الخصوصية والجريمة المعلوماتية

الدكتور/ خالد محمد علي الكميـم

1/8/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

الخصوصية والجريمة المعلوماتية

 

 

الدكتور

خالد محمد علي الكميـم

أستاذ القانون الدولي ـ كلية الشريعة والقانون- جامعة صنعاء 

 

 

الحق في الخصوصية ـ الحياة الخاصةـ من أهم الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية ولذا فقد تضمنته التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، وذلك لما له من ارتباط وثيق بحرية الفرد، ولذا ومعه كانت الحاجة ملحة لضمانات قانونية تحمي الحق في الحياة الخاصة للأفراد من ثورة المعلوماتية بأدواتها المتمثلة في جهاز الحاسوب والشبكة العالمية للمعلومات، وما لهذه الأدوات من قدرة فائقة على جمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عن الأفراد واسترجاعها وتصنيفها وتحليلها ومعالجتها ومن ثم مبادلتها. 

وابتداءً يلزم الإشارة إلى أنه وبلا شك ومن خلال الرصد التاريخي فإن الدولة الاسلامية ومنذ نشأتها هي السباقة جملة وتفصيلاً في حماية جميع مناحي الحياة ومنها حقوق الانسان ورعايتها وبلغت معه شأناً عظيماً بالنصوص على صون الحرمات والحريات بما لا مقارنة معها أبداً مع أي تشريعات وضعية ولكونها قائمة أصلاً عن شريعة سماوية، غير أن دراستنا هنا هي لموضوع وجريمة دولية معاصرة تقرر معها أن نتناولها وأن تكون المقارنة مع أعمال دولية معاصرة من دساتير وقوانين لدول ومواثيق عن منظمات دولية.

المحور الأول: الحق في سرية البيانات المعلوماتية

تعتبر أوروبا هي المكان الأول في العمل الدولي المعاصر اذا ما جاء الحديث عن التشريع والحماية للخصوصية والخصوصية المعلوماتية ، حيث وفيها أقدم قانون وطني عن الخصوصية، وهو الأشمل ولا زال في مجال الحماية لخصوصية المعلومات في العالم، وهو العمل الذي يمثل إجماعاً واضحاً داخل أوروبا على أن الخصوصية حق أساس من حقوق الإنسان لا يضاهيه إلا قليل من الحقوق.

وبداية نشير إلى ثمة أن مصطلحات حديثة كالتالي:

1. الكمبيوتر: وفقاً لما جاء في الموسوعة الشاملة لمصطلحات الحاسب الآلي بأنه جهاز اليكتروني، يستطيع ترجمة أوامر مكتوبة بتسلسل منطقي، لتنفيذ عمليات إدخال بيانات، أو إخراج معلومات أو التخزين[1].

2. الانترنت: اصطلاح يطلق على الشبكة العالمية للمعلومات، التي تشارك فيها المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد الذين قرروا السماح لآخرين بالاتصال بحواسبهم ومشاركتهم المعلومات، وفي المقابل لذلك إمكان استعمال معلومات الآخرين[2].

3. البيانات: عرفت اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1993م– الخاصة بحماية أنظمة الحاسبات الآلية وشبكة المعلومات والبيانات- بأنها: مجموعة من الحقائق أو المفاهيم أو التعليمات، تتخذ شكلاً محدداً يجعلها قابلة للتبادل والتفسير أو المعالجة بواسطة الأفراد، أو بالوسائل الاليكترونية[3].

وعرفت اتفاقية بودابست الخاصة لمكافحة جرام المعلوماتية، البيانات المعلوماتية بأنها: كل تمثيل للوقائع أو المعلومات أو المفاهيم تحت أي شكل، وتكون مهيأة للمعالجة الآلية[4]

وعرف القانون العربي النموذجي لمكافحة جرائم المعلوماتية بأن البيانات: معلومات معدة في صورة محددة للاستخدام في غرض ما.

4. عرف المشرع الفرنسي المعلومات بأنها: صوت أو صورة أو مستند أو معطيات أو خطابات أياً كانت طبيعتها[5]. وبدوره بين المشرع الأمريكي مفهوم المعلومات بأنها: تعني البيانات والصور والأصوات والرسائل وبرامج الكمبيوتر والبرامج الموضوعة على الأقراص المرنة وقواعد البيانات أو ما شابه ذلك.

    ومن التشريع العربي؛ عرف قانون جرائم المعلوماتية السوداني لسنة 2007م المعلوماتية: هي نظم وشبكات ووسائل المعلومات والبرمجيات والحواسيب والانترنت والأنشطة المتعلقة بها.

5. أما الجريمة المعلوماتية فقد عرفها خبراء المنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية الاقتصادية بأنها «كل سلوك غير مشروع مناف للأخلاق أو غير مسموح به، يرتبط بالمعالجة الآلية للبيانات أو بنقلها»[6].

6. الخصوصية المعلوماتية: يقصد بها حق الشخص في أن يتحكم بالمعلومات التي تخصه من المبادئ القيمة[7].

7.  أما» قانون الحصول على المعلومات» اليمني 2012م فقد أورد تعريفاً لثلاثة مصطلحات هي:

المعلومة: حقائق مدركة في الوعي تتواجد معنوياً كقيم معرفية ومادية في شكل أرقام وأحرف ورسوم وصور وأصوات ويتم جمعها ومعالجتها وحفظها وتبادلها بوسائط الكترونية وورقية. 

نظم المعلومات: مجموعة من العناصر البشرية والمادية والفنية والتنظيمية والمعرفية التي تتفاعل فيما بينها وتعمل معاً لتحقيق عمليات جمع البيانات والمعلومات ومعالجتها وتحليلها وحفظها وتبادلها ونشرها على النحو الذي يفي باحتياجات المستفيدين.

البيانات الشخصيّة: معلومات عن فرد معيّن تتعلق بسلالة هذا الفرد، أو وضعه الاجتماعي شرط أن لا يجوز الإدلاء بالمعلومات الخاصة بهذا الفرد إلا بموافقته الصريحة أو بموافقة أحد أقاربه في حالة وفاته من الدرجة الأولى حتى الدرجة الثالثة المباشرين.

وبعد عرض هذه المفاهيم لا بأس بداية من بيان صور الخصوصية وموقع الخصوصية المعلوماتية منها، وذلك لربط ما سلف بما نحن فيه هنا، حيث يمكن تقسيم الخصوصية إلى عدد من الصور التي لا يمنع الانفصال بينها لوجود الارتباط الذي يجمعها جميعاً في نطاق حق واحد وهو حق الخصوصية، وهذه الصور هي:

1)  خصوصية المعلومات Information Privacy والتي تتضمن القواعد التي تحكم جمع وإدارة البيانات الخاصة كمعلومات بطاقات الهوية والمعلومات المالية والسجلات الطبية والسجلات الحكومية وهي المعبر عنها عادة باصطلاح حماية البيانات. Data Protection. 

2) الخصوصية الجسدية أو المادية Bodily Privacy والتي تتعلق بالحماية الجسدية للأفراد ضد أية إجراءات ماسة بالنواحي المادية لأجسادهم: فحوص الجينات  GENETIC TESTS وفحص المخدرات  DRUG TESTING وتشمل بالطبع حماية جسد الفرد من أنشطة التفتيش وأنشطة الإيذاء غير القانونية.

3)  خصوصية الاتصالات  Telecommunication Privacy والتي تغطي في تطورها الراهن سرية وخصوصية المراسلات الإلكترونية والبريد الإلكتروني وغيرها من وسائل الاتصال والتحادث في البيئة الرقمية إلى جانب ما تغطيه وفق مفهومها التقليدي من خصوصية كافة أنواع المراسلات والاتصالات العادية، والبريد والهاتف وغيرها.

4)  الخصوصية المكانية أو خصوصية المكان، والتي تتعلق بالقواعد المنظمة للدخول إلى المنازل وبيئة العمل أو الأماكن العامة والتي تتضمن التفتيش والرقابة الإلكترونية والتوثق من بطاقات الهوية.

وفيما يلي أهم الموضوعات المتعلقة بجرائم الحاسوب المعلوماتية والخصوصية:

أولاً: تأثير التقنية العالية على حقوق الإنسان

(تشريعات الخصوصية والتشريعات الإدارية التنظيمية ذات العلاقة بالبيانات الشخصية)

يعد الحق في الخصوصية أو الحق في حماية الحياة الخاصة واحداً من بين حقوق الإنسان المعترف بها، وقد أثرت تقنية المعلومات على هذا الحق على نحو أظهر إمكان المساس به إذا لم تنظم أنشطة تجميع ومعالجة وتبادل البيانات الشخصية، وقد أظهر الواقع العملي وجوب التدخل التشريعي لتنظيم أنشطة معالجة البيانات المتصلة بالشخص وتنظيم عمليات تخزينها في بنوك وقواعد المعلومات وعمليات تبادلها.

وهذا التنظيم التشريعي ليس مجرد إفراد لقواعد ذات محتوى تنظيمي، بل امتد إلى إقرار قواعد تتصل بالمسؤولية المدنية والجزائية عن أنشطة مخالفة قواعد التعامل مع البيانات الشخصية سواء ما يرتكب من قبل القائمين على هذه الأنشطة أم من قبل الغير، إضافة إلى التدخل التشريعي لتنظيم استخدام ونقل وتبادل وكشف المعلومات المتصلة بالمصالح الحكومية، ومثل هذا الأثر لم يقتصر على البيانات الشخصية، بل تعداه إلى تنظيم المعلوماتية ومعاييرها في المصالح والمؤسسات الحكومية. ويتصل بهذا الموضوع التحديات المثارة بشأن تشفير البيانات أثناء نقلها وما نشهده في الوقت الحاضر من حركة تشريعية لتنظيم معايير سرية البيانات والأنماط التقنية المقترحة أو المستخدمة لضمان السرية والخصوصية[8].

ثانياً: مخاطر الجريمة المعلوماتية (الحواسيب وبنوك المعلومات)

تعد الجريمة المعلوماتية من الأمور المستحدثة نسبياً عالمياً، لارتباطها بإحدى أهم مبتكرات التكنولوجيا المعاصرة وهي «الشبكة العنكبوتية»[9]، ولذلك أطلق عليها مصطلحات كثيرة، ولم يكن تعريفها من الأمور المتفق عليها في الفقه الجنائي، وذلك يرجع لسرعة وتيرة التطور في التقنية المعلوماتية.

فالجرائم المعلوماتية لها خصائص بأنها جرائم عابرة للحدود أو ذات طبيعة دولية، وهي جرائم صعبة الاكتشاف، كما أنها جرائم ناعمة أو مغرية للمجرمين لسهولة ارتكابها وسرعة تنفيذها وقلة تكلفتها وارتفاع خسائر القيام بها إذا ما قورنت بالجريمة التقليدية، بالإضافة إلى ضخامة المكاسب التي يمكن  للجاني تحقيقها باقتراف هذه الجرائم.

وتتحقق الجريمة المعلوماتية بالاطلاع غير المشروع على أسرار الأشخاص المخزنة في الحاسب الآلي، ما يمثل اعتداءً على حياتهم الخاصة وانتهاك حرمة أسرارهم، ومحل الاطلاع هنا هو بيانات ومعلومات شخصية وخاصة ما يريد صاحبها إبقاءها سرية.

وثبت- إلى الآن- إنه لا توجد وسيلة آمنة وفعالة بدرجة مؤكدة تمكن من إخفاء آثار وهوية مستخدمي الانترنت أثناء تجوالهم على الشبكة، حيث يتمكن قراصنة الانترنت من الدخول إلى الشبكة عن طريق استغلالهم للنقاط الضعيفة في منظومة الأمن والتي كانت وما تزال في رأي بعض الخبراء غير محصنة على الإطلاق[10].

ولذا فإن الجريمة المعلوماتية صعبة الاكتشاف ومن ثم الإثبات، حيث إن ارتكابها عادة في الخفاء، مع عدم وجود أي أثر كتابي لما يجري خلال تنفيذها من عمليات، حيث يتم بالنبضات الاليكترونية نقل المعلومات، وإمكانية ارتكابها عبر الدول والقارات باستخدام شبكات الاتصال ودون تحمل عناء الانتقال[11].

أما عن طرق جرائم الحاسب الآلي فهي متعددة ومنها:

1 – الالتقاط غير المشروع للمعلومات أو البيانات.

2- الدخول غير المشروع على أنظمة الحاسب الآلي.

 3-                                                                                               التجسس والتنصت على البيانات والمعلومات.

4- انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقهم في الاحتفاظ بأسرارهم وتزوير البيانات أو الوثائق المبرمجة أياً كان شكلها. 

5- إتلاف وتغيير ومحو البيانات والمعلومات.

6- جمع المعلومات والبيانات وإعادة استخدامها.

 7-                                                                                               تسريب المعلومات والبيانات.

8- التعدي على برامج الحاسب الآلي سواء بالتعديل أو الاصطناع.

 9- نشر واستخدام برامج الحاسب الآلي بما يشكل انتهاكاً لقوانين حقوق الملكية والأسرار التجارية[12].

ثالثاً: التقنيات الحديثة وأثرها على الخصوصية المعلوماتية:

تمكن تقنية المعلومات الجديدة من خزن واسترجاع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية التي يتم تجميعها من قبل المؤسسات والدوائر الحكومية أو من قبل مؤسسات القطاع الخاص، ليس هذا فحسب بل يمكن مقارنة المعلومات المخزونة في قاعدة بيانات ما بمعلومات في قاعدة بيانات أخرى، ويمكن نقلها عبر البلد في ثوان وبتكاليف منخفضة نسبياً، وهذا يكشف بوضوح إلى أي مدى يمكن أن يكون تهديد الخصوصية.

والحقيقة أن استخدام وسائل التقنية العالية في ميدان جمع ومعالجة البيانات الشخصية من قبل الدولة أو القطاع الخاص، قد عمق التناقضات الحادة التي برزت منذ القدم بين حق الأفراد في الحياة الخاصة، وموجبات اطلاع على شؤون الأفراد. وتتمثل هذه التناقضات، بمعالم أربعة رئيسة:

1. التناقض بين حق الفرد في الخصوصية وحق الدولة في الاطلاع على شؤون الأفراد، والذي عمقه تزايد تدخل الدولة في شؤون الأفراد، وليس المراد بهذا التدخل الاطلاع على معلومات معينة عن الأفراد لتنظيم الحياة الاجتماعية على نحو أفضل، كالاحتفاظ بسجلات الولادات والزواج والوفيات والإحصاءات وغيرها، بل استخدام الدولة للمعلومات الشخصية الخاصة بالفرد لأغراض تتناقض مع صونها واحترامها.

2. التناقض بين حق الفرد في الاحتفاظ بسريته، ومصلحته في كشف حياته الخاصة ليتمتع بثمار هذا الكشف. ورغم أن هذا التناقض للوهلة الأولى غير متحقق، باعتبار أن الاحتفاظ بالسرية حق، والكشف الطوعي عن هذه السرية حق أيضاً، إلا أن احتمال استغلال المعلومات المعطاة طوعاً لأغراض غير التي أعطيت لأجلها يمثل انتهاكاً لحرمة الفرد وسريته.

3. التناقض بين الحق في الحياة الخاصة والحق في جمع المعلومات لغايات البحث العلمي أو حرية البحث العلمي.

4. التناقض بين الحق في الحياة الخاصة وبين حرية الصحافة وتبادل المعلومات (الحرية الإعلامية).

وهذه التناقضات- كما أسلفنا- برزت منذ القدم بين حق الفرد في حماية حياته وبياناته الخاصة، وبين موجبات الاطلاع على شؤون الفرد، بما فيها تلك التي تقع ضمن نطاق حياته الخاصة، فإنه ومع تلك الجهود التنظيمية، الإدارية والتشريعية التي سعت إلى إقامة التوازن بين هذه الحقوق المتعارضة فإن استخدام التقنية في ميدان جمع ومعالجة البيانات الشخصية، قد خلق واقعاً صعباً هدد هذا التوازن من جهة وعمق حدة التناقضات المشار إليها من جهة أخرى.

رابعاً: التقنين الدولي للجريمة المعلوماتية

نظراً لوجود شبكات دولية للاتصالات بين الحاسبات الآلية ولانتشار شبكات الانترنت، ما أدى إلى سهولة انتقال المعلومات بين كافة الدول؛ فان الحماية لا تكتمل إلا بإبرام اتفاقية دولية تضع النظام العام الدولي لاستخدام نظم المعلومات الاليكترونية بحيث تلتزم الدول المتعاقدة بذلك النظام العام عند وضع تشريعاتها الوطنية.

أما وطنياً فقد اختلف نهج الدول تجاه تقنين الجريمة المعلوماتية؛ فبعض الدول أفردت أنظمة وقوانين خاصة بجرائم المعلوماتية، بينما ما زالت بعض الدول تحاول أن تضيف هذه الجرائم المستحدثة إلى الجرائم التقليدية وتطبيق النصوص القائمة عليها، وبهذا تكون اتجاهين رئيسيين في هذا الخصوص:

الاتجاه الأول: ذهب إلى اعتبار الجرائم المرتبطة بالمعلوماتية جرائم عادية لا تتصف بخصائص تميزها عن غيرها من الجرائم، بحيث تتطلب نصوصاً خاصة لمواجهتها؛ فالحاسب الآلي ليس إلا وسيلة لارتكاب جريمة معاقب عليها بالفعل بواسطة النصوص القائمة، وما يجب الاهتمام به هو تطوير الإجراءات الأمنية الخاصة بأنظمة الحاسبات، والتعويض عن الأضرار التي تترتب على هذه الأفعال دون البحث عن نصوص جنائية جديدة.

وهذه هي المدرسة الفرنسية التي قامت بتعديل القوانين الوضعية الحالية بإضافة بعض نصوص المواد للتعامل مع الأفعال الحديثة التي حدثت في بيئة الانترنت، وعربياً كان موقف المشرع العماني حين أضاف فصلاً كاملاً في قانون العقوبات كتناول مستقل لجرائم الحاسوب وعقوباتها.

الاتجاه الثاني: ذهب هذا الاتجاه إلى عكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول، بحيث يرى ضرورة التدخل التشريعي بتقنين مستقل لمواجهة الجريمة المعلوماتية، لما تتميز به من سمات تميزها عن غيرها من الجرائم، ويظهر هذا التدخل التشريعي من خلال إيجاد نصوص جديدة وحسب يضاف إليها البعد الخاص بالمعلوماتية، أو تعديل بعض النصوص القائمة.   

وهذه هي المدرسة الأمريكية والتي أفردت قانوناً مستقلاً للإنترنت وضعت في أحد أبوابه قانوناً للمعاملات التجارية عبر الإنترنت وقانون حفظ قواعد البيانات والملكية الفكرية وقانوناً للتجارة الالكترونية وقانوناً للجريمة. وعربياً هناك أيضاً ما قام به المشرع الإماراتي والسعودي والسوداني الذين أفردوا قوانين خاصة تصف الأفعال التي ترتكب على الشبكات وتجرمها وتضع الشكل العقابي لها.

وهنا نهيب بالمشرع المصري واليمني عدم التأخر وسرعة مواكبة التطور العربي والعالمي- وهما دولتا القانون الأول تاريخياً؛ وذلك حماية للمتضرر من هذه الجرائم الحديثة والخطيرة سواء تعلق الحال بالأمور المادية أو بصون حرمة الحياة الخاصة للإنسان– وهو الأهم- وهو أيضاً عون مهم ومساعد لقاضي الموضوع بالمحاكم في حسن الوصف والتكييف ومن ثم عدالة الحكم.

 

خامساً: العلاقات والقواعد والتشريعات القانونية المتأثرة بتقنية المعلومات

  حقوق الإنسان حماية الخصوصية
    
 الملكية الفكرية حماية البرامج وقواعد المعلومات والدوائر المتكاملة
    
 القانون التجاري التجارة الالكترونية
    
 تشريعات البنوك الخدمات على الخط والبطاقات والبنوك الالكترونية والدفع الالكتروني
    
 القانون الجنائي جرائم الكمبيوتر والانترنت والقواعد الإجرائية
    
 القانون المدني التعاقد الالكتروني والإثبات
    
 الاستثمار الأسواق المالية الالكترونية وتحرير الخدمات وتشجيع الاستثمار والجمارك والضرائب والمناطق الحرة.. الخ
    
 التنظيم الإداري وحماية المستخدم المعايير والتشفير تنظيم قطاعات تقنية المعلومات
    
 الأتمتة القانونية  أتمتة النظام القضائي وإدارة خدمات المحاماة
    

 

 

 

 

 

 

المحور الثاني 
حماية الحق في سرية البيانات المعلوماتية

بالنظر إلى التشريعات الوضعية فإن الدول الغربية– تاريخياً- قد أقرت جوانب من حماية الخصوصية منذ مئات السنين، ففي عام 1361م تم سن قانون في بريطانيا (The Justices of the Peace Ac يمنع اختلاس النظر واستراق السمع ويعاقب عليها بالحبس، وفي عام 1765م أصدر اللورد البريطاني Camden  قراره بعدم جواز تفتيش منزل وضبط أوراق فيه[13].

ونبين فيما يأتي موقف التشريعات الوطنية المعاصرة ومن ثم التعاون بين الدول في مكافحة الجرائم الإلكترونية وذلك في فرعين على النحو الآتي:

الفرع الأول
الحماية الوطنية للحق في سرية البيانات المعلوماتية

لم تتفق التشريعات الوطنية في الدول المختلفة على طريقة موحدة لحماية الحياة الخاصة، فهناك بعض الدول التي قررت الحماية للحياة الخاصة في مواجهة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت في دساتيرها مثل النمسا والبرتغال واسبانيا[14].

وفي سبيل المقارنة فإننا سنتناول هنا الحال تشريعياً– دستورياً وقانونياً-  في مصر واليمن كمرتكز للدراسة في عمل الدول في مجال الحماية المعلوماتية، وذلك على النحو الآتي: 

أولاً: خصوصية البيانات المعلوماتية في النظام المصري

بداية نشير إلى ما ورد في دستور مصر عام 2012م بنص المادة (47): الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومي. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة.

وبالنظر إلى قانون العقوبات المصري واليمني فلا توجد نصوص مشابهة لما هو موجود في القانون الفرنسي. إذ يحتوي القانونان (المصري واليمني) على نصوص تتعلق بالأسرار الموجودة بالمكالمات التلفونية فقط ولا يمكن تعميم النص على البريد الالكتروني. لأن النصوص المذكورة تنص على التلفون بالاسم وبالتالي لا يجوز القياس عليها لأن القياس غير جائز في النصوص الجزائية بالنسبة لمسألة التجريم،  كما أن النصوص الموجودة في القانون المصري واليمني تعاقب الموظفين العاملين في هيئة البريد إذا قاموا بالاطلاع على أسرار المكالمات الهاتفية. بينما في الإنترنت قد يكون مزود الخدمة ليس الدولة وإنما شركات خاصة.

لذلك نقترح على المشرع اليمني إيراد نصوص مستقلة منظمة في قانون العقوبات تعاقب في حالة الاطلاع على الأسرار أو إفشائها إذا كانت هذه الأسرار موجودة في البريد الالكتروني، هذا إذا لم يوجد قانون مستقل لحماية البيانات المعلوماتية وهو الأفضل[15].

وباستقراء نصوص الدستور المصري والتشريعات الجنائية الخاصة بحماية الحياة الخاصة، والتشريعات الخاصة بحماية البيانات، لم نجد بينها ما يكفل هذه الحماية في مواجهة استخدام الحاسبات الالكترونية كبنوك المعلومات، فلا يوجد في التشريع المصري قانون خاص بجرائم المعلوماتية، فيما عدا بعض النصوص خارج إطار قانون العقوبات التي يمكن تطويها بعيداً عن التفسير الضيق لتشمل بعض الجرائم المعلوماتية[16] وذلك كالآتي:

1 - حماية البيانات الشخصية في ظل نصوص حرمة الحياة الخاصة في قانون العقوبات:

 أورد المشرع المصري مجموعة من النصوص التي استهدفت حماية الحياة الخاصة، وفق المواد 309 و 309 مكرر (أ) من قانون العقوبات.

وقد اختلف الفقه حول صلاحية هذه النصوص في توفير حماية البيانات الشخصية من عدمه؛ فذهب البعض- ونؤيدهم- إلى القول بعدم صلاحية هذه النصوص لتوفير حماية البيانات الشخصية الاليكترونية، ذلك لأن مثل هذه النصوص– كما رأى البعض (بحق)– ينصب التجريم فيها حول الحصول على الصورة أو الحديث بطريقة غير مشروعة أو إذاعة أو تسهيل الإذاعة أو التهديد بإذاعة ما تم الحصول عليه وفقاً للمادة 309 مكرر، بيد أن مقومات الحياة الخاصة للأفراد ليست فقط صوتاً لحديث يكون الفرد طرفاً فيه، وليس فقط صورة للفرد في أي وضع كان عليه، بل للحياة الخاصة للأفراد مقومات أكثر من ذلك بكثير[17] ومن هذه المقومات البيانات الشخصية المختزنة في أنظمة الحاسب الآلي أو المسجلة على الانترنت.

في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بفاعلية هذه النصوص في توفير الحماية للبيانات الشخصية إذ بإمكانها أن تستوعب حالة الاعتداء الذي باختراق الأنظمة المعلوماتية المختزنة في هذه البيانات، ويرجع هذا الرأي السبب في فاعلية هذه النصوص في توفير الحماية للبيانات الشخصية إلى استخدام المشرع عبارة جهاز من الأجهزة في النص؛ إذ إن هذه العبارة من شانها أن توفر حماية لحرمة الحياة الخاصة ضد مخاطر المعلوماتية.

2 - حماية البيانات الشخصية ضمن قانون الأحوال المدنية

أما عن سائر التشريعات فان الشارع المصري لم يضع نصوصاً تقرر تجريم فعل الدخول غير المشروع والمساس بالبيانات الإلكترونية المحفوظة، وإنما نص في نصوص متفرقة على تقرير بعض صور هذه الحماية. من أهمها ما نص عليه في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994م من أن البيانات والمعلومات المتعلقة بالأحوال المدنية والتي تشتمل عليها السجلات أو الدفاتر أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة «سرية»، ولا يجوز الاطلاع عليها أو الحصول على بياناتها إلا في الأحوال التي نصت عليها (المادة 13 في فقرتها الأولى من هذا القانون).

بل إن الشارع قد اعتبر أن البيانات أو المعلومات أو الإحصائيات المجمعة التي تشتمل عليها السجلات والدفاتر الإلكترونية السابق ذكرها «سراً قوميا» لا يجوز الاطلاع عليه أو نشره إلا لمصلحة قومية أو علمية وبإذن كتابي من مدير مصلحة الأحوال المدنية أو من ينيبه (المادة 13 في فقرتها الثانية)[18].

ومن الأهمية بمكان لزوم الإشارة هنا أن الدستور المصري الجديد 2012م بنص المادة (47) قد تضمن في تقنين رائع حق الحصول على البيانات والمعلومات دون مساس بالحياة الخاصة– وهو ما يستحق الإشادة، وبالتالي حتمية وضرورة مواكبة القوانين للتشريع الأم، سواء بقانون معلومات مستقل– وهو الأفضل- أو من خلال إضافة فصول ومواد إضافية للقوانين السارية[19].

ثانياً: خصوصية البيانات المعلوماتية في النظام اليمني

بالنظر بداية الأمر إلى الوضع في التشريعات اليمنية فإنها لم تبتعد عما نحاه المشرع المصري– كما سلف– إذ جاءت النصوص عامة، ابتداء من تناول الدستور اليمني في مادته (52) بأن: «حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجـوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها، أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي». هذا إذا قلنا بأن المشرع قصد من (كافة وسائل الاتصال) أجهزة الحاسوب وما تحتويه.

وكذلك الحال فان الخلاف يمكن أن يجد نفسه في القانون اليمني أيضاً– كما المصري-  إذ إن نصوص قانون العقوبات اليمني غير دقيقة بالمعنى القانوني المطلوب للفصل في قضايا الحاسوب المعلوماتية الخطيرة والمتجددة؛ ويتأتى ذلك بالتمعن فيما ورد بالمادة (255) الخاصة بانتهاك حرمة المراسلات، أو المادة (256) المعاقبة على الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، أو المادة (257) الخاصة بالتهديد بإذاعة الأسرار الخاصة، أو ما تضمنته المادة (258) والخاصة بإفشاء أسرار المهنة.

كل هذا رغم صياغة المادة (256) القوية لأن تكون شاملة باعتبار كل عدوان بالقول (بأي جهاز) إلا إن جرائم الحاسوب متعددة ومتجددة وذات نوع خاص، بما يجب إفرادها في قانون خاص، وهو ما نهيب به إلى المشرع اليمني في سرعة إقرار مشروع قانون للمعلومات وليس مجرد كونه قانوناً ينظم الحصول على المعلومات[20].

ومن القوانين الخاصة اليمنية القانون رقـم (64) لسنة 1991م بشأن البريد والتوفير البريدي، حيث جاء في المادة (2 / ل): لأغراض هذا القانون تكون للألفاظ والعبارات التالية المعاني المبينة قرين كل منها ما لم يدل سياق النص على خلاف ذلك ... البعائث البريدية: تشمل الرسائل العادية والصوتية والإلكترونية والفواتير والمستندات والبطاقات البريدية والمطبوعات ومكتوبات المكفوفين.

وفي الفصل الثاني: الامتياز البريدي وسرية المراسلات، وفي المادة (5/3/ ب): يكون للهيئة دون غيرها القيام بما يلي:‌ قبول وجمع وتوزيع ونقل مختلف البعائث البريدية إلى جميع الجهات وبمختلف الطرق والوسائل ويشمل ذلك الرسائل المنقولة بوسائط النقل الإلكتروني للجمهور.

ورغم تقدم ألفاظ التقنين– هنا- إلا إنه لا يوجد نص حمائي أو عقابي صريح حيال المخالفة أو الانتهاك، والحال كذلك في القوانين التي تناولناها– سابقا- في عنصر حرمة إفشاء الأسرار.

وأخيراً جاء- بعد مخاض- القانون اليمني رقم (13) لسنة 2012م  بشأن حق الحصول على المعلومات[21]، ومن أهم ما حواه القانون فيما يهمنا بشأن خصوصية المعلومات وحظر إفشائها الآتي:

جاء في المادة (25): مع مراعاة أحكام المواد ( 4، 19، 20/ب، 23) من هذا القانون، على الموظف المختص رفض أي طلب حصول على المعلومات إذا كانت هذه المعلومات تحتوي على:

أ-  المعلومات التي من المتوقّع  في حال الإفصاح عنها،  تعريض حياة فرد ما أو سلامته الجسدية للخطر.

ب-البيانات الشخصية، التي من شأن الإفصاح عنها أن يشكل انتهاكاً غير منطقي لخصوصيات الفرد، ما لم تكن البيانات الشخصية متّصلة بواجب أو وظيفة أو منصب عام يشغله هذا الفرد.

وفي الباب الرابع: حماية الخصوصية بأنه: لا يجوز لأي جهة جمع أو معالجة أو حفظ أو استخدام البيانات الشخصية للمواطن، خلافاً للدستور والقوانين النافذة ( المادة-50).

ويكون جمع ومعالجة وحفظ واستخدام أي جهة للبيانات الشخصية في حدود ما يتصل بالاختصاصات والمهام الرسمية لهذه الجهة المخولة بذلك وبما يعد ضرورياً لقيامها باختصاصاتها ومهامها تلك (المادة- 51). أما المادة (52) فنصت على أنه: بمراعاة المواد (26)، (54) لا يجوز للجهة التي تحتفظ ببيانات شخصية نشر هذه البيانات الشخصية أو إعطاؤها لطرف ثالث إلا بموافقة كتابية ممن تخصه هذه البيانات.

وفي المادة (53) إبداع تشريعي عالمي إنساني بأنه: لا يجوز تقديم بيانات شخصية لأي دولة أو جهة خارجية أخرى لا تتوفر لديها ضمانات قانونية مماثلة لحماية الخصوصية.

وجاء في المادة (54): لا يجوز لأي جهة استخدام البيانات الشخصية في غير الأغراض التي جمعت من أجلها وأعقبتها المادة (55) بأن: على كل جهة تجمع وتحتفظ ببيانات شخصية أن تتبع النظم والإجراءات التي تؤمن نظم تحديث البيانات الشخصية وعلى من تخصه هذه البيانات تقديم كل ما يعد ضرورياً لتحديثها. 

وفي تقنين صريح نصت المادة (56) على أن: كل جهة تحتفظ ببيانات شخصية تكون مسئولة مسؤولية تامة عن حماية هذه البيانات وعليها وضع بيان معتمد للخصوصية يبين نظم وإجراءات التعامل مع سرية البيانات الشخصية ويكون متاحاً للاطلاع[22].

ونخلص من قانون الحصول على المعلومات اليمني إلى أنه ورغم إيجابيات القانون– إلا إنه ومن عنوان القانون فإن جله ينظم حالة الحصول على المعلومة وحسب، وبالتالي فهو لم يتناول الجريمة المعلوماتية، ولم يذكر الحاسوب أو الانترنت، وهذا مأخذ ما كان يجب الوقوع فيه؛ إذ كان المنتظر أن نكون أمام قانون معلومات شامل يحمي الحرية الشخصية– بما فيها الحياة الخاصة- لكل جرائم المعلوماتية الحديثة، ولو تم ذلك لكان عملاً طيباً وسيتواكب مع الفقه والتقنين الدولي المعاصر ولن يكون ذلك بدعة، لأننا وباستمرار الغموض نجعل حال قضاة محاكمنا في تيهان عن التوصيف السليم لأخطر جرائم العصر حيث صعوبة وعسر التكييف في الحالات المناظرة، وهم بصدد نظر قضايا لجرائم عصرية لأفراد وشركات وكيانات عالمية.

الفرع الثاني: 
التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المعلوماتية

إن أجهزة إنفاذ القانون لا تستطيع تجاوز حدودها الإقليمية لممارسة الأعمال القضائية على المجرمين الفارين، لذا كان لا بد من إيجاد آلية معينة للتعاون مع الدولة التي ينبغي اتخاذ الإجراءات القضائية فوق إقليمها، ولكي يتم ذلك ويكون هناك تعاون دولي ناجح في مجال تحقيق العدالة كان لزاماً تنظيم هذا النوع من التعاون الدولي تشريعياً وقضائياً وتنفيذياً؛ فالدولة ما دامت عضواً في المجتمع الدولي لا بد لها من الإيفاء بالالتزامات المترتبة على هذه العضوية ومن ضمنها الارتباط بعلاقات دولية وثنائية تتعلق باستلام وتسليم المجرمين، ويتأتى التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المعلوماتية جملة من خلال الآتي:

 

أولاً: ضرورة التعاون الأمني الدولي

أثبت الواقع العملي أن الدولة– أي دولة– لا تستطيع بجهودها المنفردة القضاء على الجريمة مع هذا التطور الملموس في كافة ميادين الحياة؛ ومن ذلك التطور المذهل في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وظهور الإنترنت والانتشار الواسع والسريع لها، وهو ما أدى إلى ظهور أشكال وأنماط جديدة من الجرائم منها الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت وهي نوعٌ من الجرائم المعلوماتية، التي باتت تشكل خطراً لا على سرية النظم الحاسوبية أو سلامتها أو توافرها فحسب، بل تعدت إلى أمن البنى الأساسية الحرجة.

ومع تميز الجرائم المعلوماتية بالعالمية وبكونها عابرة للحدود فإن مكافحتها لا تتحقق إلا بوجود تعاون دولي على المستوى الإجرائي الجنائي، بحيث يسمح بالاتصال المباشر بين أجهزة الشرطة في الدول المختلفة، وذلك بإنشاء مكاتب متخصصة لجمع المعلومات عن مرتكبي الجرائم المتعلقة بالإنترنت وتعميمها.

لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى وجود كيان دولي يأخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة وتتعاون من خلاله أجهزة الشرطة في الدول المختلفة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات المتعلقة بالجريمة والمجرمين بأقصى سرعة ممكنة بالإضافة إلى تعقب المجرمين الفارين من وجه العادلة.

ثانياً: جهود المنظمة الدولية للشرطة الجنائية «الإنتربول 

تهدف المنظمة الدولية للشرطة الجنائية[23]  International Criminal Police Commission (ICPO) إلى تأكيد وتشجيع التعاون بين أجهزة الشرطة في الدول الأطراف وعلى نحو فعّال في مكافحة الجريمة. من تجميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالمجرم والجريمة، وذلك عن طريق المكاتب المركزية الوطنية للشرطة الدولية الموجودة في أقاليم الدول المنضمة إليها، وتتبادلها فيما بينها، بالإضافة إلى التعاون في ضبط المجرمين بمساعدة أجهزة الشرطة في الدول الأطراف[24]، ومدها بالمعلومات المتوفرة لديها على إقليمها وخاصة بالنسبة للجرائم المتشعبة في عدة دول ومنها جرائم الإنترنت.    

ويقوم الإنتربول بعملية ملاحقة مجرمي المعلوماتية عامة وشبكة الإنترنت خاصة، عن طريق تعقب الأدلة الرقمية وضبطها, والقيام بعملية التفتيش العابر للحدود لمكونات الحاسب الآلي المنطقية والأنظمة المعلوماتية وشبكات الاتصال بحثاً عن ما قد تحويه من أدلة وبراهين على ارتكاب الجريمة المعلوماتية، كلها أمور تستدعي القيام ببعض العمليات الشرطية والفنية والأمنية المشتركة، وهي من شأنها صقل مهارات وخبرات القائمين على مكافحة تلك الجرائم، وبالتالي وضع حد لها[25].

وعلى غرار هذه المنظمة أنشأ المجلس الأوروبي في لكسمبورج عام 1991م شرطة أوروبية لتكون همزة وصل بين أجهزة الشرطة الوطنية في الدول المنظمة ولملاحقة الجناة في الجرائم العابرة للحدود ومنها بطبيعة الحال الجرائم المتعلقة بالإنترنت.

أما على المستوى العربي نجد أن مجلس وزراء الداخلية العرب أنشأ المكتب العربي للشرطة الجنائية[26] بهدف تأمين وتنمية التعاون بين أجهزة الشرطة في الدول الأعضاء في مجال مكافحة الجريمة وملاحقة المجرمين, في حدود القوانين والأنظمة المعمول بها في كل دولة. بالإضافة إلى تقديم المعونة في مجال دعم وتطوير أجهزة الشرطة في الدول الأعضاء.

ثالثاً: المساعدة القضائية الدولية

هي كل إجراء قضائي تقوم به دولة من شأنه تسهيل مهمة المحاكمة في دولة أخرى بصدد جريمة من الجرائم.

وتتخذ المساعدة القضائية في المجال الجنائي صوراً عدة منها:

1- تبادل المعلومات: ويشمل تقديم المعلومات والبيانات والوثائق والمواد الاستدلالية التي تطلبها سلطة قضائية أجنبية وهي بصدد النظر في جريمة ما، عن الاتهامات التي وجهت إلى رعاياها في الخارج والإجراءات التي اتخذت ضدهم، وقد يشمل التبادل السوابق القضائية للجناة[27].

    وهذه الصورة من صور المساعدة القضائية الدولية صدى كبيرا في كير من الاتفاقيات الدولية؛ كالبندين (و، ز) من الفقرة الثانية من المادة الأولى من معاهدة الأمم المتحدة النموذجية لتبادل المساعدة في المسائل الجنائية[28]، وهناك البند (أولاً) من المادة الرابعة من معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي[29]، وذات الصورة نجدها في المادة الأولى من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي[30]، والمادة الأولى والثانية من النموذج الإرشادي لاتفاقية التعاون القانوني والقضائي الصادر عن مجلس التعاون الخليجي[31]، ويوجد لها تطبيق كذلك في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م في البنود (الثالث والرابع والخامس) من المادة الثامنة.

2 -  نقل الإجراءات: ويقصد به قيام دولة ما بناء على اتفاقية أو معاهدة باتخاذ إجراءات جنائية وهي بصدد جريمة ارتكبت في إقليم دولة أخرى ولمصلحة هذه الدولة متى ما توافرت شروط معينة. 

    وقد أقرت العديد من الاتفاقيات الدولية منها والإقليمية هذه الصورة كإحدى صور المساعدة القضائية الدولية كمعاهدة الأمم المتحدة النموذجية بشأن نقل الإجراءات في المسائل الجنائية[32]، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م في المادة (21) منها، وأيضا المادة (16) من النموذج الإرشادي لاتفاقية التعاون القانوني والقضائي الصادر عن مجلس التعاون الخليجي 2003م.

3-  الإنابة القضائية الدولية: ويقصد بها طلب اتخاذ إجراء قضائي من إجراءات الدعوى الجنائية تتقدم به الدولة الطالبة إلى الدولة المطلوب إليها، لضرورة ذلك في الفصل في مسألة معروضة على السلطة القضائية في الدولة الطالبة ويتعذر عليها القيام به بنفسها، وعادة وكما هو معهود يتم إرسال طلب الإنابة القضائية عبر القنوات الدبلوماسية[33].

وللأهمية أبرمت العديد من الاتفاقيات الجديدة التي ساهمت في تقصير الوقت واختصار الإجراءات عن طريق الاتصال المباشر بين السلطات المعنية بالتحقيق، مثال ذلك الاتفاقية الأمريكية الكندية التي تنص على إمكانية تبادل المعلومات شفويا في حالة الاستعجال، ونفس الشيء نجده في البند الثاني من المادة (30) من معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي 1999م، والمادة (15) من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م، والمادة (53) من اتفاقية «شينغين « 1990م والخاصة باستخدام الاتصالات المباشرة بين السلطات القضائية في الدول الأطراف، والفقرة (13) من المادة (46) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

رابعاً: تسليم المجرمين

استقر فقه القانون الدولي على اعتبار تسليم المجرمين شكلاً من أشكال التعاون الدولي في مكافحة الجريمة والمجرمين وحماية المجتمعات من المخلين بأمنها واستقرارها، وحتى لا يبقى أولئك العابثون بمنأى عن العقاب.

وتسليم المجرمين: يعني قيام دولة ما بتسليم شخص ما موجود في إقليمها إلى دولة أخرى، بناءً على طلبها بغرض محاكمته عن جريمة نسب إليه ارتكابها أو لتنفيذ حكم صادر ضده من محاكمها.

ــ ويتم التسليم بناء على نظام محدد بناء على:

1. الاتفاقيات الدولية ومن صورها الآتي:

أ-  الاتفاقية الثنائية التي تنظم مسألة تسليم المجرمين بين دولتين.

ب- الاتفاقية متعددة الأطراف (إقليمية) بشأن تسليم المجرمين ومن ذلك اتفاقية البلدان الأمريكية لتسليم المجرمين1981م في إطار منظمة الدول الأمريكية، وكذلك اتفاقية الدول العربية لتسليم المجرمين 1952م، وهناك الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بتسليم المجرمين 1957م وبروتوكولاتها الإضافية (1975– 1978م)، وكذلك اتفاقية المنظمة المشتركة لإفريقيا ومدغشقر1961م، ومعاهدة تسليم المجرمين والمساعدات المتبادلة في المسائل الجنائية 1961م الخاصة ببلدان «البينولكس»، وخطة الكومنولث لتسليم المجرمين 1966م، وهناك أيضاً اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م، والاتفاقية الأمنية الخليجية 1994م، واتفاقية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لتسليم المجرمين 1994م، وهناك اتفاقية تبسيط إجراءات تسليم المجرمين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م[34]

ج - اتفاقيات دولية مثلما وضعته الأمم المتحدة عام 1990م من معاهدة نموذجية لتسليم المجرمين لتكون إطاراً يساعد الدول التي بصدد التفاوض على اتفاقيات التسليم الثنائية، وتكون من (18) مادة بالإضافة إلى ملحق صدر لها عام 1997م يتضمن بعض الأحكام التكميلية، كما أن مجلس وزراء الداخلية العرب اقر قانونا نموذجيا لتسليم المجرمين.

2. القوانين الداخلية (الوطنية) التي تنظم تسليم المجرمين[35].

3. العرف الدولي الذي يطبق في حالة عدم وجود اتفاقيات أو قوانين داخلية. 

وبالإضافة لما سبق فإنه يوجد نوع آخر من مظاهر التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين– كما في أوروبا-  يتمثل في الاعتراف المتبادل بأوامر القبض أو الحبس أو التوقيف، وبمقتضاه تصدر السلطة المختصة بإحدى الدول أمرا بالقبض أو الحبس أو التوقيف، وتعترف بصلاحيته دولة أخرى أو أكثر ويتعين تنفيذه.

خامساً: الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي

التعاون الدولي بكافة صوره في مجال مكافحة ومواجهة الجرائم المتعلقة بشبكة الانترنت، وإن كان يعد مطلباً تسعى إلى تحقيقه أغلب الدول إن لم يكن كلها، إلا إن ثمة صعوبات ومعوقات تقف دون تحقيقه أهمها:

1. عدم وجود نشاط موحد للنشاط الإجرامي: ويرجع ذلك إلى أسباب وعوامل كاختلاف البيئات والعادات والتقاليد والديانات والثقافات من مجتمع لآخر، وبالتالي اختلاف السياسة التشريعية من مجتمع لآخر.

2. تنوع واختلاف النظم القانونية الإجرائية: فما قد يكون قانونياً مشروعاً في دولة معينة؛ فقد يكون مشروعاً في دولة أخرى ومثل ذلك طرق جمع الاستدلالات.

3. عدم وجود قنوات اتصال: فعدم وجود هذا النظام يعني عدم القدرة على جمع الأدلة والمعلومات العملية التي غالباً ما تكون مفيدة في التصدي لجرائم معينة ومجرمين معينين.

4. مشكلة الاختصاص في الجرائم المتعلقة بالإنترنت: لأن جرائم الانترنت معروفة بكونها عابرة للحدود، فإن ارتكاب جريمة في إقليم دولة معينة من قبل أجنبي يؤدي لاحتمالات أن تكون الجريمة خاضعة للاختصاص الجنائي للدولة الأولى استناداً إلى مبدأ الإقليمية، وتخضع كذلك لاختصاص الدولة الثانية على أساس مبدأ الاختصاص الشخصي، وقد تكون هذه الجريمة من الجرائم التي تهدد أمن وسلامة دولة أخرى فتدخل عندئذ في اختصاصها استنادا إلى مبدأ العينية[36]، وبالطبع لا وجود للتنازع على المستوى الوطني.

5. التجريم المزدوج: حيث إنه من أهم الشروط الخاصة بنظام تسليم المجرمين، حيث وهو منصوص عليه في اغلب التشريعات الوطنية والصكوك الدولية المعنية بتسليم المجرمين،  ولكن الصعوبة تأتي في أن معظم الدول لا تجرم هذه الجرائم، بالإضافة إلى صعوبة تطبيق النصوص التقليدية لدى الدولة المطلوب منها التسليم إن كان بالإمكان أن تنطبق على الجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت من عدمه، وهو ما يعوق تطبيق الاتفاقيات الدولية في مجال تسليم المجرمين، ويحول بالتالي دون جمع الأدلة ومحاكمة مرتكبي الجرائم المتعلقة بالإنترنت.

6. الصعوبات الخاصة بالمساعدات القضائية الدولية: ذلك أن الأصل في الإنابات القضائية الدولية تتم بالطرق الدبلوماسية، هذا يجعلها تتسم بالبطء والتعقيد والذي يتعارض مع طبيعة الانترنت وما يتميز به من سرعة، بالإضافة إلى مشاكل نقص الموظفين المدربين أو نتيجة الصعوبات اللغوية وغير ذلك.

7. الصعوبات الخاصة بالتعاون الدولي في مجال التدريب: سواء من خلال وجود الفوارق الفردية، من خلال عدم وجود أي خلفية لكثير من الإداريين في هذا المجال، وعلى النظير وجود خبرات على درجة كبيرة من المعرفة، خلافاً لعدم رغبة بعض القيادات الإدارية في بعض الدول لاعتقادهم بدوره السلبي في تطوير العمل.

الـخــاتـمــــة: (النتائج والتوصيات)

نخلص في نهاية هذه الدراسة عن الخصوصية والجريمة المعلوماتية إلى مجموعة من النتائج والتوصيات وذلك على النحو الآتي:

1. أخذت حياة الشخص الخاصة- ومنها الحق في الخصوصية- حظها من الحماية القانونية في المجتمعات القديمة والحديثة، سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الداخلي؛ فعلى الصعيد الدولي اعترفت به الاتفاقيات الدولية، وكان موضوعاً لبحث مستفيض في العديد من المؤتمرات التي عقدها القانونيون من دول مختلفة، كما حرصت جميع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية على بسط الحماية اللازمة له، وتزعمت هيئة الأمم المتحدة الدعوة إلى ضرورة احترامه. وهو ما يدل على اهتمام الدول عموما، على اختلاف مذاهبها ونظمها السياسية بشخصية الإنسان وحريته وازدهاره، حيث إن الاعتراف بحق الشخص في الحياة الخاصة يعد من دون شك، وسيلة هامة للمحافظة على استقلاله ومنع الآخرين من التدخل في شؤونه التي لا تعنيهم وبالأخص السلطة العامة.

2. أدى التطور التقني في الحاسب الآلي وشبكة الانترنت إلى نشوء تقنيات جديدة تستخدم في انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد، كما أدى إلى ظهور صور جديدة للجرائم من حيث أنواعها وهذه الصور لا تنطبق والنماذج القانونية للجرائم في القوانين التقليدية؛ لذا تبقى حماية الخصوصية غير كافية في ظل الخطر الشديد والأكيد الذي أصبح يهدد باستمرار حياة الأفراد الخاصة، بسبب هذه الأجهزة المتطورة تكنولوجيا التي تستطيع أن تنقل بدقة ما يدور داخل الجدران. ومن أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة فرص تهديدها، التطور السريع في وسائل الإعلام المختلفة.

3. لقد بلغ التطور التكنولوجي أن باستطاعة الفرد العادي- وربما الطفل- أن يزور خارطة العالم كله متراً متراً بواسطة الانترنت (Google Earth)، بل وإمكان ذلك مع الحركة مباشرة، ولا شك هنا أن احتمال أن يتأتى من وراء ذلك عدوان وانتهاك بحق لإنسان آخر أمر قائم؛ فيتحقق معه التجسس مرئياً أو سمعياً، تخترق معه كل حدود وقواعد حقوق الإنسان المفترضة الاحترام.

4. تثير جرائم الحاسب الآلي والإنترنت مشاكل وصعوبات تتعلق بإقامة المسئولية الجنائية بحق مرتكبيها ومعاقبتهم، حيث صعوبة تحصيل وإثبات الدليل، وفي مسائل الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق.

5. على صعيد العمل التشريعي فإن انضمام أي دولة للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان يفترض معه أن يؤدي ذلك الانضمام إلى مبادرة المشرع الوطني بإصدار التشريعات الموائمة للاتفاقيات التي انضمت إليها تلك الدولة، سواء بتعديل ما هو سار فعلاً من تشريعات أو استحداث تشريعات جديدة، وسواء تم ذلك في المراحل السابقة على التصديق على الاتفاقية أو بعد التصديق عليها.

6. نوصي المشرع الدستوري اليمني والذي قصر عدم السقوط بالتقادم إلا لجرائم التعذيب والاحتجاز وفقا للمادة (48/ هـ) دون أن يعمم ذلك على سائر الحقوق والحريات– ومنها الحياة الخاصة- كما صنع المشرع المصري، وذلك بالنص على عدم تقادم الدعوى الجنائية أو المدنية بحق جرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وهذا ردعاً وزجراً لكل من يرتكب الجريمة، وتحقيق الإيلام فعلاً بحق كل معتد مهما طال الزمن. 

7. يجدر بالمشرع اليمني أن يقتدي بالمشرع العقابي الفرنسي بإدخال نص في قانون العقوبات يجرم فيه التعامل بالأجهزة، التي تشكل خطورة بالغة على حياة الغير الخاصة سواء كانت أجهزة تصنت أو تصوير أو غيرهما وأن يجرم هذا النص كل أنواع التعامل في هذه الأجهزة من تصنيع وبيع واستئجار واستيراد وحيازة.

    ذلك أن عدم تنظيم استخدام هذه الأجهزة ووضع قيود للحد من التعامل بها، يقلل من فعالية حماية الحياة الخاصة؛ بل تبقى النصوص التي تحميها حبراً على ورق.

8. حبذا لو تدخل المشرع العقابي اليمني– أسوة بالفرنسي-  لتجريم إحدى أخطر الأفعال التي شاع اقترافها من طرف الأفراد في المجتمع، وهي نتيجة التقدم الفني، وذلك الفعل الخطير هو عملية المونتاج، والذي يتأتى من خلال القدرة على التركيب والإدخال والتغيير في عنصر الصوت لشخص، أو صورته أو الصوت مع الصورة معاً؛ وإن تفضل المشرع اليمني بإدخال هذا الفعل الخطير في عداد الأفعال المجرمة، فيستحسن أن يجعله جريمة على غرار الأفعال الأخرى المطلوب رفعها إلى صفة ومرتبة الجرائم، ومن ثم ترتيب العقوبة المناسبة له والتي يجب أن تكون من الشدة بحيث يصبح المعتدي عبرة لكل من تسول له نفسه التفكير والإقدام على اقتراف هذا الفعل، مع اضافة الى تشديد العقوبة إذا ما كان المجني عليه أنثى.

9. نهيب بالمشرع العقابي اليمني عدم التأخر وسرعة مواكبة التطور- العربي والعالمي- بتقرير الحماية لمكافحة الجريمة المعلوماتية وذلك حماية للمتضرر من هذه الجرائم الحديثة والخطيرة سواء تعلق الأمر بالأمور المادية أو بصون حرمة الحياة الخاصة للإنسان وهو الأهم. ويتأتى ذلك بإيجاد تشريع خاص ينظم بالتجريم لحالات انتهاك الحق في حرمة الحياة الخاصة بواسطة الحاسبات الآلية والإنترنت (البريد الالكتروني)، حيث أصبح أداة شديدة الخطورة وكونه سهل المنال لارتكاب الجرائم.

10.                                                                                               يتعين على المشرع أن ينظم تجريم حالات جمع البيانات الشخصية دون سبب مشروع، أو جمعها بطرق غير مشروعة، بما يضمن عدم إساءة استغلال البيانات أو المعلومات الشخصية في غير الغرض المخصص لها، وإفشائها للغير مسترشدًا في ذلك بتشريعات بعض الدول المتقدمة تأكيداً على احترام حق حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وينبغي أيضاً إضافة مادة في قانون العقوبات تجرم واقعة نشر الوقائع المدنية  المعلومات المالية الخاصة بالأفراد، لأهميتها و لكونها تشكل مساسا بحقهم في الخصوصية.

    وعليه نهيب إجمالاً بالمشرع اليمني إقرار مشروع قانون حمائي للمعلومات وليس مجرد قانون ينظم الحصول على المعلومات.

11.                                                                                               العمل عاجلاً على إضافة مواد في قانون العقوبات تتضمن جرائم المعالجة الإلكترونية للبيانات الشخصية، على أساس أخطار إساءة استخدام بنوك المعلومات- كالطبية مثلاً- وذلك بتنظيم إنشاء هذه البنوك ومن له الحق في إنشائها والبيانات الشخصية التي يسمح بجمعها ومعالجتها إلكترونياً وإقرار حق الفرد في الوصول إلى البيانات الخاصة به، وتصويبها وتعديلها، وتصحيحها أو محوها كلما اقتضى الأمر ذلك. 

12.                                                                                               ضرورة اتحاد الجهود الدولية وعقد اتفاقيات دولية لتحديد أطر التعاون في مكافحة جرائم التعدي على خصوصية الأفراد ومحاكمة مرتكبيها، وحث الدول على الانضمام للاتفاقيات الدولية– القائمة- المتعلق بها أي من عناصر الحياة الخاصة وتحديداً ما يتعلق بتنظيم مكافحة الجريمة المعلوماتية وتطوراتها، بحيث يتم التوازن بين حرية المعلومات واستخدامها من جهة وحماية الفرد وحريته وأسراره وخصوصياته من جهة أخرى.

13.                                                                                               يجدر بالمشرع اليمني أن يخصص موضعاً مستقلاً في قانون العقوبات يتعرض فيه للأفعال الماسة بهذا الحق والمقترفة بواسطة وسائل الإعلام. وذلك لتجريم هذا النوع من الأفعال وتكييفها على أنها جريمة وليس جنحة. وبذلك يكون قد حذا حذو المشرع المصري الذي قام بهذا التصنيف في الباب الرابع عشر من قانون العقوبات (من المادة 271 إلى المادة 201).

    وبهذا التعديل المرجو، يكون المشرع العقابي اليمني قد فصل وميز بين الأفعال الماسة بالحياة الخاصة للشخص والتي تقع من أفراد عاديين مثله والتي خصص لها مواد مستقلة يعاقب من خلالها ذلك الفرد، وبين تلك التي تقع بواسطة الصحافة والإعلام ورجالها. 

14.                                                                                               دعوة القضاء إلى عدم التردد في اللجوء إلى الإجراءات الوقائية لوقف الاعتداء على الحياة الخاصة عن طريق وقف النشر أو حذف بعض الأجزاء أو التعديل أو وضع المطبوعات أو الأشرطة المسموعة أو المرئية الماسة بهذا الحق تحت الحراسة ومصادرتها، حفاظاً على خصوصية حياة الانسان من انتهاكات الإعلام والصحافة، وهو ما يتوجب معه أن يكون للقضاء الجرأة في الحكم وذلك بتغليب حماية الحق في الحياة الخاصة على حماية الحق في الإعلام، خصوصاً إذا كانت وسائل الحماية القانونية الأخرى غير كافية لرد الاعتداء ولتعويض المعتدى عليه.

15.                                                                                               العمل على تأهيل المحققين والقضاة وتكوين المعرفة لديهم للتعامل مع الجوانب المختلفة بجرائم الحاسب الآلي والإنترنت؛ ويتأتى ذلك من خلال عمل دورات تنشيطية بصفة دورية، مع التوعية بأهمية وحرمة الحياة الخاصة للإنسان، وإطلاعهم على المستجدات وما بلغته التكنولوجيا من مخاطر تقتحم الخصوصية في مكمنها، بالإضافة إلى إحاطتهم بالنصوص والمبادئ القانونية الوطنية والعالمية وما بلغته الأعمال الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بهذا الخصوص.

16.                                                                                               الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان من الناحية العلمية والعملية وذلك بالعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وفق التكنولوجيا المعاصرة وفي ضوء ما قررته أحكام الشريعة الإسلامية ابتداءً، ومن ثم الإعلانات والمواثيق الدولية، على أن يتم البدء بتنمية احترام حقوق الإنسان لدى النشء، من خلال التوعية المبكرة في مدارس التعليم الأساسي والثانوي، سواء من خلال لمحات مختصرة في المقررات الدراسية، أو إرشادات مطبوعة تعمم على المدرسين. ومن ثم ضرورة مسايرة المشرع اليمني لما نحاه منهج التعليم العالي في مصر من تقرير تدريس مادة حقوق الإنسان في كافة كليات الدراسة الجامعية، خلافاً عن كليات القانون- وحتماً سيكون في مقدمة ذلك حق الإنسان في حرمة حياته الخاصة- لما فيه من صيانة لأمن الفرد والمجتمع.

17.                                                                                               على الهيئات أو الشركات الصناعية المختلفة أن تمتنع عن اللجوء إلى التجسس الصناعي، أو إلى الدفاع عن مصالحها الاقتصادية عن طريق التجسس على الغير وذلك بالتوغل داخل حياته الخاصة وإثارة الفضائح عن طريق الصحف ووسائل الاتصال الحديثة. 

18.                                                                                               وختاماً نجزم بالقول إنه وإذا ما نالت الشريعة الإسلامية حظها من التطبيق الفعلي، والتزم الناس بها حكاماً ومحكومين، فإن الحياة الخاصة للجميع ستحظى وكل أسرارهم بحماية تسمو على ما هو مقرر وما يمكن أن يتقرر، سواء في التشريعات الوضعية أو في المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ وذلك نظراً لازدواجية الجزاء المفروض في هذه الشريعة الإلهية بكونه دنيوياً وأخروياً في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي تفتقر إليه القوانين الوضعية جميعاً.

وعليه فإن ضرورة الأخذ بأحكام شريعتنا الغراء في كل مجالات الحياة وفي مجال حرمة الحياة الخاصة، يعيد الإيمان إلى الدنيا وتشرق الأرض بنور ربها، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: (.. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم). صدق الله العظيم

 

 ــ المراجــع:

1. د. ابراهيم أحمد الصعيدي– نظام التشغيل الاليكتروني للبيانات– مطبعة المعرفة– 1981م. 

2. أ. احمد صلاح الدين إبراهيم– الجريمة الاليكترونية وتحديات القضاء المصري ودراسة إنشاء شبكة معلومات للنيابة العامة– د.ن– د.ت. 

3. د. أحمد فتحي سرور– نظرات في عالم متغير– دار الشروق– 2003م.

4. د. أحمد محمود مصطفى– جرائم الحاسبات الآلية في التشريع المصري، دراسة مقارنة– رسالة دكتوراه– 2009م.

5. د. أحمد خليفة الملط– الجرائم المعلوماتية، دراسة مقارنة– دار الفكر الجامعي– الإسكندرية– 2005م.

6. د. أسامة عبد الله قايد– الحماية الجنائية وبنوك المعلومات، دراسة مقارنة– دار النهضة العربية – ط 3 – 2008م.

7. د. جميل عبد الباقي الصغير– الانترنت والقانون الجنائي، الأحكام الموضوعية للجرائم المتعلقة بالإنترنت– دار النهضة العربية 2001م.

8. د. جميل عبد الباقي الصغير- الجوانب الإجرائية للجرائم المتعلقة بالإنترنت- دار النهضة العربية، القاهرة 1998م.

9. د. حسين كامل بهاء الدين– الوطنية في عالم اللاهوية، تحديات العولمة– دار المعارف– 2001م. 

10.                                                                                               د. خالد محمد علي الكميم– الحماية الدولية لحق الإنسان في الحياة الخاصة/ دراسة مقارنة– رسالة دكتوراه– جامعة القاهرة– 2014م.

11.                                                                                               د. خالد محمد علي الكميم– نظام العلاقات الدبلوماسية في الجمهورية اليمنية/ دراسة مقارنة– رسالة ماجستير– مصر– 2008م.

12.                                                                                               د. خالد ممدوح ابراهيم– الجرائم المعلوماتية– دار الفكر الجامعي– الإسكندرية– ط 1 – 2009م.

13.                                                                                               د. عبد الفتاح بيومي حجازي– الدليل الجنائي والتزوير في جرائم الكمبيوتر والانترنت– دار الكتب القانونية– القاهرة– 2002م.

14.                                                                                               المستشار الدكتور– عبد الفتاح مراد – شرح جرائم الكمبيوتر والإنترنت– د.ن – د.ت.

15.                                                                                               د. عمر أبو الفتوح الحمامي– الحماية الجنائية للمعلومات المسجلة الكترونياً، دراسة مقارنة– دار النهضة العربية– 2010م. 

16.                                                                                               د. عمر أحمد حسبو– حماية الحريات في موجهة نظم المعلومات، دراسة مقارنة– دار النهضة العربية– 2000م.

17.                                                                                               د. عفيفي كامل عفيفي– جرائم الكمبيوتر وحقوق المؤلف والمصنفات الفنية ودور الشرطة والقانون،  دراسة مقارنة– منشورات الحلبي الحقوقية– بيروت– ط 2 – 2007م.

18.                                                                                               فريديه. كيت، ترجمة محمد محمود شهاب– الخصوصية في عصر المعلومات– مركز الأهرام للترجمة والنشر– ط 1– 1999م.

19.                                                                                               د. ما شاء الله عثمان محمد الزوي– الحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة– في التشريع الليبي بالمقارنة مع التشريعين الفرنسي والمصري – رسالة دكتوراه - كلية الحقوق، جامعة القاهرة – 2011 / 2012م. 

20.                                                                                               د. محمد الشهاوي– وسائل الإعلام والحق في الخصوصية– دار  النهضة العربية – ط 1 – 2010م. 

21.                                                                                               د. محمد خليفة– الحماية الجنائية لمعطيات الحاسب الآلي في القانون الجزائري– دار الجامعة الجديدة – الإسكندرية – 2007م.

22.                                                                                               د. محمد محمد شتا– فكرة الحماية الجنائية لبرامج الحاسب الآلي– دار الجمعة الجديدة للنشر– الإسكندرية– 2001م.

23.                                                                                               د. محمود أحمد عبابنة– جرائم الحاسوب وأبعادها الدولية- دار الثقافة للنشر والتوزي– عمان– 2005م. 

24.                                                                                               د. ناصر محمد البقمي– جرائم المعلوماتية ومكافحتها في المملكة العربية السعودية– مكتبة الملك فهد الوطنية– الرياض – ط 1 – 2009م.

25.                                                                                               د. نائلة عادل قورة– جرائم الحاسب الآلي الاقتصادية– دار النهضة العربية- القاهرة- ط 1 – 2003م.

26.                                                                                               د. هدى حامد قشقوش– جرائم الحاسب الاليكتروني– دار النهضة العربية– 1992م.

27.                                                                                               د. هدى قشقوش– الحماية الجنائية للتجارة الاليكترونية عبر الانترنت– دار النهضة العربية– 2000م 

28.                                                                                               د. هلالي عبد الله– اتفاقية بودابست الخاصة لمكافحة الجرائم المعلوماتية، معلقاً عليها– دار النهضة العربية– ط 1– 2007م. 

29.                                                                                               د. هلال بن محمد البوسعيدي– الحماية القانونية والفنية لقواعد المعلومات المحوسبة، دراسة قانونية وفنية مقارنة– دار النهضة العربية– 2009م. 

30.                                                                                               د. يونس عرب دور حماية الخصوصية في تشجيع الاندماج بالمجتمع الرقمي- ورقة عمل مقدمة إلى: ندوة أخلاق المعلومات- نادي المعلومات العربي– 16-17 اكتوبر 2002– عمان– الأردن.

31.                                                                                               يونس عرب– الخصوصية وحماية البيانات– ورقة بحثية منشورة على موقع www.arablaw.org

32. Recommendation of the council concerning guidelines fo the security of information°s system, 26 November 1992.

33. BAKKER “R” (computer security hand book) London second edition 1990

34. Pirre Catala Les transformations de droit  par L’ informatique en Emergence du droit de d I ’ nformatique, éditions des parques, 1983.

35. تدابير مكافحة الجرائم المتصلة بالحواسيب– مؤتمر الأمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية- المنعقد في بانكوك في الفترة 18-25/4/2005م– وثيقة رقم A/CONF.203/14 .

36. الأمم المتحدة– مجموعة المعاهدات– المجلد 1752 – الرقم 30597.

37. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة– وثيقة _A/RES/SS/25 بتاريخ 8/1/2000م.

 


 

[1]    كلمة كمبيوتر( Computer) أصلها إنجليزي وهي تقابل في الفرنسية كلمة ( Ordinateur )، ويسمى في العربية الحاسب الآلي أو الاليكتروني– أو العقل الاليكتروني - أو الحاسوب.

   ومن تعريفاته أنه : جهاز لمعالجة البيانات، حيث يقبل البيانات ويخزنها آلياً ثم يجري عليها بعض العمليات الحسابية والمنطقية، واستخلاص نتائج هذه العمليات بسرعة ودقة كبيرة.

     وعرفه البعض بأنه: مجموعة من الأجهزة التي تعمل متكاملة مع بعضها البعض من أجل تشغيل مجموعة من البيانات الداخلة طبقاً لبرنامج تم وضعه مسبقاً للحصول على نتائج معينة.

[2]    وهناك من عرفه بأنه: شبكة مشاركة معلوماتية لوكالات حكومية، ومعاهد تعليمية، وهيئات خاصة، في أكثر من 200 دولة، عن طريق أجهزة الحاسب الآلي الموصلة بالإنترنت. 

     وقيل هو اتصال بين مجموعة من  الحاسبات الاليكترونية من خلال شبكة اتصال متعددة.

     وترجع أهمية شبكة الانترنت في أن لها وجهين متناقضين؛ الوجه الأول أنها خزينة المعرفة وسيل المعلومات المتدفق؛ حيث تقدم خدمات، منها تسهيل القبض على المجرمين، وخدمة البريد الاليكتروني، والاطلاع على أخبار العالم، واستخدام الانترنت في التنبؤ بالجرائم، فالجريمة المرتكبة بواسطة الانترنت تتسم بالعالمية اتفقت الدول على تجريمها.

     والوجه الثاني أنها أداة وضيعة المستوى لارتكاب الجريمة، مثل نشر الصور الإباحية، والمعلومات المشبوهة، والأفلام المخلة بالآداب العامة، وقرصنة حقوق المؤلفين الأدبية، وعمليات التجسس والإرهاب، وعمليات الابتزاز التي تمارسها بعض العصابات ضد الشركات بإفشاء أسرارهم أو إتلافها عبر الشبكة، والتزوير والسطو على أموال البنوك والإعلانات الكاذبة. 

[3]    ونرجح هذا التعريف لأنه يتسم بالوضوح فضلاً عن تحديده لماهية السلوك الإجرامي للجريمة التي قد تقع به، إذ شمل كلا من الفعل الإيجابي والسلوك السلبي المتمثل في الامتناع.

     وثمة اجتهادات فقهية في تعريف البيانات بأنها: مجموعة من الحقائق تعبر عن مواقف وأفعال معينة حدثت في الحاضر أو في الماضي أو في المستقبل، سواء أكان التعبير عنها بالكلمات أو بالأشكال أو الرموز.

     ويعرفها البعض بأنها: المعطيات الخام أو الأولية التي تتعلق بقطاع أو نشاط معين.

[4]    وذهب الفقه الفرنسي في تفسيره للبيانات الاسمية: بأنها البيانات الشخصية التي تتعلق بالحياة الخاصة للفرد مثل البيانات الخاصة بحالته الصحية، والمالية، والمهنية، أو الوظيفية، والعائلية التي كفل لها المشرع الفرنسي الحماية في المادة (9) من القانون المدني، وتكون موضوعاً للمعالجة الاليكترونية.

 

[5]    كما جاء في القرار الفرنسي الصادر في 22 ديسمبر1981م بأن المعلومات: عنصر معرفي قابل لأن يقوم من خلال اتفاقات أو معاهدات أو نشرات تهدف إلى الحفاظ عليه.             

 

[6]    جرائم الحاسوب الآلي والانترنت: ذلك النوع من الجرائم التي تتطلب إلماماً خاصاً بتقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات لارتكابها أو التحقيق فيها ومقاضاة فاعليها.

 

[7]    ذهب فويستن في تعريفه للخصوصية المعلوماتية إلى أنها “ حق الافراد في تحديد متى وكيف والى أي مدى تصل المعلومات عنهم للآخرين

“ (the claim of individuals ‘to determine for themselves when, how and to what extent information about them is communicated to others )،

     في حين عرف ميلر الحق في خصوصية المعلومات بأنه  قدرة الأفراد على التحكم بدورة المعلومات التي تتعلق بهم

“ (‘the individual’s ability to control the circulation of information relating to him’ )

 

[8]    والمساس بالحياة الخاصة لا يكون فقط بنشر معلومات كانت ما تزال من قبيل الأسرار أو الخصوصيات، بل تشمل أيضاً طبقاً لرأي محكمة النقض الفرنسية ترتيب وتجميع المعلومات المتفرقة ونشرها بصورة مغايرة عن تلك التي سبق نشرها.

 

[9]    ونظراً لحداثة شبكة الإنترنت فلا توجد تشريعات تنظم الجرائم المتعلقة بها في أغلب الأحيان، وإن تغير الحال بعد ذلك لدى بعض الدول.

      ــ تعرف الجريمة في القانون الدولي بأنها: عدوان على مصلحة محمية يحميها القانون الدولي الجنائي.

 

[10]   أهم جرائم الاعتداء على الأشخاص التي تقع باستخدام شبكة الانترنت هي: جرائم السب والقذف، وجرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وجرائم الاستغلال الجنسي للأطفال على الانترنت.

 

[11]   ظهرت أحداث شهيرة في حقل الاعتداء على البيانات الخاصة من بينها- على سبيل المثال- الحادثة التي حصلت في جنوب أفريقيا حيث أمكن للمعتدين الوصول إلى الأشرطة التي خزنت عليها المعلومات الخاصة بمصابي أمراض الايدز وفحوصاتهم، وقد تم تسريب هذه المعلومات الخاصة والسرية إلى جهات عديدة. ومن الحوادث الشهيرة الأخرى حادثة حصلت عام 1989م عندما تمكن أحد كبار موظفي أحد البنوك السويسرية بمساعدة سلطات الضرائب الفرنسية بأن سرب إليها شريطاً يحتوي على أرصدة عدد من الزبائن. وقد أظهرت القضايا التي حصلت ما بين عامي 96-97م في الحقل المصرفي أن الوصول إلى البيانات الشخصية ارتبط في الغالب بأنشطة الابتزاز التي غالباً ما تتعلق بالتحايل على الضريبة من قبل زبائن البنوك وفي عام 1986 اتهمت شركة IBM بأن نظام الأمن الذي تنتجه المسمى RACF يستخدم للرقابة على الموظفين داخل المنشآت، وفي عام 1994م أيضاً وفي ألمانيا أثير جدل واسع حول حق دائرة التأمينات الصحية بنقل البيانات الشخصية إلى شركات خارجية، وشبيه بهذا الجدل ما يثور الآن بشأن مدى أحقية شركات تزويد الانترنت والتلفونات الكشف عن معلومات الزبائن لجهات أخرى . 

 

[12]   كما تتحقق هذه الجريمة بالجمع والتخزين لبيانات شخصية تخص أشخاصاً بعينهم ويتم هذا الجمع أو التخزين بصورة غير قانونية من أشخاص أو جهات ليس لهم الحق في القيام بهذا الجمع أو التخزين لهذه البيانات.

 

[13]   وقد طور عدد من الدول حماية متقدمة للخصوصية بعد هذا التاريخ ، ففي عام 1776م سن البرلمان السويدي قانون الوصول إلى السجلات العامة والذي ألزم كافة الجهات الحكومية التي لديها معلومات ان تستخدمها لأهداف مشروعة . وفي عام1858 م منعت فرنسا نشر الحقائق الخاصة وفرضت عقابًا على المخالفين، أما قانون العقوبات النرويجي فقد منع في عام 1889م نشر المعلومات التي تتعلق بالشخصية والأوضاع الخاصة. 

     وفي عام 1890 كتب محاميان أمريكيان Samual Warren and Louis Brandeis -- مقالاً عن حماية الخصوصية باعتبار الاعتداء عليها من قبيل الفعل الضار ووصف الخصوصية بأنها الحق في ترك الشخص وحيداً، وقد انتشر هذا المفهوم في الولايات المتحدة الأمريكية كجزء من القانون العام. وقد تطور الحق في الخصوصية وحماية البيانات في الستينات والسبعينات نتيجة للتأثر بتقنية المعلومات وبسبب القوى الرقابية المحتملة لأنظمة الكمبيوتر التي استوجبت وضع قواعد معينة تحكم جمع ومعالجة البيانات الخاصة، وفي هذا الحقل فان اول معالجة تشريعية في ميدان حماية البيانات كان عام 1970 م في هيس بالمانيا - LAND OF HESSE IN GERMANY - والذي تبعه سن أو قانون وطني متكامل ) في السويد عام 1973 ثم الولايات المتحدة عام 1974 ثم المانيا على المستوى الفدرالي عام 1977م ثم فرنسا عام 1978 م.

[14]   جاء في دستور اسبانيا (م 18): القانون هو الذي يحدد البيانات التي توضع للمعالجة الاليكترونية لضمان الكرامة والحصانة الشخصية والأسرية للمواطنين في ممارستهم لحقوقهم. وجاء في دستور البرتغال (م 35/ 1): لكل مواطن الحق في معرفة المعلومات التي تتعلق به وما تتضمنه بنوك المعلومات من بيانات خاصة به والاستخدامات المعدة لها ويكون له طلب تصحيحها أو تصويبها أو الإضافة إليها كل فترة عندما يطرأ عليها تغيير. وهناك دول أوجدت قوانين خاصة بها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وكندا والصين والسعودية، وأخرى لم تفعل واكتفت بالنصوص الموجودة في القوانين التقليدية، وهو الحال مع مصر واليمن وغالبية دول العالم الثالث.أصدر المشرع الفرنسي القانون رقم (17) لعام 1978م المتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات والحريات، وتضمن الباب الأول من ذلك القانون مجموعة من المبادئ القانونية التي ذكرت أن المعالجة الاليكترونية يجب أن  تكون لخدمة الموطن، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتضمن اعتداءات على شخصيته أو حرياته وحياته الخاصة، وفي الباب الثاني من ذلك القانون تم إنشاء ما أطلق عليه«اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات» والخاصة بمراقبة تنفيذ أحكام هذا القانون، ووجوب استشارة اللجنة قبل معالجة البيانات.

       كما نص الشارع الفرنسي ( المادة 226-22 ) بأن: يعاقب بالحبس خمس سنوات وغرامة 300000 ألف يورو كل من حاز بمناسبة تسجيله أو تصنيفه أو أي شكل آخر من أشكال المعالجة ( للبيانات الاسمية )، بيانات اسمية وقام بإفشائها بما يشكل اعتداء على الشرف أو الاعتبار أو حرمة الحياة الخاصة بدون تصريح من صاحب الشأن، أو ينقل عمدا إلى شخص غير مختص يتلقى هذه البيانات وفقا للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون ..

     كما عاقبت المادة ( 323/1): بالسجن والغرامة مائة ألف يورو كل من أجرى أي نشر أو فضح أو زور في كل أو جزء من النظام المعالج آلياً. وأورد المشرع العقابي الفرنسي وفق تعديلاته الحديثة (2004م ، 2011م) تفصيلاً بخصوص انتهاك حرمة المراسلات الكترونياً.

[15]   وبالنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية فإن هناك أكثر من قانون لحماية البيانات والمعلومات وحق الإنسان في حياته الخاصة، فكان أول قانون صدر بهذا الخصوص عام 1970م لحماية البيانات والمعلومات وحق الوصول إليها لتصحيح البيانات والمعلومات  غير الصحيحة، ثم أصدرت الولايات المتحدة قانوناً خاصاً لحماية الخصوصية في 31 ديسمبر 1974م (Privacy Act of, 1974)، وهو يعد من التشريعات المتقدمة في حماية الحياة الخاصة للأفراد في إفشاء المعلومات الخاصة بهم ، وكان الهدف من هذا القانون هو تقرير حماية لكل شخص من الاعتداء على حياته الخاصة والمخزنة في الحاسب الآلي قد نصت المادة (552 / أ) منه على أنه: «لا يجوز لأي جهة أن تفشي أي معلومات يتضمنها نظام للمعلومات بأي وسيلة من الوسائل لأي شخص أو لأي جهة أخرى ما لم يكن ذلك بناء على طلب كتابي بموافقة صاحب الشأن الذي تتعلق به المعلومات، مع استثناء ما يتعلق بالمصلحة العامة أو بناء على أمر من المحكمة».

     ثم أصدر الكونجرس قانون خصوصية الاتصالات الاليكترونية لعام 1986م (Electronic communications Privacy Act. of, 1986) ويسعى هذا القانون لمكافحة نشاطات اختراقات الحاسبات الآلية، وتمكين السلطات العامة من استخدام المراقبة الاليكترونية (Electronic Surveillance) عند التحقيق في جرائم الحاسب الآلي. وكذلك أصدرت الولايات المتحدة قانوناً لحماية خصوصية برامج الحاسب الآلي لعام 2004م ( Computer Software Privacy and Control act of, 2004) ويجرم هذا القانون أفعالا كالدخول على ملفات الحاسب الآلي دون ترخيص، كما يحظر هذا القانون الدخول أو الاطلاع غير المشروع على أجهزة الحاسب الآلي غير المتاحة لاستخدام الجمهور والعائدة ملكيتها للوزارات والمصالح الحكومية.

     ومن نافلة القول إن قانون الإرهاب الجديد الصادر في أكتوبر 2001م وسع من سلطات جهاز استخبارات الأمريكية في عمليات المراقبة الاليكترونية للأفراد سواء في مكان العمل أو في حياتهم الخاصة.

[16]   وردت حماية البيانات الشخصية في القانون المصري وفق المواد 309 و 309 مكررا (أ) من قانون العقوبات، وفي قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994م بنص المواد ( 140 ، 181 ) ، وفي قانون الإحصاء والتعداد المعدل رقم 28 لسنة 1982م في المادتين (3 ، 4) ، وفي قانون الضرائب على الدخل رقم 157 لسنة 1981م وفق المادة (46)، وبالقانون رقم 205 لسنة 1990م وفق المواد (1 ، 5 ، 7)، وأخيرا في قانون التوقيع الاليكتروني رقم 15 لسنة 2004م.

 

[17]   يقول المستشار محمد محمد الألفي رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم المعلوماتية والانترنت ان قانون مكافحة جرائم الانترنت مازال حبيس الادراج .. ويؤكد ان آخر تعديل مصري – مواكب - جاء في قانون الطفل رقم 129 لسنة 2008م في المادة ( 116 مكرر ) حيث أضيفت نصوص جديدة بشأن الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الانترنت والاستغلال غير المشروع للأطفال، كما خصص نصوصاً مستقلة للتوقيع الالكتروني في القانون 15 لسنة 2004م لتعريف البيئة الالكترونية والتوقيع الالكتروني .. ويوضح المستشار الألفي أن الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الانترنت نظمت مؤتمراً دولياً عام 2007م حول مكافحة الجريمة الالكترونية وانتهت في توصياتها إلي أهمية صدور قانون يجرم الأفعال الضارة التي تنفذ عبر الانترنت، إضافة إلي مؤتمر حماية أمن المعلومات والخصوصية الذي أوصي بأهمية وجود قانون لحماية المعلومات.

 

[18]   وقد نصت المادة (74) من قانون الأحوال المدنية على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع في الاطلاع أو حصل أو شرع في الحصول على البيانات أو المعلومات التي تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها... أو أذاعها أو أفشاها في غير الأحوال التي نص عليها القانون وفقا للإجراءات المنصوص عليها فيه، فإذا وقعت الجريمة على البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة تكون العقوبة السجن ..».

       ونصت المادة (76) من هذا القانون على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من اخترق أو حاول اختراق سرية البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة بأية صورة من الصور، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب».

[19]   ثمة من يري مساواة حرمة المراسلات الاليكترونية كالعادية، بل هي أولى لكونها أكثر عرضة للتطفل والانتهاك من المراسلات التقليدية.

 

[20]    ورد في قانون العقوبات اليمني:

     انتهاك حرمة المراسلات: مــــــادة (255): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من فتح بغير حق خطاباً مرسلاً إلى الغير، أو احتجز رسالة برقية أو هاتفية، ويعاقب بالعقوبة ذاتها من اختلس أو أتلف إحدى هذه المراسلات، أو أفضى بمحتوياتها إلى الغير ولو كانت الرسالة قد أرسلت مفتوحة، أو فتحت خطأ أو مصادفة، ويقضي بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة إذا ارتكب الجريمة موظف عام إخلالاً بواجبات وظيفته.

     الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة: مــــــادة (256): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه:

     أ- استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق الهاتف.

     ب- التقط، أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص. 

     فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما قد يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.

     التهديد بإذاعة الأسرار الخاصة: مــــــادة (257): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة، أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.

     إفشاء أسرار المهنة: مــــــادة (258): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه مستودع سر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو لمنفعة شخص آخر ما لم يأذن صاحب الشأن في السر بإفشائه أو استعماله، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات إذا كان الجاني موظفاً عاماً استودع السر أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته.

[21]   وقد احتوى القانون رقم (13) لسنة 2012م بشـأن حق الحصول على المعلومات على (66) مادة موزعة على ستة أبواب، ابتداءً بتعريف المعلومة، نظام المعلومات، البيانات الشخصيّة.

 

[22]   أما الباب الخامس: المخالفات والجزاءات؛ فنصت المادة (60) على أن: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر أو بغرامة مالية لا تقل عن  مائة وخمسين ألف ريال كل موظف خالف وبشكل متعمد أحكام المواد (51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55) من هذا القانون .

     وبالنظر إلى تجارب الدول العربية فإن الإمارات تعد أول دولة عربية تصدر قانوناً مختصاً في مكافحة جرائم المعلومات ؛ حيث صدر هذا القانون الاتحادي رقم (2) لعام 2006م في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

     كما أقرت السعودية نظامي التعاملات الاليكترونية ومكافحة الجرائم المعلوماتية بقرار مجلس الوزراء رقم (80) وتاريخ 7/3/1428هـ، والذي يهدف إلى ضبط التعاملات والتوقيعات الاليكترونية، وتنظيمها، وتوفير إطار نظامي لها في نظام التعاملات الاليكترونية.

     ونص نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المادة ( 6 ) على أن: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يقوم بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه، عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. 

     ويعد قانون الجزاء العماني أول قانون عربي تطرق إلى مواجهة الجرائم المعلوماتية من خلال التعديل الذي تم على قانون الجزاء العماني الصادر عام 1974م بموجب المرسوم السلطاني رقم 72/2001م ، ومن ضمن هذه التعديلات إضافة الفصل الثاني مكرر على الباب السابع تحت عنوان جرائم الحاسب الآلي.

[23]    أسس الإنتربول، الذي هو أكبر منظمة شرطية في العالم، عام 1923م، ومهمته تتمثل في تقديم المساعدة إلى أجهزة إنفاذ القانون في بلدانه الأعضاء ال 192 لمكافحة جميع أشكال الإجرام عبر الوطني , وللإنتربول بنى تحتية متطورة للإسناد الفني والميداني, تمكين قوى الشرطة في سائر أنحاء العالم من مواجهة التحديات الإجرامية المتنامية في القرن الحادي والعشرين. 

     وتقع الأمانة العامة للإنتربول في ليون بفرنسا، وهي تعمل على مدار الساعة وطوال أيام السنة ,للإنتربول ستة مكاتب إقليمية في مختلف أرجاء العالم، ومكتب لتمثيله في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. ولكل بلد عضو في الإنتربول مكتب مركزي وطني يعمل فيه موظفو شرطة وطنيون مؤهلون أفضل تأهيل.

     وتركز المنظمة اهتمامها على ستة مجالات إجرامية أعطتها الأولوية هي: الفساد؛ المخدرات والإجرام المنظم؛ الإجرام المالي والمرتبط بالتكنولوجيا المتقدمة؛ المجرمون الفارون؛ تهديد السلامة العامة والإرهاب؛ والاتجار في البشر..

[24]   هذا يؤكد أن هذه المنظمة ليست سلطة دولية عليا فوق الدول الأعضاء فالتعاون الشرطي في إطار هذه المنظمة يحكمه مبدأ احترام السيادة الوطنية للدول الأعضاء.

 

[25]   ومن الأمثلة على دور الإنتربول في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بالإنترنت: ما حصل في لبنان عندما تم توقيف أحد الطلبة الجامعيين من قبل القضاء اللبناني بتهمة إرسال صور إباحية لقاصرة دون العشرة أعوام من موقعه على شبكة الإنترنت. وذلك إثر تلقي النيابة اللبنانية برقية من الإنتربول في ألمانيا بهذا الخصوص.

     ونفس الواقعة  تماما حدثت لفتاة سويسرية تم التغرير بها من  قبل شاب مغربي راشد كان يبعث لها عبر الشبكة العنكبوتية صوراً خليعة , وتمت متابعته من قِبل والد الضحية, بواسطة الإنتربول الذي أرسل إنابة قضائية من أجل إلقاء القبض على هذا الشاب الذي يقطن بمدينة تازة, وبعد البحث والتحري تم إلقاء القبض عليه, وحقق معه من طرف قاضي التحقيق بمحكمة استئناف تازة,

[26]   هذا المكتب هو أحد المكاتب الخمسة التابع للأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ومقره دمشق بالجمهورية العربية السورية.

     ولكن لا مندوحة عن القول أن كل نشاطات التعاون الأمني بين الدول العربية خلال العقود الماضية قد تكرس لطابع غير الظاهر منه وهو حقيقة انه كان لحماية الأنظمة نفسها من أي صوت معارض، وهو ما رفضته جماهير الشعوب العربية معبرة عن ذلك بانتفاضات وثورات عارمة.

[27]   المادة ( 5 ) من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي 1983م.

 

[28]   صدرت هذه الاتفاقية في 14/12/1990م في الجلسة العامة (68) للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقضي باتفاق أطرافها على أن يقدم كل منهم للآخر أكبر قدر ممكن من المساعدة المتبادلة في التحقيقات، أو إجراءات المحاكمة المتعلقة بجرائم يكون العقاب عليها وقت طلب المساعدة داخلاً في اختصاص السلطة القضائية في الدولة الطالبة للمساعدة.

 

[29]   صدرت هذه المعاهدة واعتمدت عام 1999م من قبل مؤتمر وزراء خارجية دول المنظمة في اجتماعهم المنعقد في أو غادوغو في الفترة من 28/6 إلى 1/7 / 1999م.

 

[30]   صدرت هذه الاتفاقية في الرياض بتاريخ  6/4/1993م.

 

[31]   اعتمد هذا النموذج من المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته الرابعة والتي انعقدت بدولة الكويت في الفترة  من 21-22/12/2013م.

 

[32]   والتي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 118/45 بتاريخ 14/12/1990م.

 

[33]   انظر مثلا المادة (2) من معاهدة الأمم المتحدة النموذجية بشان نقل الإجراءات في المساءل الجنائية 1990م، والمادة ( 16 ) من النموذج الإرشادي لاتفاقية التعاون القانوني والقضائي والقانوني الصادر عن مجلس التعاون الخليجي 2003م.

 

[34]   قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة – وثيقة _A/RES/SS/25 بتاريخ 8/1/2000م.

 

[35]   أغلب الدول لديها قوانين تسليم المجرمين منها على سبيل المثال لا الحصر: القانون الفرنسي لعام 1972م، والقانون الإنجليزي 1989م، والقانون السويسري 1983م.

 

[36]   وهذه المعايير الثلاثة هي مكان القبض على المتهم، ومكان وقوع الجريمة، أو محل إقامة المتهم.