دراسة قانونية بشأن قيام الكيان الصهيوني بحملة متصاعدة تحت عنوان: «أنا لاجئ يهودي»، ومعرفة الآثار المترتبة على تلك الحملة

الدكتور/عبد الإله علي الشبيبي

1/8/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

دراسة قانونية بشأن قيام الكيان الصهيوني بحملة متصاعدة تحت عنوان: «أنا لاجئ يهودي»، ومعرفة الآثار المترتبة على تلك الحملة

 

 

 

الدكتور
 عبد الإله علي الشبيبي

أستاذ القانون المساعد

 

 

في العام 2009م قام الكيان الصهيوني (سلطة الاحتلال) بحملة متصاعدة وخطيرة جداً تحت عنوان: (أنا لاجئ يهودي) لاستعادة ما يسمى بأملاك اللاجئين اليهود من الدول العربية؛ في محاولة لإنهاء حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، وقاد هذه الحملة (داني إيالون) نائب وزير الخارجية بالسلطة المحتلة وفريق من الخبراء والقانونيين الإسرائيليين ويهود أمريكيين وبمساندة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي.

لذلك فقد قمنا بالدراسة على النحو الآتي:

وقائع الدراسة :

•   من خلال الاطلاع على صورة المذكرة الواردة من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فإن تلك الحملة تتلخص في ما يأتي: 

-   «القيام بعقد مؤتمر دولي في مدينة القدس المحتلة في 10/9/2012م لدعم حملة اعتراف دولي بيهود الدول العربية كلاجئين.

-   إطلاق هذه الحملة على الساحة الدولية في 21/9/2012 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بالتزامن مع بدء أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة سبتمبر.

-   الضغط على الإدارة الأمريكية لإجراء مفاوضات مع الجانب العربي لتحقيق أحد هدفين:

•   الحصول على تعويضات للأملاك اليهودية بمليارات الدولارات.

•   أو تخلي الطرف الفلسطيني والدول العربية عن حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في أماكن تواجدهم وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي».

•   يتضح– من خلال صورة تلك المذكرة- أنه سبق وقام قطاع فلسطين بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتعميم مذكرات متعددة في أعوام 2007-2008-2009 حول هذا الموضوع الخطير؛ لإثارة قضية ما يسمى أملاك يهود الدول العربية والتحذير منه، وطلب من الجهات المختصة في الدول العربية إعداد الوثائق اللازمة عن أملاك اليهود فيها وظروف خروجهم منها ورصد موثق لأساليب الضغط الصهيوني ممثلة في الوكالة اليهودية وغيرها لتهجيرهم قسراً مثل ما حصل في بغداد- القاهرة– ومناطق أخرى. واقتراح ورشة عمل من خبراء متخصصين في هذا المجال تستند لهذه الدراسات للخروج بتوصيات ورؤية محددة للتصدي لهذه الهجمة ووضع خطة لمواجهتها.

•   يؤكد القطاع- في ضوء ما تقدم وأمام خطورة هذه الحملة الدعائية الإسرائيلية- على:

-   ضرورة التحرك العاجل على الصعيد الأممي والدولي لإفشال المخطط الإسرائيلي المدعوم من اليهود الأمريكيين وبعض الساسة الغربيين لربط قضية اللاجئين الفلسطينيين مع ما يسمى قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية، وتوجيه المجموعة العربية في نيويورك وجنيف للتحرك بهذا الشأن، مع التأكد على أن قضية اللاجئين هي أحد أهم قضايا الصراع العربي الإسرائيلي التي تناقش في الأمم المتحدة منذ النكبة وتضمن حلها القرارات المتعاقبة وعلى رأسها قرار 194.

-   الاستشهاد بإنشاء الأمم المتحدة مؤسسات خاصة باللاجئين الفلسطينيين حصراً وعلى رأسها وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، والتي أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة 302 لعام 1949م وإنشاء لجنة التوفيق الدولية ذات العلاقة بممتلكات اللاجئين الفلسطينيين.

-   كما يؤكد القطاع على أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية عربية لتواجد معظمهم في الدول العربية المضيفة.

•   ويرى القطاع:

-   أهمية قيام الدول العربية بإعداد دراسة موثقة عن أعداد اليهود فيها قبل الهجرة وعن ظروفهم المعيشية والتي تثبت معاملتهم كمواطنين لهم حقوق متساوية مع المسلمين والمسيحيين من مواطني هذه الدول العربية.

-   إبراز دور الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية في العبث بأمن اليهود في الدول العربية وإرهابهم وإجبارهم على الهجرة إلى إسرائيل طوعاً أو قسراً.

-   وأن هناك حاجة قصوى للمعلومات الدقيقة والموثقة لمواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية للالتفاف على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وإفشال مخططاتها بهذا الشأن.

 

•   ذلك، ولدقة الموضوع وأهمية الخروج بالمقترحات المناسبة والرأي القانوني السليم؛ فقد قمنا بإثرائه بالوقائع والشواهد التاريخية، وقمنا بوضع أسئلة واستفسارات لنتمكن من خلال الإجابة عنها من تغطية الموضوع بصورة واضحة وكاملة:

1- من هو اللاجئ؟ وما هو النظام القانوني الذي يحكم حق اللجوء؟ وهل اليهود الذين هاجروا من اليمن وباعوا ممتلكاتهم مهاجرين إلى فلسطين المحتلة، يعدون لاجئين؟ وهل يحق لهم المطالبة بالتعويض؟ 

وبنــــاءً على ذلك فقد قمنا بالدراسة التفصيلية وأجبنا من خلالها على تلك الأسئلة والاستفسارات على النحو الآتي:

أولاً: الوقائع التاريخية:

1- من المعلوم أن الوكالة اليهودية قامت بعملية تعبئة واستنفار قصوى لليهود القاطنين في أنحاء الوطن العربي؛ وذلك لتجميعهم في موطن واحد هو فلسطين المحتلة– أرض الميعاد حسب التسمية منهم- وتكوين الدولة اليهودية الكبرى حسب زعمهم.

وبالنسبة لليهود الذين كانوا يقطنون الدول العربية فإنه من المعلوم أنهم كانوا حاصلين على كافة حقوقهم كمواطنين عرب جنباً إلى جنب مع مثلائم المواطنين من المسلمين، فهم يعدون من أهل الذمة الذين تجب حمايتهم.

هذا، وتتوافر العديد من المعلومات عن هجرة معظم اليهود الذين كانوا يقطنون البلدان العربية، إلى فلسطين المحتلة بناءً على إيعاز وضغط من سلطات الاحتلال في فلسطين.

وما يهمنا في هذه الدراسة هو التركيز على ما أوردته بعض المصادر عن أملاك اليهود سابقاً في اليمن، وعما حدث من قيامهم ببيعها قبل هجرتهم. فقد جاء في كتاب «الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة» لإلياس سعد، الصادر في العام 1969 ما يأتي: «قام العملاء الصهيونيون في اليمن عن طريق وسائل ملتوية كثيرة بخلق أسباب الفتنة بين السكان اليهود وغير اليهود في اليمن وفي عدن، ما اضطر الإمام للسماح بالهجرة لكل من شاء من يهود اليمن، للتخلص من الصهيونيين بينهم، وطلب الإمام آنذاك من جميع اليهود الذين أرادوا مغادرة البلاد بيع ممتلكاتهم كي يحول دون مطالبة هؤلاء اليهود بحقوق لهم في المستقبل في اليمن».

2- إن البيِّن من اتخاذ الكيان الصهيوني منذ شهر سبتمبر2012م حملة «أنا لاجئ يهودي» أن ذلك لمواجهة حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض. ومن المعلوم أن مثل هذه الادعاءات قد تم تداولها منذ حوالي 2006م بين الفينة والأخرى، وبذلك يريد الجانب الصهيوني أن يتحول من موقف الدفاع الدبلوماسي المزيَّف إلى موقف الهجوم الدبلوماسي المدلِّس؛ للهروب من القضية الأم والانقضاض على الحقوق المشروعة (إقامة الدولة الفلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى دولتهم وتعويضهم التعويض العادل عمَّا لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية وغيرها طوال أكثر من نصف قرن).

والملاحظ أنه لا يقابل العرب تلك الدفاعات المزورة سوى بشعارات ضعيفة تزيد من جرأة العدو في الاستيطان والتدمير للجانب الفلسطيني بكل الوسائل الإجرامية.

وحيث انتقلت سلطة الاحتلال من الدبلوماسية الدفاعية إلى تلك الهجومية في قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإن ثمة حقيقة يحكيها واقع الحال: هي استغلال ذلك العدو لحرب الاستنزاف التي صنع قاعدتها في الشرق الأوسط، وما ثورات الربيع العربي إلا خير دليل، لاسيما في الدول المحيطة والمحادَّة لفلسطين، لكنها قد فشلت بجهاد غزة الأبية التي لقنت العدو درسًا سيسجله التاريخ، ولا ننكر أن دور مصر الحرة في ذلك الحين وغيرها من الغيورين على الدم والأرض الفلسطينية هو من كسَرَ أمل العدو في السطو، وما قام به العدو بعد اشعاله الفتنة الكبرى في مصر إلا محاولة منه لاستعادة بعض ماء الوجه الذي ولَّى القهقرى ولايزال.

وينبغي على الدول العربية وبعض حكوماتها الثائرة أن تتخذ موقفاً جاداً، مع التحرك الدبلوماسي الدولي المقابل لتحرك العدو، حتى يكون المجتمع الدولي في الصورة، ليتحمل هو في المقام الأول تبعات السكوت عن الصلف الصهيوني والاعتداءات المتحدية للقرارات الدولية المتتالية؛ كون موقف الأمم المتحدة لايزال ينبئ عن رضا أوربي، وأمريكي بريطاني فرنسي على وجه الخصوص، وحمايةٍ خاصة لموقف العدو، ومن المخجل جداً أن يظل المجتمع العربي موقف المتفرج أحياناً وموقف المحبط أحياناً أخرى.

إن القضية الفلسطينية يحكمها الجانب الإنساني أمام المجتمع الدولي، لكن الحقيقة أنه يغلبها جانب العدالة الشرعية والقانونية والسياسية. والعدو بوسائله المدلِّسة يحاول تبديل سياسة التزوير الدفاعي بالهجوم المزور لتمييع القضية الفلسطينية وتضييع حقوق الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، من الدعم وحق العودة وبناء دولة فلسطين العربية الإسلامية وعاصمتها القدس، مضللاً المجتمع الدولي لتغفيله عن منظمة الأونروا واتفاقية 1951 والقانون الدولي التي تحكم-من جانب دولي- القضية وتدين جميعها الاستيطان وتقر بحق اللجوء للفلسطينيين. ومن أهداف العدو تأجيل قضية عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وأهلهم حتى يتم اكتمال هيكله المأمول.

إن الأهم والأخطر أن الصهيونية قد تجاوزت اللامحدود في اللاأخلاقية ضد العرب والمسلمين وعلى وجه الخصوص الفلسطينيين، بل تراهن على طمس الهوية القانونية لفلسطينيي الشَتات بما هم «لاجئون» في التعريف القانوني الدولي، بل إنها راهنت- ولم تزل- على تصفية هويتهم الوطنية بما هم «مواطنو دولة فلسطين»، وذلك من خلال ضرب مقومات إمكان قيام دولة فلسطين على كل المستويات، بدءاً بالجغرافيَّة منها. وبالاستناد إلى هذين الرهانين يتم تسويق مَقولة أن «اللاجئين الفلسطينيين» ليسوا سوى رعايا مقيمين – وليسوا لاجئين- في دول عربية، ويجب احتضانهم بمعنى التطبيع المجتمعي كما القانوني لهؤلاء، مثلما فعله الكيان الصهوني (السلطة المحتلة) مع ما أسمته اليوم «أنا لاجئ يهودي».

من هنا يجب التنبه إلى خطورة أن نستبدل مصطلح «لاجئ» مصطلح «مقيم» خصوصاً إذا ما تم إعلان دولة فلسطين، والواجب أن تحسم فيه خيارات المواطنة مع اللجوء حتى العودة.

وتؤكد الدراسة أهمية تشكيل ورش عمل عربية، ونسيان المصالح الشخصية والسلطوية مؤقتاً من أجل القضية الأصلية قضية العرب والمسلمين في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل الغاشم، وتراجع الدول العربية الآثمة عن قرار تطبيعها مع عدو الأمة الكيان الصهيوني، مالم فإن التاريخ سيلعنهم وتلعنهم الأجيال أبد الدهر.

إن العدو الصهيوني الغاصب مستمر في مخططه التاريخي بصنع الفتن لصرف العالم عن قضية الملف الفلسطيني ويستغل ذلك لاستكمال ملفه الشيطاني الاستيطاني المدمر والذي يسعى إلى السيطرة على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بشعاره الظالم: «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل» ولا يخفى ما صنعوه في الوطن العربي بعدوانهم لاسيما على اليمن واستخدام القنابل الانشطارية المحرمة دولياً التي ضربت في منطقتي نقم وعطان بصنعاء وكان ضحاياها الأبرياء من المدنيين، وكذلك صواريخهم الإجرامية التي استهدفت المعالم التاريخية الإسلامية والأثرية في جميع قرى اليمن ونواحيه، وللأسف بغطاء عربي سعودي إماراتي، وكذا ما صنعوه من فتنة في السودان وبغطاء إماراتي، وقد استغل العدو الصهيوني انشغال العالم العربي بمشاكله والمجتمع الدولي بالملف النووي الإيراني- والنقاش حول إمكانية توجيه ضربة لإيران الإسلامية- وفي نفس الإطار يقوم الكيان الصهيوني بإعداد ملفه الزائف عن طريق حملته الخطيرة التي أشرف عليها نائب الوزير داني إيالون- تحت تسمية (أنا لاجئ يهودي)- الذي اعتبر نفسه أحد اللاجئين اليهود– حسب قوله- فهو يدعي أن والده من أصل جزائري، اضطر إلى مغادرة بيته وبلاده والهجرة إلى إسرائيل، ولذلك فإن عائلته هي ضمن من يعتبرهم إيالون «اللاجئين اليهود من الدول العربية» الذين تسعى السلطة المحتلة إلى تحصيل تعويضات لهم من الدول العربية. 

ووفق طرح إيالون للحملة، فإنه أراد حسب زعمه تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بعائلته والعائلات اليهودية، وذلك للمفاوضة ومواجهة ملف حق عودة الفلسطينيين وتعويضهم، باعتبار أن هذا الملف يعتبر شائكاً أكثر من كل ملفات القضية الفلسطينية، واعتقاد العدو أنه بتلك الحملة سيشكل عقبة أمام تقدم القضية الفلسطينية، وأنه بتلك المساومة يستطيع صنع هذا الملف المزعوم في مقابل الحق الفلسطيني وإخضاع الأطراف المشاركة لاعتبار هذا الملف قضية لا تقل أهمية عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة.

والأخطر أن الحملة دعت جميع اليهود الذين قدموا فلسطين المحتلة إلى إعداد شهادات توثيقية ومستــــندات عن حياتهم في الدول العربية قبل القدوم إلى إسرائيل وفقاً لاستمارات يقوم يهــــود الدول العربية بتعبئتها والتي تستوجب تسجيل كافة التفاصيل منذ لحظة اتخاذ قرار ترك الدول العربية وكيفية مغادرة بيوتهم حتى ساعة وصولهم إلى إسرائيل، كما تشمل المستندات شرحاً عما تعتبره إسرائيل «معاناتهم وسلب حقوقهم في الدول العربية التي غادروها، وكيف تم سلب أموالهم وممتلكاتهم وطردهم».

وتدخل في تفاصيل تلك الوثائق المطلوبة أيضاً التكاليف المالية، حتى تلك البسيطة التي قد يكون اليهودي دفعها عندما توجه إلى محامٍ لمشاورته حول بيع بيته أو حقوقه أو تكاليف الاتصالات الهاتفية التي أجراها قبل مغادرته تلك الدولة التي كان يعيش فيها وبعدها، والهدف الإجمالي للحملة أن تطرح إسرائيل مبلغاً لتعويض اليهود يساوي أضعاف تعويضات اللاجئين الفلسطينيين، حيث إسرائيل تدعي أن قيمة الأملاك اليهودية المفقودة في الدول العربية تساوي ضعفي (200%) الأملاك التي فقدها اللاجئون الفلسطينيون، فحين بلغت القيمة الإجمالية لما فقده الفلسطينيون نحو 450 مليون دولار (ما يعادل 3.9 مليار دولار بالأسعار الحالية)، فَقَدَ اللاجئون اليهود حسب زعم سلطة الاحتلال ممتلكات بلغت قيمتها الإجمالية 700 مليون دولار، وهو ما يعادل نحو 6 مليارات من الدولارات في الأسعار الحالية .وفي الملف، يتحدث الكيان الصهيوني-أيضاً- عن أن عدد الفلسطينيين الذين شُردوا وهُجروا عام 48 والذين تسميهم «العرب الذين هربوا» أو «غادروا فلسطين الانتداب» أو «إسرائيل») بلغ سبعمائة وخمسين ألف فلسطيني، فيما تجاوز عدد يهود الدول العربية في تلك الفترة تسعمائة ألف.

ويتحدث الكيان الصهيوني عن: أن يهود الدول العربية الذين تسميهم «اللاجئين اليهود» وبسبب ميلهم للعيش في المدن وممارسة مختلف المهن، بخلاف الفلسطينيين الذين كانوا أكثر ميلاً للحياة القروية، جمعوا ممتلكات وثروات أكثر، واضطروا إلى هجرها في بلدانهم الأصلية.

إن داني إيالون، قد أعدَّ فيلماً خاصاً تحت عنوان: «القصة الحقيقية للاجئين»، وجعل من كونه جزائري الأصل موضوعاً لتعزيز موقف بلاده في حق تعويض اليهود، يقول: «أمثال والدي ومئات الآلاف الذين قدموا إلى إسرائيل وملايين الإسرائيليين من أولئك اللاجئين، يستحقون التعويض، ومن الضروري أن تعود قضيتهم إلى الأجندة الدولية، لكي لا نشهد مرة أخرى المعاملة غير المتماثلة والمشوهة للعرب واليهود في نزاع الشرق الأوسط». واستبق إيالون أيَّ بحث حول هذا الموضوع، بنقاش مدى قانونية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وقانونية القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن، فيقول: «مع استئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، ستسلط الأضواء مرة أخرى على ما يسمى بـ «حق العودة» للفلسطيني، والذي لا يعدو كونَه حيلةً قانونية، فالقرار رقم 194 الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يتم الادعاء بأنه مرجعية هذا الحق، لا يأتي على ذكر هذا التعبير، فضلاً عن أنه غير ملزِم قانونياً، شأنه شأن جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، التي تستخدم متعمدة عبارة «اللاجئين» الغامضة من دون وصفها بأي صفة». 

 

ثانياً: الدراسة القانونية:

إن اتفاقية 1951م المتعلقة بشؤون اللاجئين هي الاتفاقية التي تحكم نظام اللجوء والحالة القانونية للاجئ بحسب القانون والعرف الدوليين.

وقد عرفت المادة (2) من هذه الاتفاقية اللاجئين على أنهم: الأشخاص الموجودون خارج بلدانهم بسبب خوفهم المبني على أسس راسخة من تعرضهم للاضطهاد لأسباب تتعلق بعرقهم أو ديانتهم أو جنسيتهم أو آرائهم السياسية أو عضويتهم في مجموعة معينة في المجتمع والذي يكونون غير قادرين على العودة إلى ديارهم أو غير راغبين في ذلك لأسباب.

ومن ذلك النص يتضح أن تسمية اللاجئ تنطبق على كل فلسطيني تم اضطهاده وتخويفه من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم ولجأ بسبب ذلك الاحتلال والسطو والتخويف والترويع إلى بعض الدول العربية ... الخ.

أما غير الفلسطينيين من اليهود فإنهم لا يُعَدُّون لاجئين أبداً بل غاصبين كونهم هاجروا بمحض إرادتهم دون ضغط أو اضطرار من الدول العربية التي كانوا فيها، بل بإيعاز وتشجيع من دولة الاحتلال، ناهيك أن قانون العودة الإسرائيلي رقم 1950م وقانون الجنسية الإسرائيلي 1952م قد جعلا من إسرائيل دولة لجميع اليهود حيثما وجدوا، ولكل يهودي الحق في المجيء إلى إسرائيل كونه يهودياً. ويتصف قانون الجنسية الإسرائيلي بصفتين رئيسيتين هما ازدواج الجنسية، والعنصرية. وانطلاقاً من هذا المفهوم فإن أي يهودي هو عضو فيما يسمى «بالشعب اليهودي»، فهي عضوية إضافية لعضوية اليهودي في المجتمع الذي يعيش فيه ويحمل جنسيته. ولن تنتهي هذه الازدواجية إلا بعد «جمع الشتات» في «دولة اليهود».

ذلــــك وبالرجوع إلى مطالبة نائب وزير الخارجية اليهودي من المجتمع الدولي اعتبار اليهود المهاجرين من الدول العربية لاجئين، معللاً طلبه بأنه ارتُكبت في  حقهم المجازر التي دفعتهم إلى اللجوء وترك ديارهم في البلدان العربية، فمن المعلوم أن يهود اليمن لم يكونوا مضطهدين من قبل السكان المسلمين ولا من قبل الدولة بل كانوا يسكنون جنباً إلى جنب مع جيرانهم المسلمين ولم ترِد أي حادثة بشأن تلك المزاعم، وبالتركيز على الجانب القانوني فإنه وفق اتفاقية 1951م والتي تحكم نظام اللجوء لا يُعَدُّ اليهودُ المهاجرون من الدول العربية إلى فلسطين لاجئين بل مهاجرون بمحض إرادتهم، وبرغبة وإيعاز وضغط من دولة الاستيطان نفسها دون تدخل من اليمن على اعتبارها بلد المنشأ، فضلاً عن أن الدولة الصهيونية هي التي جعلت منهم غاصبين ومحتلين على الرغم من اضطهادهم من قبلها في بداية الأمر لا سيما يهود اليمن والعراق الذين جعلتهم نازحين في خيام متواضعة دون الاهتمام بهم، وقصص اليهود تحكي ذلك ومنهم من يشهد بذلك ولازال على قيد الحياة؛ فإن كل ذلك يحتم على أولئك إن كان لهم مطالبة بتعويض أن يطلبوها من الدولة المحتلة نفسها تدفعها لهم كونها هي الدولة الغاصبة لأراضي المسلمين في فلسطين والتاريخ يشهد ويوثق الألاعيب التي اتخذتها.

وعلـــــــــيه ولكل ما سلف فإن اليهود المهاجرين من اليمن إلى فلسطين لا يُعَدُّون لاجئين ولا ينطبق عليهم مصطلح اللاجئ بأي حال من الأحوال، كما لا يحق لهم المطالبة بأي تعويضات، كونهم قد باعوا ممتلكاتهم بمحض إرادتهم دون قهر أو إكراه ، ولم ترد من أحدهم- في الماضي ولا في الحاضر- دعوى بمثل ذلك؛ فهم قد هاجروا من ذات أنفسهم لغصب أرض عربية مسلمة وأصبحوا محاربين وليسوا لاجئين، فما دخلوا دولة فلسطين العربية إلا لينشئوا دولتهم المأمولة ذات الاسم الديني «إسرائيل» وشعارهم «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، وعليه فليس لأي يهودي أي حق بالمطالبة بالتعويض.

وليس بخافٍ على أحد دور الوكالة اليهودية والمنظمات اليهودية في تجميع أفرادها من كل بقاع العالم لبناء دولتهم المزعومة بأرض الميعاد، وأن الدول العربية كانت ترفض خروجهم؛ لأنه من المعلوم أن خروجهم من الدول العربية كان لهدف احتلال أرض عربية مسلمة (فلسطين)، ومن ادَّعى غير ذلك فعليه رفع دعوى أمام المحاكم اليمنية المختصة إن شاء، كون هذه المسائل ذات سيادة، وحين تطالب أي منظمة بمثل ذلك فلكل حدث حديث، وكما هو معلوم وبحسب توضيح الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فإن مثل هذا الطلب لم يكن وحيداً أو جديداً في مسلسل المناورات والخطط السياسية التي لجأت وتلجأ إليها الحكومات الإسرائيلية، أو المنظمات الصهيونية التابعة لها، في محاولة للتشويش على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم وفق نص القرار الأممي رقم 194 الصادر في العام 1948م؛ إذ سبق تلك المذكرة وذلك الطلب مطالبات أخرى في مناسبات مختلفة، ومن بينها المذكرة التي تقدمت بها منظمة إسرائيلية تدعى «العدالة من أجل اليهود من دول عربية» إلى الأمم المتحدة في الأسبوع الثاني من شهر يوليو عام 2003م، وطالبت فيها بتعويضات قدرت بمائة بليون دولار، وذلك عن أملاك ترَكَها اليهودُ بعد هجرتهم من بعض البلدان العربية حسب زعمها وقدرت المنظمة الإسرائيلية بأن مجموع عدد المطالبين من اليهود العرب يصل إلى 850 ألف يهودي. 

هـــــذا، وكانت مجلة الوسط الأسبوعية التي كانت تصدرها صحيفة الحياة، نشرت مقالة مطولة عن يهود البلدان العربية في الرابع من أغسطس من عام 2003، جاء فيها أن أغلب يهود البلدان العربية باعوا أملاكهم قبل هجرتهم، وحولوا أموالهم إلى بعض البنوك الأجنبية، وبينها بنك صفرا الذي كان يملكه أحد اليهود الفرنسيين (إدمون صفرا)، كما أن آلافاً منهم حملوا معهم بعض أغلى ممتلكاتهم؛ إما إلى فلسطين المحتلة، وإما إلى البلدان الأجنبية التي هاجروا إليها (كتاب وادي أبو جميل قصص عن يهود بيروت، للكاتبة ندى عبد الصمد، الصادر عن دار النهار، عام 2009.)

ذلـــــك، وقد تصدى لحملة إيالون ومشروعه مجموعة من اليهود العراقيين المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، بعد أن شكلوا لجنة أطلقوا عليها اسم «لجنة يهود بغداد» برئاسة الشاعر المغو بهار، وذكرت اللجنة أن حملة إيالون ما هي إلا خديعة تهدف في الأساس إلى تشويه تاريخهم وطموحاتهم، وهددوا بالتوجه إلى المحكمة الدولية، معلنين صراحة أن حملة إيالون تقودها الحكومة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين وعلى حسابهم 

 وجاء في كتاب «الهجرة اليهودية إلى فلسطين» لوليم فهمي الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 1974م تأثيرات السلطات البريطانية حال استعمارها لجنوب اليمن على تسهيل وتسريع تلك الهجرة، من عدن وذلك بالضغط على الدولة القائمة في الشمال آنذاك من أجل تسهيل هجرة يهود اليمن إلى فلسطين المحتلة. كما أن المنظمات الصهيونية ساهمت في تسميم العلاقات التي كانت قائمة بين اليهود العرب وبين غيرهم من المواطنين في البلدان العربية. وقد لفت الانتباه أن تعليقاً من أحد اليهود العراقيين يدعى كخافي شيمس،- في مجلة الحياة 28/9/2012م- ذكر فيه حلاً للمشكلة القائمة حين قال «إن أفضل حل أن يعود «اللاجئون اليهود إلى الدول العربية، ويعود الفلسطينيون إلى فلسطين، أي إسرائيل اليوم”.

أما الفلسطينيون المضطهدون والذين تم قسرهم وإجبارهم على اللجوء فإنهم يعدون لاجئين وفقاً لاتفاقية عام 1951م وقرارات الأمم المتحدة المتعاقبة ووفقاً للقانون الدولي.

وإنه استناداً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 212 الدورة 3 الصادر في 19 تشرين الثاني نوفمبر 1948م بشأن إنشاء صندوق خاص باللاجئين الفلسطينيين، والقرار رقم 194 الدورة 3 الصادر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948م، الفقرة 11 منه والتي تقرر وجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين، صدر القرار رقم 302 الدورة الرابعة بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949م بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغيلهم.

وقد عرفت «الأونروا» اللاجئ الفلسطيني بأنه: « كل إنسان كان مسكنه المعتاد فلسطين في الفترة ما بين حزيران/ يونيو 1946م و15 أيار/ مايو 1948م وفقد منزله ومصدر رزقه بسبب النزاع عام 1948م». 

وفي تعريف آخر لرئيس الوفد الفلسطيني إلى اجتماع لجنة اللاجئين في أوتاوا في 12 أيار/ مايو 1992م الدكتور إلياس صنبر، بأن: «اللاجئين الفلسطينيين هم جميع أولئك الفلسطينيين والمنحدرين منهم الذين طردوا أو أجبروا على ترك بيوتهم بين نوفمبر 1947م (مشروع التقسيم) ويناير 1949م (اتفاق الهدنة في رودس) في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في التاريخ الأخير». ويعرف كذلك بأنه: «الشخص الذي اضطر إلى ترك موطنه الأصلي وذلك لاعتقاده بالخوف من الاضطهاد الذي يمارس على حياته أو ممتلكاته، بسبب دينه أو عرقه أو جنسه أو رأيه السياسي.» والقانون الأساسي لمنظمة الوحدة الأفريقية لسنة 1969م، يُعرف لفظة لاجئ أنها: «تطلق على أي إنسان اضطر إلى مغادرة مسكنه الوطني واللجوء إلى مكان آخر خارج مسكنه الأصلي أو الوطني وذلك بسبب عدوان خارجي، أو احتلال أو هيمنة أجنبية أو بسبب حوادث تخل إخلالاً خطراً بالنظام العام إما في جزء وإما في جميع أرجاء مسكنه الأصلي أو الوطني».

وعلـــــــــيه ولما سبق بيانه فإن الرأي القانوني يتمثل بالآتي:

1- لا يُعَدُّ اليهودُ اليمنيون الذين تركوا اليمن- متجهين صوب فلسطين المحتلة- لاجئين؛ حيث لا ينطبق عليهم مصطلح اللاجئ بأي حال من الأحوال.

2- وفقاً للقانون الدولي واتفاقية 1951م الدولية وغيرها فإن الفلسطينيين الذين أُجبروا على ترك موطنهم الأصلي يعدون لاجئين، وينطبق عليهم هذا المصطلح ويترتب عليه حقهم القانوني في المطالبة بالتعويضين المادي والمعنوي وحق العودة.

هذا ما توصلت إليه الدراسة .

 

المراجع:

الاتفاقية الدولية لسنة 1951م.

القانون المدني اليمني رقم 14 لسنة2002م. 

اللاجئون، د. عمر محمود شلايل، 2005م.

كتاب «الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة» لإلياس سعد، الصادر في العام 1969م.

كتاب “الهجرة اليهودية إلى فلسطين” لوليم فهمي الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 1974م.

كتاب وادي أبو جميل قصص عن يهود بيروت للكاتبة ندى عبد الصمد الصادر عن دار النهار عام 2009م.