تأهيل مخرجات معهد القضاء للعمل القضائي

الدكتور/ خالد عبد الله الجمرة

3/18/2024

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

تأهيل مخرجات معهد القضاء للعمل القضائي
(قراءة للمقاربة بين التدريب والتجريب)
             

الدكتور/ خالد عبد الله الجمرة
رئيس دائرة التدريب والتأهيل- مكتب النائب العام


عرض
أعرض هذه المقاربة كقراءة تقريبية حاوَلَت أن تستقصي، ما وسعها الاستقصاء كل رأي وجدته أمامها من ضمن مناسبة إعدادها. وأما المراجع التي أطّرت هذه المقاربة فكانت موزعة بين القوانين النافذة وبالخصوص قانون المعهد القضائي النافذ وتعديلاته، وقانون السلطة القضائية وتعديلاته، وقرار فضيلة الأخ رئيس هيئة التفتيش القضائي بشأن تشكيل لجنة تطوير برامج تدريب القضاة المعينين حديثًا ومرفقاته من أوراق، وهي المناسبة التي تليت أمامها هذه القراءة، ولا بد في الافتتاح من الإفصاح عن حقيقة مُرة طالما سُكت عنها بقصد أو بدون قصد! وهي أنه لا يُعرف كيف استقر الحال على منح مخرجات معهد القضاء الأعلى الولاية القضائية وتوزيع عناصرها للعمل القضائي في المحاكم لتقضي بين الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، دون أن يسبق ذلك تمييز الجيد من الرديء، منها، والصالح من غير الصالح.  فما تفتقر إليه المنظومة القضائية في هذه الجزئية ليست آلية فعالة لتدريب مخرجات المعهد مدخلات الهيئات القضائية فحسب وفق ما تسعى إليه هيئة التفتيش القضائي مشكورة، بل تفتقر في كنه الحقيقة وقلبها إلى آلية لتقييم هذه المخرجات وتحديد صلاحيتها قبل توزيعها لتولي القضاء والحكم بالعدل!! ووفق هذا التناول ينبغي قبل كل شيء التساؤل حول هل هناك لوائح، أو أنظمة، أو تعليمات تنظّم قواعد التدريب داخل السلطة القضائية بهيئاتها وأجهزتها المختلفة؟ وهل تشكيل اللجنة وفقًا لغرضها المحدد بقرار تشكيلها، جاء لأجل سد ثغرة قانونية؟ أم لتنسيق علاقة مؤسسية؟ أم جاء كمحاولة لسد فجوة عملية أكدها الواقع وأثبتتها الأيام!؟، إن هذه الجزئية مع ضآلتها الشكلية بالمقارنة مع  أحجام وكلفة أفكار أخرى لتطوير وتحديث السلطة القضائية، ومراجعة منظومة الاختيار التي تقف عليها عملية اختيار القاضي، تبقى الخطوة الأولى الحقيقية الصحيحة للتفكير في طريقة انتقاء القضاة من مجموع مخرجات علمية ليست كلها تصلح لأن تجلس على منصة الحكم؛ وتصحيح وضع للأسف تراكم إلى أن تحول  لواقع  سلبي  لا يُلتفت له مع أنه يمثل في طبيعته سببًا لمشاكل أفشلت مشاريع عديدة الأغراض والمصادر لتطوير وتحديث وإصلاح  السلطة القضائية إدارة وحكم.!!!


تحليل عام 
بمراجعة قانون المعهد النافذ سيتبين أن التعليمات المتعلقة بنظام التدريب ومواده وإجراءاته وكيفية تقييم الطلاب المتدربين، عهد المشرّع بترتيبها إلى اللائحة التنفيذية لقانون المعهد النافذ؛ إلا أن اللائحة لم تصدر! مما يعني أن هذه التعليمات هي كذلك لم تخرج حتى الآن بالشكل القانوني المصرّح به! وإن صدرت بها تعليمات!  أو سارت عليها عادة فإنها تبقى مجرد موجهات اقتضتها لوازم تنظيمية! وهذا وضع يسحب معه سؤالاً آخر، حول كيف تتم عمليات التدريب حاليًا داخل المعهد؟ وعلى أي أساس مرجعي صدرت تعليمات تنظيمها وأحكامها، وما يترتب عليها من نتائج؟
من المعلوم أن معهد القضاء مؤسسة تعليمية معني بمجالات التدريب والتأهيل داخل السلطة القضائية، إذ ينصب دور المعهد العالي للقضاء في تأهيل الملتحقين ببرامجه العلمية للعمل القضائي من خلال مساقات علمية، يلتحق بها من انطبقت عليهم ما يفترض أنها معايير للقبول محددة وفق القانون، وهم في كل الأحوال على فئتين:
•    الفئة الأولى (للتأهيل) وهم الذين يشترط القانون أن يلتحقوا بالعمل القضائي بناءً على إجازة في مساقات علمية أكاديمية تكوينية من المعهد.
•    الفئة الثانية (للتدريب) وهم من يعمل المعهد على تدريبهم من منتسبي السلطة القضائية ليكتسبوا مهارات علمية نظرية وفق برامج تدريبية مستمرة.
ما يعنينا في هذه القراءة هي الفئة الأولى؛ التي يشترط القانون أن يقوم المعهد بتأهيلهم للعمل القضائي، وهم على قسمين الأول: من يخضعون للتأهيل للعمل كقضاة في المحاكم، والثاني: من يخضعون للتأهيل للعمل كأعضاء نيابة في النيابات، وسير عملية التأهيل تتم عبر الالتحاق بمساقات علمية تخصصية بالمعهد العالي للقضاء وفق شروط قانونية تنافسية محددة، بحيث تكون مخرجاتها مدخلات للعمل القضائي في المحاكم والنيابات؛ ومن الطبيعي أن تتم هذه العملية وفق ما سبق ضمن مساقات علمية، يسير في تنفيذها معهد القضاء كمعهد تكويني وأكاديمي وفق سياسة، عهد القانون في رسمها إلى مجلس المعهد ويوافق عليها مجلس القضاء، ومن هنا لا يتصور وفقًا للأطر الأكاديمية أن يكون للمعهد في تنفيذ هذه المساقات شريك بما فيها مساق «التدريب» الميداني، إلا أنه لا يتصور كذلك أن تتم عمليات التدريب خارج المؤسسة الأكاديمية، وفي مؤسسات أخرى، دون أن تقوم المؤسسة الأكاديمية بأعمال التنسيق الإداري والعلمي مع المؤسسات التي يجري فيها التدريب الميداني، ومن ثم فإن اعتبار هذه المؤسسات جزءا من العملية التعليمية لهذا المساق باعتبارها متعاونة في التنفيذ، هو واقع تفرضه احتياجات علمية ومتطلبات إدارية لضمان اكتمال عملية تنفيذ المساق التدريبي.
فالمعهد كمؤسسة أكاديمية معني وحده بتنفيذ مساقاته التدريبية وعليه تقع مسؤولية ذلك، لكن ولأنه يختلف عن المؤسسات الأكاديمية المحضة نتيجة لطبيعته المزدوجة -التكوينية والأكاديمية-، فإن الهيئات القضائية كمؤسسات مسؤولة قانونًا عن استيعاب مخرجات مساقاته العلمية، لا يمكن أن تقوم فقط بدور المتفرج أثناء تنفيذ مساق التدريب، ثم ولأن معهد القضاء ليس هيئة قضائية فإنه يفتقد بالتأكيد للبيئة المناسبة للتدريب الميداني التقييمي؛ لهذا فالهيئات الحاضنة  لمخرجات المعهد  عند هذه المرحلة سيكون دورها في هذا أوسع من مجرد التنسيق الإداري!، حيث سيرتقي لمستوى المتعاون المسؤول، الذي سيفرض دوره كمشارك  أساس عند صياغة خطط تنفيذ المساق التدريبي مع عدم إغفال التوزيع المنطقي والعادل للمسؤوليات الناتجة عن ذلك !!، وعلى هذا فإن هذا التعاون المشترك تفرضه الأسباب الآتية:
1-    هيئات الحكم القضائية هي كمؤسسات من ستحتضن مخرجات مساقات التدريب للمؤسسة التعليمية أو التكوينية، فمدخلاتها القضائية هي مخرجات المعهد الأكاديمية التكوينية، لهذا لها أن تبحث مع معهد القضاء في ترتيب تنفيذ مساقاته التدريبية وفق صلاحيات ومسؤوليات متناسبة مع حجم الأدوار التي يقوم بها كل طرف.
2-    والهيئات القضائية وهي تحتضن هذه المخرجات، فهي تقوم بذلك وفق إلزام قانوني، لهذا فهي معنية بإعداد قواعد تضمن لها تناسب المخرجات العلمية مع معاييرها العملية حتى لا تصدم بمدخلات تتعارض مع احتياجاتها كمًا ونوعًا.
وإذا كان هذا المنطق يمثل رؤية هيئة التفتيش القضائي وفق ما يظهر في مرجعيات مناسبة هذه القراءة!!، فكأنها بهذا تريد أن تمنع المعهد ابتداءً من إرسال مخرجاته غير الصالحة وفق نظرها للعمل القضائي قبل أن يعرضها المعهد عليها كمدخلات مُلزِمة وفق القانون!، وهذا يتعارض مع حقيقة أن تقييم المعهد لمخرجاته وإجازته لها هو تقييم وشهادة  لهذه المخرجات باستيعابها العلمي النظري للعلوم القضائية في أحسن الأحوال، وليس تقييماً وشهادة لصلاحية المخرجات للعمل القضائي، ولو قيل غير هذا فهو قول فيه تجن وظلم على المنطق والواقع لسببين الأول: طبيعة المعهد الأكاديمية والتكوينية والتي يجب أن لا تمتد مسؤوليته لأبعد من ذلك، والثانية: إن قياس الصلاحية القضائية لمخرجاته لا يتم حقيقة إلا من الواقع العملي، عبر مجموعة عمليات، وشروط، ومعايير موضوعية بالغة التعقيد، وطويلة الأمد. ومن الطبيعي أن هذا من منطقيات سياسات معهد القضاء بواقعه اليوم، ولأن مجلس القضاء من يعتمد هذه السياسات وفقًا للقانون، فإن هذا من الناحية النظرية ضمان كاف لأن تكون مخرجات المعهد متوافقة مع معايير الاحتياج الموضوعي والكمي حتى تكون صالحة كمدخلات، لكن كيف سيتم قياس هذا التوافق والتحقق منه ومن سيقوم بذلك!؟ خاصة أن كثيراً من المخرجات السابقة وفق تقييمات أعمال التفتيش القضائي لا يتوافق مستوى أدائها مع معايير وجودة العدالة المرجوة عند هيئة التفتيش القضائي!! ولأن معهد القضاء وفق ما سبق مسؤول عن مخرجاته بما فيها برامج التدريب أثناء الدراسة، حتى منحها الإجازة وتحولها لمدخلات قضائية فهذا يعني عمليًا إعفاء هيئة التفتيش القضائي (كمنظومة) من عملية صنع القاضي، ومن ثم إعفاؤها من مسؤوليات قياس أداء المخرجات ابتداءً، وهذا يطرح  أكثر من سؤال لإجاباتها وجاهة كبيرة في تحديد مخرج للإشكالية التي نبحث فيها!!، هل أداء مخرجات المعهد في الهيئات القضائية هو مقياس حقيقي لنجاح أو فشل تنفيذ معهد القضاء لمساقاته التعليمية والتكوينية بما فيها التدريب!؟ ثم هل هيئة التفتيش القضائي مع فرضية تعاونها مستقبلًا مع معهد القضاء في تنفيذ مساقاته التدريبية ستقبل بتحمل مسؤولية ضمان توافق مستوى المخرجات مع معاييرها!؟ وكيف سيتم قياس هذا التطابق أو التوافق والتحقق منه!؟ ومع افتراض أن هيئة التفتيش القضائي ستتحمل مسؤولية التقييم! فلنفترض أن التوافق بين أداء مخرجات المعهد، ومعايير العدالة عند التفتيش القضائي لم تتم وفق ما ستظهره تقارير معتمدة! فما هي حدود مسؤولية هيئة التفتيش القضائي هنا مع افتراض التعاون المُسبق بينها وبين معهد القضاء في تنفيذ مساقاته التدريبية!؟ أم بعد ذلك سيكون موضوع تقييم أداء هيئة التفتيش ضمن المواضيع الحرجة للسلطة القضائية!!!؟
حتى نصل للنتيجة المرجوة لا بد من وضع النقاط على الحروف!، فالعملية التعليمية للمرشحين للقضاء بجميع مساقاتها النظرية والعملية تبدأ من المعهد، ويجب أن تنتهي عنده؛ وعليه تحمل مسؤولية كفاءة مخرجاته وحيدًا، لأنها تمّت استنادًا إلى القانون، ووفق قواعده، وبموجب إدارته التعليمية المستقلة لتنفيذ مساقاته العلمية؛ لكن مع تحديد دقيق لهذه المسؤولية سيبقى المعهد مسؤولًا فقط عن نتيجة تأهيل مخرجاته، لا عن صلاحية المدخلات للعمل القضائي! وبالتمعن في النظر فإن هذه الجزئية تمثل مسارا قصيرا في منظومة مهام طويلة ومتداخلة! لهذا فتقييم التفتيش القضائي لمستوى الأداء القضائي لمخرجات المعهد يجب أن يكون شاملًا ومحاطا بقياسات عادلة، بحيث توزع درجات المسؤولية بين عديد من العوامل وليس على عامل واحد فقط؛ فبيئة العمل القضائي، وطبيعة التقاليد التي تحكمها، وقدرات هذه المخرجات المكتسبة من عمليتي التأهيل والتكوين المنفذة من المعهد، وما قبله من تأثير لمستويات التعليم المتعاقبة، مع عدم إغفال كذلك مسؤولية عملية اختيار المدخلات ابتداء.! كلها عوامل تدخل في تقييم أداء مخرجات معهد القضاء التي هي مدخلات هيئات الحكم القضائي؛ وحتى تكتمل أبعاد الصورة كاملة واستمرارًا لسلسلة الافتراضات التي تحكم هذه المقاربة، ومع افتراض أن لهيئة التفتيش القضائي باعتبارها المسؤولة عن تسيير عمليات إدارة مدخلات العمل القضائي حق مشاركة المعهد في أعمال التنسيق أثناء تنفيذ المعهد لمساقه التدريبي باعتبارها وفق ما سبق بيئة التدريب وحاضنة المخرجات، فإن المعهد وفقًا لهذا سيفتقد للصلاحيات المطلقة في عمليات التدريب لما تتم بالمحاكم والنيابات!!!، إذ يجب أن تسبق هذه العملية مجموعة تفاهمات إدارية وفنية بين المعهد وبين هيئة التفتيش القضائي، لتحقيق مصلحة الجميع من تنفيذ هذه المهام، ولا حاجة للتأكيد أن هذا التعاون لا يعني أبدًا أن هيئة التفتيش ستتدخل في العملية التعليمية للمعهد، إنما سيتوقف دورها عند معاونة معهد القضاء بتصميم برامج التدريب وتقييمها وفق معايير الاحتياجات العملية لا النظرية العلمية الذي يُعنى بها المعهد فقط، وهيئة التفتيش بهذا من حيث تدري أو لا تدري تدفع بنفسها كضامن لنجاح المساق التدريبي! أو في أحسن الأحوال كشاهد «تلقائي» سيشهد أمام مجلس القضاء بصلاحية هذه المخرجات كمدخلات للعمل القضائي، لا سيما أن المعهد لا يمتلك الصلاحيات القانونية والموضوعية الكافية حتى يكون صالحًا ليشهد أن مخرجاته صالحة للعمل القضائي!؟ وإلا ما جدوى هذا التعاون المُبكّر في تنفيذ المساق التدريبي إذا لم تقم بهذه الوظيفة هيئة التفتيش!!؟ لكن هل فعلًا مشاركة المعهد أو معاونته في تنفيذ مساقه التدريبي وفق الاعتبارات الأكاديمية والتكوينية التي يلتزم بها المعهد كمؤسسة تعليمية، كافٍ لتمكين هيئة التفتيش من معرفة حقيقة مستوى المخرجات حتى تتمكن من تقييم صلاحيتها كمدخلات!!؟ إذ من المعلوم والمفروغ منه أن الشراكة في تنفيذ مساق التدريب سيعني شراكة في النتيجة والمسؤولية. فنجاح التدريب هو إلزام للشريك بنتيجته وما يترتب عنها من التزامات أمام القانون، وأمام المجلس، وأمام الله سبحانه قبل كل شيء؛ ومع افتراض أن هذا التعاون لم يحدث! فهل لهيئة التفتيش حق رفض مخرجات المعهد كمدخلات للعمل القضائي إذا ما خلت تقاريرها (مقترحات التوزيع) من التأكيد على صلاحية هذه المخرجات كمدخلات!؟ ثم كيف ستقوم هيئة التفتيش بدورها، وتقدّم تقاريرها إلى مجلس القضاء بصلاحية المخرجات ومن ثم توزيعهم، وهي لم تقم أساسًا بتقييم صلاحيتهم لتقلد الولاية القضائية؟ وهو دور بعد هذا إن تم سيكون غير مفهوم وفق قواعد المنطق والأمانة والموضوعية وأحكام الشرع، وسيُشكك في نزاهة هيئة التفتيش وسلامة معاييرها!!؟ وهذه طامة كبرى كفيلة بنسف حقيقة دقة معايير وضمانات عناصر العدالة عند السلطة القضائية! وهل لو قيّمت هيئة التفتيش أن مستوى مخرجات معهد القضاء التي هي مدخلات العمل القضائي يتعارض مع معايير العدالة! أو اعترفت أنها لا تمتلك معلومات كافية لتقييم صلاحية هذه المخرجات!، هل تستطيع بعد ذلك أن تمتنع عن تقديم اقتراحات لمجلس القضاء بالتعيين والتوزيع!؟
بمراجعة للقانون لا يمكن القول إلا إن نتائج مخرجات المعهد العلمية بمختلف مساقاته بما فيها مساقا التدريب ملزمة لمجلس القضاء من حيث استيعابها «كقوى عمل» ضمن استحقاق قانوني وظيفي، مع أنها وفق ما سلف يفترض أن هذه النتائج لا تزيد من حيث طبيعتها عن كونها مؤشرات فقط تحتاج لمعايير موضوعية أخرى لتسندها حتى تكون كافية لمباشرة هيئة التفتيش مهمة الدراسة والاقتراح بالتعيين والتوزيع؛ لكن بالنظر لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ولمعايير العدالة المتعارف عليها لا يمكن لهيئة التفتيش القضائي أن تستقبل مخرجات المعهد التي لم تجربها وتشهد لها زوراً بالصلاحية!، على اعتبار أن مقترح التوزيع المرفوع منها هو شهادة قائمة بصلاحية هذه المخرجات لتحمل الولاية القضائية، ومن ثم صلاحيتها للعمل القضائي وهذا لا جدال فيه! لكن الإشكالية في كيف تستطيع هيئة التفتيش أن تحدد صلاحية هذه المخرجات من عدمها قبل توزيعها للعمل القضائي وهي لم تقم بأي عملية تقييم عملي فعلي لها بالمطلق!؟ كما أن فترة تنفيذ المعهد لمساقه التدريبي غير كافية، وغير صالحة للقيام بعملية التقييم، حتى لو شاركت في تنفيذها!؟ وهذا يعني أنه ليس أمام هيئة التفتيش القضائي إلا حل واحد هو أن تتولى قياس أداء هذه المخرجات عبر برامج تجريب عملية ميدانية حقيقية تتبناها وتصممها وتنفذها وفق معايير احتياجاتها الموضوعية والكمية، وعلى ضوئها ترفع لمجلس القضاء تقييمها للمخرجات، وتحدد صلاحها للعمل القضائي، ومن ثم توزيعها أو عدم توزيعها، مع افتراض أن هذا البرنامج امتداد مكمل وطبيعي لتعاونها مع معهد القضاء في مرحلة تنفيذ مساقاته التدريبية؛ فإذا لم يقيّم القاضي ويمحّص، ويختبر، ويجرَّب قبل توليته القضاء، وتوزيعه للحكم بين الناس في دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم فمتى يتم ذلك!؟
لهذا نخلص مما سبق، أن ما يفتقر إليه القضاة بعد تخرجهم من معهد القضاء، وتعيينهم بقوة القانون كقضاة حكم يباشرون مهامهم بالقضاء بين الناس، هو برنامج تجريبي تخضع فيه مخرجات المعهد لبرنامج عملي واقعي، تقيس به هيئة التفتيش القضائي مستوى صلاحهم لتقلّد الولاية القضائية، ويقصد بالصلاحية هنا ليس الصلاح المعرفي فهذا ضمنه المعهد وفق قانونه، بل وكذلك الصلاح العملي والسلوكي وهما الأكثر صعوبة من حيث القياس، فهذا يفحصه ويمحصه البرنامج التجريبي الذي تنفذه هيئة التفتيش القضائي وتخضع به مخرجات معهد القضاء للقياس الدقيق بواسطة قضاة خِبرة، مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، والعدل، تقع عليهم مسؤولية التقييم الذي ترتب هيئة التفتيش القضائي أسسه وقواعده، وفق برنامج مزمن ومحدد الإجراءات يمكّنها من تقييم هذه المخرجات، والعرض بعد ذلك إلى مجلس القضاء بتوزيع الصالح منها لتولي القضاء مستنده في ذلك لإجازات عالقة في الذمة من هيئات حكم أشرفت على أعمالهم خلال فترة تنفيذ البرنامج، وهذا البرنامج لن يكون مقطوع النسب فهو امتداد للمساق التدريبي الذي تعاونت في تنفيذه مع معهد القضاء أثناء قترة التحصيل والتكوّن، والذي من خلاله تمكنت من جمع معلومات كافية ساعدها بتصميم البرنامج التجريبي وتنفيذه، لا سيما فيما يتعلق ببيانات عناصر المخرجات من الناحية العلمية والمعرفية والشخصية، وإن كانت محدودة أو غير كافية إلا أنها يمكن أن تساعد في ترتيب بعض الإجراءات التمهيدية لتنفيذ البرنامج التجريبي لهؤلاء الذين سيكونون أمام الواقع وبينه، وسيعيشون ظروف العمل القضائي الحقيقي بإرهاقه، وهمومه، ومشاكله، وإغراءاته، وحمله الثقيل، وخصوصياته، ومجموع عناصر مسؤولياته، وحتى يتضح أكثر هذا الرأي مرفقا بهذا مقترح لبرنامج تجريبي، يمكن أن يكون نواة لبرنامج أدق وأفضل وأطول زمنًا، تعدّه  مستقبلًا هيئة التفتيش القضائي، والتوفيق من الله سبحانه.                       
- مقترح بآلية مرحلة -البرنامج التجريبي-
مما سبق وتأسيسًا على المرجعيات القانونية المحددة لأدوار ومسؤوليات معهد القضاء والهيئات القضائية، وبالخصوص قانون السلطة القضائية وتعديلاته، وقانون معهد القضاء النافذ وتعديلاته، ليس أمام الهيئات القضائية الحاضنة لمخرجات المعهد لتتمكن من التمييز بين جيدها ورديئها إلا أن تنفذ برنامجا تجريبيا قضائيا عمليا فاحصا يمكن اقتراحه في تفصيل الآتي:
•    إن تعاون التفتيش القضائي مع معهد القضاء في تنفيذ مساقه التدريبي هو لضمان نجاح التدريب العملي لتأهيل مخرجات المعهد؛ ويتم هذا عبر التفاهم المبدئي بين المعهد كمؤسسة أكاديمية تكوينية معنية بتنفيذ مساقها التدريبي وبين الهيئة القضائية المعنية باحتضان تنفيذ برنامج المساق، سواء كانت هيئة التفتيش القضائي أو هيئة النيابة العامة بحسب الأحوال. 
•    تعمل هيئة التفتيش على إعداد برنامج تجريبي لتهيئة وإعداد مخرجات المعهد للعمل القضائي، عبر آلية عملية تستهدف سد الفجوة التي وقفت عليها في أداء المخرجات أثناء تعاونها مع معهد القضاء لتنفيذ المساق التدريبي، وترفع بنتائج ذلك لمجلس القضاء، مع مراعاة مسألة أن منح الدرجة القضائية لمخرجات المعهد وفق إجازته الأكاديمية والتكوينية محل تقدير لمجلس القضاء بعد توصيات من هيئة التفتيش، مع اعتبار الإلزام القانوني حتى يزال بمراجعة تشريعية عاجلة.
•    ما جاء في النقطة السابقة ينبغي أن يتم بمفصل عن غاية مستقلة بذاتها تتمثل في منح الولاية القضائية التي تعني صلاحية هذه المخرجات للعمل القضائي؛ فشهادة المعهد وفقًا للقانون هي شهادة باستكمال دراسة مساقاته العلمية وفقًا لوظيفته العلمية، وتصريح بحلول الاستحقاق القانوني لمخرجاته للدرجة القضائية كاستحقاق معاشي وفقًا (لوظيفته التكوينية)، وليست شهادة بصلاحية هذه المخرجات لتقلّد الولاية القضائية التي تحتاج لها برنامج اختبار بطبيعة قضائية محضة وشهادة من قضاة مختبرين يمتلكون التجربة والنزاهة والقدرة والتمكّن!! 
•    إن برنامج الاختبار التجريبي الذي ستنفذه هيئة التفتيش مختلف، عن مساقات التدريب الأكاديمية من كل النواحي، حيث تتركز فكرته في توزيع مخرجات المعهد ابتداء خلال مدة تدريب عملي حقيقية في أمانة سر محاكم الاستئناف، كون محاكم الاستئناف محاكم موضوعية وتتضمن أحكامها نقدا لأحكام قضاة أول درجة، وكذلك لإجراءات التحقيق والتصرف بالقضايا الجنائية (قرارات لا وجه)، إضافة إلى أن قضاة الاستئناف من القضاة الذين خبروا التجارب المتعددة واطّلعوا على أحكام قضاة أول درجة ويعملون على نقدها بالتأييد أو الإلغاء أو التعديل، ووفق إجازة من هيئة الاستئناف بعد انتهاء فترة التجريب بأمانة السر يتم توزيع المخرجات للعمل القضائي في الهيئات القضائية بالمديريات النائية ذات القضايا المحدودة ضمن نطاق هيئات الاستئناف المشرفة على التدريب، وهذا سيمكنها من الاهتمام بجودة ونوعية مخرجاتها القضائية على حساب الكم؛ واستنادًا لنتائج تقييم مخرجاتها القضائية تتم إعادة توزيع مخرجات المعهد ضمن هيئات قضائية أكبر أو أقل وهكذا، وعلى هذا فإن مراحل البرنامج التجريبي ستكون كالآتي: 
أولاً: تقوم هيئة التفتيش القضائي بتحديد الهيئات القضائية الاستئنافية المختارة لتنفيذ البرنامج التجريبي للمدخلات، عبر تحديد محاكم الاستئناف المناسبة والملائمة لتنفيذ برنامجها التجريبي وبعد موافقة أعضاء هذه الهيئات، على اعتبار أن التدريب عمل شاق ومرهق ويحتاج لصبر، وتفرّغ، وبذل، والكثير لا يصبرون عليه لدوام ملازمة المتدرب كظله، بمراقبة سلوكه، وسؤال الناس عن نزاهته، وحيدته، وعدله. ثم فحص عمله بأناة ودقة، وتسجيل انطباعه عن ذلك، ونقله بتفاصيله، ويزيد عليها برأيه، وهذا جهد كبير، ومرهق، وفيه مسؤولية، وأمانة، ويحتاج الكثير اليوم من القضاة للتدرب على تنفيذ مثل هذه المهام، وتحضيرهم لإنجازها.
ثانيًا: تعمل الهيئة على توزيع مخرجات المعهد على أمانة سر مختلف شعب محاكم الاستئناف بعموم محافظات الجمهورية، وفق اختيارات محددة بناء على ما حصلت عليه من بيانات ومعلومات في مرحلة تعاونها مع معهد العالي للقضاء، وعلى هذا فإن هيئة التفتيش في مرحلة تنفيذ المساق التدريبي للمعهد ستركز على جزئيات تساعدها على تنفيذ مختلف مراحل برنامجها التجريبي منها اختيار الهيئات القضائية المناسبة (أشخاصا- ونوعية) لتكون البيئة الحاضنة لبرنامجها، وتحديد التخصصات القضائية التي ستستقبل هذه المدخلات، لهذا ستنشئ هيئة التفتيش آليات معينة تستطيع من خلالها إعداد قاعدة بيانات تفصيلية للبرنامج التجريبي ستجمع فيها معلومات وبيانات شخصية وفنية أثناء تعاونها مع المعهد في تنفيذ مساقه التدريبي تمكنها من تنفيذ البرنامج.
ثالثًا: إن تحديد الهيئات القضائية الاستئنافية المعنية بتنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج التجريبي ينبغي أن يتم وفق آلية تخدم عملية تنفيذ البرنامج، عبر آلية اختيار تعدّها هيئة التفتيش، ويكون الاختيار بموافقة القضاة المشرفين وهذا من أهم لوازم نجاح البرنامج.
رابعًا: توزع المدخلات للعمل في أمانة السر تحت نظر وإشراف هيئات الحكم الاستئنافية المختارة، وتعمل هيئة الحكم على توجيه هذه المدخلات وتدريبها من خلال نقد الأحكام الابتدائية الصادرة من قضاء أول درجة، مع توضيح أوجه النقد بمختلف أسبابه وتفاصيلها، سواء كانت المكتوبة بمسودات الأحكام، أو غيرها من الانطباعات التي لا تكتب، وهي تقوم بهذا تعمل على تقييم هذه المدخلات، وتحدد بدقة مستوى استيعابها، وتطورها، ونقاط قوتها وضعفها، ورغبتها في التعلم والتطور، وغيرها من الجوانب المساعدة للتقييم.
خامسًا: بعد انتهاء فترة التجريب الأولى (العمل بأمانة السر) المحددة بما  لا يقل عن سنة كاملة، ترفع هيئة الحكم الاستئنافية تقريرا لهيئة التفتيش فيه إجازة بصلاحية المدخلات للتعيين كقضاة حكم نوعي لفترة مضاعفة عن فترة التجريب الأولى وذلك في محاكم ابتدائية يقع اختصاصاها ضمن نطاق هيئة الحكم الاستئنافية المشرفة، بحيث تخضع أحكام ومقررات هذه المدخلات خلال هذه المرحلة لرقابة وإشراف ونقد هيئة الاستئناف، حيثُ تصدر بهم قرارات تعيين من مجلس القضاء في محاكم أول درجة بنظر القضايا المستعجلة، ونوعية من القضايا مختارة بدقة؛ من  ذوات  الاختصاصات المحددة إجراءاتها في القانون بدقة ولا تحتاج بطبيعتها لاجتهاد واسع وخبرة سابقة، وترفع مخرجاتهم القضائية لهيئة الحكم الاستئنافية المختصة بحيث تخضع للقواعد الإجرائية العامة للطعن بالاستئناف من هذه الهيئات، على أن تعرض نتائجها على الهيئات الاستئنافية المشرفة على البرنامج،  إن كانت هيئة الاستئناف غير الهيئة الملتزمة بالإجازة وبعد انتهاء فترة التجريب المحددة سلفًا تصدر هيئة الحكم الاستئنافية المشرفة شهادة إجازة شرعية وقانونية لهيئة التفتيش، بصلاحية أو عدم صلاحية هؤلاء للاستمرار في القضاء، والانتقال لمرحلة الولاية القضائية الاعتيادية بمختلف قضاء ومحاكم الجمهورية وفق الأحكام العامة للتعيين الواردة بقانون السلطة القضائية كقضاة حكم معتبرين.
سادسًا: تخضع الإجراءات السابقة لمراجعة هيئة التفتيش من خلال النزول الميداني، وتفتيش أعمال المدخلات، ومطابقة تقييم هيئات الاستئناف المشرفة على واقع المخرجات القضائية للخاضعين للبرنامج التجريبي، وفي حال تطابق نتائج التفتيش مع ما جاء في إجازات هيئات الإشراف على التجريب، تقوم هيئة التفتيش بعرض نتيجة تقييمها لقدرات المتدربين متضمنة اقتراح التوزيع لمن رأت صلاحيته لهذا في المكان الذي يتلاءم مع مقدرته، بينما تتم إعادة من لم يدخل ضمن التقرير في دورة جديدة من عملية التجريب، وفي إطار محكمة استئناف أخرى، وعلى ذات التدوير السابق، ولكن لمدة أقل على اعتبار أن خبرتهم لم تعد كما كانت بعيد التخرج فقد زادت بما تلقوه خلال برنامج التجريب الأول، وفي حال صدرت الإجازات بعدم الصلاحية مجددًا بأي مرحلة من المراحل تمتنع هيئة التفتيش القضائي على توزيعهم بالعمل القضائي، وتعرض على المجلس بذلك للنظر بشأنهم.
سابعًا: إن تعارضت تقارير هيئة التفتيش مع تقارير هيئات حكم الاستئناف المشرفة على البرنامج التجريبي فيرفع ذلك بتفاصيله ومؤكداته لمجلس القضاء للبت فيه بجلسات مغلقة، وتعاد التقارير لهيئة التفتيش لتنفيذ ترجيحات المجلس مهما كانت.
ثامنًا: تخضع هيئات الحكم المشرفة على البرنامج التدريبي لورشة تأهيل دقيقة بحسب ما يقره برنامج التجريب المعد من هيئة التفتيش، تشرح الهيئة من خلالها أساليب البرنامج التدريبي من إشراف، وغايات، وآليات التزمين، وإجراءات التنفيذ، ونماذج العمل وغيرها. وعلى أن تلاحظ هذه الإجراءات عمليات التنقلات القضائية والانتدابات وغيرها بما يضمن ديمومة واستمرارية العملية خلال مدتها الزمنية كاملة.
تاسعًا: تقدّر هيئة الحكم الاستئنافية المشرفة نظير جهودها في تنفيذ البرنامج بمقابل مالي مُعتبر، وتحدد الهيئة في لائحة مالية لبرنامج التجريب مقداره، وطريقة دفعه، وغيرها من تفاصيل تكاليف التنفيذ.

الخاتمة
إن هذه المقاربة اعتمدت على تأكيد الواقع باستفسارات افتراضية على اعتبار أنها موجّهة للمهتمين والمعنيين بما سبق،  لعلها تحرك المياه الراكدة وتنشط عملية التفكير أكثر في هذه التعقيدات، كما هدفت لتوضيح المتمايزات بين مصطلحات للأسف لا تجد الاهتمام بالمراجعة المنتبهة مع أنه ينبغي الوقوف عندها بترو، ومراجعتها بدقة لتحليل الوضع الراهن لهذه المعضلة، والوقوف على نقاط القوة والضعف بالمؤسسة القضائية في جزئية تأهيل مخرجات معهد القضاء وتجريبهم، ليكونوا أهلا لولاية القضاء علمًا وعملًا وسلوكًا، فالصفات الإنسانية والأخلاقية من صبرٍ وزهد،  ونزاهة، والعملية من ذكاء، وتفتق في الذهن، وفراسة،، واستنباط للمسائل، ومقارنة للفقه، وبذل الجهد في مراجعة السوابق، وتدقيق النوازل، وتطوير الذات كل هذه لا تمنح بشهائد من الجامعات، ولا المعاهد، لهذا التدريب الأكاديمي وحده غير كاف لتكوين القاضي، وبناء ملكته، وخبر جوهره، وكشف معدنه، ولا يمكن معرفة صلاح الزاهد الفاضل العالم في القضاء، ما لم يُختبر، فكيف بالمقبل المتلهف المتعجل لاعتلاء منصة الحكم!؟، وليس أدق وأجدى اختبارا إلا التجريب؛ فيُسلّط عليه إشرافاً، ومتابعة، وتجريباً، قضاةٌ، بينه وبينهم بون شاسع في كل شيء، حتى يخضع، ويتعلم، ويخشى، ويتقي، وينجح، كما ينبغي التمييز كذلك بين مخرجات المعهد، وبين المدخلات القضائية، فاختلاف المراكز له تأثير في تنفيذ برامج التدريب والتأهيل، فإن يتدرب ويختبر وهو ما زال طالب قضاء!! غير الاختبار والتجريب وهو ما بينه وبين المنصة إلا نظرة قاض قدير مجرّب، وإمضاء قاضٍ فقيه خبير، كما أن مشرّع القانون سقط في الغفلة فلم يفرق بين مخرجات المعهد، وبين مدخلات العمل القضائي فاعتبرها مركزاً واحداً، مع أنه كان يلزم التفريق بينهما لأن ما تحتاجه مخرجات المعهد علميًا لتقفز إلى منصات القضاء هو برنامج تدريبي سريع في المحاكم أو النيابات، بينما المدخلات تحتاج لبرنامج تجريبي عملي لتتمكن من مباشرة الولاية القضائية التي الأصل وكما عهدت البلاد خلال عهود قديمة أن لا تمنح لأحد من الفقهاء والعلماء!! إلا بعد فترة تراجع خلالها قدراته العلمية، ومقدرته العملية، وتفحص مبادئه، ويختبر سلوكه/ وتقاس تصرفاته، وهو مالك السلطة، والقرار، وخاتم الحكم بيده، ثم يلهث وراء تزكية من كبار القضاة، ممن عكفوا على تعليمه وتجريبه، فالكثير مما يجب أن يتسم به القاضي عملًا ومسلكًا، وسياسة، لا تكتشف خلال الدراسة، ولا تعرف حينها إلا لماما؛ أتمنى أن تكون هذه القراءة قد وفت بوعودها، وتحلل صاحبها من أمانتها، وأجدني بها قد أفرغت ذمتي من حمل أمانة إبداء النظر والشهادة في هذا الموضوع الشائك والخطير، فلا أجد ما هو أخطر من رأي في آلية تعيين اختبار وتجريب القاضي، إلا الحكم والقضاء نفسه، والله الموفق...