أجور السمسرة (السعاية) في القانون اليمني

الأستاذ. الدكتور/ عبدالمؤمن شجاع الدين

7/19/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

أجور السمسرة (السعاية) في القانون اليمني

 

الأستاذ. الدكتور/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون– جامعة صنعاء

 

مع أن القانون التجاري اليمني قد صرح بأن السمسرة (السعاية) من ضمن الأعمال التجارية بقطع النظر عن صفة القائم بها أو نيته حسبما ورد في الفقرة (4) من المادة (10) من القانون، ومع أن القانون ذاته قد نظم عقد ِالسمسرة في المواد (من 326 إلى 342) ومع أنه من المقرر في القانون التجاري أن السمسار لا يكتسب صفة التاجر إلا اذا اتخذ السمسرة حرفة معتادة يتكسب ويتربح منها إلا أن مهنة السمسرة والسماسرة لازالت في اليمن من المهن العشوائية التي لم يتم تنظيمها من حيث تحديد الأشخاص الذين يقومون بها والشروط والواجبات التي يجب توفرها فيهم وغير ذلك من المسائل التنظيمية لمهنة السمسرة (السعاية)، ولذلك تحدث نزاعات وخلافات بشأن أعمال السمسرة والسماسرة، وبما أن القانون قد نظم عقد السمسرة فإن إثبات قيام السمسار بالسمسرة والتوفيق بين البائع والمشتري يخضع للقواعد العامة في الإثبات، فعقد السمسرة ليس من العقود الشكلية حتى يشترط القانون إثبات السمسرة بوسيلة معينة، لذلك يجوز إثبات عقد السمسرة وأعمال السمسرة بأية طريقة من طرق الإثبات، وسوف نعرض تقديراً مقابل السمسرة والسعاية إثبات ذلك في المباحث الآتية:

المبحث الأول: ماهية السمسرة.

المبحث الثاني: الأعمال التي يقوم بها السمسار والتزاماته.

المبحث الثالث: الوضعية القانونية للسمسار . 

المبحث الرابع: تقدير أجرة السمسار. 

المبحث الخامس: تقدير أجرة السمسار بحسب قواعد العرف السائد.

المبحث السادس: شروط استحقاق السمسار للأجرة. 

 المبحث السابع: حق السمسار في  استرداد المصاريف والمطالبة بالتعويض

المبحث الثامن: تعديل أجر السمسار.

المبحث التاسع: مسئولية السمسار. 

المبحث العاشر: طرق إثبات عقد السمسرة. 

المبحث الحادي عشر: موقف الشريعة الإسلامية من عقد السمسرة.

المبحث الأول   ماهية السمسرة (السعاية)

مصطلح (السمسرة) في اليمن مصطلح مذموم يستنكف منه غالبية اليمنيين لأن هذا يرتبط بأذهان اليمنيين بالسمسرة وهي الخان الذي كان يأوي إليه المسافرون، وعند بعض اليمنيين فإن  مصطلح السمسرة يوحي بمهنة يأنف منها غالبية اليمنيين، ولذلك فإنه عند تعديل القوانين اليمنية يطرح بقوة تعديل هذا المصطلح إلى مصطلح الوسيط. 

وقد عرفت المادة (326) من القانون التجاري اليمني عرفت السمسرة بأنها (عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لإبرام عقد معين في مقابل أجر)، ومن خلال استقراء هذا النص يظهر أن السمسرة عقد يلتزم به طرف يدعى بالسمسار بأن يرشد الطرف الآخر ويدله إلى إبرام عقد أو صفقة ما أو أن يكون وسيطاً له في مفاوضات التعاقد مع طرف آخر وذلك مقابل أجر. 

فالسمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لإبرام عقد معين والتوسط لإبرامه في مقابل أجر، ويقتصر عمل السمسار على التقريب بين شخصين لإبرام الصفقة دون أن يكون وكيلاً أو طرفاً في العقد فهو لا يمثل أحد المتعاقدين في إبرام العقد بوصفه طرفاً في العقد .

فعقد السمسرة يكون بين طرفين فأكثر، يفوض أحدهم (العميل) الطرف الآخر ويسمى السمسار لأن يرشده ويدله أو يتوسط له في إبرام عقد أو صفقة، أو يكون وسيطاً بين طرفين لمساعدتهما على إبرام صفقة أو تصرف قانوني والتوفيق بين وجهات نظر المتعاقدين المتضاربة مقابل أتعاب تتناسب مع الجهد والوقت المبذول من السمسار.

والسمسار: شخص مفوض من قبل طرف أو أطراف العقد لأجل التوسط بينهم أو للتوسط أمام طرف ثانٍ لإتمام صفقة أو تسهيل عقد الصفقات التجارية بين أشخاص لا تربطهم علاقة سابقة وإرشاد من تعاقد معه إلى صفقة رابحة أو يكون وسيطاً في مفاوضات بين مصدر الأمر وما يلائمه للوصول لحل وسطي، لإبرام هذا العقد فينشأ له بشكل صريح أو ضمني أن يقبض أجراً بسبب طبيعة عمله، عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة على يديه دون أن يتحمل أي أثر ناتج عن هذا العقد 

وبما أن السمسرة عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لإبرام عقد معين والتوسط في إبرامه، فالسمسار ليس وكيلاً، فهو لا يتفاوض ولا يبرم العقد، فيقتصر جهده على مجرد إيجاد طرف آخر لسمسرة عمل تجاري أياً كان محلها.(عقد السمسرة بين الواقع والقانون، غادة غالب، ص13). 

المبحث الثاني  الأعمال التي يقوم بها السمسار والتزاماته 

 تتلخص الأعمال التي يقوم بها السمسار والتزاماته فيما يأتي:

1- إرشاد العميل لصفقة رابحة وتقديم ما في خبرته من معلومات تسهم في إبرام التصرف.

2- التوسط في مفاوضات العقد ومحاولة إقناع الأطراف والتوصل لحلول وسطية مرضية.

3- تنفيذ الالتزامات بما يعود بالنفع الأكثر على المتعاقد الذي كلف السمسار، وأن يقوم السمسار بإنجاز المهمة في المدة المحددة إن وجدت، وإن لم تحدد المدة فيكون له إنجازها في وقت غير محدد شريطة ألا يتضرر المتعاقدون من ذلك .

4- البحث عن متعاقد يرتضي بالتعاقد والتفاوض مع هذا المتعاقد. 

5- يلتزم السمسار بأداء ما تم تكليفه به بنفسه، فلا يحق له أن ينيب أحداً دون موافقة العميل.

6- ضمان عدم تضارب المصالح وبقاء السمسار مستقلاً .

7- تقديم حساب كامل بكافة المصروفات والنفقات المبذولة في سبيل تحقيق ما تم تكليفه به.

8- مراعاة الأمانة والاهتمام وعدم التقصير. 

9- النصيحة لطرفي العقد، فالسمسار في الأصل يستأجره أحد أطراف العقد وإن لجأ له الطرفان فكلاهما يبرم معه عقد سمسرة، وعلى السمسار ولو لم يكن مكلفاً إلا من أحد طرفي العقد أن يعرض الصفقة على الطرفين وأن يبين لهما جميع الظروف والبيانات والخبرات التي يعلمها عن الصفقة المزمع عقدها. 

10-                                                                                               على السمسار تنفيذ أعمال السمسرة بنفسه دون إنابة غيره لوجود اعتبار شخصي  في تكليفه بهذه المهمة، فإذا أناب السمسار غيره عنه دون إذن من الأصيل يكون السمسار مسئولاً عن أعمال هذا الغير كأنها صدرت منه شخصياً، أما إذا أذن الأصيل للسمسار بإنابة غيره ففي هذه الحالة يكون السمسار مسئولاً عن خطئه في اختيار هذا الغير.

المبحث الثالث الوضعية القانونية للسمسار

صرح القانون التجاري اليمني بأن عقد السمسرة من ضمن الأعمال التجارية وفقاً للمادة (10) التي نصت على أنه (تعد أعمالاً تجارية الأعمال المتعلقة بالأمور التالية بقطع النظر عن صفة القائم بها أو نيته: 4- السمسرة والوكالة بالعمولة)، ومع أن القانون التجاري قد صرح بأن السمسرة من الأعمال التجارية بصرف النظر عن صفة  الشخص الذي يقوم بالسمسرة أي سواء أكان تاجراً أم غير تاجر حسبما ورد في النص القانوني السابق إلا إن السمسار لا يعد تاجراً  ولا يكتسب صفة التاجر إلا اذا كان قد بلغ سن الأهلية التجارية المحددة في القانون التجاري اليمني وهي 18 سنة واذا كان يزاول أعمال السمسرة على وجه الاحتراف باسمه وحسابه أي إنه يتخذها حرفة ومهنة يتكسب منها بصفة معتادة. 

ويجوز أن تزاول أعمال السمسرة كل شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها في قانون الشركات إذا كانت أعمال السمسرة من ضمن أغراضها المنصوص عليها في قرار إنشاء الشركة أو نظامها الأساسي، وفي هذا المعنى نصت المادة (18) تجاري على أن (كل من اشتغل باسمه في معاملات تجارية وهو حائز للأهلية الواجبة واتخذ هذه المعاملات حرفة له يكون تاجراً، وكذلك يعتبر تاجراً كل شركة تجارية وكل شركة تتخذ الشكل التجاري، ولو كانت تزاول أعمالاً غير تجارية). 

فإذا اتخذ الشخص الطبيعي السمسرة حرفة له وهي عمل تجاري حسبما ورد في المادة (10) السابق ذكرها فإنه يكتسب صفة التاجر إذا كان قد بلغ سن الأهلية التجارية وهي 18 سنة، وكذا يكتسب السمسار صفة التاجر إذا قام بالإعلان عن محله الذي يستخدمه في أعمال السمسرة، وفي هذا الشأن نصت المادة (19): تجاري على أن (كل من أعلن للجمهور عن طريق الصحف أو النشرات أو بأية طريقة أخرى عن محل أسسه للتجارة يعد تاجراً وإن لم يتخذ التجارة حرفة مألوفة له، وتثبت صفة التاجر لكل من احترف التجارة باسم مستعار- أو مستتر وراء شخص آخر فضلاً عن ثبوتها للشخص الظاهر وإذا زاول التجارة أحد الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بموجب قوانين أو أنظمة خاصة عد تاجراً وسرت عليه أحكام هذا القانون)، وعلى أساس ما تقدم فإن الأشخاص الذين لا يتخذون السمسرة حرفة لهم ولا يقومون بالإعلان عن محلاتهم الخاصة بأعمال السمسرة لا يكتسبون صفة التاجر، بيد أن السمسار لا يكون تاجراً إلا إذا كان  قد اتخذ السمسرة حرفة له يتكسب منها بصفة معتادة، أما إذا قام بأعمال السمسرة بصفة عارضة فلا يكون عمله في هذه الحالة عملاً تجارياً وفقاً للمادة (20) تجاري التي نصت على أنه (لا يعد تاجراً من قام بمعاملة تجارية عارضة دون أن يتخذ التجارة حرفة له ومع ذلك تخضع المعاملة التجارية التي يقوم بها لأحكام قانون التجارة)، فالسمسار يكتسب صفة التاجر لأنه يقوم بأعمال السمسرة كمهنة وحرفة له، فهو أثناء قيامه بعمله هذا لا يكون تابعاً لأحد الطرفين الذي يقوم بالتوسط بينهما، فالسمسار التاجر يمارس مهنة السمسرة على وجه الاستغلال والتربح، فالسمسرة تساهم في تداول الأموال ولذلك فإن عمل السمسار يعد عملاً تجارياً، وهناك من يذهب إلى أن عمل السمسار لا يكون تجارياً إذا تعلق بأعمال تجارية أما إذا تعلق بعمل مدني فإن عمله يعد مدنياً، ولكن هذا التخريج غير مقبول في القانون التجاري اليمني، لأن المادة (10) من القانون التجاري اليمني صريحة، فقد اعتبرت عمل السمسار أياً كان عملاً تجارياً دون تميز بين الصفقات التي يبرمها تجارية كانت أم مدنية . 

وبما أن السمسرة عمل تجاري بصرف النظر عن صفة القائم بها حسبما سبق بيانه في المادة (10) تجاري السابق ذكرها فإن القضاء التجاري يختص بنظر المنازعة بشأنها حتى لو لم يكتسب السمسار صفة التاجر، فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد صدر من القضاء التجاري مع أن السمسار في القضية التي تناولها الحكم لم يكتسب صفة التاجر.

المبحث الرابع تقدير أجرة السمسار 

غالبية  القوانين العربية لا تحدد أجرة السمسار، وإنما تنص على أنه يتم تحديد الأجرة في عقد السمسرة ذاته فإن لم يتم تحديده في عقد السمسرة فيقوم القضاء بتقديره في ضوء الجهد الذي بذله السمسار والوقت الذي صرفه في سبيل إنجاز المهمة وفي ضوء العرف السائد المستقر، بحسب ما ورد في الحكم محل تعليقنا، وفي هذا المعنى نصت المادة (327) من القانون التجاري اليمني على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف، فإذا لم يوجد عرف  قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به)، وكذا أشار القانون المدني في المادة (٨٥٥) إلى أجرة السمسرة  أو السعاية  فقد نصت تلك المادة على أن (أجرة الدلال إن باع العين بنفسه وبإذن صاحبها على البائع، ويعتبر العرف أنه سعى بين البائع والمشتري وباع المالك بنفسه). 

ولا يستحق السمسار أجرة إلا إذا أدت وساطته إلي إبرام العقد، ويستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد طالما وقد تحققت الغاية من العقد، أما إذا كان العقد معلقاً على شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجر إلا إذا تحقق الشرط حسبما ورد في المادة (328) تجاري التي نصت على أنه (لا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلى إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه وإذا كان العقد معلقاً على شرط واقف لم يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط).

ويتم في عقد السمسرة تحديد الطرف الذي يدفع أجرة السمسار، فإذا لم يتضمن عقد السمسرة ذلك فإن الطرف الذي يجب عليه دفع الأجرة هو الطرف الذي قام بتكليف السمسار بحسب ما ورد في المادة (329) تجاري التي نصت على أنه (إذا كان السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل من العاقدين مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه ولو اتفقا على أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة). 

المبحث الخامس  تقدير أجرة السمسار بحسب قواعد العرف السائد

بما أن القانون التجاري اليمني وغيره من القوانين العربية لم يحدد أجرة السمسار وأحال تحديدها إلى الاتفاقات الثنائية والقواعد العرفية، إضافة إلى سلطة القاضي في تقديرها بحسب العرف السائد والجهد المبذول من قبل السمسار، لذلك ينبغي الإشارة إلى دور العرف في تحديد أجرة السمسار، سيما أن الحكم محل تعليقنا قد صرح بأنه لا يتم العمل بالعرف في تحديد أجرة السمسار إلا إذا كان العرف قد استقر على تحديد أجرة السمسار، ولذلك من المناسب الإشارة بإيجاز إلى دور العرف في هذا الشأن.

فالعرف مصدر أساسي تستمد منه الكثير من المعاملات أساسها، ويظهر دور العرف  في بعض المجالات والتعاملات أكثر من غيرها لقدمها أو لكثرة تعامل أفراد المجتمع بها، فنتيجة لذلك نشأت قواعد عرفية تعارف أفراد المجتمع عليها وشعروا بإلزاميتها اتجاهه، ويعرف بعض الفقه العرف أنه درج الناس– عامة أو فئة منهم-  على اتباع سلوك معين بصدد مسألة معينة لمدة طويلة مع رسوخ الاعتقاد لديهم بإلزام هذا السلوك، وبأن مخالفته تستتبع توقيع جزاء مادي. 

وبشأن أجرة السمسار، فقد صرح القانون التجاري بإحالة تقديرها إلى القواعد العرفية، لأن القانون ذاته لم يحدد أجرة السمسار ولم يبين طرق احتسابها، فأحال إلى العرف الذي وجب على القاضي في حالة النزاع الحكم وفقه، وهنا نقول أنه في حالة عدم نشوء النزاع واتفاق الأطراف على الأجرة المحددة عرفاً، أو عدم اتفاقهم ولكن قبول المتعاقد لمبلغ الأجرة الذي يطلبه السمسار، ففي هذه الحالة فلا مشكلة، لكن الإشكال يظهر عندما ينازع الطرف المتعاقد في الأجرة التي يطلبها السمسار، فيتم رفع النزاع إلى القاضي للبت فيه، فعندئذٍ يجب على القاضي عند تحديده لأجرة السمسار بحسب قواعد العرف يجب القاضي الانطلاق من قواعد أساسية تحكم العرف، أولها قاعدة أن من يدعي وجود عرف يجب عليه إثباته، فكما هو معروف أن قواعد العرف هي قواعد معنوية غير مكتوبة في وثائق رسمية كما هو الحال بالنسبة للقوانين والنظم، وتبعاً لذلك يمكن لأي شخص الادعاء بأن العرف يحدد أجرة السمسار بنسبة معينة مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، لأجل ذلك يجب على كل من يدعي العرف أن يثبت وجوده أمام المحكمة ووجود شروط العرف الشرعية والقانونية، وفي الحكم محل تعليقنا كان القاضي قد ألزم   السمسار بإثبات العرف ومن خلال محاولة السمسار إثبات العرف وجدت المحكمة أن العرف المدعى به غير مستقر أو ثابت، وإثبات العرف مسألة صعبة، وفي بعض الأحيان يتم الاعتماد على الخبراء من أهل الحرفة للشهادة على أجرة السمسار بحسب ما هو متبع في العرف. 

كما  أنه  يجب على القاضي العلم بالعرف، فادعاء السمسار بأن أجرته مبلغ معين أو نسبة معينة ، فعندئذٍ يجب على القاضي أن لا يمتنع عن البت في النزاع، بعلة عدم معرفة العرف والعلم به، وإلا كان القاضي منكراً للعدالة، وهذه المسألة صعبة عملياً على القاضي، فكيف له أن يعرف كل القواعد العرفية وشعبها واختلافها، لكن القاضي يستعين بذوي الخبرة في مجال السمسرة، وأساس ذلك المادة (327) من القانون التجاري اليمني التي أحالت القاضي إلى العرف. (أجرة السمسار بين القواعد العرفية والتدخلات– دراسة في ضوء أبرز النسب العرفية وأحدث التوجهات القضائية غير المنشورة، د. معاذ فخصي، ص3). 

وبما أن المادة (327) من القانون التجاري اليمني قد نصت على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به)، وبما أنه قد سبقت الإشارة إلى النصوص الشرعية والقانونية التي تقرر أن يتم تقدير أجرة السمسار على أساس الجهد الذي بذله السمسار وهي نصوص صريحة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير إلا أن ثقافة الفساد في اليمن أبت إلا أن تخالف تلك النصوص وأن تقرر نسبة مبالغاً فيها من قيمة المبيع كأجرة السمسار وقد أشارت إلى هذه النسبة المذكرات المقدمة من السمسار المشار إليها في الحكم محل تعليقنا التي أوصلها السمسار إلى 10٪ من قيمة المبيع، مع العلم أن النسب المعمول بها في بعض الدول العربية لا تزيد على 2،5٪ كالمغرب، وتقدير أجرة السمسار ب10٪ ونسبة هذا التقدير إلى العرف يخالف الشريعة والقانون- حيث أن العرف المخالف للشريعة والقانون لا اعتبار له على أساس أنه عرف فاسد حسبما يقرر علماء الأصول ولذلك فقد التفت الحكم محل تعليقنا عن الأخذ  بهذه النسبة التي طلبها السمسار وقد ذكر الحكم محل تعليقنا أن العرف غير مستقر على تحديد أجرة السمسرة بنسبة 101 ٪ من قيمة الصفقة محل عقد البيع  حيث قام الحكم بتقديرها على أساس الجهد الذي بذله الساعي والجهد الذي صرفه في سبيل إنجاز المهمة حسبما هو مذكور في الحكم محل تعليقنا.

ولذلك فنحن نوصي بتعديل المادة (327) من القانون التجاري اليمني حتى يتم تقدير السمسرة على أساس الجهد المبذول من السمسار والوقت الذي صرفه وليس بحسب العرف حسبما ورد  في المادة (327) تجاري التي نصت على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به) لذلك فإننا نوصي بحذف عبارة (عين وفقاً لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد عرف) من النص القانوني السابق فيتم الاقتصار على تقدير أجور السمسار عند عدم الاتفاق على تقدير القاضي لها بحسب جهد السمسار والوقت الذي صرفه في إنجاز المهمة التي تم تكليفه بها. 

 

المبحث السادس  شروط استحقاق السمسار للأجرة 

 عقد السمسرة من عقود المعاوضة، وعلى هذا الأساس فمتى كان على السمسار القيام بالمهمة المنوطة به لأجل إيجاد طرف متعاقد فإن من حقوقه أخذ مقابل عن تلك المهمة واستحقاق أجر عنها، وهذا الأجر إما أن يكون نسبة مئوية متفقاً عليها بينه وبين الشخص الذي قام بتوكيله أو مبلغاً محدداً يتم الاتفاق عليه، على أنه إذا لم يتم تعيين الأجرة في عقد السمسرة، فإن السمسار يستحق أجراً بحسب الجهد الذي بذله والوقت الذي صرفه أو بحسب العرف الجاري به العمل في مهنة السمسرة وإذا لم يوجد عرف ترك ذلك للقضاء لتعيين هذا الأجر.

على أن السمسار أو الوسيط لكي يستحق الأجر يتعين عليه أن ينجز التعاقد بين الطرفين الأصليين، أما في حالة إذا لم يتم العقد فإنه لا يستحق الأجر حسبما هو مقرر في القانون اليمني، أما في القانون المغربي فإن السمسار يستحق أجراً ولو لم يبرم العقد الذي توسط فيه وإنما فقط نتيجة للمعلومات التي قدمها للأطراف.

وهناك من يذهب إلى توجه القانون المغربي توجهاً محموداً يتوافق وما تتطلبه مهنة السمسرة من خبرة وحنكة، والتي تشجع السمسار بضرورة إحاطة المتعاقدين بكل المعلومات الدقيقة التي تخص موضوع التعاقد حتى يكونوا على بينة من الأمر، وحتى لا يبقى الهاجس الأكبر أمام السمسار هو إبرام العقد من أجل الحصول على الأجر وبالتالي كتم مجموعة من الأسرار والمعلومات التي تهم محل العقد والتي قد يكون لها أثر كبير على أحد المتعاقدين، وقد جاء في إحدى قرارات محكمة النقض المغربية عدد 1202م المؤرخ في 3/11/2004م ملف تجاري رقم 1067-3/1/2002م «أجرة السمسار قد يكون مبلغاً معيناً، وقد يكون نسبة معينة من الصفقة التي تقع على يد السمسار، وإذا لم يقع الاتفاق على تعيين الأجر، فعلى القاضي أن يحدده مستعيناً في ذلك بالعرف، فإن لم يجد قام بتقديره حسب ما بذله السمسار من جهد ووقت لإبرام الصفقة»، وهو ما سارت عليه محاكم الموضوع، حيث جاء في أحد قرارات محكمة الاستئناف التجارية بفاس ما يلي: «وحيث إنه لما كانت حقوق والتزامات الوسيط محددة بنص القانون المومى إليه أعلاه، إلا أنه يبقى الأجر الذي يستحقه مقابل الأعمال والمجهودات التي قام بها وكذا المعلومات التي قدمها للأطراف والكل من أجل التوفيق بين الإرادتين لإحداث أثر قانوني، طالما لم يثبت من الاتفاق ولا من العرف تحديده– المادة (419) من مدونة التجارة– أن يوكل للمحكمة هذا الأمر وأنها بما لها من سلطة تقديرية في ملاءمة الأجر المستحق للوسيط مقابل الجهود المبذولة من طرفه ترى تحديده في مبلغ 40000 درهم» (قرار رقم 259 الصادر في الملف عدد 1793 /07- بتاريخ 14 فبراير 2008 ( قرار غير منشور )).

وفي قرار آخر صادر عن  المحكمة ذاتها جاء فيه: «لكن حيث إن ظهير 12/1/1945م الصادر بشأن مهنة الوسطاء لم يحدد أجرة السمسار عند المنازعة، وإنما أسند الفصل الأخير منه أمر تحديدها إلى مرسوم سيصدر فيما بعد، ولم يصدر هذا المرسوم إلى الآن. لذلك يرجع في تحديدها إلى تقدير المحكمة طبقاً للمادة (419) من مدونة التجارة ويقضي بها طبقاً للفصل 510 من ق ل ع، وحيث إن محكمة الاستئناف وبما لها من سلطة تقديرية في هذا الصدد ومراعاة منها لظروف العملية الخاصة التي قام بها السمسار والوقت الذي تطلبه وطبيعة الخدمة التي قام بها لفائدة بائع العقار، ارتأت أن الحكم المستأنف بتحديده الأجرة في 10000 درهم قد علل تعليلاً كافياً وصادف الصواب، الأمر الذي ينبغي معه تأييده، وحيث يتعين تحميل كل مستأنف مصاريف استئنافه» (قرار رقم 280 الصادر في الملف عدد 119 / 99 بتاريخ 26/4/1999م، (قرار غير منشور)). 

وهذا  هو التوجه ذاته الذي أكدته المحكمة التجارية بمراكش في قرار لها جاء فيه: «وحيث إن الوساطة من أجل القيام بشراء منزل للمستأنف ثابتة من خلال رسالته الجوابية الموجهة إلى دفاع المستأنف عليه لذلك فإن المستأنف يكون محقاً في المطالبة بأجرة وساطته، إلا أنه في غياب ما يفيد تحديد الأجرة باتفاق أو عرف فإنه يبقى من حقه تقديرها في إطار سلطتها التقديرية طبقاً للفصل 419 من مدونة التجارة …» (قرار رقم 253 صادر بتاريخ 9/3/2004م (قرار غير منشور).

وعلى هذا الأساس فإن استحقاق السمسار للأجر يستوجب توافر شرطين أساسيين:

1 –                                                                                               أن يؤدي السمسار المهمة المكلف بها: فمن البديهي أن استحقاق السمسار لأجرته يفرض عليه بداية الوفاء بالالتزام الذي على عاتقه والمتمثل في البحث عن المتعاقد الآخر والعمل على التقريب بين عميله وهذا الأخير لإتمام العقد، إذ أن استحقاقه للأجر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأداء ما عليه من التزامات، وفي هذا المعنى نصت المادة (328) من القانون التجاري اليمني على أنه (لا يستحق السمسار أجرة إلا إذا أدت وساطته إلى إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه وإذا كان العقد معلقاً على شرط واقف لم يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط).

2– أن لا يتوقف استحقاق الأجر على شرط واقف: فيستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد الذي توسط فيه، ما لم يكن هذا الأخير معلقاً على شرط واقف، حيث لا يستحق السمسار الأجر إلا بعد حصول ذلك الشرط، ومن الاجتهادات القضائية بهذا الشأن ما جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى بالمغرب بقوله:

«إن العقد المبرم بتاريخ 16 يناير 1964م يتضمن شرطاً واقفاً وهو أن العمولة تؤدى للسمسار يوم إمضاء رسم البيع، وحيث إن محكمة الاستئناف أبعدت تطبيق هذا الشرط لعلة أنه أضيف إلى العقد تعسفياً ودون موافقة السمسار دون أن تبين الأسباب والمستندات التي اعتمدتها لتكوين اقتناعها هذا، الأمر الذي يجعل قرارها غير معلل تعليلاً كافياً» (قرار رقم 201 الصادر في الملف المدني عدد 29678 بتاريخ 20 ماي 1977م منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 25 الإصدار الرقمي 2000، ص94) .

3– ضرورة وجود تفويض من قبل  المتعاقد الذي قام بتوسيط السمسار : فقد ذهب القضاء المغربي إلى ضرورة توفر هذا الشرط لاستحقاق السمسار للأجر، بالإضافة إلى شرطي قيام السمسار بمهمته وأن ينعقد العقد نتيجة سعي السمسار، وقد اعتبرها شروطاً ضرورية ومتلازمة يترتب على تخلفها حرمان السمسار من الأجر لكن يحق له المطالبة بالتعويض عما بذله من جهد إذا كان لهذا الجهد أثر في التعاقد.

ونشير إلى أنه يمكن أن يتفق الطرفان على أداء أجور السمسار حسبما هو مقرر في المادة (329) تجاري يمني التي نصت على أنه )إذا كان السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل من العاقدين مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه ولو اتفقا على أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة)، (حق السمسار في الأجرة والإشكالات المرتبطة بها، (دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر بنعدو، قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب، ص3). 

المبحث السابع حق السمسار في  استرداد المصاريف والمطالبة بالتعويض

أولاً: حق السمسار في استرداد المصاريف: أما مصير المصاريف التي سبق للسمسار أن دفعها في سبيل إنجاز الصفقة أو العقد فقد بينت ذلك المادة (330) تجاري يمني التي نصت على أنه (لا يجوز للسمسار استرداد المصروفات التي تحملها في تنفيذ العمل المكلف به إلا إذا تم الاتفاق على ذلك، وفي هذه الحالة تستحق المصروفات ولو لم يبرم العقد). 

فيلتزم المتعاقد الذي كلف السمسار برد كل المصاريف الضرورية التي أنفقها السمسار لمباشرة المهام الموكولة إليه بمقتضى عقد السمسرة، غير أنه يجب التمييز بين المصاريف العادية وبين المصاريف غير العادية، فالأولى تعني تلك المصاريف التي يتطلبها عمل السمسرة دائماً والتي يرد عليها الاتفاق بينه وبين عميله، فالمصاريف العادية هي التي يتطلبها القيام بأعمال السمسرة، وبالتالي فالسمسار ملزم بنفقات السمسرة ويأخذها من الأجر الذي يحصل عليه في حالة إبرام العقد وفي حالة عدم إبرامه فإنه لا يمكن مطالبة العميل بها لأنها تدخل في المصاريف العادية، إلا إنه في حالة ما إذا تم الاتفاق على ذلك فإنه يحق للسمسار الرجوع على عميله بالمطالبة بالمصاريف غير العادية التي أنفقها ولو لم يتم إبرام العقد.

في حين أن المصاريف غير العادية هي تلك المصاريف التي أنفقها السمسار لأجل القيام بمهامه غير أن الاتفاق لا يشملها، وفي هذه الحالة إما أن يتم قبولها من لدن العميل، وفي حالة العكس يسوغ للسمسار الرجوع على هذا الأخير ومطالبته قضائياً.

ثانياً: حق السمسار في التعويض: إن إبرام العقد الذي توسط فيه السمسار، أو بذل جهداً ومساعي على أحسن وجه من أجل التقريب بين المتعاقدين، حتى ولو لم يتم إبرام العقد المراد الوصول إليه يجعل لهذا الأخير الحق في الأجر، هذا على خلاف التشريع اليمني الذي اشترط تحقق النتيجة وهي إبرام العقد لاستحقاق السمسار للأجر، إلا أنه قد يؤدي السمسار المهمة الموكولة إليه دون أن يتم إبرام العقد ويتكبد في سبيل إنجاح وساطته خسائر أو قد يتصرف الموسط الذي كلفه بنحو قد يسبب له ضرر، ففي هذه الحالة يحق له المطالبة بالتعويض. (حق السمسار في الأجرة والإشكالات المرتبطة بها، دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر بنعدو، قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب، ص3). 

المبحث الثامن  تعديل أجر السمسار

ولا يجوز للقاضي تعديل أجرة السمسار إلا اذا تم تقدير الأجرة بعد قيام السمسار بإنجاز المهمة أو الصفقة، حيث يجوز تخفيض الأجور وليس زيادتها، وفي هذا الشأن نصت المادة (333) تجاري يمني على أنه (لا يجوز للمحكمة أن تخفض أجر السمسار إذا كان غير متناسب مع الخدمات التي أداها  إلا إذا تعين مقدار الأجر أو دفع الأجر المتفق عليه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه السمسار).

وكذا القانون المغربي أجاز تخفيض أجرة السمسار ولم يجز زيادتها فقد نصت المادة 415 من مدونة التجارة المغربية في فقرتها الثالثة على أنه: «إذا كان الأجر المتعهد به للسمسار يفوق ما تتطلبه الخدمة فيمكن طلب تخفيضه ما لم يكن الأجر قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد»، فنجد أن النص القانوني قد أعطى للمحكمة حق تخفيض أجر السمسار، ولكنه أوقف ذلك على شرط وحيد ألا هو أن يكون الأجر يفوق ما تتطلبه الخدمة.

ويلاحظ أن القانون المغربي لم يحدد معنى ما تتطلبه الخدمة الواردة بالمادة 415 من مدونة التجارة، مع العلم أنه أشار من خلال المادة 419 من نفس المدونة عند تقدير المحكمة لأجر السمسار أن تراعي ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها.

ومع أن القانون لم يكن صائباً في الجزء الأول من المادة المذكورة، إلا أنه كان منصفاً في الجزء الثاني بالنسبة للسمسار عندما نص على أنه إذا كان أجر السمسار المطالب تخفيضه قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه فلا يجوز تخفيض الأجر، وفي صدد هذه الجزئية كان يحبذ ترك الحرية للقاضي في تقدير الحالات المستجدة التي قد تعرض عليه عند النظر في حالة المطالبة بتخفيض الأجر.(حق السمسار في الأجرة والإشكالات المرتبطة بها، دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر بنعدو، قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب، ص3). 

المبحث التاسع مسئولية السمسار

في حال تسبب السمسار بضرر لأحد أطراف الصفقة التي توسط فيها فيجب عليه الضمان والتعويض، وقد يلحق الضرر بـالطرف الذي فوض السمسار بهذا العمل ويخضع في تحمله الجزاء حال الإضرار للمسؤولية العقدية، وقد يلحق الضرر بالطرف الذي لم يفوض السمسار ويخضع في تحمله الجزاء للمسؤولية التقصيرية.

ويكون السمسار مسئولاً قِبل الطرفين عما يصدر منه من غش أو خطأ جسيم «فالخطأ العادي البسيط لا يرتب مسئولية السمسار يلتزم بعدم التعاقد من نفسه ويجوز له ذلك إن كان مأذوناً له من الطرف الآخر في هذه الحالة لا يستحق أجرة» .

 وفي هذا الشأن نصت المادة (334) تجاري يمني على أن (يكون السمسار مسئولاً عن الخطأ الذي يرتكبه في تنفيذ العمل المكلف به)، وفي السياق ذاته نصت المادة (338) تجاري يمني على أنه (إذا أناب السمسار غيره في تنفيذ العمل المكلف به دون أن يكون مرخصاً له في ذلك، كان مسئولاً عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو ويكون السمسار أو نائبه متضامنين في المسئولية. وإذا رخص للسمسار في إقامة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب لم يكن السمسار مسئولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره له من تعليمات وفي جميع الأحوال يجوز لمن تعاقد مع السمسار ونائب السمسار أن يرجع على كل منهما).

المبحث العاشر طرق إثبات عقد السمسرة

عقد السمسرة عقد رضائي لا يُشترط لإبرامه شكل معين حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، فقد يتم عقد السمسرة شفاهة أو كتابة، والكتابة هنا «للإثبات» وليست «لانعقاد العقد»، فيجوز إثبات عقد السمسرة بكافة طرق الإثبات، بما فيها قرائن الأحوال وشهادة الشهود، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، فعقد السمسرة مثله مثل باقي العقود التجارية يخضع في إثباته لمبدأ «حرية الإثبات»، فيجوز إثباته بغير الكتابة، بل يجوز إثبات ما يخالف الكتابة بغير الكتابة (أي إثبات عكس ما جاء به بغير الكتابة إذا كان مكتوباً).

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية: «جواز الإثبات في المواد التجارية بكافة طرق الإثبات إلا ما استثني بنص خاص». (نقض مدني في الطعن رقم2320 لسنة 59 قضائية– جلسة 13 يونيو 1996م. وفي الطعن رقم 274 لسنة 60 قضائية– جلسة 10 أبريل 1997م. 

ونبين طرق إثبات عقد السمسرة كما يأتي:

أولاً: شهادة الشهود:

وقد أثبت الحكم محل تعليقنا عقد السمسرة عن طريق شهادة كاتب البصيرة وشهود البصيرة، وذلك جائز طالما كان من الجائز إثبات عقد السمسرة بكافة طرق الإثبات، ومن ثم فيجوز إثباته بالبينة (أي بشهادة الشهود)، لأن الشهادة في قانون الإثبات اليمني تحتل المرتبة الأولى في مراتب طرق الإثبات حسبما هو مقرر في المادة حسبما هو مقرر في المادة (13) من قانون الإثبات اليمني.

وقد قضت محكمة النقض الكويتية بأن (تعليق العقد على شرط إجرائي– حتى وإن صح هذا الزعم– فلا شأن ولا علاقة للسمسار به، فكما بينا آنفاً فالسمسار يستحق أجرته بمجرد إبرام العقد الابتدائي دون توقف على إبرام العقد النهائي أو استيفاء أي إجراء شكلي أو إداري أو تسجيل العقد أو خلافه).

أن العقد المتوسط فيه غير معلق على شرط واقف، حيث أن الثابت بالأوراق أن العقد الموقع عليه في 14/3/2005م وهو العقد المتوسط فيه بين شركة «لاروزا» المطعون ضدها و «الشركة الأمريكية»، غير معلق على أي شرط، ولا أدل على ذلك من أن ذلك العقد ذاته نص في نهايته على أنه: «اتفق الطرفان المذكوران أعلاه على التقيد تماماً بالبنود والشروط المذكورة أعلاه، وبموجب هذا يوقعان لجعل هذا العقد نافذاً في تاريخ التوقيع».

أن العقد المتوسط فيه قد أبرم بالفعل مستوفياً كافة أركانه، بل وبدئ في تنفيذه بالفعل، وقد سبق أن بينا ذلك من خلال شهادة السيد/ ………… سالفة الذكر (الذي كان يعمل مديراً عاماً للشركة المطعون ضدها في وقت إبرام عقد السمسرة وصفقة عقد العمالة مع الشركة الأمريكية)، وكذلك تقديمنا لشهادة من البنك الذي تتعامل معه الشركة المطعون ضدها تفيد التأمين على العقد المتوسط فيه لصالح الشركة الأمريكية (فضلاً عما سلف بيانه من أن السمسار لا يضمن تنفيذ العقد المتوسط فيه، ولا هو مسئول عن هذا التنفيذ، بل هو يستحق أجرته حتى ولو تم فسخ العقد أو إبطاله).

مع ملاحظة أن سماع شهادة ذلك الشاهد تمت بالمخالفة للقانون، حيث أنه لم يحلف اليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادته، وهذا كفيل وحده وفي حد ذاته بإبطال شهادته (بل وإبطال الحكم ذاته الذي عول في قضائه على هذه الشهادة)، استناداً إلى القاعدة الأصولية القاضية بأن: «ما بني على باطل فهو باطل».

حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 44 من قانون الإثبات الكويتي رقم 39 لسنة 1980م على أنه: «ويحلف الشاهد اليمين بأن يقول: أقسم بالله العظيم، ويكون الحلف على حسب الأوضاع الخاصة بدينه إن طلب ذلك».

هذا، ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: «التحقيق الذي يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم، إنما هو الذي يجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود، تلك الأحكام التي تقضى بأن التحقيق يحصل أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاض تندبه لذلك، وتوجب أن يحلف الشاهد اليمين إلى غير ذلك من الضمانات المختلفة التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يجريه الخبير من سماع الشهود ولو أنه يكون بناء على ترخيص من المحكمة لا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود إذ هو مجرد إجراء ليس الغرض منه إلا أن يستهدي به الخبير في أداء مهمته». (نقض مدني في الطعن رقم 199 لسنة 38 قضائية– جلسة 20/11/1973م مجموعة المكتب الفني– السنة 24– ص1114). كما قضت محكمة النقض المصرية بأن: «العبرة بالشهادة التي يدلى بها الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين ولا قيمة لما يقدمه الشهود من إقرارات مكتوبة لأحد طرفي الخصومة». (نقض مدني في الطعن رقم 212 لسنة 37 قضائية– جلسة 21/3/1972م مجموعة المكتب الفني– السنة 23– ص439– فقرة 3).

ومن المُقرر قانوناً أن سماع شهادة الشاهد بدون أن يحلف اليمين يبطل شهادته، ويبطل الحكم إذا استند إليها. لأن ما بني على باطل فهو باطل.

فمن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أنه: «جرى قضاء محكمة النقض على أن ورقة الحكم من الأوراق الرسمية التي يجب أن تحمل تاريخ إصداره وإلا بطلت لفقدها عنصراً من مقومات وجودها قانوناً. وإذ كانت هذه الورقة هي السند الوحيد الذي يشهد بوجود الحكم على الوجه الذي صدر به وبناء على الأسباب التي أقيم عليها فبطلانه يستتبع حتماً بطلان الحكم ذاته لاستحالة إسناده إلى أصل صحيح شاهد بوجوده بكامل أجزائه بما في ذلك المنطوق الذي هو في واقع الحال الغاية من الحكم والنتيجة التي تستخلص منه وبدونه لا تقوم للحكم قائمة، وذلك لما هو مقرر من أن الحكم يُكون مجموعاً واحداً يكمل بعضه بعضاً. ولما كان الحكم المطعون فيه إذ أحال منطوقه إلى منطوق الحكم المستأنف على الرغم من بطلانه لخلوه من تاريخ إصداره قد انصرف أثره إلى باطل، وما بني على باطل فهو باطل، وكان لا يعصم الحكم المطعون فيه استيفاؤه لشرائط صحته واستكمال ما فات الحكم المستأنف من نقص في بياناته الجوهرية وإنشائه لقضائه أسباباً خاصة به ما دام أنه أحال إلى منطوق الحكم المستأنف الباطل مما يؤدى إلى استطالة البطلان إلى الحكم المطعون فيه ذاته بما يعيبه ويوجب نقضه». (نقض مدني في الطعن رقم 449 لسنة 36 قضائية– جلسة 13/6/1966م. وفي الطعن رقم 1105 لسنة 43 قضائية– جلسة 15/1/1974م).

ومن ثم تكون الشركة الطاعنة قد نجحت في إثبات دعواها على النحو المُتطلب قانوناً، وتكون الشركة المطعون ضدها قد عجزت عن نفي ما أثبتته الشركة الطاعنة قانوناً، وعليه تكون دعوى الشركة الطاعنة قد جاءت على سند من حقيقة الواقع وصحيح القانون). (طرق إثبات عقد السمسرة كما حددها القانون الكويتي- نشر بواسطة محاماة نت، ص10).

ثانياً: الإثبات بقرائن الأحوال:

كذلك استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى القرائن حسبما ورد في الحكم ذاته، فيجوز إثبات عقد السمسرة بكافة طرق الإثبات، بما فيها القرائن. ولما كان الإثبات بالقرائن ينصب على واقعة أخري متصلة بمحل النزاع وليس على واقعة النزاع نفسها، حيث يعتبر أن إثبات هذه الواقعة ذات الصلة، في ذات الوقت، إثباتاً للواقعة محل النزاع. ولذلك فهي من طرق الإثبات غير المباشرة.

والقرائن نوعان فهي أما قرائن قانونية، أي قرائن أوردها القانون ونص عليها. وإما قرائن قضائية حيث يستنبطها القاضي من وقائع الدعوى وظروفها في كل حالة على حدة. والقرينة القضائية يستخلصها القاضي مما هو مطروح أمامه من وقائع الدعوى، فيصل منها بطريق الاستنباط إلى الاقتناع بصحة وقائع أخرى واعتبار هذه الوقائع ثابتة. والقرينة القضائية تعد من قبيل الأدلة غير المباشرة، إذ لا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها مصدر الحق بل على واقعة أخرى إذا ثبتت أمكن أن يستخلص منها ثبوت الواقعة المراد إثباتها أصلاً. ومن أمثلة ذلك: أن يكون السند في يد المدين قرينة على الوفاء. فالواقعة المعلومة هي وجود سند الدين في يد المدين. ويستدل القاضي من هذه الواقعة على واقعة الوفاء، سيما وأنه من المُقرر قانوناً: «أن من يتحمل عبء الإثبات ليس مُطالباً بإثبات كامل وقاطع، ولا هو مُكلف بإثبات كل عنصر من العناصر التي تتكون منها الواقعة مصدر الحق المُدعى به، وليست الحقيقة القضائية التي يتولى إثباتها بالحقيقة المُطلقة التي لا يُداخلها الشك، فالقانون لا يطلب المستحيل، وإنما يكتفى ممن يتحمل عبء الإثبات أن يُقنع القاضي بأن الأمر الذي يدعيه أمر مُرجح الوقوع بحيث يكون من المعقول التسليم بوقوعه فعلاً. وينفي القاضي ما بقي من شك يحوم حول الأمر بأن ينقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر [لكي ينفي ما أثبته خصمه]». (الوسيط في شرح القانون المدني– للدكتور العلامة/ عبد الرزاق أحمد السنهوري– الجزء الثاني– طبعة 2006م، القاهرة– بند 56– ص73 :75).

وفي هذا الصدد، تنص المادة (156) من قانون الإثبات اليمني على أن: «كل قرينة قاطعة قانونية لا يجوز نقضها ويتعين الأخذ بها والحكم بمقتضاها» كما تنص المادة (157) إثبات يمني على أن «للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القاطعة القضائية التي يمكن استنباطها من وقائع الحال وأن تعتبر دليلاً كاملاً على الواقعة المراد إثباتها في الأحوال التي يجوز فيها ذلك، فالقرينة تغني من قررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات، على أنه يجوز نقض هذه القرائن بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك. وللقاضي أن يستنبط قرائن أخرى للإثبات وذلك في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود».

هذا، ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أنه: «لقاضى الموضوع أن يستنبط من وقائع الدعوى ومن مسلك الخصوم فيها القرائن التي يعتمد عليها في تكوين عقيدته». (نقض مدني في الطعن رقم 1799م لسنة 62 قضائية– جلسة 17/6/1993م مجموعة المكتب الفني– السنة 44– ص712– فقرة 5).

لما كان ما تقدم، وكان الثابت بأوراق الدعوى أن ممثل الشركة الطاعنة كان قد أرسل لممثل الشركة المطعون ضدها (قبل إبرام الأخير عقد «العمالة» مع الشركة الأمريكية، نتيجة وساطة الشركة الطاعنة)، كان قد أرسل إليه رسالة بالبريد الإلكتروني في تاريخ 6/ 3/2005م يحثه على توقيع العقد «الوساطة والسمسرة» قبل أن يوقع مع الشركة الأمريكية، فرد ممثل الشركة المطعون ضدها (بذات الطريقة) قائلاً: لا مانع من توقيع العقد فور انتهاء محامينا من دراسة بنوده.

وبعد قيام الشركة المطعون ضدها بتوقيع عقد العمالة مع الشركة الأمريكية (بفضل وساطة الشركة الطاعنة)، ذهب ممثل الشركة الطاعنة إلى مقر الشركة المطعون ضده يلوم ممثلها ويطالبه بحقه، فطلب منه ممثل الشركة المطعون ضدها: إمهاله عدة أيام سيتم بعدها إنجاز ما تم الاتفاق عليه بينهما؛ إلا أنه وبعد عدة أيام أرسل ممثل الشركة المطعون ضدها إلى ممثل الشركة الطاعنة رسالة بالبريد الإلكتروني (الإيميل)– في تاريخ 19/3/ 2005م يخطره فيها: بأنه لن يدفع إليه إلا بعد استلامه الدفعات من الشركة الأمريكية.

ومن هذه الوقائع الثابتة يقيناً– وغيرها كثير– يمكن استخلاص واستنباط وجود عقد السمسرة بين الشركة الطاعنة وبين الشركة المطعون ضدها، مقابل الأجرة التي ذكرتها الشركة الطاعنة وشهد بصحته أكثر من شاهد عدل وثقة.

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أنه: «إذا ما استندت محكمة الموضوع في قضائها إلى جملة قرائن يكمل بعضها بعضاً وتؤدي في مجموعها إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإنه لا يقبل من الخصم مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها بذاتها». (نقض مدني في الطعن رقم 1136 لسنة 55 قضائية– جلسة 23/6/1994م مجموعة المكتب الفني – السنة 45– ص1098– فقرة 5).

علماً بأن ممثل الشركة المطعون ضدها ذاته قد أقر بصحة إرساله هذه الرسائل الإلكترونية إلى ممثل الشركة الطاعنة، ولكنه حاول التنصل من التزاماته الناشئة عن عقد السمسرة بادعاء أنه كان يقصد في هذه الرسائل صفقة أخرى مع شخص آخر، وهو قول مرسل يدحضه المنطق السليم، إذ لو صح زعمه هذا فلماذا أرسلها إلى ممثل الشركة الطاعنة، ولماذا في إحدى هذه الرسائل– المؤرخة 29 مارس 2005م – يقول صراحة ما نصه: «بخصوص العمولة، لن أتمكن من دفع المبلغ إلا بنسبة كل شهر بشهره، ابتداء من ثاني دفعة استلمها، وذلك من قيمة المشروع بدون الأوفر تايم».

كل هذا يؤكد صحة الوقائع كما ذكرتها الشركة الطاعنة، ويدحض المزاعم التي يزعمها ممثل الشركة المطعون ضدها، فضلاً عن أن الشركة الطاعنة قد قامت بالفعل بتقديم شهادة رسمية (إلى محكمة أول درجة بجلسة 17/11/2008م) صادرة من البنك الذي تتعامل معه الشركة المطعون ضدها، تفيد هذه الشهادة بأن الشركة المطعون ضدها قد قامت بالفعل بالتأمين على عقد العمالة بموجب حوالة إلى شركة لويدز للتأمين، مبين فيها اسم المستفيد وسبب الحوالة. وهذه قرينة قاطعة الدلالة على أن عقد العمالة الذي توسطت فيه الشركة الطاعنة قد أبرم بين الشركة المطعون ضدها وبين الشركة الأمريكية وأنه دخل حيز التنفيذ بالفعل.

  ثالثا: إثبات عقد السمسرة بالكتابة:

 مبدأ الثبوت بالكتابة هو عبارة عن «كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده، ليست سنداً كاملاً بما يراد إثباته، وإنما تجعله قريب الاحتمال». فهي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون «دليلاً كتابياً» ولكنه دليل كتابي «ناقص» لا يتوافر فيه شروط الدليل الكتابي «الكامل» على النحو الذي يتطلبه القانون. ولكن إذا توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز في هذه الحالة إثبات التصرف القانوني بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً، أي أن الإثبات بتلك الوسائل يساند ويعاضد الدليل الكتابي الناقص فيُكمله، بحيث يرقى به إلى مرتبة الدليل الكامل في إثبات ما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة.

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: «نص المادة 62 من قانون الإثبات (المصري المُقابلة لنص المادة 41 من قانون الإثبات الكويتي) يدل– وعلى ما جرى به قضاء النقض– على أن المُشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة، ما للكتابة من قوة في الإثبات، حين أكمله الخصوم بشهادة الشهود أو القرائن، واشترط لتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة أن تكون هناك ورقة مكتوبة، صادرة من الخصم المُراد إقامة الدليل عليه أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، وأن يكون من شأنها أن تجعل الالتزام المدعى به أو الواقعة المُراد إثباتها قريبة الاحتمال. وأن تقرير ما إذا كانت الورقة المُراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من جهة كونها تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال من عدمه، يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بشرط أن يكون ما استخلصه وبنى عليه قضاءه سائغاً». (نقض مدني في الطعن رقم 493 لسنة 49 قضائية– جلسة 28/2/1984م مجموعة المكتب الفني– السنة 35– جـ 1– ص581).

لما كان ذلك، وكانت رسائل البريد الإلكتروني الصادرة من ممثل الشركة المطعون ضدها تجعل الالتزام المُدعى والواقعة المراد إثباتها «قريبة الاحتمال»، ومن ثم فيمكن اعتبار ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة، وطالما أكملته الشركة الطاعنة بقرائن الأحوال وشهادة الشهود على النحو السالف ذكره، فيكون لهذا الدليل قوة الدليل الكتابي الكامل في الإثبات، ناهيك عن أن القانون لا يشترط إثبات عقد السمسرة (بوصفة من العقود التجارية) بالكتابة أصلاً. وإن كان ذلك يعتبر بمثابة دليل تكميلي يضاف إلى ما سبق التدليل به على صحة ادعاء الشركة الطاعنة في دعواها. (طرق إثبات عقد السمسرة كما حددها القانون الكويتي، نشر بواسطة محاماة نت، ص10) .

المبحث الحادي عشر موقف الشريعة الإسلامية من عقد السمسرة

السمسرة في الشريعة الإسلامية هي السعاية، وهي العمل الذي يقوم به الشخص ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ﰂ  ﰃ  ﰄ ﰅ   ﰆ  ﰇ  ﰈ  ﰉ ﰊ  ﰋ   ﰌ ﰍ  ﰎ  ﰏ ﰐ  ﰑ﴾ [النجم:39-41]، وكذا قوله تعالى: ﴿ﮣ    ﮤ  ﮥ﴾ [الليل:4]، وعلى هذا فإن السعاية في مجال بيع وشراء العقارات وغيرها هي قيام الشخص بإعداد قاعدة بيانات تتضمن البيانات والعناوين اللازمة للأراضي والعقارات المراد بيعها أو شراؤها وعناوين الراغبين بالبيع والشراء وشروطهم ومتطلباتهم وتقديم الاستشارات اللازمة لهم من حيث استكمال الوثائق والمستندات اللازمة لإتمام التصرفات في العقارات وغيرها المراد التصرف فيها، كما أن الساعي يقوم بتنظيم وتنسيق المواعيد والمقابلات  فيما بين البائع والمشتري ومتابعتهما لهذه الغاية، كما أن الساعي يقوم بالتوفيق بين البائع والمشتري وتقريب وجهات النظر مستفيداً من المعلومات والخبرات التي اكتسبها من خلال عمله في مجال السمسرة حيث إن لديه البيانات اللازمة عن الأسعار ومتوسطها بحسب الزمان والمكان. 

والسعاية في الشريعة الإسلامية يجب أن يتم تقديرها على أساس الجهد والسعي الذي بذله الساعي فعلاً عملاً بقوله تعالى: ﴿ﰂ ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ  ﰈ ﰉ  ﰊ  ﰋ  ﰌ  ﰍ  ﰎ ﰏ  ﰐ  ﰑ﴾ [النجم:39-41]، فهذه الآية الكريمة تقرر أن الأجر ينبغي أن يكون مساوياً للسعي الذي يبذله الإنسان، كما أن الله تبارك وتعالى يقرر أن مساعي الناس وجهودهم تختلف من حيث ثمارها وعائداتها ومقاديرها وأوقاتها وان الأجر ينبغي أن يكون متناسباً معها فقد قال تعالى: ﴿ﮣ    ﮤ  ﮥ﴾ [الليل:4]، كما أنه قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (أجرك على قدر نصبك) أي أن أجرها على قدر تعبها وجهدها كما أنه من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية (التقابل أو المساواة بين الأجر والعمل) أي أنه ينبغي أن يكون العوض مساوياً إلى حد ما لما يقابله، وقد خرج بعض الفقهاء منها قاعدة: (تقابل العوضين) بمعنى المساواة بينهما، والنصوص والقواعد في هذا الباب كثيرة لا يتسع المجال لمجرد الإشارة إليها في هذا التعليق الموجز، وبناء على ذلك فإن تحديد نسبة معينة من قيمة المبيع تدفع للسعاة بصرف النظر عن الجهد الذي قاموا به فعلاً أمر غير مقبول في الشريعة الإسلامية، كما أن الشريعة الإسلامية ترفض بشدة أن يكون ثمن كلمة الساعي: (هذا البيت للبيع) ثمنها عشرة مليون ريال على افتراض أن قيمة البيت (200) مليون، فوفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية يجب على الساعي أن يثبت الجهد الذي قام به والوقت الذي أمضاه في سبيل التوفيق بين البائع والمشتري وكذا المال الذي دفعه في سبيل التوفيق وفي ضوء ذلك يتم تقدير السعاية التي يستحقها نظير سعيه كما فعل القاضي الشجاع في الحكم محل تعليقنا.

القواعد الشرعية والقانونية المعتبرة تشترط أن تكون هناك مساواة فيما بين الالتزامات المتقابلة بمعنى ينبغي أن تكون هناك مساواة فيما بين الجهد الذي يبذله الساعي وبين مبلغ السعاية المستحقة للساعي ولا بأس من حدوث تفاوت يسير لا يزيد عن ٠١% حتى لا يكون هناك غبن، لأن الغبن من عيوب الإرادة. 

ومن خلال دراسة النصوص والقواعد التي تناولت السعاية نجد أن هناك معايير لتقدير السعاية ومنها الجهد المبذول من الساعي المتمثل في حضوره إلى مقر البائع والمشتري واتصالاته ومتابعته لهما والأشخاص الذين استعان بهم والخدمات والاستشارات التي قدمها للبائع والمشتري والنتيجة التي توصل إليها في سعيه والوقت الذي استغرقه في التوفيق بين البائع والمشتري ومساعيه للتوفيق بينهما عند اختلافهما في مسائل وتفاصيل البيع وكذا المبالغ التي صرفها خلال الفترة التي أمضاها في سبيل التوفيق بين البائع والمشتري، وتبعاً لذلك قد تزيد أو تنقص السعاية بحسب السعي فلا تكون مبلغاً معلوماً أو نسبة محددة من قيمة المبيع حسبما هو مقرر في العرف الفاسد المخالف للشريعة والقانون.