إشكالية الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيرًا
« دراسة تحليلية نقدية »
القاضي. الدكتور/ صالح عبد الله المرفدي
قاضي محكمة نقض - دكتوراه في القانون الجنائي - جامعة عين شمس
تمهيد:
عرفت الشريعة الإسلامية والتشريعات العقابية الوضعية، ومنها التشريع اليمني «تعدد الجرائم والعقوبات المترتبة على إثرها بمنظار واحد»، سواءً كان هذا التعدد مادياً أم معنوياً، فتعدد الجرائم يعني في الإجمال، ارتكاب الجاني لعدة جرائم قبل أن يحكم عليه في إحداها، وهذا ما يقتضي تطبيق العقوبة الأشد لإحداها؛ في حال تعدد الجرائم.
- وعلى هذا الأساس، فإن الشريعة لا تقبل فكرة الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيرًا؛ لأنها تخالف فكرة تعدد العقوبات، باعتبار عدم جواز معاقبة المجرم في حالة تعددت جرائمه، قبل أن يحكم عليه في إحداها -ولو أن ارتكابه لهذه الجرائم المتعددة، يدل على ميوله الإجرامية- فمن باب أولى، ألا نعاقب المجرم بجمع أكثر من عقوبة بسبب ارتكابه جريمة واحدة، بفعل واحد، ونتيجة إجرامية واحدة.
- ومن هذا المنطلق، كان من الأهمية دراسة موضوع الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيرًا، الأمر الذي يتطلب تقسيم هذه الدراسة إلى خمسة محاور: نستعرض في الأول النصوص القانونية اليمنية المتعلقة بالدراسة، ونتناول في المحور الثاني شرح وتحليل تلك النصوص القانونية، ونتطرق في الثالث للمذهب المؤيد لجمع العقوبتين، ونتحدث في المحور الرابع عن المذهب المؤيد للعقوبة البدلية، ونخصص الخامس لموقف الشريعة والقانون، ونختم الدراسة بوضع النتائج، مع طرح بعض المقترحات والتوصيات قدر الإمكان.
المحور الأول: النصوص القانونية:
١- عقوبة التعزير كبدل لعقوبة القصاص:
مادة (69): لا يحول سقوط القصاص أو امتناعه لغير موت الجاني، دون تعزير الجاني في الحق العام، فإذا كان السقوط أو الامتناع بعد الحكم، وجب رفع الأمر للمحكمة المختصة للحكم بالعقوبة التعزيرية طبقاً للقانون.
٢- القتل العمد:
مادة (234) وتشمل ثلاث فقرات:
أ- من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالإعدام قصاصًا، إلّا أن يعفو ولي الدم، فإن كان العفو مطلقاً، أو بشرط الدية، أو مات الجاني قبل الحكم، حكم بالدية، ولا اعتبار لرضاء المجني عليه قبل وقوع الفعل.
ب- ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم، وأن يتوافر دليله الشرعي، فإذا تخلف أحد الشرطين، أو كلاهما، وأقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم، أو إذا امتنع القصاص، أو سقط بغير العفو، يعزّر الجاني بالحبس، مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات.
ج- ويجوز أن يصل التعزير إلى الحكم بالإعدام؛ إذا كان الجاني معروفاً بالشر، أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية، أو على شخصين فأكثر، أو من شخص سبق أن ارتكب قتلاً عمداً، أو توطئة لارتكاب جريمة أخرى، أو لإخفائها، أو على امرأة حامل، أو على موظف، أو مكلف بخدمة عامة، أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته، حتى لو سقط القصاص بالعفو.
3- التعزير عند عفو ولي الدم:
مادة (235): إذا عفا ولي الدم مطلقا أو مجانا أو بشرط الدية، جاز للمحكمة تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، ويجوز أن تصل العقوبة إلى الإعدام في هذه الحالة، إذا توافر مع القتل أحد الظروف الواردة في الفقرة الثالثة من المادة السابقة.
٤- وقف تنفيذ القصاص:
مادة (493): إذا أوقف تنفيذ الحد أو القصاص لأسباب شرعية تبرز ذلك، يعاد عرض القضية على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ لتقرير العقوبات التعزيرية البديلة وفقاً لأحكام قانون العقوبات.
المحور الثاني: شرح وتحليل النص القانوني:
تناول المشرّع جريمة وعقوبة القتل العمد في المادتين (٢٣٤ و٢٣٥)، حيث قسمها إلى ثلاث فقرات:
* الفقرة الأولى:
تطرق فيها المشرع للركنين المادي والمعنوي لجريمة القتل، ثم نص على عقوبة الإعدام قصاصًا، على أن تنطبق هذه العقوبة بتحقق شرطين:
- الأول: عدم ثبوت وجود عفو من أحد أولياء الدم قبل النطق بالحكم، سواءً كان العفو مطلقًا أو بشرط الديه.
- الثاني: عدم وفاة المتهم قبل الحكم عليه، وإذا تحقق هذا الشرط، يحكم عليه بالدية، بالإضافة إلى ما نصت علية المادة (٢٣٥)، من جواز تطبيق عقوبة الحبس بما لا يقل عن خمس سنوات، مع جواز تطبيق عقوبة الإعدام تعزيرًا؛ اذا ما توافر ظرف مشدد من الظروف الثمانية المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).
* الفقرة الثانية:
بالإضافة إلى الشرطين السابقين، اشترط المشرع قبل النطق بحكم بالإعدام قصاصًا، شرطين آخرين هما:
- الشرط الأول: أن يطلب القصاص أولياء الدم، وهم ورثة المجني عليه.
- الشرط الثاني: أن يتوافر دليله الشرعي المتمثل، إما بالإقرار «الاعتراف» الصريح من المتهم، أو بشهادة شاهدي عيان شاهدا فعل القتل نفسه الذي ارتكبه الجاني بحق المجني عليه.
- ومن الملاحظ أن المشرّع ربط تطبيق العقوبة المذكورة في هذه الفقرة من المادة (٢٣٤)، وهي «التعزير بالحبس مدة تتراوح من ٣ إلى ١٠ سنوات»، بتوافر إحدى الحالات الثلاث:
- الحالة الأولى/ ألا يطلب أولياء الدم القصاص، أو أن تثبت الجريمة بغير اعتراف المتهم أو بالشاهدين. بمعنى أدق، إن ثبتت بالقرائن القاطعة.
- والحالة الثانية/ أن يمتنع القصاص لأي سبب كان!
- والحالة الثالثة/ أن يسقط القصاص بغير العفو!
وعلى هذا الأساس، في حال تخلف إحدى الحالات الثلاث المذكورة سابقًا، تكون العقوبة بالحبس، وهذا يدل دلالة واضحة، أن عقوبة الحبس التعزيرية المذكورة في هذه الفقرة، ما هي إلا عقوبة (وجوبية بديلة) عن العقوبة الأصلية، وهي الإعدام قصاصًا؛ في حال توافر إحدى الحالات الثلاث السابقة، مع التنويه، أن هذه العقوبة التعزيرية، تكون في حال ارتكاب جريمة القتل بشكل مُجرد، بمعنى أوضح، دون توافر أي ظرف من الظروف المشددة التي سيأتي ذكرها بالفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).
* الفقرة الثالثة:
وحكمها مرتبط بالفقرة الثانية وجودًا وعدمًا، وبمعنى آخر، إنه لا يجوز تطبيق حكم هذه الفقرة، إلا بتوافر إحدى الحالات الثلاث المشار إليها في الفقرة الثانية، لكن الاختلاف يكمن في أن العقوبة في هذه الفقرة وهي (الإعدام تعزيرًا)، جوازية التطبيق وليست وجوبية، بشرط أن يتوافر أحد الظروف المشددة الثمانية المذكورة في الفقرة نفسها، كالقتل بوسيلة وحشية وما تلاها من ظروف...
- وتأسيسًا على ما تقدم، وعند جمع النصين المتعلقين بجريمة القتل العمد (٢٣٤ و٢٣٥)، يتضح بما لا يدع مجالاً للشك، إن العقوبة التعزيرية في جريمة القتل العمد، ما هي إلا عقوبة بديله عن عقوبة الإعدام قصاصًا، على أن يكون تطبيقها على ثلاث حالات:
- الحالة الأولى: السقوط بالعفو:
ويمكن أن يتحقق العفو قبل الحكم أو بعد الحكم، وإلى ما قبل تنفيذ عقوبة الإعدام قصاصًا! فإذا عفا ولي الدم»، فيترتب عليه تطبيق العقوبة التعزيرية (الجوازية) المذكورة في المادة (٢٣٥).
- الحالة الثانية: السقوط بغير العفو:
ويرتبط تحققه قبل صدور الحكم، فإذا سقط القصاص بعدم طلبه من ولي الدم، أو بعدم توافر الدليل الشرعي، أو في حال امتناعه لأي سبب كان، فتطبق العقوبة التعزيرية (الوجوبية) المذكورة في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤).
- الحالة الثالثة: توافر ظرف مشدد:
ويتحقق في حال توافر أحد الظروف المشددة الثمانية، كالقتل بوسيلة وحشيه ونحو ذلك … لكن بشرط، أن تتوافر إحدى الحالات الثلاث المذكورة سابقًا في الفقرة الثانية المشار إليها سلفًا، فإذا ما تحقق ذكره، فتطبق عقوبة الإعدام تعزيرًا.
- وتكمن الإشكالية دائمًا، عندما تتوافر الشروط الشرعية للحكم بالإعدام قصاصًا، مع توافر شروط الإعدام تعزيرًا، وبعبارة أخرى، في حال توافرت شروط القصاص بالكامل، وحيث لا يوجد مسقط ولا مانع للقصاص، وفي نفس الوقت، تصادف بحق القاتل عند ارتكابه للجريمة، توافر أحد الظروف المشددة الثمانية المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، كالقتل بوسيلة وحشية… إلخ، فما هو الحل للخروج من هذه المعضلة والإشكالية؟ هل تطبق عقوبة الإعدام قصاصًا لوحدها؛ باعتبار أن القصاص حق خاص بالعبد؟ أم تطبق عقوبة الإعدام تعزيرًا لوحدها لخطورة الجريمة؛ وباعتبار تعلقها بحق الجماعة والمجتمع؟ وفي حال تم الحكم بالإعدام قصاصًا لوحده، ثم أعفى ولي الدم عن القاتل قبل التنفيذ؟ فهل تكون عقوبة الإعدام تعزيرًا بديلاً عنها؟؟ أم أنه يجوز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً؟
- واستنادًا لما سبق ذكره، وللإجابة على جميع هذه التساؤلات، ينبغي علينا دراسة هذا الإشكال بالتفصيل على مذهبين: سنتناول في الأول مذهب الجمع بين العقوبتين، وهو المطبق على أرض الواقع وعند أغلب المحاكم، ونخصص المذهب الثاني لتبديل العقوبة، وهو المذهب الأقرب للتشريع اليمني.
المحور الثالث: مذهب الجمع بين العقوبتين:
ويقوم هذا المذهب على جواز الاجتهاد، بالجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيرًا، وأساس هذا المذهب، منقول من مجلة الأحكام العدلية، التي كانت سارية كتشريع نافذًا في ظل حكم الدولة العثمانية لشمال اليمن، وظل القضاة هناك يتناقلون حكم جواز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً، حتى أصبح تقليدًا قضائيًا متوارثًا ومتعارفًا عليه، الأمر الذي أقرته المحكمة العليا للجمهورية «بصنعاء»، وأرست على أساسه قاعدة ومبدأ قضائياً استقر تطبيقه، منذ عشرات السنين وحتى اللحظة، فأجازت الاجتهاد بالجمع بين العقوبتين، ومن ذلك الحكم الصادر في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/10/2012م في الطعن رقم (43806)، وعلى هذا الأساس، وضعت شروطاً وضوابط أهمها:
١- أن يتوافر بحق المتهم أثناء ارتكابه للجريمة أحد الظروف المشددة الثمانية، والمذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).
٢- ألا يتوفر الدليل الشرعي للحكم بالقصاص، ويقتنع القاضي بالقرائن القاطعة من ارتكاب الجريمة من قبل المتهم.
٣- أن تكتمل الشروط الشرعية لطلب القصاص من أولياء الدم.
٤- ألا يعفو ولي الدم عن المتهم قبل الحكم.
٥- ألا يثبت وجود صلح بين ولي الدم والمتهم قبل الحكم.
٦- ألا يكون هناك مانع من موانع القصاص قبل الحكم.
- وبناءً على ما تقدم، يرى أصحاب هذا المذهب، إذ ما توافرت الشروط الستة المذكورة، فإنه يجوز للمحكمة أن تجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيرًا، حتى لو تحقق عفو ولي الدم عن المتهم، أو ثبت وجود صلح بين ولي الدم والمتهم بعد الحكم، فإن الأمر لا يفرق عند أصحاب هذا المذهب بسقوط الإعدام قصاصًا، وحتى لو لم يتوافر الدليل الشرعي لإثبات الجريمة، فيكفي ثبوتها بالقرائن القاطعة، فيترتب على ذلك، تطبيق عقوبة الإعدام تعزيرًا؛ تعويضًا عن سقوط الإعدام قصاصًا لأي سبب من الأسباب؛ شريطة أن يتوافر أحد الظروف المشددة المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).
- ولعله من المفيد التأكيد أنه، في حال تحقق الشروط الثلاث الأخيرة بعد الحكم والى ما قبل تنفيذه؛ فيجب تطبيق عقوبة الإعدام تعزيرًا؛ لإن الحكم صدر بالجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً. ويستثنى من ذلك، توافر الدليل الشرعي للحكم بالقصاص، فإذا ما تحقق ذلك، تحكم المحكمة بالإعدام قصاصًا، حتى لو توافر في الجريمة ظرف من الظروف المشددة للعقوبة.
- ومن نافلة القول أن عيوب هذا المذهب تكمن في الآتي:
- أولاً: أن الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيرًا لا أصل شرعي له، لا في الكتاب، ولا في السنة، ولا بإجماع الصحابة، ولا بفعل بالتابعين.. كما لم يرد حكم الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً في كتب الفقه الإسلامي، لا المتقدمة ولا المتأخرة.
- ثانيًا: أن الأصل في الحكم بالإعدام قصاصًا لوحده عند أصحاب هذا المذهب، يكون بتوافر الدليل الشرعي، حتى لو توافر بالجريمة ظرف من الظروف المشددة المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، وبالتالي يسقط الحكم بالإعدام تعزيرًا، الأمر الذي سيؤدي أحيانًا إلى إفلات الجاني من جواز تطبيق حكم الإعدام تعزيرًا عليه؛ في حال تحقق عفو ولي الدم، قبل تنفيذ حكم الإعدام قصاصًا، لاسيما إذا كانت جريمته قد ارتبطت بجرائم متعددة، كدخول منزل، ثم سرقته، ثم قتل من فيه، أو كان عائدًا على ارتكاب الجرائم، وأصبح خطرًا على المجتمع.
- ثالثاً: إن الضابط أو المعيار عند هذا المذهب، للجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً، هو توافر أحد الظروف المشددة، حتى لو لم تثبت الجريمة بالدليل الشرعي، فيكفي إثباتها بالقرينة القاطعة، وهذا مبرر غريب ومتناقض؛ لأن أصحاب هذا المذهب يهدرون الدليل الشرعي للحكم بالإعدام قصاصًا بالاجتماع مع الإعدام تعزيرًا؛ بحجة توافر الظرف المشدد بالجريمة، وفي نفس الوقت، يسقطون عقوبة الإعدام تعزيرًا، ولو توافر ظرف مشدد بالجريمة، ويكتفون على أساس ذلك، بالحكم بالإعدام قصاصًا لوحده؛ طالما وتوافر الدليل الشرعي للحكم به! والتساؤل المثار، كيف يسقطون عقوبة الإعدام تعزيرًا، بتوافر الظرف المشدد؛ ويتم الاكتفاء بحكم الإعدام قصاصًا؛ طالما وقد توافر الدليل الشرعي؟! وبالمقابل، كيف يحكمون بجمع الإعدام قصاصًا وتعزيرًا؛ بحجة توافر الظرف المشدد؛ القائم على القرائن لإثبات الجريمة، في مقابل إهمالهم للدليل الشرعي بالقصاص...؟! وعلى هذا الأساس، كيف نحل هذا التناقض الواضح والغريب؟!
المحور الرابع: مذهب تبديل العقوبة:
يتجه أنصار هذا المذهب إلى التشريع العقابي نفسه، حيث أنه بالعودة إلى شرح وتحليل نص المادتين (٢٣٤ و٢٣٥)، يتضح أن المشرع اليمني، قصد أن عقوبة التعزير عقوبة بديلة عن القصاص، ويختلف مقدار تطبيق هذه العقوبة وفق ثلاث صور:
- الصورة الأولى: السقوط بالعفو:
فقد يكون سقوط القصاص بالعفو من ولي الدم مطلقًا، أو مجاناً، أو بشرط الدية، ويدخل في حكم ذلك، الصلح بين ولي الدم والمتهم، سواءً كان هذا العفو أو الصلح قبل الحكم، أو بعده، فاذا ما توافر أحد هذين السببين، تكون العقوبة التعزيرية (بديلة وجوازية)، بالحبس الذي لا يقل عن خمس سنوات ولا يزيد على عشر سنوات؛ لأنها العقوبة الأقصى في القانون، في حال لم يحدد النص القانوني الحد الأعلى للعقوبة.
- الصورة الثانية: السقوط بغير العفو:
وقد يكون سقوط القصاص قبل الحكم بالقضية، سواءً بغير العفو، أو لأي سبب من أسباب السقوط المذكورة في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤). وحينئذٍ تكون عقوبة التعزير بالحبس (بديلة ووجوبية)، وبمدة تتراوح ما بين ثلاث إلى عشر سنوات.
- الصورة الثالثة: توافر الظرف المشدد:
ونعني بتحقق هذه الصورة قبل الحكم بالقضية، فإذا توافر أحد الظروف المشددة المذكورة في نص الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، كالقتل بوسيلة وحشية أو نحو ذلك من ظروف… وفي نفس الوقت، توافرت حالة من حالات سقوط القصاص المذكورة في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤)، وأهمها السقوط بغير العفو، فمن الطبيعي أن تكون العقوبة البديلة، هي الإعدام تعزيرًا، ولكن على سبيل (الجواز لا الوجوب)، وإذ ما رأى القاضي عدم وجوب تطبيق عقوبة الإعدام، فوجب عليه أن يعزّر الجاني، طبقًا للعقوبة الواردة في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤)، أما إذا كان السقوط بالعفو، قبل الحكم، أو بعده، فكما ذكرنا سابقًا، تطبّق العقوبة الواردة في المادة (٢٣٥).
- وبناءً على ذلك، يتفرع من الصورة الثالثة تساؤل يمكن وضعه بالشكل الآتي: (بعد الحكم)، هل يمكن أن تكون عقوبة الإعدام تعزيرًا عقوبة بديلة عن عقوبة الإعدام قصاصًا؛ في حال تحقق سقوط القصاص، أو امتناعه لأي سبب من الأسباب المذكورة في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤)؟
في حقيقة الأمر، يمكن الإجابة على هذا التساؤل، بالرجوع إلى المادة (٦٩)، حيث تطرقت وبشكل صريح، بأن سقوط أو امتناع القصاص لا يحول دون تعزير الجاني بعد الحكم عليه، فيجب رفع الأمر للمحكمة المختصة؛ للحكم عليه بالعقوبة التعزيرية طبقًا للقانون. ولا أعلم لماذا يفهم البعض من تفسير هذا النص، بأنه ينطبق على عقوبة التعزير بالحبس، ولا يشمل عقوبة التعزير بالإعدام؟! فقد أثبتت التطبيقات العملية هذا التفسير، فلا تعاد ملفات القضايا إلا لغرض تطبيق عقوبة الحبس تعزيرًا، ولا تعاد لأجل تطبيق الفقرة الثالثة من حكم المادة (٢٣٥).. وهي جواز تطبيق حكم الإعدام تعزيرًا لتوافر الظرف المشدد. وما يعزز قولنا هو تأكيد المشرع في نص المادة (٤٩٣ إجراءات) ومفادها أنه إذا أوقف تنفيذ القصاص لأسباب شرعية تبرر ذلك، يعاد عرض القضية على المحكمة التي أصدرت الحكم؛ لتقرير العقوبات التعزيرية البديلة وفقاً لأحكام قانون العقوبات.
- وتنطوي وجهة نظرنا هذه في أن الأمر يحتمل سببين:
- السبب الأول:
قد يعتقد البعض أنه لا يتصور ولا يستساغ إعادة ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية؛ لإعادة محاكمة المتهم، لتقرير جواز أو عدم جواز تطبيق عقوبة الإعدام تعزيرًا، كما هو مذكور صراحة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).. والتساؤل الذي يجب أن نطرحه: هل هناك سبب أو مبرر متعلق بقانون الإجراءات الجزائية؟ بمعنى أدق، هل إن هذا القانون لا يجيز إعادة محاكمة المتهم بارتكابه جريمة قتل عمد، مرتبطة بظرف مشدد؟ لذلك نرى «ومن وجهة نظرنا المتواضعة»، أن قانون العقوبات كان واضحًا وصريحًا، حيث جاءت المادتان (٦٩ عقوبات و٤٩٣ إجراءات) عامة في خطابها ولم تخصصه وتقيده، وتؤكد على إعادة الملف للمحكمة الابتدائية للحكم بالتعزير، ويشمل هذا الحكم بالإعدام تعزيرًا، ولا يقتصر الأمر على التعزير بالحبس، وعلى هذا الأساس، لا يجوز تخصيص النص القانوني أو تقييده على الحبس التعزيري؛ طالما وأن النص كان عامًا، ولم يخصص بنص آخر يقيده.
- السبب الثاني:
إذا كان يعتقد البعض باستحالة إعادة الملف للمحكمة للحكم بجواز التعزير بالإعدام، وأن الأفضل هو الحكم بجمع عقوبتي الإعدام قصاصًا تعزيرًا، فهذا خطأ صريح في تطبيق الشرع والقانون؛ لأن الجمع بين العقوبتين كما ذكرنا سابقًا، لا أصل شرعي له، ولم يرد في كتب الفقه، ولم يذكره القانون نفسه لا صراحة ولا ضمناً، وبنفس الوقت، يخالف مشروعية التجريم والعقاب، فلا عقوبة إلا بنص صريح!! فكيف يتم الاجتهاد القضائي والتوسع في تفسير القواعد العقابية، لا سيما إذا كانت في غير صالح المتهم، ويصل الأمر إلى جمع عقوبتين للإعدام في جريمة واحدة، وعلى متهم واحد، ونتيجتها واحدة، والحكم الصادر بشأنها ذو معنى واحد، وهو إزهاق النفس، وهذا بلا شك أمر محظور شرعًا وقانوناً.
المحور الخامس: موقف الشريعة والقانون:
١- موقف الفقه الإسلامي:
إذا كان الأصل في الشريعة أن عقوبة التعزير، يجب ألا تصل إلى حد الإتلاف، فمن باب أولى ألا تصل إلى حد التعزير بالقتل، على الرغم أن القلّة من الفقهاء أجازوا ذلك؛ إذا اقتضت المصلحة، أو كان استئصال الجاني ضروريًا لدفع شره وفساده، أو إذا تكررت جرائمه، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، «كقتل الجاسوس، والعميل، والساحر، واللوطي، والداعي إلى البدع الخطيرة، ومعتاد الجرائم المضرّة بالمجتمع.. لذلك، إذا كان القتل بالتعزير قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها التعزير بالقتل نصًا. (التشريع الجنائي/ عبد القادر عوده، ج١، ص٦٨٨).
- وفي هذا الإطار، لم تعرف الشريعة مسألة الجمع بين القصاص والتعزير، خاصة إذا كانت تلك العقوبتان ذاهبتان للنفس، أما إذا كانت عقوبة القصاص فيما دون النفس، فيسوّغ للحاكم أو من ينوبه أن يجمعها مع عقوبة التعزير بالحبس، إذا كان في ذلك مصلحة وفائدة تعود على الفرد والمجتمع، بحيث لم تجد فيهم العقوبات المقدرة من الشارع جدوى من الاكتفاء بها. ومن هذا المنطلق، نرى أن الأمثلة التي أوردها الفقهاء لجواز القتل تعزيرًا، إما راجعة إلى حد من الحدود، وإما ليست بدرجة تقتضي القتل، ولكن بسبب العواطف السياسية، والمصلحة المرسلة، والقياسات الفاسدة، فتح بعض الناس باب القتل بغير حق. لذلك، فإن ارتكبت معصية من المعاصي، وأورد التشريع نصاً بقتل مرتكبها، فعقوبتها مقدرة، وإذا لم يرد فيها نص، فلا ينبغي التعدي على محارم الله بالمصالح المزعومة، بل إن الخطأ في العفو أهون من الخطأ في المعاقبة، وعلى هذا الأساس، لا يجوز أن يتشهى رجل أن يكون أرحم من الشريعة، كما لا تجوز الغيرة والتشديد أكثر منها، تحت مبرر «القتل سياسة»، واستنادًا لقاعدة سعي القضاء على الفساد في الأرض.
- وفي المحصلة، لا يجوز التوسع بالقتل تعزيرًا، إلا بنص صريح قاطع ويترتب على ذلك، أن عقوبة الإعدام قصاصًا هي الأصل لجريمة القتل العمد؛ متى ما توافرت شروط القصاص الشرعية، وحيث لا مسقط ولا مانع له، فأما عقوبتا الدية والتعزير، فهما عقوبتان بدليتان، ومن ثم، لا يجوز للقاضي أن يحكم بالعقوبة البدلية، إلا إذا امتنع الحكم بالعقوبة الأصلية، ولتوافر أحد الأسباب الشرعية التي تمنع القصاص، ما لم فوجب الحكم بالعقوبة الأصلية، وتبعاً لذلك، فلا يجوز الجمع بينها وبين التعزير بأي حال من الأحوال.
٢- موقف التشريعات الوضعية:
إن القصد بتعدد الجرائم، هو حالة ارتكاب الشخص لعدة جرائم، قبل أن يحكم عليه نهائيًا في واحدة منها، وتتعدد العقوبات بتعدد الجرائم، إلا ما استثني منها بنص خاص، كما تتعدد الجرائم بتعدد الركنين المادي والمعنوي، وهذا يقتضي تعدد السلوك والنتيجة، فلا يرتكب الشخص سوى جريمة واحدة، إذا قام بسلوك واحد، سواءً تكوّن هذا السلوك من فعل واحد، أو من جملة أفعال، ولو ترتب على ذلك أكثر من نتيجة، وكذلك تكون الجريمة واحدة؛ متى كانت النتيجة واحدة، ولو تعدد السلوك الذي أدّى إليها.
- وتفسيرًا لذلك، فإن التشريعات القانونية تقرر لكل جريمة عقوبة، فإذا كانت الجريمة المرتكبة واحدة، فلا محل لتعدد العقوبات، أما إذا ارتكب المتهم عدداً من الجرائم، فالأصل أن يوقع عليه عدد من العقوبات بقدر عدد جرائمه، فإذا ارتكب الشخص جريمة، ثم ارتكب أخرى، فلا يجوز أن تكون إحداهما سببًا للإعفاء من العقوبة المقررة للأخرى، فإذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة، وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد للحكم بعقوبتها، دون غيرها من العقوبات الأخرى، إذ يعتبر الجاني كأنه لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة. وحرصاً على ذلك، تستخدم التشريعات العقابية طريقة الجب للعقوبات، ومعنى هذا، أن تقضي العقوبة الأشد على غيرها من العقوبات، وبمقتضاها يوقع على الجاني أشد العقوبات المقررة للجرائم التي يرتكبها. (د. أحمد فتحي سرور/ شرح قانون العقوبات العام، ج٢، ص ٥٤٣).
- وفي هذا المقام، حري بنا التطرق لموقف المشرّع اليمني في مسألة تعدد الجرائم والعقوبات، حيث عالج القسم العام، هذا الموضوع (من المواد ١١٠ وحتى المادة ١١٧)، وفي هذا الشأن، تناولت المادة (١١٠) تعدد العقوبات؛ في حال تعدد ارتكاب جرائم القصاص لوحدها، وبيّنت المادة (١١١) مسألة تعدد عقوبات الحدود؛ في حال تعدد ارتكابها لوحدها، كما تطرقت المادتان (١١٣ و١١٤) لكيفية تطبيق تداخل وتزاحم عقوبات الحدود والقصاص؛ في حال ارتكاب جريمة حدية أو أكثر، مع ارتكاب جريمة قصاص أو أكثر، أو العكس، بينما استعرضت المادة (١١٣) موضوع تعدد الجرائم التعزيرية لوحدها وأثرها في العقاب. وينبغي التأكيد هنا، أن المشرع اليمني لم يعالج موضوع دراستنا وهو «الجمع بين عقوبة القصاص وعقوبة التعزير بصفة عامة»، كما لم يذكر مسألة جواز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا والإعدام تعزيراً بصفة خاصة، على الرغم أن المادتين (٦٩ عقوبات و٤٩٣ إجراءات)، أكّدتا بشكل صريح وجازم، أن عقوبة التعزير عقوبة «بديلة» للقصاص في حال سقوطه، ولم تشر لا صراحة ولا ضمنًا «بجواز الجمع بين عقوبتي القصاص والتعزير معاً».
النتائج والتوصيات:
١- النتائج:
مما سبق ذكره، يمكن إبراز أهم نتائج الدراسة على النحو الآتي:
أ- فيما يتعلق بمذهب جمع العقوبتين:
كما ذكرنا سابقاً، أن الجمع بين العقوبتين استند لمجرد اجتهادات لا تتعدى قرنًا من الزمن، بورود حكم الجمع في «مجلة الأحكام العدلية»، وأخذ به القضاة في شمال البلاد؛ حتى أصبح تقليدًا قضائيًا متوارثًا، وعلى ضوئه أرست المحكمة العليا «بصنعاء»، قاعدة قضائية تجيز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيراً، وارتكزت هذه القاعدة على ضابط توافر أي ظرف مشدد في الجريمة، ولو ثبتت الجريمة بالقرينة القاطعة، وأهملت بالمقابل الدليل الشرعي؛ كشرط جوهري للحكم بالقصاص. وكما نوهنا سابقًا، أن هذا تناقض واضح وصريح، فكيف نحكم بالإعدام قصاصًا ونهمل الإعدام تعزيرًا؛ إذا توافر ظرف مشدد؛ بمبرر توافر الدليل الشرعي، ثم نعود ونجمع الحكم بالإعدام قصاصًا وتعزيرًا؛ بمبرر توافر الظرف المشدد الثابت بالقرينة القاطعة، وبالمقابل نهمل الدليل الشرعي...!! الأمر الذي يعد مخالفة واضحة للحكم بالقصاص بدون دليل شرعي؟!
ب- فيما يتعلق بمذهب تبديل العقوبة:
سبق وأن أكّدنا، أن المشرّع اليمني كان صريحًا وواضحًا، وأخذ بحكم الشريعة الإسلامية، باعتبار العقوبة التعزيرية عقوبة بديلة عن عقوبة القصاص، الأمر الثابت في حكم المادتين (٦٩ عقوبات و٤٩٣ إجراءات) اللتين صرحتا بجلاء بأن عقوبة التعزير عقوبة بديلة عن عقوبة القصاص؛ في حال سقوطه أو امتناعه، (ويجب) رفع القضية إلى المحكمة الابتدائية للحكم به. وتبعاً لذلك، وطبقًا لنص المادة (٢٣٥)، تبقى عقوبة الإعدام تعزيرًا (جائزة وبديلة) عن حكم الإعدام قصاصًا؛ في حال سقوط الأخير بالعفو، وإلى ما قبل تنفيذ الحكم! شريطة توافر ظرف من الظروف المشددة المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤).
ج- فيما يتعلق بموقف الشريعة:
تؤكد الشريعة على عدم جواز الجمع بين عقوبة أصلية وعقوبة بدلية؛ إذا كانت الأخيرة مقررة بدلاً من الأولى، أو بمعنى آخر، لا يجوز الجمع بين العقوبة الأصلية وبدلها، ولكن يجوز الجمع بين بدلين، كالجمع بين الدية والتعزير وكلاهما بدل من عقوبة القصاص، كما يجوز الجمع بين عقوبتين أصليتين، كالجمع بين القصاص والكفارة وكلاهما عقوبة أصلية، وتبعاً لذلك، نؤكد مرارًا وتكرارًا على عدم جواز الجمع بين عقوبتي الإعدام قصاصًا وتعزيرًا، ولا جدال في أنه يجوز الجمع بين العقوبات الأصلية والعقوبات التبعية، حيث لا يوجد ما يمنع من ذلك عقلاً وشرعًا.
د- فيما يتعلق بموقف القانون:
تتفق التشريعات الوضعية وشراح الفقه القانوني مع أحكام الفقه الإسلامي، بعدم جواز الجمع بين عقوبتين أو أكثر، ولو تعددت الجرائم، ومن باب أولى، لا يجوز تطبيق أكثر من عقوبة في جريمة واحدة، وعلى فاعل واحدٍ؛ لإن تطبيق أكثر من عقوبة يقتضي تعدد السلوك والنتيجة معاً، فلا يرتكب الشخص سوى جريمة واحدة، إذا قام بسلوك واحد، سواءً تكوّن هذا السلوك من فعل واحد، أو من جملة أفعال، ولو ترتب على ذلك أكثر من نتيجة.
هـ- فيما يتعلق بحل الإشكالية:
فنرى حلها وفق صورتين:
- الأولى/ عدم توافر الدليل الشرعي:
وفيها إذا رفعت دعوى القصاص بالنفس، وتحققت كامل الشروط الشرعية للحكم به، ما عدا توافر الدليل الشرعي، وتصادف في نفس الوقت، توافر ظرف مشدد من الظروف المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، وتم إثبات الجريمة بالقرائن القاطعة، لا سيما «كاميرات المراقبة دون تحريف أو تلاعب»، فهنا يجب الحكم بالإعدام تعزيرًا، وعدم الجمع بين الإعدام قصاصًا وتعزيرًا؛ بحجة توافر الظرف المشدد، وبالاستناد للقرائن القاطعة.
- والثانية/ توافر الدليل الشرعي:
وفيها إذا رفعت دعوى القصاص بالنفس، وتحققت كامل الشروط الشرعية للحكم به، بما فيه توافر الدليل الشرعي، وتصادف في نفس الوقت، توافر ظرف مشدد من الظروف المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، فيجب هنا الحكم بالإعدام قصاصًا (لوحده وجوبًا)؛ ويؤجل الحكم في مصير الحق العام (التعزير بالإعدام جوازًا)، فلا يتم النطق به! فتسير القضية إلى مرحلة الاستئناف والنقض حتى استكمال إجراءات السير بتنفيذ القصاص، فإذا ما تحقق ثبوت سبب من أسباب سقوط تنفيذ القصاص أو امتناعه؛ فحينئذٍ تعرض القضية على المحكمة الابتدائية المختصة -حتى لا نفوت درجة من درجات التقاضي للخصوم- لإعادة محاكمته إجرائياً؛ إذا توافرت الظروف المشددة -وبنفس طريقة إجازة القانون لإعادة محاكمة المتهم الفار وفق نص المادة (٢٨٩ إجراءات)- ولكن بعد منح فرصة للنيابة ومحامي الدفاع لنظر دعوى الحق العام؛ ولإثبات أو نفي الظرف المشدد للجريمة، وللمحكمة بعد ذلك وفق سلطتها التقديرية تحديد العقوبة، بعد دراسة كافة الظروف المشددة والمخففة للجريمة، وكل ذلك، تطبيقًا لنص المادتين (٦٩ و١٠٩ عقوبات)، والمادة (٤٩٣ إجراءات)، مع ضرورة مراعاة صور العقوبة الذي سنضعها في التوصيات والمقترحات.
٢- التوصيات والمقترحات:
نوصي ونقترح تحديد صور العقوبة؛ في حال تحقق الإشكالية الواردة في الفقرة (هـ) من النتائج، وعلى النحو الآتي:
- الصورة الأولى/ سقوط القصاص بدفع الدية:
وتكون العقوبة فيها الحبس الذي لا يقل عن خمس سنوات ولا يزيد على خمس عشرة سنة، بشرط أن يكون القتل مع سبق الإصرار أو الترصد، -الذي نقترح بإضافته للقانون- كالقتل بوسيلة وحشية، أو قتل موظف عام، أو مكلف بخدمة عامة، أثناء أو بسبب تأدية وظيفته.
- الصورة الثانية/ سقوط القصاص بالعفو:
وتكون العقوبة هي الحبس الذي لا يقل عن عشر سنوات ولا يزيد على خمس وعشرين سنة، أو الإعدام (جوازًا)، بشرط توافر نفس الظروف المشددة المذكورة في الصورة الأولى.
- الصورة الثالثة/ الحكم بالإعدام وجوبًا:
وفيها تكون عقوبة الإعدام البديلة (وجوبية)؛ إذا توافرت الظروف المشددة الأخرى المذكورة في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤)، غير ما ذكر من ظروف مشددة في الصورتين الأولى والثانية من هذه التوصيات، ولو سقط القصاص لأي سبب كان!
هذا اجتهادنا وتصورنا، والله أعلم وهو الموفق للصواب.