الإقرار لا يتجزأ على صاحبه

القاضي. الدكتور/ عبد المؤمن شجاع الدين رئيس مجلس القضاء الأعلى الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

11/1/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

مقدمة

نصت المادة (95) من قانون الإثبات اليمني على أنه (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا تستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى)، وقد تضمنت القوانين العربية والأجنبية نصوصاً مماثلة لهذا النص، وقد استخلص الفقه العربي من هذا النص مبدأ عدم تجزئة الإقرار على صاحبه، فمبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار على صاحبه يعني: أنه لا يجوز أن يستدل بجزء من إقرار الشخص ويطرح بقية ما ورد في الإقرار طالما أن الإقرار متعلق بواقعة واحدة أو بوقائع مترابطة ترابطاً لا يقبل التجزئة، فلا يضار المقر بإقراره على أساس أن جميع أجزاء الإقرار القضائي متساوية في الإثبات، ولذلك فالإقرار لا يتجزأ.

وسوف نعرض هذا الموضوع في المباحث الآتية:

المبحث الأول: ماهية الإقرار لا يتجزأ على صاحبه.

المبحث الثاني : أنواع الإقرار ونطاق تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار عليها.

المبحث الثالث: شروط تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار.

المبحث الرابع: الحالات الاستثنائية التي يتجزأ فيها الإقرار.

المبحث الأول 
ماهية (الإقرار لا يتجزأ على صاحبه)

معنى أن الإقرار لا يتجزأ على صاحبه: أن الشخص إذا أقر بواقعة معينة أو بوقائع مترابطة مع بعضها، فلا يجوز ان يستدل عليه ببعض ما ورد في إقراره أو بجزء من إقراره دون بقية ما ورد في إقراره طالما أن محل الإقرار واقعة معينة أو وقائع مترابطة ترابطاً لا يقبل التجزئة، فلا يضار المقر بإقراره، على أساس أن جميع أجزاء الإقرار القضائي متساوية في الإثبات، فليس للمقر له أن يأخذ من الإقرار ما يفيده ويترك ما هو في غير صالحهِ، فعندما يقر الخصم بالحق أو بواقعة فلا يحق للمقر له أن يجزئ هذا الإقرار فيستدل بالجزء الذي لصالحه ويترك الجزء الذي ليس في مصلحته.

والهدف من عدم جواز تجزئة الإقرار تلافي تغيير مركز المتقاضيينِ في الدعوى فيما يتعلق بعبء الإثبات، فلو جاز تجزئة الإقرار فإنه ينبغي أن يتم تكليف المقر بإثبات الإضافات والتعديلات الواردة في إقراره على ما ورد في دعوى المدعي لأن إقراره لم يطابق دعوى المدعي، ومؤدى ذلك تحميل المقر المدعى عليه عبء الإثبات من غير حق، لأن الإقرار وهو الدليل على المدعى به لم يصدر من خصم المقر وإنما صدر من المقر واحتج خصمه به عليه لذا يجب أن لا نعتبر ما قاله المقر فيما لا يطابق المدعى به دفعاً يطلب منه إثباته وإلا نكون قد جافينا العدل (د. آدم وهيب النداوي، دور الحاكم المدني في الإثبات، ط1، الدار العربية، بغداد، 1976م ص220). 

وأصل مبدأ عدم تجزئة الإقرار على صاحبه هو الفقه الإسلامي الذي يطلق على مسألة عدم تجزئة الإقرار بمسألة تعقيب الإقرار بما يُنافيه، وتعرض هكذا: هل يُلتزم بالحاصل من مجموع كلام المقر أم تجعل عبارة الإقرار كلاماً، والعبارة المنافية له كلاماً آخر، ويسوقها بعض الفقهاء بتعبير آخر: إن الإقرار المتعقب بالمنافي هل يُعدُّ إقراراً تاماً قبل التعقيب ليكون حجة ويمتنع الرجوع عنه أم لا يُعدّ كذلك فلا يكون حجة، ولا يعتبر تعقيبه رجوعاً (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص122- 138).

المبحث الثاني 
أنواع الإقرار ونطاق تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار عليها

نصت المادة (95) من قانون الإثبات اليمني على أنه (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى)، وهذا يعني أن عدم جواز تجزئة الإقرار يتعلق بمحل الإقرار ونوعه مما يستلزم عرض صور الإقرار البسيط والإقرار الموصوف والإقرار المركب ثم نبين كيفية تطبيق مبدأ عدم التجزئة في أنواع الإقرار المختلفة:

أولاً: أنواع الإقرار 

النوع الأول: الإقرار البسيط

هو الإقرار الذي يتعلق بواقعة محددة أو بوقائع مترابطة مع بعضها، مثل أن يدعي شخص على آخر أمام المحكمة بأن المدعى عليه مدين له بخمسين مليون ريال يمني فيُجيب المدعى عليه ويقر بأنه مدين للمدعي بالمبلغ المذكور من دون أن يضيف شيئاً، أو يدعي عليه بذلك وبأنه مؤجل إلى سنتين فيقر المدعى عليه بالدين وبأجله الذي ذكره المدعي، أو يدعي عليه ذلك ويذكر بأن المدعى عليه وفى منها خمسة وعشرين مليوناً وبقي في ذمته خمسة وعشرون مليون ريال، فيقر المدعى عليه بذلك وبأنه سبق أن سدد نصف مبلغ الدين المدعى به كما ذكر المدعي في دعواه. ففي كل الأمثلة أعلاه نرى أن إقرار المدعى عليه جاء مطابقاً لما يدعيه المدعي دون أي تعديل أو إضافة سواء أكان المدعى به- محل الإقرار- واقعة واحدة مجردة، وسواء كانت تلك الواقعة موصوفة، أو غير مقترنة بوصف، وسواء كان المدعى به يتضمن واقعة واحدة أو أكثر من واقعة، مما يعني أنه اعترف بكل الحق المدعى به أو به وبملحقاته، وهذا الإقرار هو الذي يعرف بالإقرار البسيط، ويُراد به مجرد تسليم المدعى عليه بدعوى المدعي كما هي، فهو يصادقهُ في جميع ما ادعاه دون أن يَجري تغييراً أو تعديلاً أو يُضيفَ وصفاً أو واقعةً جديدة غير ما طلبهُ المدعي.

النوع الثاني: الإقرار الموصوف

عندما يدعي شخص على خصمه بأنه مدين له بمبلغ معين وأنه مستحق في تاريخ معين فيقر المدعى عليه بالدين ولكن دون تاريخ استحقاق الدين، أو يدعي على خصمه بعقد مقرون بالشرط الجزائي فيقر الخصم بالعقد ولكن دون الشرط الجزائي، أو يدعي الدائن أنه أقرض المدعى عليه مبلغاً معيناً من المال ويطالبه برد القرض فيقر المدعى عليه بواقعة القرض ولكن يذكر في إقراره أن هذا القرض كان لمدة ثلاث سنوات، أي التزامه بالرد مؤجلاً والأجل لم يحل بعد، أو يدعي الدائن أن المدعى عليه تعهد له بعمل معين فيقر المدعى عليه بواقعة التعهد ولكن يذكر في إقراره أن تعهده كان معلقاً على شرط والشرط لم يتحقق بعد. ففي الأمثلة المذكورة نرى أن إقرار المدعى عليه لم يأت مطابقاً لدعوى المدعي وإنما جاء معدلاً بالمدعى به بحذف بيان أو قيد منه أو تغييره أو مضيفاً بياناً جديداً أو وصفاً لم يرد في دعوى المدعي، وهذا الإقرار هو الذي يعرف بالإقرار الموصوف الذي أشار إليه الحكم محل تعليقنا، ويُراد به أن المدعى عليه وإن أقر بالمدعى به، ولكن لا على الوجه الذي ذكره المدعي، فالمدعى عليه لم يعترف بالطلب المدعى به كما هو وإنما جاء إقراره مغيّراً أو معدّلاً فيه حذفاً منه أو إضافةً، وهكذا يظهر أن الإقرار الموصوف ليس فقط ما يضيفه المقر من وصف كالأجل والشرط عند إقراره بالمدعى به، وإنما هو الإقرار الذي يعترف بالمدعى به مع تعديله كما تقدم، والأمر المهم الذي يجب أن يلاحظ في هذا الإقرار أن التعديل أو التغيير أو الإضافة أو الوصف الذي ذكره المقر للواقعة الأصلية، كان معاصراً لنشوء هذه الواقعة، لا أنه حادث حصل بعد الواقعة الأصلية. (د. عصمت عبد المجيد، شرح قانون الإثبات، ط2، المكتبة القانونية، بغداد، 2006م، ص122). 

فيجب لاعتبار الإقرار موصوفاً أن ينصب على وصف اقترن بالدين- مثلاً- من وقت نشوئه كالأجل والشرط، لا على وصف يحدث بعد ذلك كتمديد الأجل أو إضافة شرط لاحق أو الاتفاق- فيما بعد- على تقسيط المديونية. هذا ولا شك بأن من شأن ما فعله المقر عند إقراره بالمدعى به يؤثر على الأحكام والنتائج القانونية للواقعة الأصلية بما هو في صالحه. وقد بيّن المشرع اللبناني- من دون بقية التشريعات- متى يكون الإقرار موصوفاً فنصَّ على أنه (يسمى الإقرار موصوفاً عندما يقتصر على الواقعة التي صرح بها الخصم الآخر إلا أنه يفسد نتائجها القانونية بما يشتمل عليه من البيانات الإضافية...) (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص122- 138).

النوع الثالث: الإقرار المركب

عندما يدعي شخص على آخر بدين معين فيقر الخصم بالدين كما ذكره المدعي إلا أنه يدعي أيضاً أنه قد أوفى هذا الدين كاملاً، أو أنه أوفى جزءاً منهُ، أو يدعي عليه بقرض معين فيقر المدعى عليه بالقرض المذكور ولكنه يقول بأن هذا القرض قد انقضى بالإبراء. ففي هاتين الصورتين نرى أن إقرار المدعى عليه لم يأت مطابقاً لدعوى المدعي وإنما جاء مُعدلاً له بذكر واقعة جديدة فضلاً عن الواقعة الأصلية كواقعة الوفاء أو الإبراء ولم يحصل التعديل على ذات الواقعة الأصلية. وهذا الإقرار هو الذي يُعرف بالإقرار المركب، ويُراد به الاعتراف بالواقعة القانونية المدعى بها كما هي إلا أن المقر يُلحق بإقراره واقعة أخرى من شأنها أن تؤثر في نتائج الواقعة الأصلية تأثيراً مهماً قد يصل إلى إسقاط مقتضى وجودها بما يؤدي إلى انقضائها كما في صورة ادعاء وفاء الدين كاملاً.

وهكذا يظهر- مما تقدم- أن الإقرار الموصوف والمركب يشتركان في أن كليهما اعتراف بالواقعة المدعى بها مع إضافة عنصر آخر إليها من شأنه أن يؤثر في نتائجها القانونية، ويختلفان في العنصر المضاف إلى تلك الواقعة، إذ هو في الإقرار الموصوف يتصل بالواقعة الأصلية منذ نشوئها في حين أنه في الإقرار المركب يُلحق بالواقعة الأصلية بعد حدوثها.

وجاء في الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري بهذا الصدد أنهُ (قد يقر المدعى عليه بالدين ويدعى أنه معلق أو مضاف إلى أجل ويسمى هذا الإقرار موصوفاً في اصطلاح الفقه لأن الشيء المضاف معاصر للواقعة القانونية، وقد يقر المدعى عليه بوجود القرض ويدعي الوفاء فيكون الشقُّ المضافُ غير معاصر للواقعة القانونية). 

وبيّن المشرِّعُ اللبناني من دون بقية التشريعات ايضاً متى يكون الإقرار مركباً، فنص على أنه (يسمى الإقرار مركباً عندما يكون منصبَّاً... على الواقعة الأصلية وعلى واقعة أخرى...).

ثانياً: نطاق تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار على أنواع الإقرار

من خلال عرض أنواع الإقرار على النحو السابق بيانه، فإن مبداً عدم تجزئة الإقرار لا محل للنظر فيه بالنسبة للإقرار البسيط، إذ لم يأت المقر بشيء يختلف عما ادعاه المقر له، فالوقائع المدعاة قد أقر المدعى عليه بها جميعاً، والإقرار بجميع أجزائه هو في صالح المقر له فليس له مصلحة تدعوه إلى تجزئة هذا الإقرار، لذا جاء في الأعمال التحضيرية للقانون المصري أنَّ الإقرار البسيط: (لا تعرض بشأنه أية صعوبة لأن إشكال عدم التجزئة ممتنع بطبعه). وأن مجال تطبيق مبدأ عدم التجزئة هو الإقرار الموصوف والمركب، ففي الأمثلة والصور المتقدمة ليس للمدعي أن يعدَّ الدين ثابتاً في ذمة المقر ويهمل الأجل الذي ذكره المقر في إقراره ويُطلب منه إثباته، أو يعدَّ الواقعة الأصلية ثابتة ويطلب من المقر إثبات الواقعة المضافة. ويلاحظ أن مبدأ عدم التجزئة الذي يُطبق على الإقرار القضائي الموصوف أو المركب لا يفرق فيهما سواء أدلى المقر بأحدهما شفوياً أو كتابياً، «فإذا قدّم المدعى عليه سنداً خطياً يحتوي على إقرار بموضوع الدعوى يُعدُّ هذا الإقرار غير قابل للتجزئة...». ولكنَّ المشرِّع العراقي في أعماله التحضيرية للقانون المدني خصَّ مجال تطبيق المبدأ في الإقرار الشفوي إذْ جاء فيها أنَّ عدم تجزئة الإقرار تحصل عندما (... يكون إقراراً شفوياً أمام المحكمة. أما الإقرار المكتوب فهذا سند كتابي له حكمه). وهذا القول محل نظر، لأن للمقر أنْ يعبِّر عن إرادته للإقرار أثناء نظر الدعوى بصورة شفوية أو خطية ويُعدّ إقراره بالمدعى به في كلا الصورتين إقراراً قضائياً. ويلاحظ- أيضاً- أن مبدأ عدم التجزئة كما يُلزم بهِ المقر له فإنه يجب على القاضي تطبيقه أيضاً، فليس من صلاحية القاضي أن يطرح جزءاً من الإقرار الواقع أمامه ويأخذ بجزء آخر منه (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص122- 138).

 

المبحث الثالث 
شروط تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار

سبق أن ذكرنا في الوجه الأول أن مجال تطبيق مبدأ عدم التجزئة هو الإقرار الموصوف والإقرار المركب، ومع ذلك فيجب أن تتوفر في الإقرار الموصوف أو المركب أربعة شروط، هي:

الشرط الأول: أن يوجد تلازم بين العنصر المضاف والواقعة الأصلية

يشترط لتطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار أن يكون هناك تلازم بين العنصر المضاف من بيان أو وصف أو واقعة أخرى مع الواقعة الأصلية. وهذا التلازم أمر طبيعي بالنسبة للإقرار الموصوف لأن ما عدّلهُ أو أضافهُ المقر مقترن بالواقعة الأصلية المدعى بها من حين نشوئها، وكذا في الإقرار المركب فلابد من أن يوجد هذا التلازم بحيث لا يمكن تصور وجود الواقعة المضافة من دون وجود الواقعة الأصلية، فلا يمكن أن نتصور الوفاء دون وجود الدين الأصلي، وكذا بالنسبة للإبراء والتجديد. إذن لابد من أن يكون العنصر المضاف في الإقرار الموصوف أو المركب على نحو لا يمكن معهُ أن يتجَّزأ عن الواقعة الأصلية، وهذا هو الرأي الراجح لدى الفقهاء. ويذهبُ أكثرُ شراح القانون الفرنسيون إلى اشتراط هذا الشرط وأن تكون الواقعة المضافة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً من حيث محلها وطبيعتها بالواقعة الأصلية، بحيث يكون حصول الواقعة المضافة يتطلب حتماً سبق الواقعة الأصلية، فعندئذ لا يتجزأ الإقرار القضائي، ولذا فإن الإقرار بالدين مع إضافة الوفاء لا يتجزأ، لأن الوفاء يفترض وجود الدين أولاً ولأن محله هو ذات محل الدين، ويذهب الفقيهان أو برى ورو في هذا الشرط إلى أن الإقرار المركب يكون اعترافاً غير قابل للتجزئة كلما كان الاعتراف بالواقعة المضافة باعتباره نتيجة للواقعة الأصلية من شأنه أن يُفقدَ الاعتراف بالواقعة الأصلية آثاره القانونية أو يحد من هذه الآثار، وذهب فريقٌ من الفقهاء- فيما يتعلق بهذا الشرط- إلى أن مبدأ عدم التجزئة لا يكفي- لتطبيقه- مجردُ التلازم، بل يجب أن يكون هذا التلازم على نحو معه تقابل تام بين الواقعتين، فإذا كانت الواقعة المضافة تقابل تماماً الواقعة الأصلية كالوفاء يقابل وجود الدين فعندئذ يطبق المبدأ، أما لو أضاف المقر إلى واقعة الدين واقعة الإبراء أو التجديد فعندئذ لا يوجد تقابل تام بين الواقعتين وبالتالي لا يطبق مبدأ عدم التجزئة في هذه الحالة (د. توفيق حسن فرج، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية، مؤسسة الثقافة الجامعية، 1982م- ص167). 

وخلافاً للرأي الراجح ذهبَ بعضُ الفقهاء إلى أن مبدأ عدم التجزئة يطبق في جميع الصور- وإن لم يكن هناك تلازم بين ما أضافه المقر والواقعة الأصلية- فطالما أن الإقرار موصوف أو مركب فإنه لا يسوغ تجزئة الإقرار القضائي لأن هذا الإقرار عمل قانوني إرادي، فمن أقر لم يتجه قصده فقط إلى اعتبار المدعى به ثابتاً في ذمته دون بقية ما ذكره في إقراره، وهذا يعني أن منشأ المبدأ- لدى هؤلاء الفقهاء- يعود إلى قصد المقر، فالإقرار لا يتجزأ على أساس ارتباط أجزائه في قصد المقر، وأنه لو جزأناه نكون عندئذ خالفنا شرطاً من شروط حجّية الإقرار الذي يجب أن يتوافر في المقر، لأن هذا الإقرار حينما صدر عن المقر اتجه قصده إلى اعتباره حجة بكاملهِ بما تضمَّن من وصف أو واقعة مضافة، وبناءاً على ما ذهب إليه الرأي الراجح فإن منشأ هذا المبدأ نص قانوني، فالمشرع هو الذي يمنع التجزئة مع وجود الترابط الحتمي بين الواقعة الأصلية والواقعة المضافة »ومبناه في ذلك الصلة المنطقية في الذهن الإنساني بين وقائع معينة، فإذا كانت الواقعة المضافة يفترض وجودها وجود الواقعة الأصلية... فإنه لا يَجوز للمقر لهُ أن يُجزئ الإقرار على المقر«، ويرد هؤلاء على أصحاب الاتجاه القصدي أن الأمر لو كان كما تزعمون لكان ليس في وسع المقر له عند تمسكه بالإقرار أن يدحض الوصف أو الواقعة المضافة بينما من الـمُسَلّم به- فقهاً وقضاءاً- أن مبدأ عدم التجزئة لا يمنع من ذلك، وأما على الصعيد التشريعي، فقد نصت المادة (95) من قانون الإثبات اليمني على أنه (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى) وكذا نصَّ المشرع العراقي على أنهُ (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصبَّ على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى)، ويتضح من النصين السابقين أن الأصل عدم تجزئة الإقرار القضائي، ويفهم منه أن شرط تطبيق هذا الأصل أن يكون هناك تلازم بين الوقائع الواردة في الإقرار الواحد، وهذا النص كان واراداً بلفظه في القانون المدني العراقي، وقد ناقشته لجنة مشروع هذا القانون وقالت: (الإقرار الذي لا يتجزأ فهو أن يقر المدين بالدين أمام المحكمة ويضيف أنه وفى به... والسبب أنه لا يتجزأ في هذه الحالة لأن المدين أقر بواقعتين: 1. واقعة المديونية، 2. واقعة الوفاء، وواقعة الوفاء تستلزم حتماً واقعة المديونية) وعلى هذا الأساس فإن القانون اليمني والقانون العراقي يأخذان بالرأي الراجح في الفقه القانوني. ونصَّ المشرِّعُ المصري بما يتطابق مع نصِّ المشرِّعِ العراقي (28)، فلابد لتطبيق مبدأ عدم التجزئة أنْ يوجد تلازم حتمي بين الواقعة المضافة والواقعة الأصلية، ولكن لائحة المحاكم الشرعية المصرية ذهبت إلى عدم التجزئة مطلقاً حيث نصت على أنه (لا يتجزأ الإقرار الصادر من المدعى عليه بمجلس القضاء فلا يؤخذ منه الضارُّ به ويترك الصالح له، بل يؤخذ جملة واحدة ويعتبر إنكاراً للدعوى)، وقد اتجه واضعو مشروع تنقيح القانون المدني المصري أول الأمر إلى هذا الاتجاه، ولكنهم عدلوا عنه إلى الرأي الراجح فقهاً في المشروع التمهيدي للقانون المدني، وكان المشروع الأوَّلي استنوت- وهو مشروع القاضي- الذي سبق المشروع التمهيدي يأخذ بقاعدة عدم التجزئة مطلقاً أيضاً إذ نصَّ على أن (الإقرار لا يتجزأ على صاحبه Laveu nepeut etre divise contre celui qui la Fait)، وقد ورد في المذكرة الإيضاحية تعليقاً على ما جاء في المشروع التمهيدي- الذي تبناه المشرِّعُ المصري في القانون المدني ثم نقله إلى قانون الإثبات- على أنه (تعرض مسألة عدم التجزئة بالنسبة للإقرار المركب أي مسألة معرفة ما إذا كان يجوز لمن وجه الإقرار إليه أن يأخذ منه ما يرى فيه مصلحة له وأن يهمل الشقَّ المضافَ إلا أن من المقرر أن الشق المضاف يعتبر غير منفكِّ من جملة الإقرار موصوفاً كان الإقرار أو غير موصوف إذ لولاهُ لما صدر الاعتراف ثم أن الإقرار بأسره هو الذي يعتبر حجة لا جزء منه فحسب، ويترتب على ذلك أنَّ الإقرار المركب لا يتجزأ موصوفاً كان أو غير موصوف بل يتعين على من يتمسك به بصفته هذه أن يعتد به بأسره). 

الواقع أننا إذا أمعنا النظر في هذا التعليق وجدناه لا يستقيم مع نص المشروع التمهيدي ونص القانون المدني وإنما يُناسب مع ما جاء في المشروع الأولي للقاضي أستنوت، ولا تفسير لذلك سوى أنه نُقل خطأ من المذكرة الايضاحية التي وضعها القاضي أستنوت إلى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي فلم يُلتفت عند النقل إلى اختلاف النص المعلق عليه، لأن المشروع التمهيدي لم يأخذ بما في المشروع الأوَّلي كما هو ملاحظ مما تقدم، ويتعين إزاء ذلك عدم التعويل مطلقاً على ما جاء بهذه المذكرة والاعتماد على نص القانون. 

أما القانون الفرنسي فقد نص على أن (الإقرار حجة... على من صدر منه ولا يجزأ عليه...)، وهذا يدل على أنه أخذ بالرأي الآخر الذي يرى أن الإقرار لا يتجزأ في جميع الصور، ولم ينصَّ المشرع الأردني على مبدأ عدم التجزئة، ولكن يذهب فقهاء وشراح قانون البينات الأردنية إلى الأخذ بهذا المبدأ في ظل التشريع الأردني شريطة أن يكون هناك ارتباط وثيق بين الوقائع المقر بها من حيث طبيعتها، ويؤيد هذا المذهب أنَّ المشرِّعَ أخذَ بمبدأ عدم التجزئة فيما ورد من إقرار خطي للتاجر في دفاتره الإجبارية، ويضاف إلى ذلك أن المنطق يقضي بأن من أقرَّ بشيء وليس عليه بيِّنة فالقول ما قاله لأن إقراره دليلٌ على صدقه.

وأما بقية القوانين فقد نصت على ما يتفق مع النص اليمني والعراقي والمصري عدا المشرع الليبي فإنه «اقتصر على بيان عناصر الإقرار غير المجزأ وتحديد أثرهِ في حالة واحدة هي عدم اعتراض المقر له على صحة البيانات الإضافية حيث يُشكّل عندئذ بينة تامة اما في حالة الخلاف فيعود تقدير تجزئة الإقرار وعدم تجزئتهِ إلى القاضي»، لذا نص على أنه (إذا اقترن الإقرار الصادر من أحد الطرفين عن وقائع ليست لصالحه بالتصريح بوقائع أخرى أو بظروف يراد منها الحد من أثر الواقعة المقر بها أو تغييرها أو إزالة آثارها فلكامل الإقرار وما اقترن به قوة البيِّنة الكاملة إذا لم يطعن الطرف الآخر في صحة ما أضُيفَ من وقائع أو ظروف، ويترك للقاضي عند الاختلاف تقدير قوة الإقرار كبيِّنة).

ويبدو أن المشرع الليبي يأخذ بمبدأ عدم التجزئة مطلقاً في حالة عدم اعتراض المقر له على الإقرار الموصوف أو المركب الصادر عن المقر. وعلى الصعيد القضائي فقد جرى القضاء اليمني على تطبيق مبدأ عدم التجزئة حسبما هو ثابت في أحكام عدة صدرت عن المحكمة العليا في اليمن (محكمة النقض) فقد أخذ القضاء اليمني بالرأي الراجح وما نصَّ عليه القانون اليمني، وفي هذا الاتجاه ذهب القضاء العراقي فقد قضت محكمة التمييز العراقية إلى أن (إقرار المدعى عليه بالدين المثبت بالكمبيالة وبأنه عن كفالة مصرفية هو إقرار غير قابل للتجزئة لتوافر الارتباط بين واقعة تحرير الكمبيالة والكفالة المصرفية التي لم تتم والتي يؤثر عدم اتمامها على كيان الكمبيالة)، وذهبت المحكمة ذاتها إلى أن (المدعى عليه أقر بالمدعى به وادعى الوفاء، فواقعة الوفاء، وإن كانت منفصلة عن الواقعة الأصلية وهي الإقرار إلا أنها مرتبطة بحيث تؤثر على كيانها ووجودها القانوني لذا فالإقرار هذا لا يتجزأ...). وفي هذا الاتجاه أيضاً ذهبَ القضاءُ المصري، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض (إن المطعون ضده قد أقر أمام المحكمة أن العملية محل الخلاف رست عليه ولكنه لم يقم بتنفيذها وإنما تنازل عنها لآخر، وهو من قبيل الإقرار المركب وذلك لتوافر الارتباط بين الواقعة الأصلية- وهي رسو العملية محل الخلاف على المطعون ضده- والواقعة المصاحبة لها وهي عدم قيامه بتنفيذها وتنازله عنها لآخر، وهذا الارتباط يؤثر على كيان الواقعة الأولى ووجودها القانوني ومن ثم فهو لا يقبل التجزئة). وفي قرار آخر لمحكمة النقض المصرية قضت بأن (إقرار المستفيد بأنه لم يتسلم قيمة الشيكات ليكون مديناً بها أو لينفقها على شؤون نفسه وإنما استعملها لينفق منها على أعمال والده- الساحب-... أنه لا يقبل التجزئة لتوافر الارتباط بين الواقعة الأصلية وهي قبض الشيكات والواقعة المصاحبة لها وهي القصد من القبض، وهذا الارتباط يؤثر على كيان الواقعة الأولى ووجودها القانوني). وأما في نطاق الفقه الإسلامي؛ فهناك اتجاهٌ في هذا الفقه يذهب إلى عدم تجزئة الإقرار إذا عقّب المقر إقراره بوصف أو بواقعة معينة مضادة لذلك الإقرار- أي مؤثرة في نتائجه سلباً- على اعتبار أن الإقرار كلام واحد متصل لا يؤخذ بعضه ويترك بعضه الآخر فهو لا ينعقد له ظهور حتى ينتهي المتكلم منه، وأن الكلام- بحسب القاعدة- تتقوّم إفادته للمعنى بمجموع أجزائه، وأننا لو جزأنا الكلام لكان في ذلك ضرر على المقر، وأن الضررَ منفيٌ في الشريعة الإسلامية، ويبدو أن هذا الاتجاه يوافق الرأي الآخر الذي ذهب إليه بعض فقهاء القانون وبعض التشريعات كما تقدم. ويرى بعضهم أن الكلام مع تعقيبه بما ينافيه لابد من الرجوع في تشخيصه وتعيين كونه إقراراً أو ليس بإقرار إلى العرف فمتى حكم العرف بكونه إقراراً أخذ به- أي يكون حجة بجميع أجزائه- وإذا حكم العرف بأنه لا ينطبق عليه عنوان الإقرار فعندئذ لا يكون ملزماً للمقر، وللقاضي إهماله (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص122- 138).

الشرط الثاني: لتطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار يجب أن يكون الإدلاء بالعنصر المضاف والواقعة الأصلية في آنٍ واحد

يشترط لتطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار أن يدلي المقر بالواقعة الأصلية وما يريد تعديله فيها أو إضافته إليها في آن واحد، فلو أقر بالواقعة الأصلية أولاً ثم أضاف في فرصة تالية واقعة أخرى تُعدّل من أثر الواقعة الأصلية ففي هذه الصورة يكون الإقرار بسيطاً يترتب عليه ثبوت الواقعة الأصلية وأما ما أدلى به لاحقاً فلا يُعدّ إقراراً أصلاً إنما هو مجرد ادعاء، يفتقر إلى إثبات من جانبه، فيجب على المقر أن يذكر ما يريد تعديله أو يضيفه في ذات الإقرار لا بعده، وعليه فإذا أقر المدعى عليه بالدين وسكت، ثم جاء في جلسة أخرى وادعى أنهُ سبق منه وفاء هذا الدين المدعى به، فإنه في هذه الحالة يلزم بالدين ويكلف بإثبات الوفاء (وقد أشار المشرع اللبناني إلى هذا الشرط عند نصه على الإقرار المركب فقال: (يسمى الإقرار مركباً عندما يكون منصباً في وقت واحد على الواقعة الأصلية وعلى واقعة أخرى...). (المرجع السابق، ص142). 

الشرط الثالث: لتطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار يشترط ألاّ يكون للمدعي دليلٌ سوى الإقرار

إن مبدأ عدم التجزئة يشترط لتطبيقه على الإقرار القضائي الصادر في الدعوى، ألا يكون للمدعي دليل آخر على دعواه غير الإقرار الموصوف أو المركب الصادر عن خصمه، فإذا تمسك المقر له بهذا الإقرار لإثبات دعواه فعليه أن يقبل به بجميع أجزائه، وعندئذ تعتبر الواقعة الأصلية ثابتة بصفة قاطعة، وما إضافه المقر عليها يعتبر ثابتاً لمصلحته ويُعفى من إقامة الدليل عليه، ولكن للمقر له أن يُثبت عدم صحة هذه الإضافة وفقاً للقواعد العامة في الإثبات، وبنفس الطرق التي كان يمكن بها إثبات الواقعة الأصلية، وإذا توصل المقر له إلى دحض ذلك فإن الإقرار يعود- في الواقع- بسيطاً وبالتالي يكون حجة على المقر، وإذا لم يتمكن المقر له من دحض ما أضافه المقر، فهل يجوز توجيه اليمين إلى المقر عن أحد شطري الإقرار؟ فيه خلاف فهناك من يذهب إلى عدم الجواز باعتبار أن الإقرار القضائي لا يصح تجزئته بأي طريق من طرق الإثبات حتى لو باليمين الحاسمة، بينما يرى بعضهم لا مانع من ذلك، ففي وسع الدائن- مثلاً- أن يوجه اليمين إلى المقر عن واقعة الوفاء التي قرن بها إقراره بالدين. أما إذا كان للمدعى دليل آخر غير الإقرار فله أن يثبت دعواه الأصلية به، وعلى المدعى عليه (المقر) أن يثبت ما ادعاه من إضافة أو وصف أو دعوى أخرى ذكرها مع إقراره بالدعوى الأصلية، طبقاً للقواعد العامة في الإثبات. وللمدعي- في هذه الحال-، إذا كان دليله يحتاج إلى ما يعزِّزه أو يجعله جائز القبول- كالقرائن والبينة في الأحوال التي يجب فيها الكتابة- يجوز له التمسك بأقوال المقر لا باعتبارها إقراراً قانونياً وإنما باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، وحينئذ لا تطبق قواعد الإقرار بما فيها مبدأ عدم التجزئة، لأن تطبيق هذا المبدأ مقيد إذا لم يكن للمدعي دليل سوى الإقرار كما تقدم، فضلاً عن أن تمسك المدعي بذلك لا بكونه إقراراً. ولا يُقال- هنا- إن الإقرار كتصرف قانوني بالإرادة المنفردة ينتج أثره دون توقف على قبول المقر له، لأن حجّية الإقرار القضائي وإن لم تتوقف على قبول المقر له ولكن بشرط أن لا يرده، فالمقر له إذا وجد مصلحته في غير الإقرار ردّهُ، وتولى إثبات دعواه بدليل آخر.

وجاء في الأعمال التحضيرية للقانون المدني العراقي في ما يخص هذا الشرط أن (عدم تجزئة الإقرار يراد به الإقرار باعتباره الدليل الوحيد على الحق... ويترتب على ذلك أن الدائن إذا قدم سنداً مكتوباً إثباتاً لحقه وأقرَّ المدين بالدين وادعى وفاءه فليس هذا هو الإقرار الذي لا يتجزأ لأن الدائن اعتمد في إثبات حقه لا على إقرار المدين، بل على السند الكتابي فيكلف المدين في هذه الحالة بإثبات الوفاء. أما الإقرار الذي لا يتجزأ فهو أن يقر المدين بالدين أمام المحكمة ويضيف أنه أوفى به ولا دليل للدائن غير إقرار المدين)، وجاء في الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري بأنه إذا كان الإقرار هو الدليل الوحيد على الواقعة المدعى بها وأن (من يقع عليه عبء الإثبات... اعتزم أن ينتفع من الإقرار بوصفه هذا في هذه الحالة يكون الإقرار غيرَ قابلٍ للتجزئة)، أما إذا كان لديه دليل آخر (فإن الخصم لا يتمسك في هذه الحالة بالإقرار كطريق من طرق الإثبات، ولذلك لا تطبق بشأنه الأحكام العامة، ولا يكون غير قابل للتجزئة، بل يجوز الانتفاع من أي عنصر من عناصره بأيَّة صفة قانونية أخرى)، ومن ثمَّ يمكن للمدعي أن يعدَّ (الإقرار المركب مبدأ ثبوت بالكتابة يبيح الإثبات بالبينة أو مبدأ ثبوت يجيز توجيه اليمين المتمِّمة، وفقاً للقواعد العامة في الإثبات). وجاء عن المشرع اللبناني- من دون بقية التشريعات ايضاً- فيما إذا كان الإقرار الموصوف أو المركب هو دليل المدعي على دعواه أن (... هذا الإقرار يفيد الثبوت التام فيما يختص بالواقعة الأصلية، أما البيانات الإضافية فتعدّ ثابتة إلى أن يثبت عكسها)، فإذا اعترف المدين (... بأنه اقترض المبلغ المدعى به ولكنه يزيد على اعترافه أنه أوفاه فيما بعد، فالمحكمة تعتبر فعل الاقتراض ثابتاً على وجه نهائي، أما الإيفاء فيعدّ ثابتاً إلى أن يُّثبت عكسه) وأما ما ورد من تطبيقات قضائية بشأن هذا الشرط وما يتعلق به، فقد ذهبت محكمة التمييز العراقية إلى أن الدعوى إذا (أصبحت مقصورة على مجرد الإقرار في هذه الحالة لا يمكن تجزئة هذا الإقرار، فإما أن يقبل الدفع بالتسديد برمته عن كافة المبلغ المدعى بعدم تسديده أو تُكلف المدعية بالإثبات فإن عجزت كان لها حق طلب تحليف المدعى عليه اليمين، وهذا هو حكم الإقرار المركب)، وقضت هذه المحكمة- فيما إذا أراد المدعي أن يُثبت دعواه بالبينة- أن (الإقرار المركب الوارد بدليل كتابي الذي لا يجوز تجزئته يُعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة مما يصح معه استماع الشهادة لإثبات التصرف القانوني)، وذهبت محكمة النقض المصرية بصدد هذا الشرط إلى أنه (من المقرر- على ما جرى به قضاء النقض- أن عدم تجزئة الإقرار الموصوف أو المركب المتخذ كدليل في الدعوى محله ألاّ يكون فيها دليل غيره أما إذا وجد دليل آخر كالبيِّنة أو أريد اتخاذ الإقرار كمقدمة دليل كتابي فإنه يكون من الجائز تجزئته والأخذ ببعضه دون بعضه الآخر واعتبار ما اجتزئ منه مبدأ ثبوت بالكتابة)، وقضت هذه المحكمة بأنه (لا يمنع المقر له... من التمسك بما هو في صالحه من الإقرار على أن يتحمل عبء نفي الواقعة المرتبطة إذا كان الإقرار غير قابل للتجزئة).(المرجع السابق، ص137)

الشرط الرابع: أمن شروط تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار أن تتوفر في العنصر المضاف شروط الحجّية

يجب أن يكون ما أضافه المقر إلى واقعة الإقرار الأصلية عند الإدلاء بإقراره أن تتوفر في هذه الإضافة الشروط العامة والخاصة لحجّية الإقرار القضائي- كما تقدم- فيجب- مثلاً- أن تكون الواقعة الأخرى المضافة إلى الواقعة الأصلية غير مكذبة بظاهر الحال، فلو ثبت لدى القاضي ما يفيد تكذيباً لإحدى الوقائع المرتبطة فيجب على القاضي أن يهملها، ويبقى الإقرار حجة في الواقعة الأصلية، فلو أقر المدعى عليه بواقعة تسلمه مبلغ المال المدعى به ولكنه أضاف أنه اشترى به عقاراً للمدعي، ثم تبين أن العقار المذكور لم يكن باسم المقر له وإنما باسم شخص آخر، ففي هذه الحالة يكون الإقرار حجة في واقعة التسلُّم وأما ما أضافه فلا حجّية له، وكذلك الحال لو تناقضت أقوال المقر في الواقعة المضافة مما يلزم منه عدم تصديقها فعندئذ يستبعدها القاضي ويعتني بالإقرار المنصب على الواقعة الأصلية فقط لاقتصار الحجّية عليه ويلزم المقر بما أقر به، ففي هذه الحالات لا يطبق مبدأ عدم التجزئة وذلك لتخلف أحد شروط حجّية الإقرار القضائي في الواقعة المضافة. ولهذا ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أن (الأصل في الإقرار المركب أنه لا تجوز تجزئته إلا أنه يجب أن تكون الواقعة الأخرى المرتبطة مع الواقعة الأصلية المعترف بها ثابتة لا يدل ظاهر الحال على عدم صحتها). (المرجع السابق، ص 138).

 المبحث الرابع 
الحالات الاستثنائية التي يتجزأ فيها الإقرار

أشارت بعض القوانين كالقانون اليمني وكذا ذكر شراح القانون ثلاث حالات يتجزأ فيها الإقرار القضائي استثناءاً من مبدأ عدم تجزئة الإقرار، وهذه الحالات هي:

الحالة الأولى: إذا لم تكن الوقائع الواردة في الإقرار متلازمة

أشار قانون الإثبات اليمني إلى هذه الحالة فقد نصت المادة (95) من هذا القانون على أنه (لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى)، فإذا لم يكن هناك تلازم بين الواقعتين بحيث يمكن تصور الواقعة المضافة دون الواقعة الأصلية، والمثل المألوف لهذه الحالة هو أن المدعى عليه يقر بالدين المدعى به ويطلب المقاصة لأن المدعي أيضاً مدين له بدين آخر، فيلاحظ هنا أن واقعة الدين الأخرى مستقلة عن واقعة الدين الأصلية فيمكن أن تقوم ولو بدونها، فوجود أحد الدينين لا يستلزم وجود الدين الآخر، ومن ثم فالفصل بينهما ممكن، ففي هذه الحالة يجزئ الإقرار على المدعى عليه، فيعدّ الإقرار قائماً فقط في الواقعة الأصلية التي هي ضد مصلحة المقر، أما دعواه الأخرى فلا يؤخذ بها ولا ينتقل عبء إثباتها على المدعي، فعلى المقر أن يثبت أن له ديناً في ذمة المدعي كان سبباً في وقوع المقاصة، فإن عجز عن ذلك يبقى الإقرار قائماً في إثبات الدين المدعى به. ويقول الأستاذ حسين المؤمن في هذه الصورة «إن الأخذ بجميع أجزاء الإقرار إخلال بالقواعد القانونية إذ بعد أن ثبتت مشغولية ذمة المدعى عليه بالدين فيجب عليه أن يقيم هو الدليل على مشغولية ذمة خصمه بالدين الآخر الذي يدعيه، إذ لو قبلنا بخلاف ذلك فنكون قد حكمنا على المدعي بدون دليل بل قد يجرنا ذلك إلى الحكم للمدعى عليه لا للمدعي، كما لو ادعى المدعى عليه بدين يزيد على دين المدعي، وعلى ذلك فلو أخذنا هنا أيضاً بعدم تجزئة الإقرار لترتب على مجرد أقوال المدعى عليه الحكم له بالتفاوت الحاصل بين الدينين، وهذا ما لا يأتلف مع أصول القانون ولا يستقيم مع العدالة»، ونظير ما تقدم لو أقر المدعى عليه بالعمل غير المشروع الذي صدر عنهُ ولكنه يقول إنما صدر ذلك عنه دفاعاً عن نفسهِ، فعندئذ للمدعي أن يتمسك بثبوت المدعى به على اساس هذا الإقرار، وعلى المدعى عليه أن يثبت أنه كان في حالة الدفاع الشرعي ليعفيه من المسؤولية المدنية. وهذه الحالة عدّها القانون اليمني والعراقي والمصري والسوري واللبناني والكويتي والجزائري استثناءاً من مبدأ عدم تجزئة الإقرار على ما يدل عليه سياق النص الذي قرر أن الأصل هو مبدأ عدم التجزئة، ويتفق القانون البحريني مع القوانين المشار إليها إلا أنه في صياغته للنص لم يستعمل أسلوب الاستثناء. ويلاحظ الدكتور سليمان مرقس على النص في صدد الاستثناء الوارد فيه أن «هذا النص قد جاوز قصد المشرع إذ أن اكتفاءهُ في إجازة تجزئة الإقرار المركب بأن تكون إحدى الوقائع المتعددة لا تستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى يسمح بالقول بجواز التجزئة سواء في الحالة التي تكون فيها الواقعة الأصلية لا تستلزم حتماً الواقعة المضافة ومثلها الإقرار بالدين وبالوفاء أو في الحالة التي تكون فيها الواقعة المضافة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية ومثلها الإقرار بالدين وبالمقاصة، حيث أن المقاصة تقتضي نشوء دين آخر لصالح المقر في ذمة المقر له، وهذه الواقعة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية مصدر الدين المدعى به أصلاً في حين أن الثابت أن المشرع لم يقصد بعدوله عن نص المشروع الأولي إلى نص المشروع التمهيدي الذي استقر في القانون سوى العدول من رأي القلة من الشراح إلى رأي الكثرة وهو أن تكون الواقعة المضافة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية أي قصر الاستثناء الخاص بتجزئة الإقرار على الحالة التي تكون فيها الواقعة المضافة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية» (أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية، المجلد الأول، الأدلة المطلقة، د. سليمان مرقس ط5، القاهرة، 1991م، ص666).

والذهن قد ينصرف إلى أن مراد القانون البحريني من هذا الاستثناء حالة تعدد الوقائع الذي يقابله تعدد الإقرارات كما سيأتي في الحالة الثانية، في حين أن المشرع لم يقصد هذه الحالة وإنما قصد حالة إذا لم يكن هناك تلازم بين الواقعة المضافة والواقعة الأصلية فعندئذ لا يطبق مبدأ عدم التجزئة لذا نرى الأولى أن تكون صياغة النص على النحو التالي: (لا يُجزأ الإقرار على المقر إذا كانت الواقعة المضافة تستلزم الواقعة الأصلية) لأن المشرع يريد أن يؤكد أن مبدأ عدم التجزئة لا يطبق في جميع صور الإقرار الموصوف والمركب وإنما فقط في وجود حالة الملازمة. ونجد هذه الحالة في تطبيقات القضاء فقد ذهبت محكمة التمييز العراقية إلى (أن إقرار الخصم بالبيع وادعاءه الإقالة هو إقرار يقبل التجزئة لكونه انصب على واقعتين كان وجود إحداهما لا يستلزم حتماً وجود الأخرى)، وذهبت المحكمة ذاتها في قرار آخر لها إلى أن (الإقرار قد انصب على وقائع متعددة هي الإقرار بعقد الإيجار وبالأشغال وبتسديد الأجرة وأن وجود واقعة منها وهي الأشغال لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأخرى وهي تسديد البدل ولذلك فإن مثل هذا الإقرار يتجزأ). ويلاحظ على هذه القرارات أنها تطبق تجزئة الإقرار في جميع صور عدم التلازم بين الوقائع ولكن الذي ينبغي هو أن التجزئة ترد على الإقرار الذي فيه الواقعة المضافة لا تستلزم الواقعة الأصلية. وذهبت محكمة النقض المصرية إلى أن (الإقرار القضائي المركب لا يقبل التجزئة إلا إذا انصبَّ على وقائع لا ارتباط بينها).

وأما في الفقه الإسلامي؛ فهناك اتجاه مخالفٌ للاتجاه المتقدم ذكره، يرى أن الإقرار القضائي يُجزأ مطلقاً، فالمقر يؤخذ بإقراره وأما التعقيب الذي لحق إقراره فهذه دعوى منه تحتاج إلى بيّنة، فيلزم المقر بالجزء الذي يطابق الدعوى ويعتبر مدعياً بالجزء الذي عقّب به إقراره فعليه يقع عبء إثباته، أي أن المقر من جهة أنهى النزاع لما يدعيه المدعي ولكنه من جهة اخرى أحدث نزاعاً جديداً عندما عقّب كلامه بما ينافي الإقرار منه، وهذا النزاع الجديد يخضع لقواعد المرافعة والإثبات، وذلك باعتبار تعقيب الإقرار بما ينافيه يعدُّ بمثابة رجوع عن الإقرار وهو غير جائز بحسب ما تقتضيه القاعدة في الإقرار، وعليه يلغى هذا المنافي ويبقى ما قاله أول كلامه تاماً لهُ الحجّية الشرعية لأن هذه الحجّية انعقدت لهذا الإقرار قبل إتيان المقر بالمنافي. (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص140- 146).

الحالة الثانية: تضمن المدعى به عدة وقائع على نحو الاستقلال

ويذكر الفقهاء حالة ثانية يتجزأ الإقرار فيها أيضاً، ذلك أنه قد يحصل في أثناء استجواب معين للمدعى عليه حول موضوع الدعوى يتضمن دعاوى متعددة، فيقر المدعى عليه ببعضها وينكر بعضها الآخر أو يقر بجميعها. ففي هذه الحالة فيمكن للمقر لهُ أن يتمسك بجميع ما أقر به المقر أو يتمسك ببعض ما أقر به من وقائع دون بعضها الآخر ومثال ذلك كما لو ادعى شخصٌ على آخر بمبلغ دين وبمبلغ عن بدل إيجار وبمبلغ عن بدل بيع سيارة فيقر المدعى عليه بالواقعتين الأولى والثانية دون الثالثة أو يقر بجميع هذه الوقائع الثلاث التي تضمنها ادعاء المدعي. وعليه فالإقرار يقبل التجزئة عندئذ على اعتبار كل واقعة مستقلة عن الأخرى ولا يلزم المقر له بالأخذ بجميع الوقائع الثلاث، ومن نظير هذه الحالة كما لو قدم الوكيلُ كشفاً عن وكالتهِ فإن كل بند من بنود هذا الحساب يعدُّ إقراراً قائماً بذاته فيجوز لذي الشأن أن يُسلِّمَ ببعض البنود ويُناقش بعضَها الآخر دون أن يكون للوكيل التمسك بعدم تجزئة الحساب (العلامة الدكتور. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، ج2، ط3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2000م، هامش (2) ص509، والأستاذ الدكتور. سمير عبد السيد تناغو، النظرية العامة في الإثبات، 1999م، ص23).

الحالة الثالثة: إذا ثبت كذب أو استحالة الواقعة المضافة

يَعدُّ الفقهاء هذه الحالة من الحالات التي يتجزأ فيها الإقرار، فإذا ثبت كذب الواقعة المضافة فالمقر له أن يتمسك بالإقرار فيما يخص الواقعة الأصلية فقط، وكذا الحال إذا كانت مستحيلة.

تعليق لطيف للدكتور طارق الحمامي عن الحالات المستثناة من تطبيق مبدأ عدم تجزئة الإقرار: 

قال الدكتور طارق الحمامي: الواقع أن الحالات الثلاث المتقدمة التي ذكرها غالبية الفقهاء وتصدوا لها عند بحثهم عن إمكانية تجزئة الإقرار القضائي. والواقع أننا إذا أمعنا النظر فيها لم نجدها استثناءات من مبدأ عدم التجزئة وإنما يبدو أن الإقرار القضائي يتجزأ فيها، بسبب تخلف شرط من شروط تطبيق المبدأ المتقدمة، ففي الحالة الأولى إذ أمكنت التجزئة لأن الواقعة المضافة لا تستلزم الواقعة الأصلية، وهذا يعني تخلف شرط التلازم لتطبيق مبدأ عدم التجزئة على الرأي الراجح ذلك لأن حجّية الواقعة المضافة لم تكن لمجرد اقترانها بالواقعة الأصلية وإنما حجيتها التي جعلتها متساوية مع بقية أجزاء الإقرار هو صلتها وتلازمها مع الواقعة الأصلية وعليه إذا انتفى هذا التلازم انتفت حجّية الواقعة المضافة، وأما الحالة الثانية ؛ فنجد أن هناك وقائع قانونية مختلفة صدرت بشأنها إقرارات متعددة، ولكن صدورها في استجواب معين واحد قد يُوهم وكأنها إقرار واحد تضمن عدة وقائع، فقبول التجزئة في هذه الحالة إنما جازت؛ لأن هناك وقائع منفصل بعضها عن الآخر ومتباينة في موضوعها وحدوثها، وبالتالي تعدد الوقائع استوجب بالمقابل تعدد الإقرارات، فنحن أمام حالة فرز وفصل كل إقرار على حدة وليس في حالة تجزئة وقائع إقرار واحد، وهذه الإقرارات بعد فصلها يعتبر كل منها إقراراً مستقلاً لا يقبل التجزئة من حيث المبدأ.

أما في الحالة الثالثة؛ نرى- واقعاً- أن الذي حصل هو تخلف شرط من شروط صحة وحجّية الإقرار القضائي في الواقعة المضافة، ففي هذه الحالة يبقى الإقرار قائماً فقط في الواقعة الأصلية بما لها من حجّية قاطعة ولا يعدُّ ذلك تجزئة للإقرار، بل لعدم كون بعض ما اشتمل عليه الإقرار القضائي حجة. 

ويضيف بعض الفقهاء والشراح حالات أخرى إلى الحالات الثلاثة المتقدمة يكون الإقرار فيها يقبل التجزئة، منها : حالة إذا لم يكن الإقرار هو الدليل الوحيد في الدعوى، وحالة إذا اتخذ المدعي إقرار الخصمِ مبدأ ثبوت بالكتابة... ونحن نعتقد أن هذه الحالات فضلاً عما يرد عليها ما أوردناه على الحالات الثلاث المتقدمة ليس فيها تمسك بالإقرار أصلاً حتى يُقال إنه يقبل التجزئة أو لا يقبلها، إذ مع وجود دليل غير الإقرار في الدعوى يكون هذا الدليل هو مستند المدعي لإثبات دعواه لا الإقرار الصادر من خصمه. أما في حالة إذا أحتُج بالإقرار كمبدأ ثبوت بالكتابة يكون ذلك الاستناد إليه بهذا الاعتبار أيضاً لا باعتباره إقراراً قضائياً حسبما هو مبين في شروط تطبيق مبداً عدم تجزئة الإقرار السابق ذكرها.

ونخلص من ذلك إلى القول: أن مبدأ عدم تجزئة الإقرار القضائي مبدأ مطلق لم يرد عليه استثناء طالما توفرت شروط تطبيقه كافة. هذا ومع كل ما تقدم نحن نرجح تجزئة الإقرار القضائي مطلقاً لأن الإقرار القضائي إذا تضمن وقائع هي في صالح المقر، عندئذ نكون ناقضنا ما تتوقف عليه حقيقة الإقرار القضائي. (حجية الإقرار القضائي في الإثبات المدني، د. طارق عبد الرزاق الحمامي، ص140-146).