ويترتب عليه عدم إنتاجه الآثار القانونية التي ترتبها القاعدة الإجرائية عليه إذا كان كاملاً، ولذلك فهو يعد أبلغ الجزاءات الإجرائية أثراً، إذ به يعدم العمل الإجرائي المعيب ويصبح كأن لم يكن، كما أنه الوسيلة العملية في التشريعات الحديثة لتحقيق سلامة العدالة أو هيبتها في جميع مراحل الدعوى»[3].

كما عرفه البعض بأنه: «إحدى صور الجزاءات التي تلحق الإجراء المعيب، أي العمل الإجرائي الذي يتخذ في إطار الخصومة الجنائية، وفي المرحلة السابقة عليها والممهدة لها، وهي مرحلة الاستدلال، متى افتقر هذا العمل إلى أحد مقوماته الموضوعية، أو تجرد من أحد شروطه الشكلية، ويترتب على بطلانه الحيلولة دون ترتيب الآثار القانونية التي كان يمكن ترتيبها فيما لو وقع صحيحاً»[4].

ويُعرف البطلان بأنه: «جزاء مخالفة المطابقة بين الإجراء الواقع وبين الإجراء المرسوم قانوناً، ويعد الوسيلة العملية لتحقيق سلامة العدالة وهيبتها في جميع مراحل الدعوى الجنائية»[5].

ويتضح من هذه التعريفات أن البطلان يعد أثراً يترتب على عدم توافر شروط صحة الإجراء الجنائي، وهو بهذا المعنى يوصف بأنه جزاء إجرائي تمييزاً له عن الجزاءات غير الإجرائية المتمثلة في العقوبات الجنائية، أو المدنية، أو التأديبية، غير أنه من ناحية أخرى يجب ألا يؤدي تقرير البطلان إلى تعقيد الإجراءات وتأخير سير الدعوى الجزائية دون جدوى، لذلك حرص قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم (150) لسنة 1950م على تأكيد أن البطلان يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري (المادة 331) ويقابل ذلك نص المادة (396) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة 1994م[6].

فالبطلان جزاء إجرائي يقرره قانون الإجراءات الجزائية كأثر لتخلف كل أو بعض القواعد الجوهرية التي يتطلبها المشرع لصحة العمل الإجرائي سواءً من ناحية الشكل أم من ناحية الموضوع والجوهر، أما القواعد غير الجوهرية فلا يترتب على مخالفتها البطلان[7].

الفرع الثاني 
تعريف البطلان في الفقه الإسلامي

لقد وردت في القرآن الكريم آيات تضمنت لفظ البطلان ومشتقاته من ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[8]، وقوله عز وجل: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾[9]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[10]، تلك الآيات وغيرها جاء بها لفظ الباطل في جانب يغلب عليه معنى العقيدة والعبادات وما يتعلق بها، وهناك آيات أخرى جاءت خاصة بالشطر الذي يغلب على التعامل[11]، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ...﴾[12].

ولا يختلف تعريف البطلان[13] في الشريعة عما عليه في القانون، فقد جاء في تبيين الحقائق معنى الباطل في معرض الكلام عن البيع: «البيع أربعة أقسام، صحيح وهو المشروع بأصله ووصفه ومعتبر الحكم بنفسه، وباطل وهو غير مشروع أصلاً»[14].

وهذا النص يفيد أن الباطل هو ذلك الأمر غير المشروع والوارد على صورة غير مطابقة لما أمر به الشارع، فهو غير مشروع بأصله ومن ثم فإنه مضمحل من أساسه ولا ينتج أثراً، وهو أيضاً ذلك الأمر الذي جاء على صورة مخالفة للصورة الشرعية الصحيحة وكان مخالفاً لها في الأصل والوصف جميعاً[15].

ومما سبق يمكن تعريف البطلان بأنه: «جزاء إجرائي يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري، ويستوي في هذا أن تكون هذه الأحكام خاصة بمضمون وجوهر الإجراء أو بالشكل الذي يصاغ فيه».

المطلب الثاني 
مذاهب البطلان

تعددت النظريات الفقهية التي قيل بها بشأن تقدير صحة وبطلان الإجراءات عند المخالفة وفقاً لتباين السياسة التشريعية للدول، فالمذهب الأول يحدد فيه المشرع حالات البطلان، ويسمى بالبطلان القانوني، أما المذهب الثاني فيقرر البطلان كجزاء لمخالفة القواعد الإجرائية الجوهرية، وهو ما يعرف بمذهب البطلان الذاتي، وسوف نبين مضمون هذه المذاهب مع بيان موقف القانون اليمني والقانون المصري من هذه المذاهب في الفروع الآتية:

الفرع الأول 
مذهب البطلان القانوني[16]

بمقتضى هذا المذهب لا يجوز الحكم بالبطلان دون نص صريح يقرر البطلان عند مخالفة الإجراء أو إغفاله، فالمشرع هو الذي يتولى بنفسه تحديد حالات البطلان[17]، بحيث لا يجوز للقاضي أن يقرر البطلان في غير هذه الحالات، ويترتب على ذلك نتيجتان، أولاهما: أن القاضي لا يستطيع أن يقرر البطلان كجزاء لمخالفة قاعدة لم يقرر لها المشرع البطلان، ثانيهما: أن القاضي لا يملك سلطة تقديرية في تقرير البطلان، فلا يملك القضاء به إذا كان المشرع لم ينص عليه، كما لا يملك إغفال القضاء به إذا كان المشرع قد نص على توقيعه صراحة[18]، وميزة هذا المذهب أنه يحول دون تحكم القاضي وتعسفه في تحديد أحوال البطلان، وبذلك يتأكد مبدأ الشرعية الإجرائية، إلا أنه من ناحية أخرى من المتعذر على المشرع أن يحصر مقدماً أحوال البطلان، فهناك حالات يتعين فيها ترتيب البطلان على مخالفتها على الرغم من عدم اقترانها بهذا الجزاء[19].

الفرع الثاني 
مذهب البطلان الذاتي

مضمون هذا المذهب أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في تحديد القواعد التي يترتب على مخالفتها البطلان، وتلك التي لا يؤدي مخالفتها إلى هذا الأثر بدلاً من تقيده بنصوص جامعة، فهناك حالات يتعين فيها ترتيب البطلان على مخالفتها على الرغم من عدم النص على هذا البطلان[20].

ومن مزايا هذا المذهب أنه يقر بعدم إمكان حصر جميع حالات البطلان مقدماً في قواعد تشريعية محددة، ولذلك يترك الأمر لتقدير القضاة بالنسبة للإجراءات الجوهرية التي يجازى على مخالفتها بالبطلان، فهو مذهب يتصف بالمرونة، وعيب هذا المذهب أنه يواجه مشكلة التمييز بين القواعد الإجرائية الجوهرية وغير الجوهرية، فالمشرع لم يضع لذلك معياراً محدداً وإنما ترك الأمر للقضاء والفقه، بالبحث عن الغاية من النص وأهميته، وكان من شأن ذلك صعوبة تحديد المقصود بالبطلان الذاتي، وهو ما يرجع إلى غموض تحديد جوهرية بعض القواعد، فيترك بذلك مجالاً للخلاف في الآراء وتضارب الأحكام[21].

الفرع الثالث 
موقف المشرعين المصري واليمني من مذاهب البطلان

وضع المشرع الإجرائي المصري في ظل قانون الإجراءات الجنائية الحالي رقم (150) لسنة 1950م نظرية عامة للبطلان ضمنها المواد (331-337) وأخذ فيها بمذهب البطلان الذاتي عند مخالفة القواعد الأساسية أو الجوهرية، وقد قرر ذلك في المادة (331) إ.ج والتي تنص على أنه: «يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري«، كما ميز المشرع بين البطلان المطلق مادة (332)، والبطلان النسبي المادة (333)، وأقام ضابط التمييز بينها على اتصال الأول بالنظام العام وتعلق الثاني بمصالح أطراف الدعوى[22].

بينما عالج قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) 1994م موضوع البطلان في المواد (396-404) واعتنق مذهبي البطلان الذاتي والقانوني، وقد قرر ذلك في المادة (396) التي نصت على أنه: »يقع باطلاً كل إجراء جاء مخالفاً لأحكام هذا القانون، إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا كان الإجراء الذي خولف أو أُغفل جوهرياً».

فنستطيع القول أن المشرع اليمني أخذ بالمذهب المختلط الذي يجمع بين كل من البطلان القانوني والبطلان الذاتي محاولاً تلافي الانتقادات التي وجهت إلى كل منهما.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول بأن كل إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائي أو عضو النيابة أو القاضي، ويُعد انتهاكاً للقواعد الإجرائية التي تمس حقوق الأفراد وحرياتهم أو حرمة حياتهم الخاصة، ومساساً بسلامتهم الجسدية، يترتب عليه البطلان بقوة القانون كجزاء على مخالفة القواعد الإجرائية، وكذلك الإجراءات التي يتخذها وتُعد مخالفة للنصوص الدستورية التي تحمي الحرية الشخصية وحقوق الأفراد وحرمة حياتهم الخاصة[23].

كما أن جميع الإجراءات والأعمال التي يجريها مأمور الضبط القضائي خارج نطاق الاختصاص المكاني أو النوعي أو تكون غايتها غير مشروعة وتتعلق بحريات الأفراد وحقوقهم، وتُعد انتهاكاً لقواعد جوهرية في قانون الإجراءات، ومثال ذلك القبض أو تفتيش المنازل دون إذن قضائي، كما يترتب على ما سبق بطلان استخدام الوسائل العلمية الحديثة، وكذلك التقليدية في جميع مراحل الدعوى الجزائية، بسبب ما تحمله هذه الأساليب والوسائل بين طياتها من تعد على السلامة الجسدية والضمير الإنساني وحق الفرد في خصوصياته[24].

وخلاصة القول، أن أي إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائي أو عضو النيابة أو القاضي وفيه انتهاك لحقوق الأفراد وحرياتهم، ومساس بسلامتهم الجسدية أو انتهاك لحرمة حياتهم الخاصة أو حرمان من حقوق الدفاع فإنه يعد إخلالًا بقاعدة جوهرية يترتب عليه البطلان[25].

المطلب الثالث 
التمييز بين البطلان وغيره من الجزاءات الإجرائية

إذا كان البطلان من أهم الجزاءات الإجرائية، إلا أنه ليس الجزاء الإجرائي الوحيد، وإنما هناك جزاءات إجرائية أخرى هي الانعدام، والسقوط، وعدم القبول، ولذلك تعين علينا التمييز بينهما وبين البطلان في الفروع الآتية:

الفرع الأول 
البطلان والانعدام

أولاً: تعريف الانعدام[26].

الانعدام هو جزاء عدم توافر أركان العمل القانوني، فيكون هذا العمل غير قائم أصلاً[27]، ولا ينتج العمل المنعدم أثراً قانونياً لأنه غير موجود، ولا يتوقف تحديده على نص تشريعي، وقد قيل في سبب ذلك أن القانون لا ينص على ما هو غير موجود، فهو لا يعني إلا بتنظيم الأعمال التي تنتج آثاراً قانونية، أما الأعمال المعدومة فهي لا تحتاج إلى تقرير[28].

والعمل الإجرائي يعد منعدماً إذا شابه عيب يمس وجوده القانوني والإجرائي، وذلك بسبب الإخلال بمصدره القانوني، وإذا تمت مباشرته دون أن تنشأ الخصومة الجنائية فيفقد بذلك العمل الإجرائي جوهره القانوني[29].

ثانياً: التمييز بين البطلان والانعدام.

يتميز البطلان عن الانعدام في النقاط الآتية:

-    لم ينظم القانون الانعدام كجزاء لتخلف جوهر العمل الإجرائي أو مصدره القانوني، وإنما نص على البطلان كجزاء يترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية، وذلك يرجع إلى أن الانعدام لا يحتاج إلى تنظيم المشرع؛ لأنه تقرير للواقع لا يحتاج إلى النص عليه، هذا بخلاف البطلان فهو يتوقف على تنظيم المشرع كجزاء إجرائي يترتب على مخالفة القواعد الخاصة التي يقوم عليها العمل الإجرائي ذاته[30].

-    الانعدام يعنى بحكم طبيعته أن العمل غير موجود، وبالتالي فلا أثر له، أما البطلان فإنه يعني أنه لا يتجرد العمل من آثاره القانونية إلا بناءً على أمر القضاء[31]، وأن الانعدام يفترض عيباً يصل إلى حد نفي أحد مقومات العمل الإجرائي الذي يعطي وجوداً قانونياً، بينما البطلان يقتصر على نفي أحد شروط صحة العمل الإجرائي دون أن يصل الأمر إلى المساس بوجود العمل الإجرائي[32].

-    يفترض البطلان نشوء الخصومة الجنائية صحيحة، وأن هناك إجراء بوشر في نطاقها لم تراع بشأنه القواعد الجوهرية المنصوص عليها، أما الانعدام فهو يفترض دعوى لم تتوافر بالنسبة لها مقومات نشوء الخصومة الجنائية صحيحة, وبالتالي فهو لا ينصرف إلى إجراء بعينه، وإنما ينصرف إلى الخصومة الجنائية بأكملها أو مرحلة من مراحلها[33].

-    يترتب الانعدام بقوة القانون، بينما لا يتقرر البطلان إلا بحكم من القضاء، ولهذا فإن الحكم المنعدم لا يكتسب في جميع الأحوال حجية ما، ولا يكون من صدر ضده بحاجة إلى الطعن فيه بطرق الطعن المقررة في القانون، ويكفيه أن يستشكل في تنفيذه إذا ما شرع فيه، أما الحكم الباطل فيكتسب الحجية بتفويت مواعيد الطعن فيه، فيكون لزاماً على المحكوم عليه إذا أراد أن يجرده من آثاره القانونية أن يطعن فيه في الميعاد، وفضلاً عن ذلك، فإن الإجراء الباطل باعتباره إجراء يعترف القانون بوجوده يقبل التصحيح في حدود معينة، وهذا بخلاف الإجراء المنعدم فهو بالنظر إلى عدم وجوده قانوناً لا يحتمل تصحيحه بأي وجه من الوجوه[34].

ثالثاً: أهمية التفرقة بين البطلان والانعدام[35].

-    يترتب الانعدام بقوة القانون والبطلان يحتاج في تقريره إلى قرار من القضاء.

-    الانعدام لا يقبل التصحيح، فهو شيء غير موجود لا يقبل الافتراض، هذا بخلاف البطلان، فإن مقتضيات الاستقرار القانوني قد تسمح بالتغاضي عنه، وافتراض صحة العمل القانوني.

-    يجوز لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان، وعلى القاضي أن يقرره من تلقاء نفسه.

الفرع الثاني 
البطلان والسقوط

سنبين في هذا الفرع المقصود بالسقوط وخصائصه ومعايير التمييز بينه وبين البطلان كالآتي:

أولاً: المقصود بالسقوط.

السقوط جزاء إجرائي يترتب على عدم ممارسة الحق في مباشرة عمل إجرائي معين خلال المهلة التي حددها القانون، وتتحدد هذه المهلة إما بميعاد معين أو بواقعة معينة[36].

فالقانون يحدد وقتاً لمباشرة عمل إجرائي معين، فإذا لم يباشر هذا العمل خلال هذا الوقت سقط الحق في مباشرته، ولذلك فالسقوط جزاء إجرائي يترتب على عدم ممارسة الحق في مباشرة عمل إجرائي معين لانقضاء الوقت المحدد لذلك قانوناً[37].

ثانياً: خصائص السقوط.

يتميز السقوط بالخصائص الآتية[38]:

1.    يرد على الحق في مباشرة عمل إجرائي معين، وليس على العمل ذاته.

2.    يقتصر على الحق في مباشرة الأعمال الإجرائية التي يقوم بها الخصوم دون القاضي، فإذا حدد القانون للقاضي ميعاداً معيناً للفصل في الدعوى فإن فوات هذا الميعاد لا يمنع المحكمة من وجوب الحكم في الدعوى, وعلة ذلك أن القانون لا يتوخى من هذا الميعاد أكثر من حسن سير العدالة لا سلب سلطة القاضي في الحكم بعد فوات هذا الميعاد، لأن الفصل في الدعوى واجب فرضه القانون على القاضي، وامتناعه عن أدائه يكون جريمة الامتناع عن القضاء.

3.   حدد القانون أسباب السقوط على سبيل الحصر لا على سبيل المثال.

4.   هو جزاء إجرائي ولا يعد تنازلاً ضمنياً عن مباشرة الحق، ومن ثم فلا محل للتحقق من علم الشخص بالحق الذي سقط أو سبب هذا السقوط، واستثناءً من ذلك فقد أجاز القانون مد مواعيد الطعن بسبب المسافة، أو بسبب العذر القهري، في هذه الحالة يمتد حق الشخص فترة أخرى.

ثالثاً: التمييز بين البطلان والسقوط.

ينحصر الخلاف بين السقوط والبطلان فيما يأتي[39]:

-    البطلان يفترض وجود عيب في الإجراء يمس صحته الإجرائية، أما السقوط فلا يفترض وجود عيب، وإنما يفترض أن الإجراء الذي سقط الحق في مباشرته إجراء صحيح في الغالب.

-    السقوط يرد على الحق في مباشرة العمل الإجرائي، بينما البطلان على العمل الإجرائي ذاته.

-    يتقرر البطلان لمخالفة العمل الإجرائي القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية، بينما السقوط جزاءً لمخالفة قاعدة تقرر وقتاً معيناً لمباشرة العمل الإجرائي.

-    يجوز تجديد الإجراء الباطل، أما السقوط فإنه يفترض انقضاء الحق في مباشرة العمل، مما يتعذر معه تجديده.

-    لا ينتج البطلان أثره إلا إذا تقرر بحكم، في حين أن السقوط يتم بقوة القانون، ولا محل للتحقق من علم الشخص بالحق الذي سقط، أو بسبب هذا السقوط.

الفرع الثالث 
البطلان وعدم القبول

سنوضح في هذا الفرع المقصود بعدم القبول ومعايير التمييز بينه وبين البطلان كالآتي:

أولاً: تعريف عدم القبول.

عدم القبول هو جزاء إجرائي يرد على الدعوى الجزائية أو غيرها من طلبات الخصوم إذا لم تستوف أحد شروط تحريكها واستعمالها في بداية كل مرحلة من مراحل الخصومة، فإذا لم يستوف أحد تلك الشروط تعين الحكم بعدم القبول، وبناءً على ذلك فإن عدم القبول ليس جزاءً إجرائياً ينصب على إجراء معين، وإنما هو بمثابة رفض الفصل في موضوع الطلب أو الدعوى، ولذلك لا يرد على إجراء معين وإنما يرد في الغالب على الدعوى الجزائية ككل أو مرحلة من مراحلها[40].

ثانياً: التمييز بين عدم القبول والبطلان والسقوط[41].

يتميز عدم القبول عن غيره من الجزاءات الأخرى بما يأتي[42]:

-    يرد البطلان على العمل الإجرائي، أما السقوط فيرد على الحق في مباشرة العمل الإجرائي، بينما عدم القبول يفترض رفض الفصل في موضوع الطلب أو الدعوى لعدم توافر الشروط التي يتطلبها المشرع لذلك الفصل، إذاً فعدم القبول يرد على الدعوى أو الطلب، ولا يرد على إجراء معين.

-    يتعلق عدم القبول بالنظام العام لاتصاله بولاية القاضي للحكم في موضوع الدعوى ولذلك فإنه يجب أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، كما أنه يجوز التمسك به من قبل الخصوم في أية مرحلة من مراحل الدعوى، بل ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط ألا يتطلب تحقيقاً موضوعياً لا يجوز لمحكمة النقض مباشرته.

-    القضاء بعدم القبول لا يحول دون تجديد الدعوى على نحو يتلافى العيب الذي شاب الإجراء إذا توافرت الشروط التي كانت منتفية وكان الحق في اتخاذ الإجراء مازال قائماً[43].

المبحث الثاني 
أنواع البطلان

تمهيد وتقسيم:

جرى الرأي في نطاق البطلان على التمييز بين نوعين هما: البطلان المطلق والبطلان النسبي، كما جرى الفقه والقضاء على إطلاق وصف المطلق على البطلان المتعلق بالنظام العام، والنسبي على ذلك المتعلق بمصلحة الخصوم، وهذا الإطلاق غير دقيق في الوقع.

ولقد قسم المشرعان المصري واليمني أنواع البطلان إلى نوعين، أولهما: البطلان المتعلق بالنظام العام، وثانيهما: البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم، ويسمى البطلان في الحالة الأولى بالبطلان المطلق، وفي الحالة الثانية بالبطلان النسبي، وهو ما سنوضحه في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول 
البطلان المتعلق بالنظام العام (البطلان المطلق)

سنوضح في هذا المطلب المقصود بالبطلان المطلق ومعاييره وأحكامه في الفروع الآتية:

 

الفرع الأول 
المقصود بالبطلان المطلق

البطلان المطلق هو «البطلان المتعلق بالنظام العام، وهو البطلان الذي يتقرر جزاء لمخالفة قاعدة إجرائية تتعلق بالنظام العام، أي تستهدف بالدرجة الأولى تحقيق مصلحة عامة[44].

فالبطلان المطلق هو الذي يترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراءات الجوهرية المتعلقة بالنظام العام[45]، وقد نصت عليه وحددت حالاته وبينت خصائصه وأحكامه المادة (332) إ.ج مصري، والمادة (397) إ.ج يمني، واللتان تحدثتا عن بعض أنواع القواعد المتعلقة بالنظام العام[46]، كما أضاف النصان السابقان عبارة «أو يعتبر ذلك مما هو متعلق بالنظام العام»، وهذا يدل على أن الأحوال التي ذكرت على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ولذلك أضافت إليها المذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية المصري أمثلة أخرى، وأشارت إلى مخالفة الأحكام المتعلقة بعلانية الجلسات، وتسبيب الأحكام، وحرية الدفاع، وحضور مدافع عن المتهم بجناية، وأخذ رأي المفتي عند الحكم بالإعدام، وإجراءات الطعن في الأحكام، وهذه الحالات التي أشارت إليها المدكرة الإيضاحية ليست سوى بعض الحالات المتعلقة بالنظام العام، إذ ليس في مقدور الشارع أن يحصر هذه الحالات، ولذلك ترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام، وما هو من قبيل المصالح الخاصة[47].

 

الفرع الثاني 
معيار البطلان المتعلق بالنظام العام

فكرة النظام العام هي من الأفكار السائدة في جميع فروع القانون، وتلعب دوراً مهماً في النظام القانوني، والاعتقاد السائد أن نظرية النظام العام تنطوي على فكرة عامة مجردة قد تترتب عليها نتائج بالغة الخطورة.

وقد كانت فكرة النظام العام محل تعريفات عديدة لم تفلح إحداها في الوصول إلى الغرض المنشود[48].

فذهب البعض إلى أن هذا المعيار يكمن في أهمية المصلحة المحمية بالقاعدة الإجرائية لا بنوعها، وقاضي الموضوع هو الذي يناط به تحديد هذه الأهمية، فالقاعدة التي تحمي مصلحة قدر القاضي أهميتها يترتب على مخالفتها البطلان المطلق، ويستوي أن تكون مصلحة عامة في تنظيم القضاء وحسن سيره أو مصلحة مهمة للمتهم أو غيره من الخصوم[49].

ويذهب رأي آخر في الفقه المصري إلى أن القواعد التي توفر الضمانات لحرية المتهم الشخصية بناءً على قرينة البراءة، وتلك التي تكفل الإشراف القضائي على الإجراءات الجنائية، هي قواعد تتعلق بالنظام العام، والبطلان المترتب على عدم مراعاتها بطلان مطلق[50].

والواقع من الأمر أنه إذا كان من العسير وضع معيار محدد للنظام العام، إلا أن النظر إلى أهمية المصلحة التي تحميها القاعدة الإجرائية يكون الأقرب إلى الصحة، ذلك لأن من القواعد المتعلقة بمصلحة الخصوم ما يعد متعلقاً بالنظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان[51].

الفرع الثالث 
أحكام البطلان المطلق

يتميز البطلان المطلق بالأحكام الآتية[52]:

1-  جواز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، ولكن يشترط في هذه الحالة الأخيرة ألا يحتاج الفصل في الدفع بالبطلان إلى تحقيق موضوعي لأنه أمر يخرج عن اختصاص محكمة النقض.

2-  لا يجوز التنازل عن البطلان المطلق بأية صورة من الصور، سواءً كان هذا التنازل صريحاً أم ضمنياً، وإذا تنازل الخصم جاز له أن يعاود الاحتجاج به.

3- أما من حيث صاحب المصلحة في التمسك بالبطلان فيجوز التمسك والدفع به من قبل اي خصم، ودون اشتراط توافر المصلحة كشرط للدفع، أي يجوز للخصم الدفع به ولو لم يكن له مصلحة مباشرة في تقرير البطلان، وذلك باعتبار أن مراعاة القواعد المتعلقة بالنظام العام إنما تقرر للصالح العام، ومن ثم يجوز التمسك بالبطلان من أي خصم في الدعوى.

4- تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب من الخصوم.

5- عدم قابليته للتصحيح عن طريق رضا الخصم الصريح أو الضمني بالإجراء الباطل غير أن البطلان المطلق رغم ذلك يصحح إذا كان الإجراء الباطل قد حقق الغرض المقصود منه رغم عدم مراعاة أحكامه.

6- لا يجوز الدفع بالبطلان المطلق إذا كان سبب البطلان راجعاً إلى خطأ الخصم أو كان قد ساهم فيه، فلا يجوز للمتهم أن يدفع بالإخلال بحقه في الدفاع لعدم استجوابه قبل الحبس الاحتياطي إذا كان هو قد امتنع عن الإجابة على الأسئلة التي وجهها إليه المحقق عند استجوابه.

المطلب الثاني 
البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم (البطلان النسبي)

سنتناول في هذا المطلب المقصود بالبطلان النسبي مع بيان أحكامه في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول 
المقصود بالبطلان النسبي

البطلان النسبي هو جزاء عدم مراعاة القواعد الجوهرية التي لا تتعلق بالنظام العام، وإنما تتصل بمصلحة الخصوم[53]، أي أن البطلان النسبي هو كل بطلان ليس مطلقاً، ومن هذه الفكرة يستخلص الضابط في البطلان النسبي وهو أن البطلان الذي ينال الإجراء المخالف لقاعدة تحمي مصلحة يقدر القضاء أنها أقل أهمية من أن تبرر البطلان المطلق، ويعني ذلك أن ضابط أهمية المصلحة هو الذي يحدد بدوره حالات البطلان النسبي[54].

ولقد أشار الشارع إلى البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم في المادة (333) إ.ج مصري التي تنص على أنه: «... يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محامٍ أو حصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه...»، والمادة (398) إ.ج يمني التي تنص على أنه: «في غير أحوال البطلان المتعلقة بالنظام العام، يسقط حق الخصم في الدفع ببطلان الإجراء الخاصة بجمع الاستدلالات أو التحقيق الذي تجريه النيابة العامة أو المحكمة إذا كان له محامٍ وحصل الإجراء بحضوره بغير اعتراض منه، ويسقط حق الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه».

ويتبين لنا من النصين السابقين أن البطلان النسبي هو الذي لا يتعلق بالنظام العام، وبعبارة أخرى هو عدم مراعاة قاعدة إجرائية جوهرية للمتهم أو للخصوم، ويكون ذلك عند عدم مراعاة الضمانات التي أوجبها القانون لحماية الحرية الشخصية، خلاف الضمانات المعتبرة من النظام العام[55].

وقد أشارت المذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية المصري إلى أن البطلان يكون نسبياً إذا كان الإجراء الجوهري متعلقاً بمصلحة المتهم أو الخصوم، وهذا القول على إطلاقه محل نظر، فقد يتعلق البطلان المطلق بمصلحة المتهم أو الخصوم إذا كانت هذه المصلحة من الأهمية على نحو تعني معه المجتمع، وقاضي الموضوع هو الذي يناط به الفصل في أهمية المصلحة التي تحميها القاعدة الإجرائية، ونوع البطلان الذي يترتب على مخالفتها[56].

الفرع الثاني 
أحكام البطلان المتعلق بمصلحة الخصوم

تختلف أحكام البطلان النسبي عن تلك المتعلقة بالبطلان المطلق نظراً لاختلاف طبيعة المصلحة المحمية في كل منهما، فإذا كانت حماية المصلحة العامة والنظام العام هي هدف فكرة البطلان المطلق فإن مصلحة الخصوم هي غاية البطلان النسبي، الأمر الذي جعل هذا الأخير يتميز بأحكام خاصة تتمثل في الآتي[57]:

-    لا يجوز أن يتمسك بهذا البطلان إلا من قرر لمصلحته، بمعنى أن يكون الخصم الذي يدفع به له مصلحة مباشرة في مراعاة القواعد المنصوص عليها بالنسبة للإجراء الباطل لعدم مراعاتها، أي أن تكون القواعد التي خولفت قد وضعت من أجل حماية مصلحته.

-    لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، بل لابد من إثارته أمام محكمة الموضوع قبل إقفال المرافعة، فإذا أثير فعلاً أمام محكمة الموضوع على الوجه المطلوب فإن سلطة محكمة النقض تكون مقصورة على مراقبة خطة محكمة الموضوع في رفض الدفع بالبطلان أو قبوله بأسباب صحيحة لها سند من أوراق الدعوى[58].

-    إذا لم يتمسك صاحب الشأن بالبطلان ولم يتنازل عنه صراحة أو ضمناً، ولم يسقط حقه في التمسك به، جاز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها في حدود سلطتها التقديرية في الاقتناع بأدلة الإثبات.

-    ومن أهم أحكام البطلان النسبي إمكانية تصحيحه على عكس البطلان المطلق[59].

-    لا يجوز لأحد من الخصوم التمسك بالبطلان إذا كان هو السبب في وقوعه، فلا يجوز التمسك بالبطلان إذا كان الشخص قد ساهم فيه، ويستوي أن تكون مساهمته عن قصد أو كانت بإهماله[60].

-    يجوز لمن شرع البطلان لمصلحته أن يتنازل عن التمسك به صراحة أو ضمنياً، وقد ذكرت المادة (333) إ.ج مصري والمادة (398) إ.ج يمني عدة صور اعتبرتها نزولاً ضمنياً عن التمسك بالبطلان، وعبرتا عنها بسقوط حق الدفع بالبطلان المتعلق بإجراء جوهري.

المبحث الثالث 
آثــار البطـــلان

تمهيد وتقسيم:

إذا كانت الإجراءات معيبة لخروجها على القواعد القانونية فإن هذا وحده ليس بكافٍ لاعتبارها باطلة وتجريدها من كل قيمة إقناعية، بل لابد من حكم قضائي يقضى به حتى يمكن أن يكون للبطلان أثر[61].

ويترتب على التقرير بالبطلان آثار مهمة، منها ما يتعلق بالإجراء الباطل ذاته، ومنها ما يتعلق بالإجراءات المتصلة به سواءً كانت سابقة أم لاحقة، فمتى تقرر بطلان إجراء معين وجب استبعاد الدليل المستمد منه وإلا أضحت الضمانات التي يقررها القانون للحفاظ على الحريات عديمة الجدوى[62].

ودراسة آثار البطلان تقتضي تحديد هذه الآثار بالنسبة للإجراء الباطل ثم بالنسبة لسائر إجراءات الدعوى السابقة عليه واللاحقة له، ويتعين بعد ذلك البحث في نظرية تحول الإجراء الباطل، ومدى جواز تصحيح الإجراء الباطل، وسنوضح ذلك في المطالب الآتية:

المطلب الأول 
أثر البطلان على الإجراء المخالف

إذا تقرر[63] بطلان أي إجراء من الإجراءات، فإنه يفقد قيمته القانونية، ويصبح كأن لم يكن، ومن ثم تزول عنه آثاره القانونية، ويستوي في ذلك أن يكون البطلان متعلقاً بالنظام العام أم متعلقاً بمصلحة جوهرية للخصوم، وأياً كانت طبيعة الإجراء أو نوعيته، وعلى ذلك فإنه لا يترتب عليه قطع التقادم، إذ أن هذا الأثر القانوني لا يترتب إلا على الإجراء الصحيح، ويتعين كذلك إهدار الدليل المستمد منه، فإذا تقرر بطلان التفتيش، فلا يجوز الاستناد إليه في نسبة الأشياء المضبوطة إلى المتهم، وبطلان الاعتراف لا يجوز الاستناد إليه في الإدانة[64].

فيراعى في هذا المجال أن البطلان لا يؤثر في صحة الأدلة المنفصلة عن الإجراء الباطل، فإذا ثبت أن اعتراف المتهم مستقل عن واقعة التفتيش الباطل فلا يوجد ما يحول دون أخذ القاضي بهذا الدليل المستقل[65].

وقد استثنى المشرع من القاعدة السابقة حالة الحكم بعدم اختصاص سلطة التحقيق بالتحقيق الذي قطع شوطاً أمام جهة غير مختصة، إذ أن المادة (163) إ.ج مصري والمادة (225) إ.ج يمني بعد أن نصتا على أن لجميع الخصوم أن يستأنفوا الأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص، فنصت المادة (163) مصري على أنه: «لجميع الخصوم أن يستأنفوا الأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص، ولا يوقف الاستئناف سير التحقيق، ولا يترتب على القضاء بعدم الاختصاص بطلان إجراءات التحقيق«، ونصت المادة (225) يمني على أنه: »للمتهم أن يطعن في الأوامر الصادرة بحبسه احتياطياً ولجميع الخصوم أن يطعنوا في الأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص، ولا يوقف الطعن سير التحقيق ولا يترتب على القضاء بعدم الاختصاص بطلان إجراءات التحقيق»، وبناءً على ذلك فإنه بالرغم من تقرير بطلان الأمر المتعلق بالاختصاص فإنه ينتج أثره، غير أنه يشترط لذلك أن يكون المحقق غير مختص بإجراء التحقيق برمته، أما إذا كان المحقق مختصاً بتحقيق الدعوى ولكنه يباشر إجراء لا يدخل في اختصاصه، فإن هذا الإجراء يكون باطلاً ولا ينتج أثره القانوني[66].

المطلب الثاني 
أثر البطلان على الإجراءات السابقة

القاعدة أن البطلان لا ينسحب إلا إلى الإجراء المخالف والأعمال التالية والمترتبة عليه، كما أنه لا يترتب على بطلان الإجراء بطلان الإجراءات السابقة والمعاصرة له، ذلك أن هذه الإجراءات قد تمت صحيحة قانوناً، دون أن تتأثر في وجودها بالإجراء الذي تقرر بطلانه، ومن ثم تبقى منتجة لجميع آثارها القانونية[67]، ويستوي في ذلك أن يكون الإجراء متعلقاً بالنظام العام أو بمصلحة جوهرية لأحد الخصوم[68].

فإذا لحق إجراء التفتيش عيب يبطله فكل ما يقتضيه ذلك هو استبعاد الأدلة المستمدة منه، فإذا كانت المحكمة قد أقامت الدليل على وقوع الجريمة من أدلة أخرى لا شأن للتفتيش الباطل بها، وكان الإثبات بمقتضاها صحيحاً لا شائبة فيه فلا بطلان[69].

غير أنه إذا توافر نوع من الارتباط بين الإجراءات السابقة والإجراء الباطل فقد يمتد البطلان إلى تلك الإجراءات السابقة[70].

المطلب الثالث 
أثر البطلان على الإجراءات اللاحقة

أما بالنسبة للإجراءات اللاحقة فإن الحكم ببطلان إجراء يترتب عليه جميع الآثار التي ترتبت عليه مباشرة، وهذا ما نصت عليه المادة (336) إ.ج مصري[71]، والتي أوضحت صراحةً أن البطلان يمتد إلى جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة تأسيساً على قاعدة «ما بني على الباطل فهو باطل»، وتحديد الصلة بين الإجراء الباطل والإجراءات التالية عليه، والقول بأنها أثر مباشر له بحيث ينبغي كذلك تقرير بطلانها هو من شأن قاضي الموضوع[72].

والمادة السابقة تقرر قاعدة منطقية، فمتى كان الإجراء باطلاً استتبع بطلان كل ما بني عليه، ولو لم تصرح المحكمة ببطلان الدليل المستمد من الإجراء الباطل، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن بطلان القبض لعدم مشروعيته ينبني عليه عدم التعويل في الإدانة على أي دليل يكون مترتباً عليه أو مستمداً منه، وتقرير الصلة بين القبض الباطل والدليل الذي تستند إليه سلطة الاتهام أياً ما كان نوعه من المسائل الموضوعية التي يتصل فيها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام التدليل عليها سائغاً ومقبولاً[73].

ويشترط في الإجراء الباطل حتى يؤثر في الإجراءات اللاحقة له أن يكون جوهرياً، بمعنى أن يكون الإجراء الباطل شكلاً جوهرياً لصحة الإجراء التالي له، وأنه المنشئ له بحيث لولا الإجراء الباطل لما وقع الإجراء اللاحق له، ويستوي في ذلك أن يكون الإجراء الباطل متعلقاً بالنظام العام أو بمصلحة جوهرية لأحد الخصوم، فكل منهما له ذات الأثر على الإجراءات المترتبة عليه، وبناءً عليه فإن بطلان استجواب المتهم يترتب عليه بطلان حبسه احتياطياً[74].

ولقد استثنى المشرع من هذه القاعدة الحالات التي تقضي فيها بعدم اختصاص المحقق بالتحقيق برمته إعمالاً بنص المادتين (163) إ.ج مصري و(225) إ.ج يمني، وهذا الاستثناء قاصر على إجراءات التحقيق الابتدائي، كما لا يمتد إلى حالات خروج المحقق المختص عن حدود اختصاصه المكاني أو النوعي بمناسبة القيام بإجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق، وبناءً على ذلك فالقضاء بعدم اختصاص المحقق بإجراء التحقيق برمته لا يترتب عليه بطلان الإجراءات التي تمت، والعلة في هذا الاستثناء هي الرغبة في عدم تعطيل سير التحقيق، لاسيما وأن من بين الإجراءات لا تتيسر إعادته[75].

المطلب الرابع 
الحد من آثار البطلان

رخص المشرع للقاضي أن يصحح الإجراء المعيب، أو إعادته إلى صحته متى أمكن ذلك، فالمشرع بقدر ما يحرص على تكريس الضمانات الإجرائية للخصوم، بقدر ما يهتم ويأخذ في الاعتبار أهمية تفعيل القاعدة الإجرائية، وتحقيق غاياتها[76].

أولاً/ إعادة الإجراء الباطل

نصت المادة (336) إ.ج مصري على أنه: «إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ولزم إعادته متى أمكن ذلك»[77].

والعلة في إعادة الإجراء هي الرغبة في عدم إهدار الدليل المستمد من الإجراء الباطل، وعدم تأثير الدليل الباطل في الإجراءات التالية، فيفضي ذلك إلى تعطيل سير الدعوى، فيستحيل بلوغها غايتها المتمثلة في الحكم البات الفاصل في موضوعها، والمختص بإعادة الإجراء هو صاحب السلطة في اتخاذه ابتداءً[78].

وإعادة الإجراء الباطل تكون باستبعاده، وفي هذه الحالة يحل الإجراء الجديد محل الإجراء الأول الباطل، ويشترط لإعادة الإجراء الباطل أن تكون الإعادة ممكنة، وينتفي هذا الالتزام في الحالات التي لا يمكن فيها إعادة الإجراء[79]، كما يشترط أن تكون الإعادة ضرورية فقد ترى المحكمة أن إعادة الإجراء الباطل رغم أنها ممكنة، لم يعد لها فائدة في الدعوى، كما لوم كانت النتيجة المرجو تحقيقها من الإجراء قد تحققت من إجراء آخر صحيح، فلا تلتزم المحكمة بإعادة الإجراء الباطل[80].

ثانياً/ تصحيح الإجراء الباطل

نصت المادة (401) إ.ج يمني على أنه: «يجوز للنيابة العامة والمحكمة أن تصحح من تلقاء نفسها كل إجراء يتبين لها بطلانه»، وهذا النص يقابل نص المادة (335) إ.ج المصري التي نصت على أنه: «يجوز للقاضي أن يصحح من تلقاء نفسه كل إجراء يتعين له بطلانه»، وتصحيح الإجراء يكون بإعادته مع تلافي العيب الذي كان قد لحقه وأدى إلى بطلانه، وليس للتصحيح أثر رجعي، فالإجراء الجديد لا ينتج أثراً حالاً إلا من تاريخ نفاذه، وتصحيح الإجراء الباطل يختلف عن التزام المحكمة بإعادة الإجراء المنصوص عليه في المادة (336) إ.ج مصري والمادة (402) إ.ج يمني، فالتصحيح جوازي للمحكمة قبل التقرير بالبطلان، وقبل أن يدفع الخصوم بالبطلان، بينما تكون إعادة الإجراء وفقاً للمادتين السابقتين، وجوبية بعد التقرير بالبطلان متى أمكن ذلك[81].

ثالثاً/ تحول الإجراء الباطل

فكرة تحول الإجراء الباطل إلى إجراء صحيح، لم ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية، وإنما وجدت لها موضعاً في قانون المرافعات، إذ تنص المادة (24) من قانون المرافعات المصري على أنه: »إذا كان الإجراء باطلاً وتوافرت فيه عناصر إجراء آخر فإنه يكون صحيحاً باعتباره الإجراء الذي توفرت عناصره«، وعلى الرغم من أن قانون الإجراءات الجزائية لم يصرح بتبنيه هذه النظرية، فإنه لاشك عندنا في أنه قد أقرها، ذلك أن لها سند من المنطق القانوني[82].

ويُقصد بتحول الإجراء الباطل الاعتداد بالقيمة القانونية للعناصر التي تتواجد في الإجراء الباطل والتي تصح في تكوين إجراء آخر، مما ينبني عليه بالضرورة بوجود هذا الإجراء الأخير، فالإجراء الباطل رغم تضمنه عناصر ثبت بطلانها إلا أنه تضمن عناصر أخرى يتعين توافرها في إجراء آخر، وهو ما يمكن الاعتداد بآثارها القانونية دون الإجراء الأصلي الباطل[83].

ولذلك لا يتحول الإجراء الباطل إلى إجراء آخر صحيح إلا إذا توافر شرطان، أولهما: أن يكون الإجراء الأصلي باطلاً لعدم فاعليته لتحقيق الآثار القانونية التي يرتبها القانون على مباشرته، وثانيهما: أن يتضمن الإجراء الباطل عناصر إجراء آخر صحيح وأن يستوفي كافة الشروط الشكلية والموضوعية الواجب توافرها لترتيب آثار قانونية تتعلق بالإجراء الآخر[84].

الخاتمة

﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (سورة البقرة، الآية 268)

خلص الباحث من خلال دراسته إلى عدد من النتائج والتوصيات، نوضحها كالآتي:

أولاً: النتائج

انتهى الباحث إلى عدد من النتائج، أهمها:

1)   أن الجزاء الإجرائي يهدف للحيلولة بين العمل الإجرائي الذي لم تراع فيه المقومات التي حددها القانون وبين تحقيقه لآثاره القانونية.

2)  أن الحكمة من رفض الدليل الناتج عن الإجراءات الباطلة تكمن في كون هذه الإجراءات قد انتهكت حقوق المتهمين، وحرياتهم الفردية وحريات مساكنهم وكرامتهم الشخصية وسلامتهم الجسدية، التي أحاطها القانون بضمانات ثابتة وحرصت كل الدساتير بالنص عليها لأن انتهاك حرية الناس وكرامتهم وحقوقهم يُعد في نظر القانون جريمة يجب اجتنابها، فلا يجوز أن تحارب الجريمة بارتكاب جريمة أشد.

3) أكد الفقه على استبعاد الدليل الناتج عن إجراء غير مشروع، ويقرر أن مخالفة القواعد الإجرائية التي تُعد ضماناً لحريات الأفراد للحصول على الدليل يترتب عليه إهدار هذا الدليل الذي تحصل عليه بطريق مشروع.

4)  تعددت النظريات الفقهية بشان صحة البطلان الإجرائي إلى مذهبين، الأول: يحدد المقنن حالات البطلان ويسمى بالبطلان القانوني، والثاني: يقرر البطلان كجزاء لمخالفة القواعد الإجرائية الجوهرية، ويعرف بالبطلان الذاتي، ولقد أخذ القانون اليمني بالبطلان القانوني والذاتي.

5)  البطلان ليس هو الجزاء الإجرائي الوحيد، ولكنه الأكثر شيوعاً، وتوجد جزاءات إجرائية أخرى تتشابه معه في بعض النواحي وتختلف عنه في نواحٍ أخرى، وهي عدم القبول، والسقوط، والانعدام.

6)  تختلف أحكام البطلان النسبي عن تلك المتعلقة بالبطلان المطلق نظراً لاختلاف طبيعة المصلحة المحمية في كل منهما، فإذا كانت حماية المصلحة العامة والنظام العام هي هدف فكرة البطلان المطلق فإن مصلحة الخصوم هي غاية البطلان النسبي.

7) لم يضع المشرع اليمني نصوص قانونية توضح أحكام الجزاءات الإجرائية الأخرى كالسقوط والانعدام وعدم القبول ويحدد معايير التمييز بينها.

ثانياً: التوصيات

خلص الباحث من خلال دراسته إلى عدد من التوصيات، أهمها:

1)   نوصي المشرع اليمني بتعريف مصطلحات الجزاءات الإجرائية: البطلان، والانعدام، والسقوط، وعدم القبول، في المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية كونها مصطلحات إجرائية تهم جميع منتسبي أجهزة العدالة الجنائية.

2)  نوصي المشرع اليمني بالأخذ بنظرية البطلان الذاتي كونها نظرية منطقية وأكثر عقلانية من نظرية البطلان القانوني، لأنه من غير الممكن أن يحصر المشرع كافة صور المخالفات الإجرائية سلفاً.

3) نوصي المشرع اليمني بتنظيم الأحكام القانونية لبقية الجزاءات الإجرائية (السقوط، الانعدام، عدم القبول) بوضع نصوص قانونية تحدد أحكامها وتوضح المعايير التي تميز بين هذه الجزاءات الإجرائية المختلفة ليستفيد منها القضاة في وضع الجزاءات الإجرائية المناسبة للمخالفة.

4)  لمحكمة النقض دور كبير في الكشف عن العيوب الإجرائية وعدم التردد في إبطال الإجراءات المشوبة، ولهذا يجب على الجهات المختصة جمع أحكام محكمة النقض وإصدارها في كتيبات بصورة دورية وتوزيعها على المحاكم بمختلف درجاتها للاسترشاد بها كون السوابق القضائية تعد من الأسانيد التي يلجأ إليها القضاة في حالة عدم وجود نصوص قانونية.

5)  نوصي الجهات المعنية بعقد دورات قانونية لجميع منتسبي أجهزة العدالة الجنائية، من مأموري الضبط القضائي وأعضاء النيابة العامة والقضاة لاستيعاب النصوص القانونية المنظمة لأعمال أجهزة العدالة، وبالأخص قانون الإجراءات الجزائية، وبيان الضوابط القانونية التي يجب أن يلتزم بها منتسبي هذه الأجهزة حتى لا تتعرض إجراءاتهم للبطلان أو الجزاءات الإجرائية الأخرى، من أجل تحقيق العدالة وتوفير الوقت والمال والجهد.

قائمة المراجع

أولاُ: القرآن الكريم.

ثانياً: كتب اللغة.

-    القاموس المحيط للفيروزأبادي، ج3، شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، ط2، مصر، 1371هـ.

ثالثاً: كتب الفقه الإسلامي.

-    تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق للزيلعي، ج4، بدون دار وبدون تاريخ.

رابعاً: الكتب القانونية.

-    د/ إبراهيم حامد طنطاوي: سلطات مأمور الضبط القضائي، ناس للطباعة، القاهرة، ط2، 1997م.

-    د/ أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م.

-    ـــــــــــ، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995م.

-    د/ أسامة عبدالله قايد: حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة الاستدلال، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988م.

-    د/ جلال ثروت: نظم الإجراءات الجنائية، ط1997م.

-    د/ حسن يوسف مصطفى مقابلة: الشرعية في الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2003م.

-    د/ سليمان عبدالمنعم: بطلان الإجراء الجنائي، دار الجامعة الحديثة للنشر، الإسكندرية، 1999م.

-    د/ عبدالحميد الشواربي: البطلان الجنائي، منشأة المعارف، الإسكندرية.

-    د/ عمر السعيد رمضان: مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م.

-    د/ فوزية عبدالستار: شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986م.

-    د/ مأمون سلامة: الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988م.

-    د/ محمد عيد الغريب: شرح قانون الإجراءات الجنائية، النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 1997م.

-    د/ محمد محمد شجاع: شرح قانون الإجراءات الجزائية، مركز الصادق، صنعاء، 2005م.

-    د/ محمود نجيب حسني: شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995م.

-    د/ مطهر علي أنقع: شرح قانون الإجراءات الجزائية، مركز الصادق، صنعاء، 2006م.

خامساً: الرسائل العلمية.

-    د/ أحمد فتحي سرور: نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1959م.

-    د/ حسن علي السمني: شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1983م.

-    د/ حسن محمد ربيع: حماية حقوق الإنسان والوسائل المستحدثة للتحقيق الجنائي، رسالة دكتوراه، جامعة الإسكندرية، 1985م.

-    د/ حفيظ بن عامر الشنفري: دور الشرطة في الدعوى الجنائية في التشريع العماني والتشريعات المقارنة، رسالة دكتوراه، أكاديمية الشرطة المصرية، القاهرة، 2000م

-    د/ عادل عبدالعال خراشي: ضوابط التحري والاستدلال عن الجرائم، دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، جامعة الزقازيق، 2002م.

 

-    د/ علي حسن كلداري: البطلان في الإجراءات الجنائية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، 2002م.

-    د/ محمد عودة الجبور: الاختصاص القضائي لمأمور الضبط، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1981م

-    د/ ممدوح إبراهيم السبكي: حدود سلطات مأمور الضبط القضائي في التحقيق، رسالة دكتوراه، أكاديمية الشرطة المصرية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998م.

سادساً: التشريعات.

-    دستور الجمهورية اليمنية الصادر في 1991م والمعدل في 1994م و2001م.

-    قانون الإجراءات الجزائية اليمني رقم (13) لسنة 1994م.

-    قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم (15) لسنة 1950م.

سابعاً: الأحكام القضائية.

-    أحكام محكمة النقض المصرية.


 

[1]          فتقرير بطلان اعتراف غير إرادي مثلاً يؤدي إلى منع رجال الشرطة والمحققين من التمادي في إساءة استعمال سلطاتهم، فعندما يتبينون أن مجهوداتهم التي بذلت للتأثير على المتهم لحمله على الاعتراف قد ذهبت هباءً بعدم قبول المحكمة لهذا الاعتراف، فإن ذلك يدفعهم إلى عدم تكرار هذا التصرف، وإلى اتخاذ الإجراءات القانونية السليمة والمشروعة. د/ حسن محمد ربيع: حماية حقوق الإنسان والوسائل المستحدثة للتحقيق الجنائي، رسالة دكتوراه، جامعة الإسكندرية، 1985م، ص555.

            وقد تفاوتت الأنظمة القانونية في النص على البطلان كجزاء إجرائي لمخالفة أحكام قانون الإجراءات الجزائية بوجه عام، واختلفت بصفة خاصة بالنسبة لتقرير البطلان وسريانه عند مخالفة مأمور الضبط القضائي لقواعد قانون الإجراءات الجزائية وانقسمت إلى اتجاهين، الاتجاه الأول يمثله النظام الأنجلوسكسوني، ويرى الاكتفاء بتقرير مسؤولية مأمور الضبط القضائي الجنائية والمدنية والتأديبية لحماية حريات الأفراد دون حاجة إلى تقرير بطلان الإجراءات غير المشروعة المتخذة منهم، واستبعاد ما أنتجته من أدلة تكفي لإثبات الجريمة، أما الاتجاه الثاني فيمثله بصفة أساسية النظام اللاتيني، ويرى أن المسؤولية الجنائية والتأديبية والمدنية التي نصت عليها القوانين المختلفة ليست كافية للحفاظ على حريات الأفراد أو الحد من تجاوزات مأموري الضبط القضائي المتكررة، وأن قواعد الإجراءات الجنائية وضعت لتحترم، ولا جدوى منها إذا لم يترتب جزاء بطلان لمخالفة قواعدها الأساسية. د/ أسامة عبدالله قايد: حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة الاستدلال، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988م، ص304. د/ محمد عودة الجبور: الاختصاص القضائي لمأمور الضبط، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1981م، ص524، 523.

[2]          د/ محمود نجيب حسني: شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995م، ص358.

 

[3]         د/ أحمد فتحي سرور: نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1959م، ص12، 11.

 

[4]          د/ سليمان عبدالمنعم: بطلان الإجراء الجنائي، دار الجامعة الحديثة للنشر، الإسكندرية، 1999م، ص17.

 

[5]          د/ إبراهيم حامد طنطاوي: سلطات مأمور الضبط القضائي، ناس للطباعة، القاهرة، ط2، 1997م، ص931.

 

[6]          تنص المادة (331) إ.ج مصري على أنه: «يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري»، وتنص المادة (396) إ.ج يمني على أنه: «يقع باطلاً كل إجراء جاء مخالفاً لأحكام هذا القانون، إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا كان هذا الإجراء الذي خولف أو أغفل جوهرياً».

 

[7]         د/ محمد عيد الغريب: شرح قانون الإجراءات الجنائية، النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 1997م، ص685.

 

[8]         سورة محمد، الآية (33).

 

[9]          سورة محمد، الآية (3).

 

[10]         سورة الإسراء، الآية (81).

 

[11]         د/ محمد محمد شجاع: شرح قانون الإجراءات الجزائية، مركز الصادق، صنعاء، 2005م، ص553.

 

[12]        سورة النساء، الآيتان (161، 160).

 

[13]        (بطل) بُطلا وبُطولاً وبطلاناً، ذهب ضياعاً، أبطلهن والباطل ضد الحق، (القاموس المحيط للفيروز آبادي، ج3، شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، ط2، مصر، 1371هـ، ص252).

 

[14]        تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق للزيلعي، ج4، ص44.

 

[15]        د/ عادل عبدالعال خراشي: ضوابط التحري والاستدلال عن الجرائم، دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، جامعة الزقازيق، 2002م، ص556، د/ محمد محمد شجاع، مرجع سابق، ص555.

 

[16]        يقوم هذا المذهب على مبدأ «لا بطلان بغير نص»، ويحدد المشرع حالاته، فيورد القواعد التي يرد البطلان جزاء لمخالفتها بالنص على ذلك صراحة، (د/ مطهر علي أنقع: شرح قانون الإجراءات الجزائية، مركز الصادق، صنعاء، 2006م، ص29).

 

[17]        د/ محمد عيد الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص1687، د/ حسن علي السمني: شرعية الأدلة المستمدة من الوسائل العلمية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1983م، ص179.

 

[18]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص360. د/ أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م، ص421. د/ جلال ثروت: نظم الإجراءات الجنائية، ط1997م، ص564.

 

[19]        د/ محمد عيد الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص1687. د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص421.

 

[20]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص360. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1688.

 

[21]        إلا أنه يهون من هذا العيب أن الخلاف القانوني سيبقى ما بقي الفكر القانوني، د/ أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص421. د/ محمد عيد الغريب، المرجع السابق، ص1688. د/ محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص360.

 

[22]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص361.

 

[23]       نص الدستور اليمني الصادر في 1990م على العديد من الحقوق الشخصية في المواد (47-53).

 

[24]        ومن ناحية أخرى إذا كان القانون قد اعتبر القواعد المتعلقة بحقوق الدفاع في مرحلتي التحقيق والمحاكمة من القواعد الجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان، فإنه يمكن القول بأن حرمان مأموري الضبط القضائي للمتهمين من حق الاستعانة بمحام يُعد من القواعد الجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان، حيث قرر قانون الإجراءات الجنائية المصري أن للمتهم في مرحلة التحقيق الحق في الاستعانة بمحامٍ في المادة (77) يقابلها المادة (73) يمني، كما أوجبت المادة (67) من الدستور المصري والمادة (48) من الدستور اليمني أن يكون كل متهم في جناية محام يدافع عنه، وقاعدة حضور مدافع مع المتهم بجناية متعلق بالنظام العام.

 

[25]        د/ عادل خراشي، مرجع سابق، ص570.

 

[26]        الانعدام هو: «تخلف أحد عناصر الإجراءات الجوهرية، أي أحد مقوماته الأساسية التي لا يقوم إلا بها، بخلاف البطلان الذي يقتصر على انتفاء أحد شروط صحة الإجراء، وبذلك يتضح أن الانعدام أشد جسامة من البطلان». (د/ علي حسن كلداري: البطلان في الإجراءات الجنائية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، 2002م، ص25).

 

[27]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص356.

 

[28]        د/ عبدالحميد الشواربي: البطلان الجنائي، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص18.

 

[29]        د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1716.

 

[30]        د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1716.

 

[31]        د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص432.

 

[32]       د/ محمد عيد الغريب، المرجع السابق، ص1717.

 

[33]       د/ مأمون سلامة: الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988م، ص360.

 

[34]       د/ عمر السعيد رمضان: مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م، ص49، 48.

 

[35]       د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص433. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص356. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1718. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص18. د/ حسن يوسف مصطفى مقابلة: الشرعية في الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2003م، ص205. د/ مطهر أنقع، مرجع سابق، ص25.

 

[36]       د/ حسن يوسف مصطفى مقابله، مرجع سابق، ص200.

 

[37]       وقد يتحدد هذا الوقت بميعاد معين أو بواقعة معينة، ومثال الميعاد: حق الطعن في الحكم، وحق النائب العام في إلغاء الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية خلال ثلاثة شهور (المادة 211) إ.ج.مصري، وأربعة شهور (المادة 220) إ.ج. يمني، وحق النيابة العامة في تنفيذ أوامر الضبط والإحضار والحبس الاحتياطي في خلال ستة أشهر من تاريخ صدورها (المادة 139/2) إ.ج مصري والمادة (189) إ.ج يمني، فإذا انقضى الميعاد قانوناً سقط الحق في مباشرة العمل الإجرائي، أما الواقعة التي يتحدد بها وقت مباشرة الإجراء فقد تكون إيجابية أو سلبية، ومثال الواقعة الإيجابية تعليق حق الاستئناف على التقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة (المادة 412) إ.ج مصري، (المادة 425) إ.ج يمني، ومثال الواقعة السلبية تعليق حق المدعي المدني في الالتجاء إلى الطريق الجنائي على عدم التجائه إلى القضاء المدني، ففي هذه الأحوال يسقط الحق في مباشرة الإجراء إذا لم تحدث هذه الواقعة السلبية أو الإيجابية، د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1719. د/ أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995م، ص366، 355. د/ أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص455.

 

[38]       د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص456. د/ حسن السمنى، مرجع سابق، ص944. د/ حسن علي كلداري، مرجع سابق، ص35.

 

[39]       د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص375. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1720، 1719. د/ أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص369. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص14. د/ حسن يوسف مصطفى مقابله، مرجع سابق، ص201.

 

[40]        لا يعني عدم قبول الإجراء أنه معيب، وإنما يعني انتفاء أحد المفترضات الإجرائية التي يطلبها القانون لجواز اتخاذه، فالإجراء غير المقبول هو في ذاته إجراء صحيح، ولكن لم تتوافر واقعة مستقلة عنه وسابقة عليه يعلق القانون عليها جواز اتخاذه، أي يضع المشرع شروط لقبول الإجراء، وهذه الشروط تتمثل في الحق في استعمال الدعوى، وورودها على محل صحيح، واستيفاء الإشكال أو معرفة التي أوجبها القانون عند استعمال الدعوى، ومثال تخلف الحق في استعمال الدعوى أن يتم ذلك قبل صدور الشكوى أو الإذن أو الطلب في الأحوال التي اشترط فيها القانون تقديمها أو تحريك الدعوى من أحد أعضاء النيابة العامة التي لا يملك فيها تحريكها قانوناً كما إذا كانت من الجرائم الواقعة من موظف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ومثال عدم ورود الاستعمال على محل صحيح الطعن بالنقض في حكم لا يجوز الطعن فيه، ومثال عدم استيفاء الأشكال الجوهرية أن ترفع الدعوى الجنائية على المتهم بإعلان باطل لعيوب في بياناته الجوهرية. د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص457. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص358، 357. د/ محمد عيد الغريب، شرح قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص172. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص16.

 

[41]        قد يقترن البطلان مع عدم القبول، فهو يقترن مع البطلان مثلاً إذا كانت الدعوى الجزائية غير مقبولة ولم تحكم المحكمة بعدم قبولها، وفي هذه الحالة تكون باطلة كافة الإجراءات الجنائية التي تتم في الدعوى، مما يتعين معه الحكم ببطلانها بواسطة المحكمة الأعلى درجة، ويقترن عدم القبول مع السقوط إذا كان سبب عدم القبول هو سقوط الحق في مباشرة الطلب (كالطعن بعد الميعاد القانوني)، د/ أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص368، 367.

 

[42]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص358. د/ أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، 368. د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص460. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1723، 1722. حسن يوسف مصطفى مقابله، مرجع سابق، ص203.

 

[43]       كما لو قضى بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم الشكوى ثم قدمت الشكوى في خلال الميعاد المحدد قانوناً، فإن الدعوى تكون بعد ذلك مقبولة، ومثال ذلك أيضاً: الحكم بعدم قبول الدعوى الجزائية لرفعها من وكيل نيابة على موظف عام لجريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته لا يحول دون تجديد رفع هذه الدعوى بمعرفة رئيس النيابة. للمزيد انظر: د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص358، 357.

 

[44]        فالعبرة في تحديد نوع البطلان ليس بنوع المصلحة التي تحميها القاعدة الإجرائية مصلحة متعلقة بالنظام العام أو مصلحة متعلقة بالخصوم، وإنما العبرة بأهمية المصلحة المحمية، ذلك أن أغلب قواعد الإجراءات الجنائية تستهدف في ذات الوقت تحقيق كل من المصلحتين – المصلحة العامة ومصلحة الخصوم – ولذلك يتعذر عندئذٍ تحديد ما إذا كانت مخالفة القاعدة الإجرائية ترتب البطلان المطلق أو البطلان النسبي، أما إذا كان الضابط في تحديد نوع البطلان هو أهمية المصلحة المحمية، فإنه يكون من اليسير أن نقرر أن البطلان يكون مطلقاً إذا كانت القاعدة تستهدف بالدرجة الأولى المصلحة العامة، ويكون نسبياً إذا كان هدفها الأول تحقيق مصلحة الخصوم (للمزيد انظر: د/ فوزية عبدالستار: شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986م، ص35).

 

[45]        د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص34.

 

[46]        وذلك على سبيل المثال كالقواعد المتعلقة بتشكيل المحكمة، أو بولايتها بالحكم في الدعوى، أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها، وتركت القواعد الأخرى لاستنباط الفقه والقضاء. د/ عبدالحميد الشواربي، المرجع السابق، ص34.

 

[47]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1698.

 

[48]       د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص441.

 

[49]        ويمكن القول إجمالاً بأن القواعد المتعلقة بتشكيل القضاء، وولايته واختصاصه النوعي والمكاني، والصفة في تحريك الدعوى، وقيود تحريكها، وحالات عدم صلاحية القاضي للحكم في الدعوى، وحقوق الدفاع الأساسية، وقرينة البراءة، وكفالة الكرامة البشرية للمتهم، وهي قواعد مهمة ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق، وغني عن البيان أن القواعد الجوهرية قد تتصل بإجراءات التحقيق الابتدائي أو المحاكمة على السواء. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص361.

 

[50]        د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص442.

 

[51]        مثال ذلك: حضور مدافع عن المتهم في مواد الجنايات، فهذا الضمان يتعلق بحق الدفاع الذي يتوقف استعماله إلى حد كبير على تقدير المتهم، إلا أن المشرع رأى في هذه الحالة أن حق الدفاع لا يجب أن يترك تقديره للمتهم، وإنما يتعين كفالته قانونياً حتى رغم إرادة المتهم، لأن هذا الضمان يتحدد اتصاله بحق الدفاع إلا أنه يتعلق بحسن أداء القضاء، وكذلك القواعد التي تتعلق بالقبض، والتفتيش، والاستجواب، والحبس الاحتياطي، ومراقبة المكالمات التليفونية، وتسجيل الأحاديث الشخصية، وضبط الخطابات، فهذه القواعد إن كانت تحمي مصلحة المتهم إلا أنها من ناحية أخرى تتعلق بالمصلحة العامة التي يضيرها إهدار حقوق الدفاع أو هدم قرينة البراءة. كما يعد من القواعد الإجرائية التي تحمي مصلحة مهمة تلك التي تحظر مباشرة إجراءات تمس سلامة الجسم، مثل: تعذيب المتهم أو إرهاقه عمداً أثناء الاستجواب، أو استخدام الوسائل العلمية الماسة بجسده، وكذلك الشأن أيضاً بالنسبة إلى تفتيش أنثى من غير أنثى مثلها. (للمزيد انظر: د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص366. د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص442. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1699).

 

[52]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص367، 366. د/ أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص387، 386. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص40، 39.

 

[53]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1701، 1700. د/ حسني السمني، مرجع سابق، ص911-913. د، حسن ربيع، مرجع سابق، ص565.

 

[54]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص367.

 

[55]        ومثال ذلك: ضمان حقوق الدفاع، التي تمكن المتهم من الدفاع عن نفسه، لذلك ترك المشرع للمتهم تقدير مدى حاجته لهذا الضمان ومدى أثر دفاعه بحرمانه منه، فالمصلحة المراد تحقيقها هي مصلحة خاصة للمتهم، ومن ثم جاز له ألا يتمسك ببطلان الإجراء المترتب على الإخلال بحق الدفاع، وذلك عدا الحالة التي أوجب المشرع فيها تعيين مدافع للمتهم في جناية أمام محكمة الجنايات، فالبطلان المترتب على مخالفتها بطلان متعلق بالنظام العام سواءً رضي المتهم بذلك أم لم يرض، د/ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص445. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1701.

 

[56]        وقد أوردت المذكرة الإيضاحية بعض الأمثلة للبطلان الناشئ على مخالفة إجراءات اعتبرتها مما يتعلق بمصلحة الخصوم، وهي: التفتيش، والقبض، والحبس، والاستجواب، والاختصاص من حيث المكان، وهذا القول غير دقيق، فقد يتصل البطلان في الحالات السابقة بالنظام العام. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص368.

 

[57]       د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص369. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1703، 1702. د/ حسن السمني، مرجع سابق، ص918. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص41.

 

[58]       والحكمة من ذلك أنه لو أبيح التمسك بالبطلان النسبي حتى أمام محكمة النقض؛ لكان في ذلك ما يغري المدافع عن كل متهم بالسكوت عن الدفع بالبطلان حتى يصل الأمر إلى محكمة النقض، فيتمسك عندئذٍ بالبطلان ليقوض كافة ما تم ذلك، فضلاً عن كونه مضيعة للوقت على حساب العدالة. د/ عبدالحميد الشواربي، مرجع سابق، ص41.

 

[59]        وذلك بالطرق الآتية: الأول: القبول الصريح أو الضمني من قبل من تقرر البطلان لمصلحته، ويعد القبول في هذه الحالات بمثابة التنازل عن التمسك بالبطلان بشرط أن يكون هذا التنازل حراً صحيحاً صدر من صاحب الصفة فيه (المادة 333) إ.ج مصري (المادة 398) إ.ج يمني، الثاني: تحقيق الغرض من الإجراءات الباطلة، ويتم ذلك عن طريق التصرف والقيام بإجراء لاحق من شأنه أن يعدم أثر البطلان في الإجراء. الثالث: تدخل القاضي لتصحيح البطلان ولو من تلقاء نفسه، وذلك بنص المادة (335) إ.ج مصري التي تنص على أنه: «يجوز للقاضي أن يصحح ولو من تلقاء نفسه كل إجراء يتبين له بطلانه»، والمادة (401) إ.ج يمني التي تنص على أنه: «يجوز للنيابة العامة والمحكمة أن تصحح من تلقاء نفسها كل إجراء يتبين لها بطلانه»، ويستوي في ذلك كل من البطلان المطلق والنسبي. د/ حسن السمني، مرجع سابق، ص919، 918.

 

[60]        مثال ذلك: أنه لا يجوز للمتهم أن يدفع ببطلان في إعلانه بمحل إقامته إذا كان هو الذي أعطى بياناً غير صحيح عن هذا العنوان، ولا يجوز للمتهم في جناية أن يدفع ببطلان استجوابه بسبب عدم دعوة محاميه للحضور إذا كان لم يذكر للمحقق اسم محاميه رغم سؤاله عنه أو أخطأ في ذكر اسمه. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص369.

 

[61]        د/ ممدوح إبراهيم السبكي: حدود سلطات مأمور الضبط القضائي في التحقيق، رسالة دكتوراه، أكاديمية الشرطة المصرية، 1998م، ص518.

 

[62]        من المقرر أن لسلطة الحكم أن تراقب سلطة التحقيق للتحقق من مراعاة الإجراءات للضمانات التي كفلها القانون للحرية الشخصية والمقصود بمراقبة القضاء لسلطة التحقيق أن محكمة الموضوع تبحث في صحة إجراءات التحقيق الابتدائي أو عدم صحتها. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1706.

 

[63]       القاعدة أن بطلان الإجراء لا يتقرر بقوة القانون، وإنما يتعين أن يقرره القضاء, فإذا قرر القضاء بطلان إجراء، فإن تحديد أثر البطلان بالنسبة لهذا الإجراء لا تثير صعوبة فهو في الأصل إهدار القيمة القانونية لهذا الإجراء فكأنه لم يُباشر، ولا يترتب عليه أثر قانوني. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص371.

 

[64]        د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1708.

 

[65]        د/ حسن السمني، مرجع سابق، ص926.

 

[66]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1709، 1708.

 

[67]       نقض مصري: 15/3/1956م، س7، رقم 107، ص361.

 

[68]       وبناءً على ذلك، إذا قضت المحكمة الاستئنافية ببطلان الحكم الابتدائي لعدم توقيعه في بحر ثلاثين يوماً فإنها لا تكون ملزمة عندئذٍ بأن تسمع الشهود الذين سمعتهم محكمة أول درجة من جديد، ذلك أن بطلان الحكم ينسحب إليه وحده ولا يتعدى إلى إجراءات المحاكمة التي تمت وفقاً للقانون، نقض مصري: 13/12/1951م، س3، رقم 131، ص244.

 

[69]       نقض مصري: 5/1/1976م، س27، رقم 3، ص26، وكذلك بطلان الحكم لعدم التسبيب لا يترتب عليه بطلان إجراءات نظر الدعوى والمرافعة التي وقعت صحيحة قبل الإجراء الباطل ودون التأثر به، كذلك إذا نقض الحكم لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى الأحكام السابقة التي قضت بها محكمة الموضوع استقلالاً، فلا يجوز لمحكمة الإحالة إثارتها من جديد. نقض مصري: 7/4/1956م، س7، رقم 171، ص614.

 

[70]        مثال ذلك: بطلان ورقة التكليف بالحضور يترتب عليه بطلان الإعلان. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1709.

 

[71]        تنص المادة (336) إ.ج مصري على أنه: «إذا تقرر بطلان أي إجراء فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة ولزم إعادته متى أمكن ذلك»، وهذا النص يقابل نص المادة (402) إ.ج يمني، التي نصت على أن «التقرير ببطلان أي إجراء يشمل كل الآثار المباشرة له...».

 

[72]        د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص372.

 

[73]       نقض مصري: 9/4/1973م، ص24، رقم 105، ص506. كما قضت كذلك بأن «بطلان التفتيش مقتضاه قانوناً عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمداً منه، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل». نقض مصري: 18/4/1984م، ص35، رقم 97، ص438.

 

[74]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1710.

 

[75]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1711.

 

[76]       د/ حفيظ بن عامر الشنفري: دور الشرطة في الدعوى الجنائية في التشريع العماني والتشريعات المقارنة، رسالة دكتوراه، أكاديمية الشرطة المصرية، القاهرة، 2000م، ص516.

 

[77]       يقابل ذلك نص المادة (402) إ.ج يمني التي نصت على أن: «التقرير ببطلان أي إجراء يشمل بطلان كل الآثار المباشرة له، ويتعين تصحيح هذا البطلان متى كان ذلك ممكناً من آخر إجراء تم صحيحاً».

 

[78]       د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص373.

 

[79]       مثال ذلك: استحالة إعادة الإجراء بسبب قانوني كانتهاء الميعاد المحدد لمباشرة الإجراء أو لسبب مادي كوفاة الشاهد الذي يراد سماع أقواله، أو تغيير معالم مكان الحادث الذي يراد إعادة معاينته. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1711.

 

[80]        د/ محمد عيد الغريب، المرجع السابق، ص1711. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص373.

 

[81]        والعلة في تخويل القاضي سلطة تصحيح الإجراء الباطل هي الحد من آثار بطلان الإجراء، فيستبدل بالإجراء الباطل إجراءً صحيحاً حتى يستقيم سير الدعوى ويستوي أن يكون البطلان متعلقاً بالنظام أو متعلقاً بمصلحة جوهرية للخصوم. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1713. د/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص374.

 

[82]        د/ محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص374.

 

[83]       د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1712.

 

[84]       ومن أمثلة تحول الإجراء الباطل إلى إجراء آخر صحيح، بطلان التحقيق الابتدائي المباشر بمعرفة النيابة العامة لعدم تحرير المحضر بمعرفة كاتب، فإنه يتحول إلى محضر جمع استدلالات صحيح، وكذلك بالنسبة للخبير إذا أدى مهمته دون حلف يمين فإن عمله يبقى صحيحاً بوصفه عملًا من أعمال الاستدلال لا التحقيق. د/ محمد عيد الغريب، مرجع سابق، ص1712.