المبادئ الأساسية لحقوق المتهم في مرحلة المحاكمة في القانون اليمني وأهم المبادئ العالمية لحقوق الإنسان

القاضي/ أحمد محمد الجندبي

7/19/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

المبادئ الأساسية  لحقوق المتهم في مرحلة المحاكمة في القانون اليمني
 وأهم المبادئ العالمية لحقوق الإنسان

 

القاضي/ أحمد محمد الجندبي

رئيس المكتب الفني بالنيابة العامة

 

مقدمـــــة

إن ثبوت صفة المتهم في شخص معين يترتب عليه ثبوت حقوق عديدة يقررها له القانون ذلك أن المتهم هو الطرف الثاني في الدعوى الجزائية وهو الذي تقدمه النيابة العامة حين تقيم الدعوى أمام القضاء على أساس أنها تتهمه بارتكاب الجريمة الأمر الذي يجعلنا نتطرق في دراستنا هذه إلى ماله من حقوق في التشريعات الوطنية مقارنة بما هو سائد في التشريعات العربية والدولية والاتفاقيات والمعاهدات التي رعتها منظمة الأمم المتحدة.

ولا مراء في أن المتهم يمثل الطرف الأضعف أمام سلطات الدولة وهو الأحق بالحماية الجنائية ورعاية حقوقه الإنسانية ولاشك أن كفالة وتعزيز حقوق الإنسان ليست مجرد أمر يجب أن تسعى إليه منظمة بعينها (الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة مثلاً) وإنما يجب أن تتضافر في هذا الخصوص جهود الجميع أفراداً/ جماعات/ وهيئات ومؤسسات معنية وحكومات وسلطات مختصة ومنظمات دولية.

وقد لاقت حقوق الإنسان وتلاقي دائماً اهتماماً متزايداً على الصعيد الوطني (بإصدار تشريعات داخلية بخصوصها) وعلى المستوى الدولي خصوصاً في إطار المنظمات الدولية، وقضية حقوق المتهم كإنسان تطرح نفسها على كافة الأصعدة الوطنية والدولية بحيث يستقر الرأي إلى القول بأن المتهم في حاجة ماسة إلى الحماية القانونية بدرجة تفوق الإنسان مجرداً من هذا الوصف، ومن ثم فإن الضرورة تحتم الاستعانة بقانون الإجراءات الجزائية بحسبانه الفرع القانوني الذي يوضح حدود تدخل الدولة في حقوق المتهم بحيث لا تستطيع وفقاً لأحكامه أن تسرف في هذا التدخل وإلاّ عد ذلك افتئاتاً على حقوق الإنسان.

وإن العدالة هي الوسيلة الأسمى لتحقيق هذه الحماية وهي الغاية لمشتمل الحريات والحقوق وصون كرامة الإنسان ولا نبالغ إذا قلنا أن العدالة تعتبر مرآة التحضر البشري والرقي الإنساني وهي المعيار الدال على الاحترام المكفول لآدمية الإنسان وإنسانيته بحسبانها أسمى وأجل ألقابه.

وتحقيق العدالة هو نتيجة طبيعية ومنطقية لوجود قضاء نزيه ومؤهل لكفالة مفترضاتها.

 

لكن وجود هذا الأخير مرهون بسيادة المناخ القانوني الذي تؤمن تحت مظلته ضمانات عدالة المحاكمة لكل من يتوجه إليه الاتهام من قبل النيابة العامة بدعوى اقترافه لفعل يجرمه القانون.

وإذا كانت حقوق المتهم إبان المحاكمة حقيقة جسدتها المبادئ الأساسية لاحكام قانون الإجراءات الجزائية والمعتضدة بالقواعد الدستورية المستقاة في الأساس من شريعتنا الإسلامية والمبادئ والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي اهتدى إليها الفكر الإنساني عبر مراحل نضاله الطويل في إعلاء حقوق الإنسان والانتصار للعدالة.

فمن هنا يكون منطقياً أن نلج إلى بيان هذه الحقوق محل الدراسة في حق محاكمة المتهم أمام قاضيه الطبيعي بما يتوافر له من استقلال وتخصص وحقه في أن تتم هذه المحاكمة في مواجهته كما يمكن من الدفاع عن نفسه.

وإذا كانت محاكمة المتهم حضورياً تهيئ له سبيل الدفاع عن نفسه بالأصالة أو بالاستعانة بمحام فإن ما يحقق هذه الغاية إجراؤها علناً لأن علانية المحاكمة تبث الطمأنينة لدى الكافة– المتهم من ناحية وجمهور الناس من ناحية أخرى، ولا تجعل قضاة الحكم في معزل عن رقابة الناس باعتبارهم أصحاب حق في الإحاطة بما تضطلع به أجهزة العدالة في الدولة.

كما أن حق المتهم في الصمت قد كفلته العديد من الدساتير والقوانين صراحة أو ضمناً باعتباره حقاً طبيعياً للإنسان وشكلاً آخر لممارسة حق الدفاع يواجه به المتهم السلطة التي تتسلح بالعديد من أشكال القوة حين يختار المتهم الصمت.

وعندها يتعين على سلطات الادعاء احترام وسيلة المتهم في الدفاع عن نفسه بالصمت دون أن يفسر ضده فلا يمكن أن ينسب لساكت قول.

ويتفرع عن هذه الحقيقة نتيجة هامة مؤداها افتراض براءة المتهم والتي هي في الأساس محل إجماع فقهي على وجودها بخلاف حق الصمت، بل إنها تجاوزت هذا الإقرار الفقهي إلى حد تقنينها ويستتبع الاعتراف بقرينة البراءة التسليم بنتائجها التي من بينها إلقاء عبء إثبات الاتهام على من يدعي عكسها وهي نتيجة لا تتفق بالقطع مع مطالبة المتهم بالمشاركة في إدانة نفسه وهو الأمر الذي اكتسب طابعاً دستورياً فيما يعرف بحق أو امتياز عدم تجريم النفس أو عدم جواز شهادة المتهم ضد نفسه.

ولذلك سأرتب بحثي هذا في أقسام ثلاثة على النحو الآتي:

القسم الأول : المبادئ الأساسية لحق المتهم في محاكمة عادلة

أولاً: المبادئ المتعلقة بالقضاء:

1- مبدأ استقلال القضاء.

2- مبدأ تخصص القضاء.

3- مبدأ حياد القضاء.

ثانياً: المبادئ المتصلة بسير إجراءات المحاكمة:

1- علانية المحاكمة.

2- حضور المتهم إجراءات المحاكمة.

3- شفوية المرافعات.

4- مباشرة القاضي جميع إجراءات الدعوى.

5- تقيد المحكمة بحدود الدعوى.

6- تدوين الإجراءات.

القسم الثاني: المبادئ المتصلة بالدفاع

أولاً: ضمانات الدفاع:

1- الإحاطة بالتهمة والاطلاع على ملف الدعوى.

2- الاستجواب.

3- الاستعانة بمحام

4- اتصال المتهم بمحاميه

5- إبداء الطلبات والدفوع.

6- حق الاستعانة بمترجم.

7- حق الصمت.

8- الحق في عدم تحليف المتهم اليمين.

القسم الثالث : قرينة البراءة 

القسم الأول
المبادئ الأساسية لحق المتهم في محاكمة عادلة

عديدة هي المبادئ المتصلة بحق المتهم في مرحلة المحاكمة وهي نوعان: مبادئ تتصل بالقضاء وأخرى بسير إجراءات المحاكمة، ولعل الصنف الأول هو البوابة لحماية الحريات ومن ذلك حرية المتهم في كفالة محاكمته أمام قاض مستقل ومحايد متخصص والأخرى هي الطريق لحق المتهم في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي في علانية ووجوب حضوره كافة جلسات المحاكمة.

لهذا سنتناول هذه المبادئ تتالياً على النحو الآتي:

أولاً: المبادئ المتعلقة بالقضاء:

القضاء هو بوابة حماية الحريات والحقوق ومن تلك الحقوق حماية حق المتهم أثناء المحاكمة فينبغي إحاطته بسياج منيع من الضمانات ليتحقق حق المجتمع في العقاب بعد كفالة حق المتهم في محاكمة عادلة.

وهذه الحقوق جسدتها المبادئ الأساسية لقانون الإجراءات الجزائية والقواعد الدستورية المستقاة من الشريعة الإسلامية والمعاهدات الدولية التي اهتدى الإنسان إليها، ومن هنا يكون منطقياً أن ندلف إلى بيان هذه الحقوق، حق المتهم للمثول أمام قاضيه الطبيعي بما تتوافر له من استقلال وتخصص وحيدة.

1- استقلال القضاء:

خلال توالي الحقب والعصور حظي القضاء باهتمام بالغ إدراكاً لخطورة رسالته في إعلاء سيادة القانون وحماية الشرعية وصيانة حقوق الإنسان.

فقد حمل القضاء أمانة تحقيق العدل منذ فجر التاريخ واستشعرت  الجماعة البشرية منذ وعت حاجتها الماسة إليه سبيلاً إلى تحقيق الأمن والطمأنينة ونصفة المظلوم وقمع الظالم وأداء الحق إلى مستحقيه.

وتجلى ذلك الاهتمام في الخلافة الإسلامية فيما سجلته رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  إلى أبي موسى الأشعري عندما ولاه الكوفة بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم...من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن قيس السلام عليكم أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة) تعبيراً عن قدم القضاء ونهوضه برسالة تحقيق العدل الذي كان وما يزال مبتغى الإنسان في كل زمان ومكان والقضاء هو الضمان الأساسي لحريات المواطنين وهو السياج الواقي في مواجهة كل من بغى ومن العسير عليه النهوض برسالته إلا في ظل نظام قانوني يحترم استقلاله  ويصون مقرراته، وهذا ما قصدته المحكمة الدستورية العليا في مصر بقولها: (...... ولأن الدولة القانونية هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية وهي ضمان يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم وحداً لكل سلطة ورادعاً ضد العدوان)[1].

ومن هنا فقد حق لمنتسكيو القول: (إن الحرية تنعدم أن لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع لأن حرية أبناء الوطن وحياتهم تصبحان تحت رحمتها ما دام القاضي هو المشرع أما إذا كانت السلطة القضائية متحدة مع السلطة التنفيذية فإن القاضي يكون طاغياً).

ويعتبر استقلال القضاء عنصراً هاماً في شرف القضاء وبدونه يفقد القضاء قيمته وجدواه في حماية الحريات، ولهذا نصت المادة (149) من دستور الجمهورية اليمنية على أن (القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأي جهة وبأي صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم) وهو نفس نص المادة (1) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة1991م.

ويقتضي استقلال القضاء توافر عدة ضمانات للقضاة في شأن تعيينهم بأن يعهد أمر ذلك  لمجلس القضاء الأعلى وفي ذلك نصت المادة (259) من قانون السلطة القضائية على أن (...يكون التعيين في وظائف السلطة القضائية الأخرى عدا المحكمة العليا بقرار جمهوري بناءً على ترشيح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى...) ونصت المادة (7) من قانون المرافعات على أن (يعين القاضي طبقاً للمنصوص عليه بقانون السلطة القضائية) ومن الضمانات ضمان حق القاضي في عدم النقل غير المبرر ويجب أن يمكن القاضي من التظلم في حالة عدم موافقته على النقل وتسمع أقواله ومن الضمانات ضمان أن يكون القاضي غير قابل للعزل، وفي ذلك نصت المادة (151) من الدستور على أن (القضاة وأعضاء النيابة العامة غير قابلين للعزل إلا في الحالات وبالشروط التي يحددها القانون....) ونصت المادة (86) من قانون السلطة القضائية على أن (القضاة غير قابلين للعزل من مناصبهم إلا إذا كان العزل عقوبة تم توقيعها في دعوى محاسبة بموجب أحكام هذا القانون).

كما أن من ضمانات الاستقلال أن ينظم مجلس القضاء الأعلى طريقة محاسبة القضاة وندبهم وأن يختص دون غيره بهذه الصلاحيات وأن يتولى إصدار الموازنة العامة للسلطة القضائية دون تدخل أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وفي ذلك نصت المادة (152) من الدستور على أن (يكون للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين اختصاصاته وطريقة ترشيح وتعيين أعضائه ويعمل على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل وفقاً للقانون، ويتولى المجلس دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء تمهيداً لإدراجها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة).

ولا يفوتنا الإشارة إلى أن استقرار القاضي يساوي استقلاله فيجب أن يضمن له العيش الكريم لحياة آمنة مستقرة توفر له درعاً متيناً في مواجهة أي تأثير خارجي أو مصلحة شخصية بتجديد جدول راتب القضاة آلياً بارتفاع أسعار المعيشة وفقاً للمعايير الدولية المعترف بها (على النحو المقرر في منظمة الأمم المتحدة) بقرار يصدره مجلس القضاء الأعلى بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية.

وتجسيداً لمبدأ الاستقلال تعين إلحاق هيئة التفتيش القضائي بمجلس القضاء الأعلى.

ولعل المشرع اليمني في تأكيده لاستقلال القضاء ينهج خطى المقنن الدولي  بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادتين (11.10) وبما ورد في المادة (14/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على أن (من حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة  ونزيهة منشأه بحكم القانون). 

وقد أكدت اللجنة المعنية لحقوق الإنسان على نحو لا لبس فيه أن (حق الفرد في أن يحاكم من طرف محكمة مستقلة ومحايدة حق مطلق ولا يخضع لأي استثناء).

وهو ما يتوافق مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985م، ومما عنت به هذه المبادئ التأكيد على استقلال السلطة القضائية (المبدأ الأول) وتحديداً في مفهوم الاستقلال المؤسسي للسلطة القضائية الذي أكد على كفالة الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية) وتتضمن المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة تدابير وقائية لضمان استقلال أعضاء النيابة العامة في مهنهم ومن هذه الأحكام ما هو موجه إلى الدول، فقد جاء في المبدأ الرابع (تكفل الدول تمكين أعضاء النيابة العامة من أداء وظائفهم المهنية دون ترهيب أو تعويق أو مضايقه أو تدخل غير لائق ودون التعرض بلا مبرر للمسئولية المدنية أو الجنائية أو غير ذلك من المسئوليات. وتحتوي معايير الاتحاد الدولي لأعضاء النيابة على فقرات خاصة بالاستقلال فالفقرة (2/1) تنص على أنه (ينبغي ممارسة السلطة التقديرية في الولاية القضائية التي يسمح فيها بذلك بشكل مستقل ودون تدخل) وتنص الفقرة (1) منه بشأن السلوك المهني لأعضاء النيابة العامة (على أعضاء النيابة العامة (...) أن يحموا على الدوام حق المتهم في محاكمة عادلة وأن يتأكدوا بالأخص من أن الأدلة التي في صالح المتهم يتم الإفصاح عنها وفقاً للقانون أو متطلبات المحاكمة العادلة.

علاوة على ذلك ووفقاً للمبدأ السابع من المبادئ الأساسية نجده أكد على أن من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد المالية الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.

وفي شأن تعيين القضاة أكد المبدأ العاشر على أن (يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفراداً من ذوي النزاهة والكفاءة وحاصلين على مؤهلات مناسبة في القانون ..) وقد نص قانون السلطة القضائية في مادته (57) شروط التعيين بوظائف السلطة القضائية وهي لا تخرج عما نص عليه في هذا المبدأ. ويلاحظ أن المعاهدات الدولية والإقليمية لم تتناول صراحة الجانب المالي لأعضاء السلطة القضائية، بيد أن المبدأ الحادي عشر من المبادئ الأساسية ينص على (أن تدفع للقضاة أجور ومعاشات تقاعدية ملائمة). وفيما يتعلق بالترقيات يلاحظ على أن المبدأ الثالث عشر أكد على ضرورة أن يستند نظام الترقية للقضاة حيثما وجد هذا النظام إلى العوامل الموضوعية ولاسيما الكفاءة والنزاهة والخبرة وتنص معايير الاتحاد الدولي لأعضاء النيابة العامة في المعيار(6) على أن يحصل أعضاء النيابة على أوضاع عمل معقولة وأجر كاف يتناسب مع الدور الهام الذي يؤدونه (...) وأن يخضع معاشهم وتحديد سن تقاعدهم لشروط التعيين أو الانتخاب في حالات معينة وأن يكون تعيينهم وترقيتهم بناءً على عوامل موضوعية وبالأخص المؤهلات المهنية والقدرة والنزاهة والأداء والخبرة وأن يتم الحكم على هذه العوامل وفقاً لإجراءات نزيهة ومحايدة.

أما الدستور اليمني فقد نص في مادته (150) على أن (.... يحدد القانون الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات الخاصة بهم...). 

2- مبدأ تخصص القضاء الجنائي:

الاختصاص معناه منح سلطة لجهة معينة للفصل بما قد يطرح عليها من قضايا وتختص المحاكم الجزائية بالفصل في شأن الجرائم التي تطرح عليها.

ولا شك أن المشرع اليمني يهدف إلى تحقيق العدالة فيما يطرح على القضاء من وقائع جنائية وهو في هذا السبيل يخول سلطة الفصل في القضايا  لمحاكم مختلفة واضعاً نصب عينية مصلحة الجماعة وعلى هذا وزع الاختصاص بين مختلف المحاكم الجزائية.

 فيجب أن تكون المحكمة مختصة بالفصل في الجريمة المطروحة عليها واختصاصها يتحدد بأمور ثلاثة: الشخص– النوع- المكان، فينبغي أن يدخل في اختصاصها سلطة محاكمة المتهم في الدعوى وأن تختص بالفصل في الجريمة المطروحة عليها، وأخيرا يتعين أن تكون المحكمة مختصة مكانياً فيما يتعلق بشخص المتهم، فقد نصت المادة (9) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م على أن (المحاكم هي الجهات القضائية التي تختص في الفصل في جميع المنازعات والجرائم ويبين القانون الاختصاص النوعي والمكاني للمحاكم) ونظم ذات القانون درجات المحاكم واختصاصاتها كما نظم الفصلان الثالث والرابع من الباب الأول الكتاب الأول من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة2002م الاختصاص النوعي والمكاني للمحاكم ونصت المادة (9) منه على أن (يتقيد القاضي في ولايته طبقاً لقرار تعيينه أو ندبه أو نقله إلا ما استثني بنص خاص في هذا القانون ونصت المادة (13) منه على أنه (لا يجوز للقاضي أن يحكم بعد انتهاء ولايته أيا كان سببها...)   ورتبت المادة (15) منه على مخالفة المادتين السابقتين انعدام العمل القضائي وكل ما يترتب عليه  ونصت المادة (469) إجراءات جزائية على أنه (لا يجوز تنفيذ العقوبات والتدابير المقررة بالقانون لأية جريمة إلا بمقتضى حكم قضائي نهائي واجب التنفيذ صادر من محكمة مختصة).

ولا شك أن المشرع بتنويعه للاختصاص وتوزيعه بين مختلف المحاكم قصد منه الوصول إلى تحقيق العدالة سواء كان الاختصاص مبناه الشخص أو النوع أو المكان، فإن خولفت تلك القواعد كانت المحكمة غير مختصة، وبالتالي تبطل الأحكام الصادرة عنها.

ولا مراء في أن تخصص القضاة من شأنه حصر ولاية الفصل في المنازعات برجال قانونيين منقطعين لهذا العمل ولديهم المؤهلات اللازمة للنهوض به ونظراً للاهتمامات الإنسانية بالحقوق الأساسية للمتهم نتيجة للتطورات التي شهدتها السياسة الجنائية أضحى تخصص القاضي الجزائي ضرورة حتمية تمليها ضرورات تحقيق العدالة الجنائية ذلك أن القضاء الجنائي فن من نوع خاص لا يقدر على الاضطلاع بمهامه غير المتخصصين وبما يحقق ضمانة خضوع المتهم أمام قاضيه الطبيعي الذي ينبغي أن يحاكم أمامه.

وآية ذلك ما أوصى به المؤتمر الثالث لقانون العقوبات– روما سنة 1933م بضرورة توجيه التنظيم القضائي نحو الأخذ بتخصص القاضي الجنائي على نحو أوسع في كل بلد، منبهاً إلى ضرورة التعليم الجامعي كبداية لهذا التخصص، ومثله ما وصى به المؤتمر الثامن لقانون العقوبات في لشبونة سنة 1966م بتعديل النظم القضائية على نحو يفضي إلى كفالة نوع من التخصص للقاضي الجنائي. وفي ذلك نص قانون السلطة القضائية في المادة (57/ج) على أن من شروط من يعين في وظائف السلطة القضائية ابتداء أن يكون حائزاً على شهادة المعهد العالي للقضاء بعد الشهادة الجامعية في الشريعة والقانون أو في الحقوق من إحدى الجامعات المعترف بها في الجمهورية اليمنية.

ويساعد تخصص القاضي الجنائي بالنسبة لحقوق المتهم- بما في ذلك حقه في محاكمة عادلة على فهم حقيقة ظروف المتهم الذي يتولى محاكمته استجابة لمواجهة السياسة الجنائية المعاصرة بشأن ضرورة الاهتمام بشخص المجرم سعياً لتحديد مسئولية المتهم عن جرمه، ومن ثم انتقاء الجزاء الذي يناسبه وإنزال القانون منزله الصحيح  بما يحقق إحدى الضمانات المكفولة للمتهم كما أن من شأن تخصص القاضي الجنائي أن يمكنه الوقوف على الاعتبارات التي قادت المشرع إلى وضع القاعدة التجريمية ذاتها والمصالح التي استهدفها بالحماية                      كما أن تخصص القاضي الجنائي أيضاً يساعد عملياً في إتمام محاكمة المتهم في وقت كافٍ. ونرى أن أسلم طريق لذلك أن يتم تعيين القاضي الجنائي من بين أعضاء النيابة العامة لما لأعضاء النيابة العامة من خبرة في الدعاوى الجنائية، ويجب أن يستمر القاضي الجنائي عاملاً في القضاء الجنائي وأن لا ينقل للعمل في القضاء المدني والتجاري أو العكس لما في ذلك من هدر لمبدأ تخصص القضاء الجنائي.

وأخيراً فإن تخصص القضاء الجنائي يساعد على توحيد الحلول القضائية أو على الأقل تضييق هذا التباين بينها والذي عادة ما ينسب إلى قلة خبرة ودراية غير المتخصصين من القضاة وكما قيل:  (إن القاضي الجنائي يجب أن يكون متخصصاً حتى يباشر نظريات الدفاع الاجتماعي الحديث ويجري عملية التفريد والتصنيف من واقع ملف شخصية المتهم القائم على دراسة ظروفه وأحواله).

وتأكيداً لذلك فقد جاءت المادة الرابعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واضحة في النص على أن(الناس جميعاً سواسية أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية نشأت بحكم القانون) وينص المبدأ الخامس من مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية على أن لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة وهو ما أكدت عليه المادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، كما نصت المادة الثامنة من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان على أن (لكل شخص الحق في محاكمة تتوافر فيها الضمانات الكافية وتجريها خلال وقت معقول محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة أسست وفقاً للقانون).

ونصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من مشروع حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي على أن (المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي من محكمة مختصة).

وقد اهتمت دساتير كثيرة بالنص على وجوب أن ألا يحاكم شخص إلا أمام قاضية الطبيعي.

فقد نصت المادة (48) من دستور الجمهورية اليمنية على أن (تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم…. ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة مختصة).

وفي الأخير يحق لنا القول بأن من السمات الأساسية لكفالة حق المتهم في محاكمة عادلة نزيهة أن يمثل أمام قاضية الطبيعي القاضي المتخصص بالقضاء الجزائي ومختص بإصدار الأحكام وأن تكون ولايته في نظر القضية تمت وفقاً للقانون ما لم فنحن أمام لغو وهوى ولا سبيل للقول بحقوق المتهمين في ظل مخالفة قواعد الاختصاص ومبدأ تخصص القاضي الجزائي.

3- مبدأ حياد القضاء

لا يكفي أن تكون المحكمة مختصة بنظر الدعوى المطروحة عليها وفقاً لقواعد الاختصاص الشخصي والنوعي والمكاني وإنما يجب أن تكون فوق هذا مشكلة تشكيلاً قانونياً وفوق هذا أن تتوفر في القاضي الجزائي صلاحية الفصل في الدعوى.

وحتى يطمئن المتهم إلى أن الحكم الصادر في الدعوى قد جاء مطابقاً للحقيقة والعدل لا يكفي أن يكون من نطق به قاضياً ولكن يجب أن يتقيد القاضي بمبدأ الحياد وفي ذلك نصت المادة (21) من قانون المرافعات على أن(يتقيد القاضي في قضائه بمبدأ الحياد )، وفي ذلك ينص المبدأ الثاني من مبادئ الأمم المتحدة لاستقلال القضاء (على أن تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز على أساس الوقائع ووفقاً للقانون ومفاد ذلك يتعين أن لا يكون القاضي قد أبدى رأياً في موضوع الدعوى قبل نظرها ولا يتوافر فيه وجه من أوجه الرد التي نص عليها القانون ويقصد بحياد القاضي في هذا الصدد تجرده حيال النزاع المعروض عليه من أية مصلحة ذاتية كي يتسنى له البت فيه بموضوعية، ولكي يحافظ القاضي على حيدته يتعين عليه أن يتجرد من ميوله الذاتية وأن يكون قصياً عن الانتماءات الحزبية والتأثيرات الاجتماعية وأن يتوافق مع طبيعة دوره في الدعوى الجزائية.

ومن دواعي اطمئنان المتهم إلى قاضيه يقينه من حيدته وشعوره أنه غير متأثر في  قضائه برأي معين أو فكرة سابقة على نظر الدعوى.

ولذا فمن المسائل الأولية وجوب أن يكون القاضي الذي يطرح عليه موضوعها بعيداً عن أي علم سالف بها أو أن يكون قد كون له رأياً فيها فإذا كان للقاضي رأي سابق في الدعوى المطروحة عليه اقتضت العدالة منعه من نظرها والفصل فيها خشية تأثره في حكمه بما كون من رأي أو تناهى إليه من علم. ولذلك نصت المادة (10) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني على أنه (لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه إلا ما وصل إليه عن طريق مجلس قضائه فيجب عليه أن يقضي على أساسه).

وفي ذلك نجد محكمة النقض المصرية تقول أن (أساس وجوب امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوع الدعوى ليستطيع أن يزن الحجج وزناً مجرداً)[2].

وإذا كان القاضي قد قام في الدعوى بعمل مأمور ضبط قضائي أو بوظيفة النيابة العامة أو سبق له أن كان مدافعاً عن أحد الخصوم أو أدلى بشهادة فيها أو باشر عملاً من أعمال الخبرة، أو إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً من القاضي نفسه أو وقعت الجريمة عليه شخصياً، فعندئذ يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى أو الفصل فيها إذا توافرت أية حالة من الحالات السابقة، ولاشك أن مخالفة هذه القاعدة توجب بطلان قضائه بحكم القانون فهو بطلان متعلق بالنظام العام إذ قصد بالتحريم تحقيق العدالة والاطمئنان إلى الأحكام القضائية مادة (270) إجراءات جزائية.

وقد نشرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان دراسة بعنوان: (الحق في محاكمة عادلة) وتقول في الفقرة (27): تفتقر المحاكمة إلى الحيادية إذا كان القاضي الذي ينظر القضية سبق ضمن جملة أمور أخرى إن كان عضواً في النيابة العامة أو محامياً وشارك بصفته تلك في قضية سابقة تخص أحد الأطراف أو إذا شارك قاضي الموضوع بفاعلية في التحقيق السري والتحضيري لقضية ما أو كانت هناك صلة أخرى للقاضي بالقضية من شأنها أن تؤثر على حيادية قراره.

التدابير الإجرائية المضادة لعوارض حيدة القاضي: يمكن إجمال التدابير المضادة لعوارض حيدة القاضي في التنحي والرد والمخاصمة:

أ- تنحي القضاة وردهم عن نظر الدعوى:

لما كان عماد الأحكام القضائية اطمئنان الخصوم إلى قاضيهم فإنه إذا قام من الأسباب ما يمس هذا الاطمئنان تعين على القاضي أن يتنحى عن نظر الدعوى وللخصوم أيضاً أن يطلبوا رده عن نظر الدعوى المطروحة أمامه.

وقد تناولت المادة (271) إجراءات جزائية تحريم دخول قضاة في تشكيل إحدى المحاكم بينهم قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة، أو أن يكون القاضي في مركز المجني عليه أو يكون قد اشترك في القضية بصفته مأمور ضبط قضائي أو عضو نيابة عامة أو ممثلاً قانونياً لأحد أطرافها أو كان قد جرى سماعه باعتباره شاهداً أو خبيراً أو شارك في اتخاذ قرار أو حكم جرى الطعن فيه.

أما قانون المرافعات فقد شمل أمرين: الأول منهما ما يمتنع على القاضي النظر فيه وبينته المادة (128) ورتبت المادة (129) الانعدام على مخالفة الأحكام  الواردة في المادة السابقة ويمتنع القاضي من النظر في القضية بطلب من الخصم الذي تعلق سبب المنع بمصلحته يقدمه للقاضي المادة (130) مرافعات.

وقد بينت المادة (132) مرافعات أحوال الرد وأوضحت المواد من (135إلى 143) إجراءات الرد تحت عنوان: (إجراءات المنع) ومثلها جرت أحكام المواد (274) إلى (277) إجراءات جزائية.

ولاشك أن مفهوم الرد وأحكامه على نحو سالف البيان له أصل في النظام القضائي الإسلامي حيث جاء في المغني لأبن قدامه: (ليس للحاكم أن يحكم لنفسه كما لا يجوز له أن يشهد لنفسه فإن عرضت له حكومة مع بعض الناس جاز أن يحاكمه بعض حلفائه أو بعض رعيته).

وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اختصم لديه رجلان فقال أحدهما: أنت شاهدي، فقال: إن شئتما شهدت ولا أحكم أو احكم ولا أشهد.

ب- مخاصمة القاضي:

لقد أعطي للمتهم مكنة مخاصمة القاضي إذا أخل بواجب الحياد الملقى على عاتقه فاحترف عملاً أو اتخذ إجراءً أو أصدر حكماً يجافي العدالة وهي وسيلة تعقيبيه رُصدت لكشف ومواجهة العمل الخاطئ  الذي وقع  فعلاً من القاضي خروجاً على مقتضيات حيدته ويقصد بها استدراك آثاره الظاهرة وإبطال الإجراء أو الحكم الذي أصدره بالإضافة إلى تقرير مسئوليته المدنية جبراً لما تخلف عنه من أضرار.

وهي المكنة التي تقررت لأول مرة في القانون الفرنسي بموجب الأمر الصادر سنة 1540م الذي فرق بين مخاصمة القاضي مواجهه لانحرافه في قضائه عن غايته وبين طرق الطعن التي يستهدف بها تخليص حكمه من الشوائب التي علقت به وقد أجملت المادة (145) مرافعات الحالات التي يجوز فيها مخاصمة القاضي.

ثانياً: المبادئ المتصلة بسير إجراءات المحاكمة.

تمهيد:

لاشك أن العلانية في المحاكمة تبث الطمأنينة لدى الكافة بما في ذلك المتهم ولن تتحقق العلانية وتؤتي ثمارها ما لم تكن بحضور المتهم لتجسيد حقه في الدفاع وهو ما سنتناوله على النحو الآتي:

1- علانية المحاكمة:

علانية المحاكمة مقدمة لازمة للحقيقة سعى القدماء إليها كما أولاها المحدثون اهتمامهم وحرصت الإعلانات العالمية والإقليمية على النص عليها وبالمثل فعلت دساتير معظم الدول وهي إحدى القواسم المشتركة بين التشريعات الإجرائية الحديثة.

ولا شك أن محاكمة المتهم بجلسة علنية يحضرها من يشاء من الأفراد يبث الطمأنينة في قلبه فلا يخشى من انحراف في الإجراءات أو تأثير في مجريات الدعوى أو على الشهود فيها فشعور المتهم بأن المحاكمة تباشر في حضور كل من يريد من الأفراد الحضور تجعله يطمئن إلى تحقيق العدالة ومعرفة الحق في التهمة المسندة إليه فضلاً عن أن فيها حماية لذات أحكام القاضي من احتمال انصراف الذهن إلى خضوعه لمؤثرات خارجية في قضائه.

كما أن من شأن العلانية إشباع الرغبة في المشاركة الشعبية في المسائل التي تهم العدالة حيث يتاح لمن يحضر الوقوف على ما يتخذ من إجراءات تطبيقاً للقانون لكونه يعتبر المقنن لإرادة مجموع الشعوب.

كما أنه يحول دون الإجراءات القسرية التي تنسب لما يتخذ سراً في المجالات التي تتم في غير علانية.

ومن هنا يكون (ميرابو)- خطيب الثورة الفرنسية – قد صادف الصواب حين قال: (جيئوني بقاضٍ كما تشاؤون  متحيزاً أو مرتشياً أو عدوانياً إذا شئتم ذلك لا يهم ما دام أنه لا يفعل شيئا إلا أمام الجمهور).

 وحق(لبنتام) أن يقول: (إن العلنية عنصر أساسي للعدالة وروحها).

 كما أن العلانية تدعم الأثر الردعي للقواعد القانونية من خلال الوقوف على ما يواجه به الخارجون على مقتضاها علاوة على أنها تعتبر رافداً أساسيا لتزكية روح التوبة لديهم وعاملاً معجلاً لإرجاعهم للتعايش سلماً مع المجتمع.

وقد اهتم المشرع اليمني بقاعدة علانية المحاكمة فجعلها قاعدة دستورية،حيث نص دستور الجمهورية اليمنية في صدر المادة (154) على أن (جلسات المحاكمة علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام والآداب العامة) ونص قانون الإجراءات الجزائية على ذلك في المادة (263/1) ونص قانون المرافعات على ذلك أيضاً في المادة (23/أ) والمادة (161) وكذلك فعل قانون السلطة القضائية في المادة (5/أ) ورتبت المادة (397) إجراءات البطلان لعدم مراعاة قواعد هذه المبدأ. 

وتبلورت الفكرة واضحة في إعلانات الحقوق التي نصت صراحة على وضع ضمانات لاستقلال القضاء حماية لحق التقاضي للحيلولة دون الاعتداء عليها أو إهدار مفترضاته.

ومن هنا فقد جاءت المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م التي قررت بأن (كل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين وله الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجه إليه) وتنص المادة (11/1) منه على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية...).

ولقد فصل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الأمم المتحدة سنة1966م في استقلال القضاء بما أورده في المادة الرابعة عشرة منه (أن الناس جميعاً سواء أمام القضاء ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة محايدة منشأة بحكم القانون).

كما لاحظت المحكمة الأوروبية أن الهدف المتوخى من المادة (6/1) في مجال علانية الأحكام الصادرة وكفالة فحص الجمهور لما يصدر عن السلطة القضائية بغية صيانة الحق في محاكمة عادلة، وتأكد معناه في المادة (22/2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا والمادة (23/2) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة .

2- حضور المتهم إجراءات المحاكمة:

لما كانت الحكمة من علانية المحاكمة هي بث الاطمئنان في النفوس نحو سير إجراءات التحقيق النهائي من غير مؤثر فإنه مما يزيد الاطمئنان أن تتخذ تلك الإجراءات في حضور المتهم  ولا يقتصر هذا على ما يتم بقاعة الجلسة بل يشمل أيضاً ما قد يتخذ خارجها من الإجراءات كالمعاينة أو الانتقال لسماع شاهد لم يستطع المثول أمام المحكمة.

فالمتهم ينبغي سماعه قبل الحكم عليه أو على الأقل يتعين أن يدعى لغرض سماع دفاعه بشأن ما يسند إليه وأن يمكن من الرد على ما يواجهه من أدلة.

وهو ما أجمله البعض بالقول: (أن مفاد المبدأ المذكور هو حق الخصم في أن يعلم علماً تاماً في  وقت معين بكافة إجراءات الخصومة وما تحتويه من عناصر واقعية وقانونية يمكن أن تكون أساساً لاقتناع القاضي).

كما أن حضور المتهم قد يساعد القاضي على تكوين عقيدته على نحو صائب ومن ثم الاهتداء إلى حكم عادل.

وهذا الحق أضحى قاعدة عامة في النظم الإجرائية المعاصرة تأسيساً على أن هذا الحضور يعتبر حقاً من حقوق المتهم بما تصدرته المادة (14/3/د) من العهد الدولي التي تنص على أن ( لكل متهم بجريمة أن يحاكم حضورياً)، وكذلك نصت عليه الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المادة (6) ونصت عليه المادة (20/4/د) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بروندا والمادة (21/4/د) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة.

وتكريساً لهذه القاعدة فقد أوجب المشرع اليمني في المادة (315/1) إجراءات جزائية  على أن (أي متهم في جريمة أن يحضر المحاكمة بنفسه على أنه  يجوز للمحكمة أن تكتفي بحضور وكيل عنه إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالغرامة فقط).

لذا قضي بأنه إذا اتخذت بعض الإجراءات وكان في الإمكان إتمامها بحضور المتهم لانعدام المبرر لإبعاده ورغم هذا أُبعد عن حضور الجلسات كان القضاء معيباً[3].

ونص كذلك في المادة (349) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه (لا يجوز إبعاد المتهم أثناء نظر الدعوى إلا إذا وقع منه ما يخل بنظام الجلسة وتستمر الإجراءات في مواجهة وكيله أو منصوب عنه إلى أن يمكن السير فيها بحضوره وعند عودته على المحكمة أن تحيطه علماً بما تم في غيبته من إجراءات). 

3- شفوية المرافعة:

المقصود بشفوية المرافعة أن تكون كافة إجراءات المحاكمة بالجلسة شفوية ولا يجوز أن تكتفي المحكمة بمحاضر الاستدلالات والتحقيقات ويجب عليها أن تسمع الخصوم بنفسها، وكذلك شهادة الشهود والخبراء ولا يجوز لها أن تبني عقيدتها في الحكم على دليل لم يطرح في الجلسة، وفي وذلك نصت المادة (264) إجراءات جزائية على أن (تكون الإجراءات أمام المحاكم شفاهة وتلتزم المحكمة عند نظر القضية أن تبحث بنفسها مباشرة الأدلة فتستجوب المتهم والمجني عليه والشهود والمدعي بالحق المدني والمسئول مدنياً وتستمع إلى تقارير الخبراء وتفحص الأدلة المادية وتتلو المحاضر وغير ذلك من المستندات وتخضعها للمناقشة الشفوية). وأوجبت المادة (267) إجراءات (ان تكون المرافعات الختامية من قبل جميع الأطراف شفاهة). ونصت المادة (367) إجراءات جزائية على أن (يحكم القاضي في الدعوى بمقتضى العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته من خلال المحاكمة، ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة).

4- مباشرة القاضي جميع إجراءات الدعوى:

الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام ذات القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، ولذلك لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً وهو ما نصت عليه المادة (368) إجراءات جزائية.

5- تقيد المحكمة بحدود الدعوى:

تنص المادة (365) إجراءات جزائية على أنه (لا يجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت  بصحيفة الاتهام أو ورقة التكليف بالحضور كما لا يجوز الحكم على غير المتهم المقامة عليه الدعوى). فعلى المحكمة أن تتقيد بحدود الوقائع التي رفعت بها الدعوى وبالأشخاص المرفوعة عليهم فإذا تجاوزت ذلك ففصلت في واقعة لم تكن معروضة عليها أو على شخص لم يتهم في صحيفة الاتهام فإن حكمها يكون واجباً نقضه.

6- تدوين الإجراءات

تتميز إجراءات المحاكمة بضرورة تدوينها في محضر ليكون حجة على كافة الخصوم لذلك نصت المادة (320) إجراءات جزائية على أن (يتولى أمين سر الجلسة تحرير محضر جلسة المحاكمة، وعليه أن يدون في المحضر كافة الإجراءات والقرارات الصادرة من المحكمة وكذلك أقوال الشهود وقرارات الخصوم وطلباتهم أو اعتراضاتهم  وبصفة عامة كل ما يجري في الجلسة). 

ونصت المادة (158) مرافعات على أنه (يجب أن يحضر في الجلسة (وجميع الإجراءات المتعلقة بالإثبات) كاتب يحرر المحضر ويوقعه مع رئيس الجلسة...).

والأصل أن الإجراءات قد روعيت أثناء الدعوى ولصاحب الشأن (المتهم) أن يثبت بكافة الطرق أن تلك الإجراءات قد أهملت، إما إذا ذكر في المحضر أنها قد اتبعت فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير.

 

القسم الثاني
حق المتهم في الدفاع

تمهيد:

هذا الحق أصله مستند من حق الإنسان الطبيعي في الدفاع عن نفسه ضد كل أذى يتهدد حياته أو ماله أو حريته.

كما هو مستمد أيضاً من تلك القاعدة الحكيمة التي استقرت في كافة الشرائع الحديثة وهي  (أن الأصل في الإنسان البراءة ) وهي قاعدة جوهرية ترتب أخطر النتائج لتحقيق العدالة القضائية.

ولا شك أن دور المحكمة هو أخطر أدوار الدعوى. وهو يتميز بإجراءات دقيقة متعددة هدفها الوصول بسفينة العدل إلى بر الأمان وسط الأخطار التي قد تتهددها ومنها خطر احتمال تسرع القاضي في اقتناعه بالثبوت أو بالنفي بأدلة خادعة.

وكفالة حق الدفاع على صوره الحاسمة هي صخرة النجاة التي تقيمها الشرائع الحديثة وتضعها في الوضع اللائق بها من الاعتبار بل التقديس لتـزيل المخاوف من احتمال خطأ القضاء. فتحفظ له في أعين الكافة جلاله وسموه وهي كل الفارق الذي يميز في الدولة الحديثة عمل السلطة عن عمل القضاء.

ولقد أقرته شرائع السماء ورددته إعلانات الحقوق استقاءً من أفكار الشرفاء وجرت به معظم الدساتير والتشريعات الإجرائية بعد بذل الكثير من العرق والدماء.

ويبدوا ذلك جلياً في المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة (14/3/د) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة (7/1/ج) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والمادة (8/2/د) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والمادة (6/3/ج) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان جميعها تتضمن (حق الشخص المتهم بارتكاب جريمة جنائية في الدفاع عن نفسه بنفسه أو من خلال المساعدة القانونية التي اختارها هو) ونفس هذا الحق تضمنته كذلك المادة (20/4/د) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا والمادة (21/4/د) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة والمادة (5/1) من مشروع حقوق الإنسان والشعب في الوطني العربي، وأكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم (13) بشأن المادة (14) من العهد ما يلي: (يجب أن يتاح للمتهم أو لمحاميه الحق في التصرف اليقظ ودون خوف في اللجوء إلى كافة الدفوع المتاحة والحق في الطعن في سير القضية إلى مكان يعتقد أنها تنطوي على إجحاف به).

وفي الدساتير العربية نجد ذلك واضحاً في المادة (31) من الإعلان الدستوري الليبي سنة 1969م  والمادة (67) من الدستوري المصري سنة 1971م والمادة (34) من الدستوري الكويتي والمادة (10) من الدستور السوري والفصل الثالث عشر من الدستور التونسي، كما أن المشرع اليمني أفصح عن هذا الحق وأكد عليه في صدر المادة (49) من الدستور بقوله: (حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل التحقيق والدعوى وأمام جميع المحاكم وفقاً لأحكام القانون وتكفل الدولة العون القضائي لغير القادرين وفقاً للقانون).

كما تنص المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية على أن (لا يقضى بالعقاب إلا بعد محاكمة تجري وفق أحكام هذا القانون وتصان فيها حرية الدفاع). وهذا الذي أوردته المادة الرابعة يمثل في الواقع كل الضمانات التي يرسمها قانون الإجراءات الجزائية.

فإذا كان الاتهام يسلط على الشخص ويضعه في موقف دقيق فإن خطورة الأمر قد تبدو أشد جلاءً في مرحلة المحاكمة التي تعتبر الفرصة الأخيرة له للتقدم بدفاعه فإذا لم يُمكن من الإدلاء به كاملاً فقد ينتهي به الأمر إلى إدانته وخاتمة المطاف لا يسعنا إلا أن نتذكر ما يقال دائماً ( خير للمجتمع أن يفلت مرتكب الجريمة من العقاب على أن يحكم بإدانة شخص برئ).

أهمية حق الدفاع:

يعتبر حق الدفاع من قبيل الحقوق الطبيعية ومن أهم ضمانات المحاكمة وهو حق أصيل يمثل الصدارة بين الحقوق الفردية العامة فهو لم يتقرر لمصلحة الفرد بل لمصلحة المجتمع في تحقيق العدالة وفي هذا قالت محكمة التمييز اللبنانية: (إن حق الدفاع ليس ميزة أقرها القانون ولا تدبيراً أوصت به شرعة إنسانية وإنما هو حق طبيعي للفرد وللقانون أن يحدده وينظمه ولكن ليس له أن يمحوه. إذا أن هذا الحق لم يوجد لمصلحة المتهمين وحسب بل وجد أيضاً لمصلحة العدالة ولا عدالة حيث لا يكون حق الدفاع كاملاً وحيث يتعذر التثبت من الحقيقة).

وتبدو أهميته ناصعة البيان بما يمكن المتهم إعمالاً لحقه في الدفاع من أن يعرض على قاضيه حقيقة ما يراه في الواقعة الجزائية المسندة إليه يستوي في هذا أن يكون منكراً مقارفته للجريمة أو معترفاً بارتكابها.

وتمكين المتهم من دفع التهمة التي تجري المحاكمة عنها لا يعني معاونته على الإفلات من المجازاة عن فعل ارتكبه وإنما هي أساس العدالة، ولعل الحماية التي يمكن إجمالها لممارسة حق المتهم في الدفاع تنحصر في إحاطته بالتهمة وتمكينه من الاطلاع على ملف الدعوى ومعرفة حدود استجواب المتهم أثناء المحاكمة وحقه في الصمت وعدم جواز تحليفه اليمين، وأخيراً حقه في الاستعانة بمحامٍ.

 

ضمانات الدفاع

تمهيد:

أحاط المشرع حق المتهم في الدفاع بضمانات عدة لإقرار حقه في محاكمة عادلة خالية من الإخلال بحق الدفاع وسنتناول جملة من الضمانات على النحو الآتي:-

1- الإحاطة بالتهمة والاطلاع على ملف الدعوى:

لا ريب أن العلم بالتهمة أمام المحكمة يعتبر من الضمانات الأساسية لحق الدفاع. إذ يتعين إحاطة المتهم علماً بسائر الإجراءات المتخذة ضده والتهمة المسندة إليه وبسط أدلة الإثبات أمامه كي يتسنى له إعداد دفاعه على هديها وحتى لا يؤخذ على غرة بتهمة لم تتح له الفرصة الكاملة لدحضها ولاشك أن استعداد المتهم بإعداد دفاعه يحتاج إلى فسحة من الوقت ينبغي أن تكون كافية للتمكن من ذلك، ولهذا كان طبيعياً أن تعنى التشريعات ببيان وجوب التكليف بالحضور إلى المتهم قبل الجلسة المحددة لنظر الدعوى بوقت كاف ولقد تحدثنا عن حق المتهم في حضور جلسات المحاكمة غير أننا لا نجد غضاضة من إيراد أحكامه بصورة موجزة لأهميته في سياق حق إحاطة المتهم بما هو مسند إليه من جرم، حيث نجد أن المادة (312) إجراءات جزائية تنص على أن (يكون تكليف الخصوم بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بثلاثة أيام كاملة غير مواعيد مسافة الطريق ما لم تقرر المحكمة الاستعجال للمصلحة فتقرر تقصير الميعاد إلى ما تراه مناسباً بناء على طلب النيابة العامة أو غيرها من الخصوم) فإذا تم إعلان التكليف بالحضور في موعد أقل مما هو منصوص عليه قانوناً فللمحكمة منح المتهم فسحة من الوقت إذا طلب ذلك ويتعين على المحكمة إجابته إلى طلبه فإن هي رفضت كان هذا منها إخلالاً بحق الدفاع. وفي ذلك نصت المادة (14/3/أ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن (لكل متهم بجريمة ... أن يتم إعلامه سريعاً وبالتفصيل وبلغة يفهمها بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها)، ونصت المادة (14/3/ب) على أن (يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه).

وضمان إحاطة المتهم بالتهمة المسندة إليه هي ضمانة قررها الدستور (المادة (48/ج من دستور الجمهورية اليمنية) والمشرع في ذلك ساير العهود الدولية المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد بينت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا الصدد أنه ( يجب تفسير هذا الحق على أنه يقتضي عدداً من الشروط مثل تكافؤ السلاح واحترام مبدأ تداعي الخصمين في الإجراءات وإن هذه الاشتراطات لا تحترم حيثما يحرم المتهم من فرصة حضوره شخصياً الدعوى القضائية أو حيث يتعذر عليه إبلاغ  من يمثله قانوناً بتعليماته على النحو السليم ويلاحظ بخاصة أن مبدأ تكافؤ السلاح لا يحترم عندما لا يسلم المتهم لائحة اتهام على النحو الصحيح) وذات الحكم يفهم أيضاً بما أوردته المادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

ولعل تمكين المتهم أو محاميه من الاطلاع على أوراق الدعوى أو الحصول على صورة كاملة منها أو نسخة من أوراق الدعوى المقامة ضده يعد رافداً أساسياً لإحاطته بالتهمة المنسوبة إليه وبأدلتها توطئة للاستعداد للدفاع عنه وهو حق من حقوق الدفاع الأساسية، ويعتبر عدم تمكين المتهم أو محاميه من الاطلاع على ملف الدعوى أو الحصول على نسخة منه وجهاً للإخلال بحق الدفاع، وقد جاءت المادة (314) من قانون الإجراءات الجزائية صريحة في النص على أن (للخصوم الحق في الاطلاع أوراق الدعوى بأنفسهم أو بوكلائهم بمجرد إعلانهم بالحضور أمام المحكمة) ويؤخذ على المشرع اليمني في هذا الشأن عدم النص صراحة في قانون الإجراءات الجزائية على حق حصول المتهم أو محاميه على صورة كاملة من ملف الدعوى الجنائية وأوراق ومستندات الدعوى وما ندعو إليه هو تلافي هذا القصور ليتسق أداء المشرع اليمني مع العهود والمواثيق الدولية.

 وإن كان المشرع  تلافى ذلك بما نص عليه في قانون المحاماة المادة (51) وقانون المرافعات المادة (64) إلا أن تأكيده على هذا الحق في قانون الإجراءات الجزائية له أهمية بالغة بالنظر إلى طبيعة قانون الإجراءات الجزائية باعتباره قانون حماية الحريات.

2- الاستجواب:

يعتبر الاستجواب من إجراءات الإثبات التي لها طبيعة مزدوجة الأولى هي لكونه من إجراءات التحقيق- وهذه لا تعنينا في هذا المقال– والثانية هي اعتباره من إجراءات الدفاع بحسبانه وسيلة يتم من خلالها إحاطة المتهم بجوانب التهمة المنسوبة إليه وسائر أدلتها على نحو تفصيلي بما يتاح له تفنيدها دفاعاً عن نفسه ،ولذا نصت المادة (360) إجراءات جزائية على أنه (لا يجوز للمحكمة أن تستجوب المتهم إلا إذا قبل ذلك). وهذا النص عام يسري على التحقيق النهائي أياً كانت المحكمة التي تجريه سواءً في الجرائم الجسيمة أو غير الجسمية.

ويلاحظ أن الاستجواب المحظور هو مناقشة المتهم بالتفصيل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً ونفياً سواءً كان ذلك من المحكمة أو من الخصوم ومحاميهم فمثل هذا الاستجواب من شأنه أن يربك المتهم وربما يستدرجه إلى الإدلاء بما ليس في صالحه.

وفي ذلك نجد أن محكمة النقض المصرية تقرر أن نص المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأولى: (لا يجوز استجواب المتهم إلا إذ قبل ذلك) بما مفاده أن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواءً كان ذلك من المحكمة أو من الخصوم أو المدافعين عنهم... لما له من خطورة ظاهرة... لا يصح إلا بناءً على طلب المتهم نفسه يبديه في الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلي في الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة)[4].

وإذا سلمنا باعتبار الاستجواب وسيلة للدفاع فإنه يتعين على المحكمة أن تستجيب إلى طلب المتهم في شأن استجوابه وإلا فإن حكمها يقع باطلاً لإخلالها بحق الدفاع، وإذا رغبت في استجوابه فلا سبيل لها عليه إن رفضه فإن أرغمته كان استجوابه باطلاً.

3- الاستعانة بمحام:

إذا كان الأصل أن صاحب الشأن هو الأجدر بإظهار حقه وهو أعلم به وبحقيقته من غيره ومن ثم فهو أولاهم بالدفاع عن هذا الحق.

غير أن الإنسان حين يوضع موضع الاتهام قد تعوزه الحجة وتظن عليه قريحة الكلام بحيث يقصر عن الدفاع عن نفسه مهما كانت قوة حجته ومهما بلغت درايته بأحكام القانون وتكون النتيجة أن يؤخذ بجرم هو منه برئ وهذا هو الظلم الذي يراد دفعه.

ولا سبيل لمغالبة هذه المشكلة سوى أن يكون إلى جانبه محام يعضده ويدفع ما يجد له مدفعاً. ويدعم هذه الفكرة التسليم بأن حق الدفاع ليس من حقوق المتهم وحده بل إنه يدخل ضمن حقوق المجتمع أيضاً ويحتل منزلة الواجب بحسبانه أحد روافد العدالة.

وتظهر مصلحة المجتمع واضحة بالحرص على أن لا يدان برئ والأصل أن حق المتهم في الاستعانة بمحام مرده الأنظمة القانونية فقد نصت المادة (49) من دستور الجمهورية اليمنية على كفالة حق الدفاع أصالة أو وكالة في جميع مراحل الدعوى. ويطابق ذلك الحكم القانوني الوارد في المادة (9/1) من قانون الإجراءات الجزائية بقولها: (حق الدفاع مكفول وللمتهم أن يتولى الدفاع بنفسه كما أن له الاستعانة بممثل للدفاع عنه في أي مرحلة من مراحل القضية الجزائية) وهذا الحق رسخته المواثيق الدولية وأوصت به المؤتمرات الدولية أيضاً ذات العلاقة بحقوق الإنسان المادة (14) من العهد الدولي والمادتين (6، 8) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان جميعها تضمن حق الشخص المتهم بارتكاب جريمة جنائية في الدفاع عن نفسه بنفسه أو من خلال المساعدة القانونية التي يختارها هو وهذا الحق تضمنته كذلك المادة (20) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا والمادة (21) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة وأكدته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم (13) بشأن المادة (14) من العهد.

وتجلى ذلك فيما أوصى به مؤتمر حقوق الإنسان في القانون الجنائي وإجراءاته في الفلبين سنة 1958م بالقول: (إذا كان المتهم غير مستطيع دفع أجور المحاماة تحملتها عنه الدولة).

ولما كان حق الاستعانة بمحام متعلق بالحقوق الأساسية للمتهم في مرحلة المحاكمة فالدولة لما لها من حقوق تجاه مواطنيها فعليها واجبات نحوهم بتقديم العون القضائي لغير القادرين من المتهمين ويبدو ذلك واضحاً فيما صدرته المادة (49) من دستور الجمهورية اليمنية بتأكيد كفالة الدولة للعون القضائي لغير القادرين إنفاذاً للعقد الاجتماعي مع مواطنيها، وتجلى هذا الالتزام بما سطعت به المادة (9/1) إجراءات جزائية غير أن الواقع العملي يثبت عكس ذلك حيث لم نجد تفعيلاً لاحكام النصين (الدستوري والقانوني) وإن ما يتيسر للمتهم من دفاع يتحقق بما توفره لهم نقابة المحامين بتقديم المساعدة طوعاً، حيث أوجبت المادة (83) من قانون المحاماة على مجلس النقابة أو الفرع أن يكلف أحد المحامين في الدفاع عن المحتاجين من المعسرين والفقراء بعد موافقتهم في القضايا التي يكونون طرفاً فيها وحتى لا يقال بأن تلك النصوص ترف قانوني فإن المتعين المسارعة إلى إصدار اللائحة التنظيمية والمنوه إليها في المادة (9) إجراءات جزائية ولا شك إن الأمر منوط  بوزارة العدل بتفعيل ذلك النص.

ولا مراء أن حق المتهم في المساعدة القانونية والعون القضائي المجاني مقرر في الصكوك الدولية والإقليمية بما يوجب علينا المبادرة إلى جعل هذا الحق واقعاً عملياً بتأكيد مثالية الحقوق الأساسية للمواطن حيث نجد المادة (14/3/د) من العهد الدولي تنص على أن (كل متهم بجريمة الحق أثناء النظر في قضيته في أن تزوده المحكمة كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك بمحام يدافع عنه دون تحميله أجراً على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر).

كما تنص المادة (6/3/ج) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان على (حق كل شخص لا يملك الوسائل الكافية لدفع أجرة المساعدة القانونية أن يمنح هذه المساعدة مجاناً حيثما كانت مصالح العدالة تقتضي ذلك). وينص على ذلك المبدأ (17) والمبدأ (18) من المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، كما نص المبدأ (7) من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين على أن تكفل الحكومات لجميع الأشخاص المقبوض عليهم إمكانية الاستعانة بمحام فوراً.

ومن الملاحظ أن المشرع اليمني صمت عن تقرير وجوب حضور محام مع المتهم في الجرائم غير الجسيمة لا سيما وأغلبها مقرر العقوبة فيها بالحبس وهو ما يلزم تداركه.

ودور المحامي في مرحلة المحاكمة دور هام بما يقع على عاتقه من عبء ثقيل هو مناقشة الأدلة المطروحة على بساط البحث بعد أن تم جمعها وتعزيزها في مواجهة المتهم.

ولكي تتحقق الفائدة من الاستعانة بمحام فإن المتعين مراعاة اتصال المتهم بمحاميه وتمكينه من إبداء الطلبات والدفوع ما لم فدونها البطلان.

4- الاتصال بين المتهم ومحاميه:

إن المشرع اليمني تحقيقاً لكفالة حق الدفاع أوجب في المادة (180/2) من قانون الإجراءات الجزائية عدم الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه التحقيق وذلك في جميع الأحوال وهذا الوجوب الذي عناه المشرع هو ثمرة لما أولى به الدستور اليمني عناية خاصة بكفالة حق الدفاع وما أجازه للمتهم عند القبض عليه أن يكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع أو الاستعانة به المواد (48/ب-49) من الدستور.

والمشرع اليمني في تأكيده على هذا الحق نهج على خطى المقنن الدولي بما ورد في الفرع (6-4) من الفصل المتعلق بالحق في المساعدة القانونية التي أوجبت أن يكفل للمتهم ما يكفي من الوقت والتسهيلات للتشاور مع محاميه في كنف السرية.

كما أن هذا الحق تحكمه قاعدة (الأصل في الإنسان البراءة) ومن شأنه بث الطمأنينة في نفس المتهم بما يحول بينه وبين يأس العزلة الذي قد يدفعه إلى الاعتراف بجرم لم يقترفه علاوة على أنه ييسر لمحاميه الوقوف على وجهة نظر موكله والإحاطة بأوجه دفاعه التي يعز عليه البوح بها علناً لغير من يأنس إليه.

لذلك فلا يجوز إعاقة هذا الاتصال بأي صورة ومهما كان الدافع فلا يسوغ لسلطة الاتهام أو رجال الشرطة حضور مقابلة المتهم بمحامية وإذا ما أخل بهذا الحق فإن جزاءه البطلان.

كما أن من مظاهر حق اتصال المتهم بمحاميه عدم جواز إخضاع هذا الاتصال لأية رقابة محسوسة أو مستورة كي لا تنتهك سرية اتصالات الدفاع بموكليه مما يفقدها قيمتها، وعلى ذلك فإن ما يتم التقاطه خلسة من هذا الاتصال لا يصلح دليلاً ضد المتهم، فالقاضي وإن كان حراً من حيث الأصل في تحقيق وسائل الإثبات غير أنه مقيد من حيث أنه لا يجوز له أن يلجأ إلى وسائل غير مشروعة أو محرمة أو غير معترف بها بغية الوصول إلى الحقيقة وإثباتها، ويترتب على الاستناد إلى دليل من هذا القبيل في الإثبات البطلان لعدم مشروعيته وهذا ما نصت عليه المادة (322) إجراءات.

وفي هذا الصدد قالت المحكمة العليا الأمريكية: (إن اتصال المتهم بمحاميه يقتضي تمكين المتهم من تناول المشورة مع محاميه في سرية، ومن ثم فإن بقاء ضابط الشرطة على بعد خمس أو ثمان خطوات بين المتهم ومحامية في حجرة مساحتها 20×12 قدماً بمثابة إنكار لحق المتهم في الاتصال بمحاميه على انفراد ولا يوفر للمتهم محاكمة عادلة إذ لا ينبغي أن تكون فترة حبس المتهم احتياطياً أثناء المحاكمة ستاراً خافياً يحجب عون الدفاع ويعرقل مساعيه ويحبط معه العدالة). وتفريعاً على أهمية ثمرة هذا الاتصال كفل المشرع حماية ما يصل إلى علم المحامين من أسرار تخص موكله وفي ذلك نصت المادة (154) إجراءات جزائية على (عدم جواز ضبط الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم للمدافع عنه أو للخبير الاستشاري لأداء المهمة التي عهد إليه بها ولا المراسلات المتبادلة بينه وبين أي منهما) وقد نص المبدأ (8) من المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين على أن توفر لجميع المقبوض عليهم أو المحتجزين أو المسجونين فرص وأوقات وتسهيلات تكفي لأن يزورهم محام ويتحدثون معه ويستشيرونه دونما إبطاء ولا تدخل ولا مراقبة وبسرية كاملة ويجوز أن تتم هذه الاستشارات تحت نظر الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ولكن ليس تحت سمعهم.

وقررت محكمة النقض الفرنسية أن هذه الحصانة تمتد إلى ما يرسله المتهم لمحام عن متهم آخر معه في القضية بطريق البريد أو بأي طريق آخر.

وبالبناء على ذلك يقع باطلاً ضبط هذه الأوراق أو المستندات ومن ثم لا يجوز التعويل عليها توصيلاً لإدانة المتهم.

وفي رأينا أن المشرع اليمني قد غفل في لحظة إعداده لقانون الإجراءات الجزائية عن هذه الضمانة الإجرائية لحق المتهم في الاتصال بمحاميه في سرية حيث يلاحظ في كثير من القضايا منع سلطات التحقيق أو المحكمة للمحامي من أن ينفرد بموكله بل وإمعاناً في امتهان الدفاع يصر رجال الشرطة على الحضور مع المتهم حين اتصاله بمحاميه بل وقد يمنع المحامي من ممارسة هذا الحق وهنا يجب على المشرع أن ينص على هذا الحق بما يتوافق مع القواعد الدولية لحق المحاكمة العادلة وأن يضع جزاءً إجرائياً وموضوعياً بعقاب من يخالف هذا الحق.

5- الطلبات والدفوع:

هذا الحق هو جوهر الدفاع فهو الذي يمكن كل خصم من تقديم ما لديه من أدلة وإبداء ما لديه من دفوع وطلب الإجراءات اللازمة والتحقيق في كل منها.

ويقع على عاتق محكمة الموضوع الرد على كل دفع جوهري أو طلب هام استند إليه الدفاع وإلا كان عدم الرد عليه قصوراً في التسبيب بما يعيب الحكم ويبطله وبالمثل إذ كان الرد غير سائغ وغير كافٍ. وفي ذلك أوجبت المادة (376) إجراءات: (على المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبين الأسباب التي تستند إليها...) ونصت المادة (231/ب) على أنه (يعتبر عدم مناقشة القاضي لوسائل الدفاع الجوهرية ورده عليها ومخالفة الأسباب للنصوص أو الوقائع قصوراً في التسبيب يجعل الحكم باطلاً). 

وينبغي أن يكون الدفع قد أثير فعلاً على وجه ثابت بأوراق الدعوى وعلى صعيد آخر فإنه ينبغي أن يصر المتهم على دفعه بحيث تكون مطالبته به جازمة وذلك الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع  بإجابته أو بالرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمي إليه به ويعرض عليه مقدمه في طلباته الختامية.

كما يتعين أن يكون الدفع ظاهر التعلق بموضوع الدعوى أي أن يكون الفصل فيه لازماً للفصل في الدعوى.

وملاك القول إن إبداء الطلب أو الدفع هو إجراء جوهري يتمكن من خلاله الخصم أن يقدم إلى المحكمة كل ما لديه من طلبات وأدلة، ويبدي لها كل ما يريد من دفوع تأييداً لوجهة نظره أو تفنيداً لوجهة نظر خصمه وهو يشكل في حق الدفاع عصبته وركيزته الأساسية. ولذلك نصت المادة (8/2) إجراءات على (للمتهم الحق في المساهمة في الاستيثاق من الحقيقة وله التقدم بطلبات لإثبات براءته في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ويجب في كل الأحوال إثباتها وتحقيقها) ونصت المادة (325) إجراءات جزائية على (وجوب إجابة المحكمة على كافة الطلبات المتعلقة بالإثبات في الواقعة المنظورة أمامها ما دام أن الدليل المطلوب إثباته يعاون على كشف الحقيقة).                                 

وكفالة حرية الدفاع يوجب استماع المحكمة إلى ما يبيديه المتهم من أقوال وطلبات وأوجه مشروطة بإبدائها قبل إقفال باب المرافعة ولا يسوغ للمتهم إبداء طلبات جديدة أو أوجه دفاع بما يقدمه بعد ذلك من مذكرات وفي ذلك نصت المادة (333) إجراءات على أن (للمتهم ولغيره من الخصوم حتى قبل قفل باب المرافعة طلب سماع من يريد من الشهود أو اتخاذ أي إجراء آخر...)

والمتهم هو صاحب الشأن الأول في الدفاع عن نفسه فيما هو مسند إليه فلا يسوغ محاكمته إلا إذا كان في مكنته هو أن يتولى بذاته هذا الدفاع وأن يسهم مع محاميه– الموكل أو المنتدب- في تخطيط أسلوب دفاعه، ومراميه، وهو متمتع بكامل ملكاته العقلية ومواهبه الفكرية.

وبناءً على ذلك قضت محكمة النقض المصرية (إن محكمة الموضوع وقد قعدت عن النهوض بذلك الواجب، وخلا حكمها في الوقت ذاته مما ينفي طروء عاهة في عقل الطاعنة- رغم إصابتها بحالة اكتئاب مع الاضطراب الوظيفي في الذاكرة والإحساسات التي سجلها الحكم أو مما يثبت زوال هذه الحالة عنها فإن الحكم يكون منطوياً على إخلال بحقها في الدفاع).

وهنا سواءً كان المحامي الحاضر منتدباً من المحكمة أو موكلاً من المتهم فما هو إلا نائب عنه ويظل المتهم دائماً هو الخصم الأصلي في الدعوى الجزائية وحضور محام معه لا ينفي حقه في أن يتقدم بما يعن له من دفاع أو طلبات وعلى المحكمة أن تستمع له ولو تعارض ما يبديه مع وجهة نظر محاميه، وعليها أن ترد على هذا الدفاع طالما كان جوهرياً.

وفكرة الدفع رداً لغائلة الاتهام فكرة سبق لها القصص القرآني في أشهر واقعة عرف فيها الظلم والافتراء على الأبرياء ممثلة في قصة سيدنا يوسف- عليه السلام-. حيث دفع التهمة عن نفسه بأن زوجة فرعون هي التي راودته عن نفسه وأنه اعتصم وبلمحة ذكية من قبل أحد أفراد أسرة امرأة العزيز تحقيقاً لدفع سيدنا يوسف اهتدى إلى قرينة براءته حيث أثبت أن قميصه قُدَّ من دبر قال الله تعالى: (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب اليم، قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلم رءا قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) صدق الله العظيم[5].

6- الاستعانة بمترجم:

إن إجراءات المحاكمة تتم باللغة الرسمية للدولة توافقاً مع سيادتها واحتراماً لإقليمية قواعدها الجنائية وهو ما أكده المشرع اليمني في قانون السلطة القضائية بالنص على أن لغة المحاكم هي العربية. المادة (3). 

والاستعانة بمترجم قاعدة وردت صراحة في التشريعات الإجرائية حيث أوجبت على المحكمة أن تعين مترجم حينما يكون المتهم غير ملم باللغة العربية.

كما حرصت الإعلانات العالمية عليها، بل إنها وضعتها في مصاف القواعد الدستورية في بعض الأنظمة القانونية.

حيث جاءت المادة (14/3/و) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية صريحة بالنص على أنه (يجب أن يوفر للمتهم مترجم يوفر له مساعدة مجانية إذا لم يكن قادراً على تفهم اللغة المستعملة في المحكمة أو التحدث بها .....).

وصرحت المادة (6/هـ) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بالنص على ضرورة مساعدة المتهم بمترجم مجاناً إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستعملة في المحكمة. وبالمثل جرت المادة (8/2/أ) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان وتأكد هذا الحق بالمادة (7/1) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان. وتناوله مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة (6/1).

وقد ثار خلاف فقهي في بيان الصفة الإجرائية للمترجم حول ما إذا كان المترجم شاهداً على ما يقرره المتهم بلغته أم إنه يعد خبيراً في مدلول تلك اللغة.

إلا أن المستقر عليه أن الترجمة هي نوع من الخبرة.

فالمترجم ليس إلا مساعداً للقاضي والمحقق تتوافر لديه كفاءة خاصة هي معرفة اللغة المطلوب ترجمتها لنقل مضمون الأقوال أو الكتابة المقدمة إلى اللغة العربية ولا بد في هذه الحالة من تدخل عنصر التقدير الشخصي فالاصطلاح الواحد قد يكون له معان متعددة.

ولذلك فالترجمة الحرفية المحضة تكون عديمة الجدوى ولا تحقق الغرض المرجو، بل كثيراً ما تكون مضللة في فهم المطلوب فالعنصر التقديري في هذه الحالة هو فهم مراد المتهم المقر وتحويل ما يريد أن يدلي به إلى اللغة العربية الأمر الذي يقطع بأن الترجمة بعيدة كل البعد عن الشهادة وأنها عمل فني له طبيعة مماثلة لأعمال الخبرة تكمل نقص معرفة القاضي والمحقق اللغوية.

وما دام عمل المترجم هو نوع من الخبرة فلا بد من تحليفه اليمين القانونية قبل مباشرة مأموريته والتأكد من إجادته للغة المتهم واللغة العربية.

وقد أحسن المشرع اليمني في هذا الصدد حين اعتبر الترجمة من مسائل الخبرة وأعطى للمتهم الحق في أن يندب له مترجماً يفهم لغته ونص على ذلك المادة (335) من قانون الإجراءات الجزائية بأنه إذا كان المتهم أو أحد الشهود غير ملم باللغة العربية فللمحكمة أن تستعين بمترجم وتسري على المترجمين أحكام الخبراء.

والدفع بالجهل باللغة الرسمية المعتمدة أمام المحكمة يعتبر من الدفوع الموضوعية التي يتعين إثارتها أمام محكمة الموضوع بحيث لا يقبل ذلك لأول مرة أمام المحكمة العليا.

7- حق الصمت:

حق المتهم في الصمت هو أحد مظاهر حرية المتهم في الدفاع عن نفسه، لذلك نصت المادة (353) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه (إذا أنكر المتهم أو رفض الإجابة أو لم تقتنع المحكمة بإقراره تشرع المحكمة في التحقيق لسماع الشهود)، كما نصت المادة (360) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه (لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك) كما نصت المادة (361) من ذات القانون على أنه (إذا امتنع المتهم عن الإجابة أو إذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر الاستدلالات ومحضر التحقيق جاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله الأولى). والمادة (363) أيضاً نصت على (أن لا يكون المتهم عرضة للعقاب إذا رفض الإجابة عما وجه إليه من الأسئلة).

وتقرر هذا الحق أيضاً في حكم المادة (178) إجراءات جزائية حين أوجبت عدم جواز تحليف المتهم اليمين الشرعية ولا إجباره على الإجابة ولا يعد الامتناع قرينة على ثبوت التهمة ضده.

وعلى هذا جرى قضاء محكمة النقض المصرية بقولها: (على أن للمتهم إذا شاء أن يمتنع عن الإجابة أو الاستمرار فيها ولا يعد هذا الامتناع قرينة ضده وإذا تكلم فإنما ليبدي دفاعه ومن حقه دون غيره أن يختار الوقت والطريقة التي يبدي فيها هذا الدفاع فلا يصح أن يتخذ الحكم من امتناع المتهم عن الإجابة في التحقيق الذي تباشره النيابة العامة قرينة على ثبوت التهمة ضده).

وإذا كان هذا الحق قد أفصح عنه المشرع في المواد السالف بيانها فإن بعض التشريعات وزيادة في تكريس هذا الحق أوجبت على المحقق أن يخبر المتهم بحقه في الصمت مثال ذلك: قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي المادة (78).

واتجه القانون الهندي زيادة في ضمان هذا الحق إلى وجوب تنبيه المتهم الذي يعلن استعداده للاعتراف بأن أقواله قد تستخدم ضده أثناء المحاكمة مع منحه مهلة للتفكير لمدة أربع وعشرين ساعة.

وعلى الرغم من أهمية هذا الحق إلا أنه لم يرد نص صريح عليه في الاتفاقيات الدولية، بينما حرص المشرع الجنائي الدولي على التأكيد عليه في النظامين الأساسيين لمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا، وكذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما) المعتمد في 17/ يوليو/1998م في حقوق الأشخاص أثناء التحقيق المادة (155/2/ب) بتقرير (حق الشخص التزام الصمت دون أن يعتبر هذا الصمت عاملاً في تقرير الذنب أو البراءة).

وطالما كان صمت المتهم وامتناعه عن الإجابة استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون يستمد منه حريته في إبداء أقواله فلا يجوز للمحكمة أن تستخلص من صمت المتهم قرينه ضده. ولذلك عدت المادة (363) إجراءات جزائية رفض المتهم الإجابة عما وجه إليه من الأسئلة إنكاراً تسمع بعده البينة.

8-  عدم تحليف المتهم اليمين:

القاعدة العامة هي أنه لا يجوز إرغام أي شخص متهم  بارتكاب فعل جنائي على الاعتراف بالذنب أو الشهادة على نفسه.

وقد كان القانون الفرنسي القديم يوجب هذا الحلف أثناء الاستجواب على أثر إلغاء التعذيب المادي ثم عدل عنه القانون الحديث، وذهب الفقه الفرنسي إلى بطلان الاستجواب بعد تحليف المتهم اليمين باعتباره نوعاً من التأثير الأدبي على إرادته.

وقد جسد هذا المعنى في المادة (14/3) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالقول: (كل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات الدنيا التالية:

(ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بالذنب).

ونجد هذا الحكم أيضاً في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان المادة (5) منها في تقريرها لحق المتهم في أن لا يجبر على أن يكون شاهداً ضد نفسه أو أن يعترف بالذنب.

فلا يجوز للمحكمة عند استجوابها للمتهم أن تحلفه اليمين بقول الحق لأن ذلك اعتداء على حرية المتهم في الدفاع عن نفسه أو إبداء أقواله كما أنه يضعه في مركز حرج، ومن القسوة أن تضع المتهم في موقف تخيير بين مصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف ضميره الديني والأخلاقي وبين أن يقرر الحقيقة ويدين نفسه ويتعرض للجزاء، ويرى جانب من الفقه الوضعي أن مبادئ الأخلاق تسمح بأن يكذب المتهم أمام العدالة ولكنها تنكر عليه أن يحلف يميناً كاذباً، ويبررون ذلك بحق المتهم في الدفاع عن نفسه.

غير أن الملاحظ في هذا الصدد إغفال التشريعات الإجرائية في دول العالم على تحريم تحليف المتهم اليمين  وهو ما انتهت إليه اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بهيئة الأمم المتحدة فقامت بالتعليق على ذلك فيما يعرف بالتعليق العام سنة 1984م الفقرة (14) بقولها أن نص الفقرة الفرعية (3) على أنه لا يكره المتهم على الشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بالذنب ولدى النظر في هذا التدبير الوقائي ينبغي عدم إغفال أحكام المادة (7) فقرة (1) من المادة (10) فبغية إكراه المتهم على الاعتراف أو على الشهادة ضد نفسه غالباً ما تستخدم طرق تنتهك هذه الأحكام، وينبغي أن ينص القانون على أن هذه الإثباتات الموفرة بواسطة مثل هذه الطرق أو بأي شكل آخر من أشكال الإكراه غير مقبولة البتة. وقد تنبه المشرع اليمني إلى ذلك وحسناً فعل فنص في المادة (178) من قانون الإجراءات الجزائية على أنه: (لا يجوز تحليف المتهم اليمين).

وعلى ذلك فإذا وجهت المحكمة اليمين للمتهم عند استجوابها له وحلفها فإن ذلك يعتبر من قبيل الإكراه المعنوي على ذكر الحقيقة وهو ما يترتب عليه بطلان الاستجواب وجميع الأدلة المستمدة منه ومنها الاعتراف، وهذا البطلان متعلق بالنظام العام ومن ثم فلا يجوز للمتهم أن يتنازل عنه.

القسم الثالث
قرينة البراءة

تعد قرينة البراءة حجر الزاوية للعدالة الجنائية في العصر الحديث. ذلك إنه إذا كان صحيحاً أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات هو دستور قانون العقوبات فإن من الصحيح كذلك أن قرينة البراءة هي دستور قانون الإجراءات الجزائية، وتتفرع عنها سائر القواعد التي يقوم عليها هذا القانون وبعبارة أخرى تعد قرينة البراءة ركناً أساسياً من أركان الشريعة الإجرائية، وتمثل درعاً يحول دون الحيف بحقوق الإنسان وضماناته أثناء الدعوى الجزائية.

وإذا كانت قرينة البراءة تهدف أساساً إلى حماية المتهم سواء كان ذلك فيما يتعلق بالمعاملة التي يخضع لها أو فيما يتعلق بإثبات إدانته فإنها لا تغفل في الوقت ذاته عن مراعاة مصلحة المجتمع لذلك فقد أباح الدستور والقانون الحد من حريته الشخصية، بل وتعطيلها أحياناً إذا اقتضت ذلك ضرورات التحقيق والفصل في الدعوى فقد أجاز القانون ضبط المتهم وإحضاره والقبض عليه وتفتيشه أو تفتيش مسكنه، بل وحبسه احتياطياً. غير أن ذلك يجب أن يكون ضرورياً لمصلحة التحقيق وبقدر هذه الضرورة فقط مع مراعاة القواعد القانونية لكل إجراء من تلك الإجراءات.

وإذا كانت قرينة البراءة تعني أن المتهم بجريمة مهما بلغت جسامتها ومهما كانت خطورته يعد برئياً حتى تثبت إدانته قانوناً.

فإن لهذه القرينة أساسها المنطقي والقانوني. ذلك أن الجريمة عمل شاذ خارج عن المألوف ولا يمثل قاعدة عامة، لأنه إذا كان طبيعياً أن يرتكب أحد أفراد المجتمع جريمة ما فإنه من غير الطبيعي أن يجرم جميع أفراد هذا المجتمع فالأصل أن كل إنسان إنما يتصرف وفقاً للقانون. ويحترم قيم المجتمع الذي يعيش فيه. لذلك فقد عنيت معظم الدول بالنص على قرينه البراءة سواء كان ذلك في دساتيرها أم في قوانين الإجراءات الجزائية الخاصة بها مما يوفر لها سنداً دستورياً وقانونياً فضلاً عن أساسها المنطقي المشار إليه.

وعلى الرغم من الأهمية الكبرى لقرينة البراءة– بحسبانها الأساس الضروري لممارسة المتهم لحقوقه أثناء نظر الدعوى الجزائية فإن القانون الوضعي الذي عرفها مؤخراً– كان يعرف حلولاً وسطاً بين البراءة والإدانة– وقد جاء اعترافه بها نتيجة لجهود فلاسفة عصر التنوير والنهضة أمثال بيكاريا وفولتير ومنوتسكيو الذين نددوا بالتجاوزات الخطيرة التي كان يتعرض لها المتهمون فتم النص عليها في المادة التاسعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في سنة 1789م إبان الثورة الفرنسية.

وإذا كان لقرينة البراءة أهميتها الكبرى كأساس لحماية الحرية الشخصية للمتهمين فإنها لم تسلم من النقد فقد هاجمها أنصار المدرسة الوضعية بسبب طابعها المطلق حيث يستفيد منها جميع المتهمين دون تمييز- على خلاف مذهبهم في ضرورة تقسيم المتهمين إلى فئات– وسبب النتائج المبالغ فيها– وبحسب رأيهم– تلك التي استخلصها منها المشرع والقضاء.

وفضلاً عن ذلك فقد حاول البعض الآخر النيل من قرينة البراءة سواء أكان ذلك باقتراح وضع محايد للمتهم  بحيث لا يستفيد من أي قرينة أم بقطع الصلة بين قرينة البراءة وقواعد الإثبات حيث يرون أن قاعدة حمل المتهم عبء الإثبات يكفي بذاتها دون ما حاجة إلى تفسيرها بالرجوع إلى قرينة البراءة وأن مبدأ ضرورة بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين وتفسير الشك لصالح المتهم إنما يرجع إلى اعتبارات العدالة التي تأبى أن تستند الإدانة على خطورتها إلى مجرد الظن والاحتمال وقد تصدى أنصار قرينة البراءة للرد على هذه الانتقادات وأوضحوا فساد الأساس الذي تقوم عليه.

أساس المبدأ:

  يعتبر هذا المبدأ عنصراً أساسياً في الشرعية الإجرائية فإن تطبيق مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني أو شرعي يفترض حتماً وجود قاعدة أخرى هي افتراض البراءة في المتهم، وقد عنى البعض عند التعليق  على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بأن يشير صراحة إلى أن المعنى الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يتمثل في ضمان قرينة البراءة لكل متهم.

هذا وقد أكد المؤتمر الذي عقدته الجمعية الدولية لرجال القانون في نيودلهي عام1959م أن تطبيق مبدأ الشرعية ينطوي على الاعتراف بقاعدة أن المتهم تفترض براءته حتى تتقرر إدانته.

والواقع في الأمر أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يؤكد أن الأصل في الأشياء الإباحة وأن الاستثناء هو التجريم والعقاب.

واستنتاجاً من إباحة الأشياء يجب النظر إلى الإنسان بوصفه برئياً فكلاهما وجهان لعملة واحدة ولهذا قيل بأن البراءة تتفق مع طبيعة الأشياء، ولا تنتفي هذه البراءة إلا عندما يخرج الإنسان من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم وهو ما لا يمكن تقريره إلا بمقتضى حكم قضائي فهذا الحكم هو الذي يقرر إدانة المتهم فيكشف عن ارتكابه الجريمة. لذا حق القول بأن المتهم برئ حتى تتقرر إدانته والاعتماد على الحكم وحده لدحض قرينة البراءة ينبني على أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحرية فيملك بناءاً على هذا الأصل تحديد الوضع القانوني للمتهم بالنسبة إلى هذه الجريمة.

تاريخ المبدأ:

كانت المجتمعات البدائية تخضع لتأثير بعض المعتقدات لذلك كان المتهم تفترض فيه الإدانة وكان إثبات البراءة يعتمد عليه ونظراً لشدة عقوبة اليمين الكاذبة فقد كان العقاب يعتمد أساساً على نتيجة اليمين التي يحلفها المتهم مؤيدة ببعض التعاويذ الدينية وفي كثير من الأحيان كان العقاب يتم في اتخاذ إجراءات ماسة بالحرية مثل التعذيب والتقاتل.

وفي القانون الروماني حينما كانت المحاكمة تتم بإجراءات شفوية علنية كان الأصل في المتهم البراءة وعلى سلطة الاتهام إثبات العكس، وعندما اختفى نظام الإجراءات الشفوية العلنية وحلت محلها الإجراءات المكتوبة أصبح من سلطة القاضي أن يطلب من المتهم تقديم إيضاحات عن موقفة وإلقاء عبء إثبات البراءة عليه وذلك عن طريق افتراض الجرم في حقه.

ففي ظل النظام الاتهامي كان مجرد توجيه الاتهام يمثل مساساً بالحرية الفردية ويلزم ممثل الاتهام بتقديم الدليل على صحة دعواه.

فالفرض في المتهم البراءة حتى يثبت عكسها ولذلك كانت ضمانات الحرية الفردية هي السمة التي يتطبع بها هذا النظام.

ومنذ القرن الثالث عشر بدأ النظام الاتهامي في الاضمحلال ليفسح المكان لنظام التحري والتنقيب الذي تأكد تطبيقه بصورة كاملة منذ القرن السادس عشر الميلادي ووضحت معالمه بشكل خاص في القرن السابع عشر. وفي ظل هذا النظام حلت قرينة الجرم محل قرينة البراءة وقد تغلبت مصلحة المجتمع في جمع الدليل لمعرفة الحقيقة على مصلحة الفرد في حماية حريته الأساسية فكان الفرض في المتهم هو الجرم.

 على أن هذا الفرض لم يصل إلى حد القرينة القانونية فكان عبء الإثبات يقع على النيابة العامة وعلى القاضي ولم يكن على المتهم عبء إثبات براءته إلا في الجرائم الجسيمة مثل الشعوذة والسحر.

والواقع أن هذا النظام رغم إلقائه عبء الإثبات في معظم الجرائم على عاتق النيابة العامة والقاضي إلا انه لم يفترض براءة المتهم فيما يتعلق بالإجراءات الماسة بالحرية، ففي هذا افتراض ثبوت التهمة فكان الأصل في التحقيق هو القبض عليه وحبسه احتياطياً حتى قيل بأن (من لا يبدأ بالقبض سوف يفقد المجرم) وعلى الرغم من تمتع المتهم ببعض الضمانات في هذا النظام الإجرائي إلا أن افتراض ثبوت التهمة في حقه أدى إلى مصادرة جانب كبير من حريته الفردية لصالح الاتهام.

ويمكن القول بأن هذا النظام قد أخذ بكل من قرينتي البراءة والجرم في حدود معينة فبالنسبة إلى عبء الإثبات الأصل في المتهم البراءة.

ومن ثم فهو ليس مكلفاً بإثبات براءته، أما بالنسبة إلى الحرية الفردية فالأصل في المتهم الإدانة، ولذلك أجيز إهدار حريته أثناء التحقيق حتى يثبت عكس هذا الأصل.

ومنذ القرن الثامن عشر بدأت انتقادات توجه إلى مظاهر المساس بالحرية الفردية في النظام الإجرائي وانتشرت الأفكار الفلسفية التي تنادي باحترام هذه الحرية.

ففي إيطاليا نادى بيكاريا في كتابه الجرائم والعقوبات لسنة 1764م بأنه لا يجوز وصف شخص بأنه مذنب  قبل صدور حكم القضاء وأنه لا يجوز للمجتمع أن يسحب حمايته قبل إتمام محاكمة الفرد عن الجريمة المنسوبة إليه وانتقد بيكاريا بشدة استعمال التعذيب عند التحقيق مع المتهم قائلاً بأن من نتائجه الغريبة أن يكون المتهم تحت وطأة التعذيب فتقرر إدانته. وقال منتسكيو في كتابه (روح القوانين) بأنه عندما لا تضمن براءة المواطنين فلن يكون للحرية وجود.

وقد جاء إعلان حقوق الإنسان الصادر في سنة 1789م إبان الثورة الفرنسية مؤكداً مبدأ: الأصل في الإنسان البراءة حتى تتقرر إدانته، ثم تأكد هذا المبدأ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م ويعتبر هذا المبدأ من الأصول الأساسية في النظم الإجرائية المعاصرة.

علة المبدأ:

ساق الفقه بعض الاعتبارات تأييداً لهذا الأصل العام يمكن إجمالها فيما يلي:-

1- حماية أمن الأفراد وحريتهم الفردية ضد تحكم السلطة عند افتراض الجرم في حق المتهم.

2- تفادي ضرر لا يمكن تعويضه إذا ما ثبتت براءة المتهم الذي افترض فيه الجرم وعومل على هذا الأساس.

3- يتفق هذا الأصل العام مع الاعتبارات الدينية والأخلاقية التي تهتم بحماية الضعفاء.

4- يسهم هذا الأصل في ملافاة ضرر الأخطاء القضائية بإدانة الأبرياء وخاصة وأن هذه الأخطاء تفقد الثقة في النظام القضائي في نظر المجتمع.

5- استحالة تقديم الدليل السلبي. وفي هذا الشأن يقول بعض الفقهاء: إنه إذا لم تفترض البراءة في المتهم فإن مهمة هذا الأخير سوف تكون أكثر صعوبة لأنه يلتزم بتقديم دليل مستحيل وفقاً للقواعد المنطقية فالمتهم سوف يكون ملزماً بإثبات وقائع سلبية وهو دليل يستحيل تقديمه ويترتب على ذلك أن يصبح المتهم غير قادر على إثبات براءته مما يؤدي إلى التسليم بمسئوليته حتى ولو لم يقدم ممثل الاتهام دليلاً عليه.

نتائج المبدأ:

يترتب على مبدأ افتراض البراءة في المتهم نتيجتان هامتان هما:

1. ضمان الحرية الشخصية للمتهم.

2. إعفاء المتهم من إثبات براءته.

وهاتان النتيجتان متلازمتان فالبراءة المفترضة يصاحبها التمتع الكامل بالحرية ويقتضي هذا التمتع كفالته بضمانات معينة لمواجهة أي إجراء يمكن أن ينتقص من الاستعمال القانوني لهذه الحرية.                                                                                                   

ومن ناحية أخرى فإن البراءة المفترضة لا تتفق مع تجشيم المتهم أي عناء في إثبات هذه البراءة فهي أمر مقرر قانوناً وعلى من يدعي خلاف ذلك إثبات العكس.

ويلاحظ في هذا الشأن التقاء واضح بين قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية فقانون العقوبات يفترض في الأشياء الإباحة ولذلك يحمي سلوك المواطنين من خطر رجعية التجريم والعقاب أو القياس عليه فيقرر مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون.

وقانون الإجراءات الجزائية يفترض في المتهم البراءة ولذلك يحمي حرية المتهم من خطر الإجراءات الجنائية التي تهدد هذه الحرية فيقرر الضمانات التي تكفل احترام الحرية عند مباشرة هذه الإجراءات في مواجهته.

فكل إجراء جنائي يسمح به القانون يجب أن يكون مقيداً بهذه الضمانات درءاً لخطر التحكم في مباشرته  وإلا كان مخالفاً لقرينة البراءة.

وينتج عن هذا المبدأ أيضاً ضرورة الإفراج الفوري عن المتهم المحبوس احتياطياً إذا كان الحكم صادراً بالبراءة أو بعقوبة لا يقتضي تنفيذها الحبس أو إذا أمر في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة أو إذا كان المتهم قد قضى في الحبس الاحتياطي مدة العقوبة المحكوم بها وإذا كان المتهم قد أفرج عنه أو كان مطلق السراح قبل صدور الحكم بالإدانة من محكمة أول درجة أن يظل مفرجاً عنه مؤقتاً خلال الميعاد المقرر للطعن وأثناء نظره وذلك في الحالات التي يوجب فيها القانون وقف تنفيذ الحكم.

واحتراماً لقرينة البراءة نجد أن المشرع قصر إعادة النظر في الأحكام الجنائية الباتة عن طريق الطعن بالتماس إعادة النظر على الأحكام الصادرة بالإدانة وحدها وعلى ذلك لا يجوز إعادة النظر في الأحكام الصادرة في البراءة ولو تبين أن ثمة خطأ قضائياً أدى إلى صدور الحكم بالبراءة.

كما لا يجوز تشديد العقوبة إذا كان المتهم هو الطاعن الوحيد.

السند القانوني لقرينة البراءة على الصعيد الدولي والقانوني:

أولاً: قرينة البراءة على الصعيد الدولي:

لقد بدأ الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وكان بداية هذا الاهتمام صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948م  تم تلا ذلك العهد الدولي لحقوق الإنسان الصادر في السادس عشر من ديسمبر سنة 1966م  وعلى النطاق الإقليمي تعد الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الموقعة في روما سنة1950م أحد النماذج الهامة في هذا الشأن.

 

أولاً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/ديسمبر/1948م:

قضت المادة الحادية عشرة من هذا الإعلان بأن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه وتضمن الإعلان كذلك عدة نصوص تقرر حقوقاً أخرى للمتهم نذكر منها:

أ.  حظر التعذيب أو المعاملات القاسية أو الوحشية  أو الحاطة بالكرامة (المادة الخامسة).

ب. عدم جواز القبض أو الحجز التعسفي (المادة التاسعة).

ج. حق المتهم في محاكمة عادلة (المادة العاشرة).

د.  حماية الحياة والأسرة والمسكن والمراسلات والشرف والسمعة (المادة الثانية عشرة).

ويعد هذا الإعلان على الرغم من أنه غير ملزم قانوناً للدول الأعضاء بداية الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وفي مقدمتها قرينة البراءة.

وقد استوحت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية معظم المبادئ التي وردت به ثم تطور الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان فتم إقرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في سنة 1966م.

ثانياً: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في 16/ديسمبر /1966م:

وقد قضى هذا العهد– بأن كل متهم بجريمة له الحق في أن يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته طبقاً للقانون المادة (14 الفقرة الثانية).

وعلى غرار الإعلان العالمي السابق الإشارة إليه تضمن هذا العهد النص على بعض الحقوق الأخرى للمتهم والتي تعد بمثابة نتائج لقرينة البراءة نذكر منها:

أ.  حظر التعذيب والمعاملات غير الإنسانية والحاطة بالكرامة (المادة السابعة).

ب. الحق في الحرية والسلامة الشخصية والحق في عدم جواز القبض أو الحجز التعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا وفقاً للقانون (المادة التاسعة).

ويتميز هذا العهد عن الإعلان العالمي بأنه يفرض التزاماً قانونياً على الدول الأعضاء بضرورة احترام ما ورد فيه والعمل على تنفيذه في قوانينها الداخلية.

 

ثالثاً: الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة1950م:

وقد تم توقيع هذه الاتفاقية في الرابع من نوفمبر 1950م  من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا في ذلك الوقت وتتميز هذه الاتفاقية بأنها ملزمة للأعضاء الموقعين عليها، كما أنها تضمنت آليات فعلية لضمان تنفيذ ما جاء بها من أحكام.

وقد قضت المادة السادسة منها في فقرتها الثانية بأنه:

(يعد بريئاً كل متهم بارتكاب جريمة حتى تثبت إدانته قانوناً) وتضمنت الاتفاقية فضلاً عن ذلك النص على بعض الضمانات الأخرى للمتهمين منها:

أ.  حظر التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الإنسانية أو المهينة.

ب. حق كل إنسان في الحرية والأمن، ولا يجوز حرمان أحد حريته إلا وفقاً للقانون.

ج. لكل مقبوض عليه أو محبوس الحق في المحاكمة في فترة معقولة.

د. لكل شخص كان ضحية القبض أو الحبس بالمخالفة لأحكام هذه المادة الحق في التعويض.

ه. كما تقرر المادة السادسة في فقرتها الثالثة: للمتهم الحق فيما يأتي:

1- أن يبلغ في أقرب وقت وبلغة يفهمها وبالتفصيل بطبيعة التهمة الموجهة إليه وسببها.

2- أن يمنح الوقت والتسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه.

3- أن يدافع عن نفسه بنفسه أو عن طريق محام.

4- سؤال شهود الإثبات أو طلب سؤالهم وإمكانية استدعاء شهود النفي أو سؤالهم بنفس شروط شهود الإثبات.

5- الاستعانة بمترجم.

ثم أضاف الملحق أو البرتوكول السابع الذي أضيف إلى هذه الاتفاقية والموقع في 22/نوفمبر/1984م – المادة الثالثة أنه (لكل شخص صدر ضده حكم نهائي بالإدانة ثم ألغي هذا الحكم أو صدر عفو خاص عنه بسبب واقعة جديدة تقطع بوقوع خطأ قضائي طلب التعويض عن العقوبة التي طبقت عليه نتيجة هذا الحكم وفقاً للقانون، مالم يكن مسئولاً كلياً أو جزئياً عن عدم الكشف عن الواقعة الجديدة في الوقت المناسب).

ونشير أخيراً إلى الاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والعقوبات أو المعاملات غير الإنسانية والتي تم توقيعها في 26/نوفمبر/1987م، فقد قررت هذه الاتفاقية آليات وقائية غير قضائية لتعزيز حماية الأشخاص الذين يتعرضون لمثل تلك المعاملة السيئة.

ونصت المادة الأولى على أنه (تنشأ لجنة أوربية لمنع التعذيب والعقوبات أو المعاملات غير الإنسانية أو المهينة، وتحقق اللجنة من خلال الزيارات في معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم لتعزيز حمايتهم عند الحاجة من التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الإنسانية أو المهينة).

ثانياً: قرينة البراءة في القانون:

لقد اختلف الاعتراف بقرينة البراءة في القانون من دولة إلى أخرى سواءً كان ذلك من حيث الصياغة أم من حيث موضع النص عليها.

فبعض الدول تنص على قرينة البراءة من خلال مبادئ وإعلانات للحقوق كما هو الحال في القانون الفرنسي. وقد يرى البعض النص على هذه القرينة في قوانينهم الإجرائية وأخيراً قد لا ينص على قرينة البراءة في تشريع أو قانون داخلي إنما تستخلص من أحكام القضاء كما هو الحال في القانون الإنجليزي تمشياً مع التقاليد المستقرة لهذا القانون.

وفي دستور الجمهورية اليمنية نجد أن المشرع اعترف بهذه القرينة من خلال النص عليها في المادة (47) منه والتي تنص على أن (المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو قانوني وكل متهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات).

ولم يغفل المشرع اليمني التأكيد على هذه القرينة في قانون الإجراءات الجزائية حيث نص في المادة (4) منه على أن (المتهم برئ حتى تثبت إدانته ويفسر الشك لمصلحة المتهم).

الخاتمـــة

إن الهدف من الإجراءات الجنائية ليس هو كشف الحقيقة بعيداً عن احترام حرية المتهم، ومن ثم فيجب معاملته بهذه الصفة في جميع الإجراءات مما يتعين معه احترام حريته وتأكيد ضماناتها، فلا قيمة للحقيقة التي يتم التوصل إليها على مذبح الحرية[6].

،،، والله الموفق،،،

قائمة المراجع

1- الوسيط في قانون الإجراءات الجزائية- دكتور/ أحمد فتحي سرور- ط/ 1981م.

2- قانون الإجراءات الجزائية– دار الفكر العربي د/ مأمون محمد سلامه- ط/ 1980م.

3- المشكلات العملية الهامة في قانون الإجراءات الجنائية- د/ رؤف عبيد– دار الفكر العربي- ط/1980م.

4- حماية حق المتهم في محاكمة عادلة- د/ حاتم بكار- منشأة المعارف بالإسكندرية- ط- 1997م.

5- الإخلال بحق الدفاع في ضوء الفقة والقضاء- د/عبد الحميد الشواربي- منشأة المعارف بالإسكندرية – ط 1987م.

6- تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف– د/عمر الفاروق الحسني- ط/ 1994م.

7- ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي- د/عبد الحميد الشواربي– منشأة المعارف بالإسكندرية- ط/ 1993م.

8- الحماية الجنائية لحقوق المتهم (رسالة كتوراة) د/ محمد محمد سيف الشجاع- ط/ 1990م.

9- حق المتهم في الاستعانة بمحام– د/ سعد حماد صالح القبائلي- دار النهضة– ط/ 2005م

10-                                                                                               الحماية الدولية لحقوق الإنسان– د/ أحمد أبو الوفاء- دار النهضة العربية – ط/ 2005م

11-                                                                                               حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية في ظل قانون الإجراءات الجزائية، د/ حسن صادق المرصفاوي- بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون– جامعة صنعاء– العدد الثاني لسنة 1979م- ص27.

12- حق المتهم في الصمت- د/ حسام الدين محمد أحمد- دار النهضة- ط/ 2002م.

13- استقلال القضاء- المستشار/ سري صيام- مقال منشور في مجموعة مكتبة الأسرة– الجزء الثاني من روائع الأدب القضائي ص85.

14- دليل حقوق الإنسان الخاص بالقضاة والمدعين العامين- إصدارات الأمم المتحدة.


 

[1]    المحكمة الدستورية العليا في 4/1/1994م – القضية رقم (22) لسنة8 قضائية دستورية إ. ج.

 

[2]  أحكام النقض 3/5/1961م – س 13ق127و3/5/196/س16.

 

[3]    حكم صادر من محكمة النقض المصرية برقم (27/12/1932).

 

[4]    طعن 294/49 ق جلسة 14/6/1979م.

 

[5]    سورة يوسف الآيات (28،25).

 

[6]    محكمة أمن الدولة العليا المصرية– في القضية الجنائية رقم (48) لسنة1992م فيما يعرف باسم قضية تنظيم الجهاد.