التدخل وجريمة العدوان وفق ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي

القاضي عبدالعزيز البغدادي

11/17/2023

يمكنك تنزيل الدراسة من هنا

القاضي/ عبد العزيز ضياء الدين البغدادي- المستشار القانوني للمجلس السياسي الأعلى

مقدمة:

موضوع التدخل من أكثر مواضيع القانون الدولي حساسية لما يتضمنه من مساس بسيادة الدولة التي يتم التدخل في شؤونها لأن سيادة الدول هي نتاج شخصيتها الاعتبارية، وجميع الدول تتمتع بنفس القدر من السيادة لا فرق بين غنيها وفقيرها، قويها وضعيفها، تماماً كالمواطنة على مستوى الأفراد الطبيعيين داخل الدولة الواحدة، حيث أصبحت السمة الرئيسة لكل مواطن وأصبحت المناداة بدولة المواطنة في العالم من المسائل التي تختصر أحلام المناضلين في سبيل الحرية والعدالة وحقوق الانسان، وقد اكتسبت كلمة (مواطن) بُعداً قانونياً وأخلاقياً يعني الانتماء لهوية معينة بقدر ما يعني التمتع بكافة الحقوق القانونية المترتبة على الانتساب الى وطن ما سواء بناءً على الجنسية الأصلية أم المكتسبة لا فرق بينهما وبخاصة في البلدان التي ترسخت فيها مبادئ حقوق الإنسان فأصبحت سلوكاً ممارساً على مستوى الفرد وتلتزم به السلطات المسؤولة عن حراسة هذه الحقوق؛ وهكذا تحلم الدول كأفراد في المجتمع الدولي لأن تكون علاقاتها قائمة على العدالة والمساواة واحترام مبدأ السيادة، أي المواطنة الدولية القائمة على  الاحترام المتبادل بين الدول ورعاية المصالح المشروعة المشتركة، ومن هذا المنطلق يُعَدُّ تدخل دولة ما في شؤون دولة أخرى مساساً بالعدالة واستقلال الدولة التي يتم التدخل في شؤونها، هذا التدخل لا يختلف كثيراً عن العدوان المسلح، أي أن التدخل السياسي والضغوط الاقتصادية وكل وسائل وأساليب التدخل غير المباشر تعد شكلاً من أشكال العدوان المباشر، وهو أسلوب جديد يُمارس متخذاً عدة صور وأشكال لجأت إليه الدول التي كانت مهيمنة على العالم بشكل مباشر، بعد أن ووجه التدخل العسكري والاحتلال المباشر بمقاومة من جميع الأحرار في العالم وتحررت منه مختلف الدول التي كانت من ضحاياه، وأصبح وسيلة غير مقبولة، ولأن التدخل غير المباشر أقل كلفة مادياً، وقد اتخذ كما أسلفنا أشكالاً مختلفة باختلاف الدول المتدخلة والمُتدخل في شؤونها، وأصبحت هذه الأشكال أقرب إلى الفن الذي يدرس في مراكز دراسات وأبحاث ومنظمات وجمعيات خيرية لها عناوين براقة متصلة بحقوق الإنسان والمساعي الحميدة لحل الأزمات في العالم، وهذا لا يعني تعميم النظرة السلبية لدور المنظمات وعدم التمييز بينها، لأن هناك بالتأكيد منظمات ذات أهداف وممارسات إنسانية نبيلة كما يوجد الخير إلى جانب الشر دائماً، والأحكام المطلقة على جميع المنظمات إنما هو طريق الظلمة والكسالى وخروج على مبدأ “أن الأصل في الإنسان البراءة” وشكل من أشكال الغباء، والهروب من بذل الجهود الجادة للتفريق بين الصح والخطأ يؤدي إلى ظلم المنظمات الشريفة والإنسان المواطن الذي من حقه الاستفادة منها، المهم في الأمر أن قضية التدخل المباشر وغير المباشر قضية بحاجة إلى عقول واعية تفرق بين الغث والسمين، والصالح والطالح، والخير من الشر، والحق من الباطل، وهذه هي رسالة الإنسان في الحياة التي لا يمكن الهروب من أدائها بجد وإخلاص.

تعريف التدخل:

رغم الاختلافات الشكلية حول تعريف التدخل إلا أن أغلب التعريفات تلتقي عند مفهوم واحد للتدخل وهو أنه: (عمل ديكتاتوري من دولة أو مجموعة دول ضد دولة أو مجموعة دول أخرى باستخدام القوة المسلحة أو الضغط الاقتصادي أو السياسي بهدف تغيير النظام في هذه الدولة أو الدول أو إبقائه)، أي أن الأصل أن جميع الدول تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها والشعب وحده من يحق له اختيار السلطة التي تحكمه وكيفية تغييره بالانتخابات كما في النظم الجمهورية الديمقراطية أو بالوراثة كما في النظام الملكي وهو أي الشعب من يقرر التخلص من النظام الملكي، أو الإبقاء عليه أو تطويره إلى ملكية دستورية أي محكومة بدستور يحدد صلاحيات الملك أو الملكة وتعيين الحكومة بناءً على انتخابات برلمانية يرأسها رئيس من الحزب الحاصل على الأغلبية، كما في بريطانيا وغيرها من الأنظمة المشابهة، والتدخل بناء على هذا المفهوم ليس مساساً بنظام الدولة التي يتم التدخل في شئونها، ولكنه اعتداء على إرادة الشعب وحريته في الاختيار والتغيير طبقاُ لمصالحه التي يقدرها حسب ظروفه وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية، فالحرية طبقاً لهذا المفهوم ليست نظرية فقط ولكنها ممارسة.

أساس شرعية حق الدول في السيادة وعدم شرعية التدخل:

ميثاق الأمم المتحدة هو المحور الأساس للقانون الدولي بكل تفرعاته، وفي ديباجة الميثاق رُسمت الغايات التي من أجلها صاغ المجتمع الدولي المحب للسلام هذا الميثاق كأساس تبني عليه الأمم والشعوب معاهداتها في ظل نظام عالمي حلم الانسان، ومازال يحلم بأن يكون أكثر عدلاً وأمناً وسلاماً، بعد ما عانته البشرية من آثام وجرائم الحربين العالميتين الأولى والثانية، تقول الديباجة: (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن نرفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح)[1].

ولم يترك الميثاق الباب مفتوحاً لكيفية تحقيق هذه الغايات وإنما نص على ضرورة أن تلتزم الدول بأساليب ووسائل محددة وواضحة وغير خاضعة لأمزجة الدول الكبرى والمؤثرة وجبروتها لرسم معالم العلاقات الدولية فنص الميثاق على: (وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألا نستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة)[2].

وواضح فيما أوردناه من الديباجة اتصالها بالعلاقات بين الدول ووجوب قيامها على المحبة والتفاهم واحترام كل دولة سيادة الدولة الأخرى، أي أن أساس التدخل المشروع حدده المقصد الأول من مقاصد الأمم المتحدة المحددة في المادة الأولى من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة وهو: (حفظ الأمن والسلم الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها)[3].

في الصور الجديدة للتدخل في المنطقة والتدخل السعودي في اليمن:

وطبقاً لذلك فإن تدخل أي دولة في شئون دولة أخرى غير جائز من الأساس، أي مطلقاً لأن حق جميع الدول في التمتع بالسيادة الكاملة حق ثابت لكل دولة، سواء كانت غنية أو فقيرة، كبيرة المساحة أو صغيرة، طالما كانت دولة معترفاً بها دولياً،  بل ولا يحق لمجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة التدخل في أي شأن من شئون الدول الداخلية، إلا في الحدود والأحوال وبالشروط التي حددها الميثاق وفي حالة واحدة وهي حالة وجود نزاع مسلح قد يمتد ليمس بالأمن والسلم الدوليين، وذلك عن طريق فض النزاع بإرسال قوة دولية مهمتها المراقبة وليس التدخل لمصلحة طرف ضد طرف من أطراف النزاع، وعليها العمل بجد للتحقيق المحايد والنزيه، لمعرفة أسباب النزاع والعمل على حلها بالطرق السلمية، ومن أبرز الحلول دفع أطراف النزاع للانصياع للحل السلمي، وتنظيم انتخابات مبكرة بإشراف دولي محايد، وبقراءة تأريخ العلاقات بين اليمن والسعودية يتبين أن اليمن عبر تاريخها لم تقم بأي اعتداء أو تهديد للدولة السعودية أو الإماراتية، بل العكس هو الصحيح، أي أن هاتين الدولتين منذ نشأتهما قامتا على أساس العدوان المستمر على اليمن، فالدولة السعودية التي لا يتجاوز عمرها مائة عام منذ وجدت في منطقة الدرعية إحدى مناطق الرياض البدوية بدأت في التوسع  لتحتل مساحة واسعة من دول وكيانات أصيلة في الجزيرة العربية أبرزها اليمن، بعد سيطرتها على نجد والحجاز والمنطقة الشرقية الإحساء والقطيف والدمام وغيرها من المناطق التي ضمتها بالقوة وسفك الدماء، بهندسة ودعم بريطانيا التي سيطرت على أجزاء واسعة مما أسمي بتركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) وبدأت تهندس لترتيب الأوضاع في هذه التركة، باختيار من تضمن ولاءهم لها من مشايخ القبائل والبدو الرحل والسياسيين، كما هو واضح من الوثائق التاريخية البريطانية المنشورة والتي ما تزال سرية، ومن الوثائق المعلنة ما يعرف باتفاق (سايكس بيكو) بين فرنسا وبريطانيا، أي الاتفاق الذي قسمت بموجبه دول المنطقة بعد انهيار (الإمبراطورية  العثمانية) وبموجبه أوجدت كيانات مستحدثة على أراض قليلة السكان مليئة بالثروة النفطية والغازية انتزعتها من أراضي دول أصيلة وبها كثافة سكانية، أي أن الدول الاستعمارية تدخلت تدخلاً غير مشروع بهذه الاتفاقية وغيرها، بحيث صارت هي من يقرر مصير البلدان العربية وبعض البلدان الإسلامية، أي عكس مقتضيات القانون الدولي الذي يؤكد أن حق تقرير المصير إنما هو حق للشعوب وليس للحكومات حتى وإن كانت وطنية، ما بالنا من تصرف دولة أجنبية في حقوق شعب غير شعبها لتحقيق مصالحها غير المشروعة! وبموجب هذا الاتفاق أعطت بريطانيا ما لا تملك لمن لا يستحق، بتمكين أنظمة تنفذ سياساتها الاستعمارية في المنطقة وباستخدام القوة المسلحة كما صنعت بتمكين اليهود الصهاينة من فلسطين قبل انسحابها بناء على ما أسمي (وعد بلفور المشئوم) وزير خارجية بريطانيا عام 1948م، لترتكب بذلك أشنع جريمة سرقة وطن في التأريخ الإنساني،  وأنا هنا لا أحمل بريطانيا وحدها المسؤولية كما يفعل البعض، ولولا أن بريطانيا وجدت البيئة مناسبة لتصنع ما صنعت وتصنع في المنطقة ما تمكنت من ذلك، وما أقصد بالبيئة المناسبة هو وجود الأدوات المحلية التي تفرط في أوطانها وعن طريقهم تمكنوا من توطيد احتلالهم المباشر، وبفضلهم بدأت خطواتها الأولى في الانتقال من الاستعمار المباشر إلى مرحلة جديدة من الاستعمار غير المباشر، الأكثر ضرراً على الشعوب المستعمَرة والأقل تكلفة عليها، وهو أسلوب مازال يتجدد ويتغير بتغير الظروف والمستجدات ويلبس في كل يوم ثوباً جديداً، أو كما قال الشاعر البردوني- رحمه الله- في قصيدته الغزو من الداخل:

(فضيعٌ جهل ما يجريوأفظع منه أن تدرِي!
وهل تدرين يا صنعاءمن المستعمر السري؟
غزاةٌ لا أشاهدهموسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغاً فيسجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشيٍيؤنسن وجهه الصخري

 

إلى أن يقول:

وفي سروال أستاذٍوتحت عمامة المقري
وفي قنينة الويسكيوفي قارورة العطر
ويستخفون في جلديوينسلُّون من شَعري
وفوق وجوههم وجهي وتحت خيولهم ظَهري
غزاة اليوم كالطاعونيخفى وهو يستشري
يحجِّر مولد الآتييوشي الحاضر المزري)[4].

إلى آخر القصيدة.

صحيح أن الشعر غالباً لا يستخدم في البحوث والدراسات المتعلقة بمادة قانونية ودستورية، لأن الشعر مبني على العاطفة، ولكن بعض النتاج الشعري يلخص حالة معاناة واقعية، تجمع بين العقل والعاطفة بصورة مدهشة، كما هو الحال مع كثير من إنتاج البردوني الشعري الذي يختزل حالات من المعاناة في بضعة أبيات، تحتاج إلى كتب لشرح ما تحتويه من أفكار ورؤى؛ نعم.. يتفنن المتدخلون بالأصالة أو بالوكالة في شئون الشعوب المغلوبة على أمرها بفعل الاستبداد والاستعمار الذي يدعمه وأحياناً يوجده، هذه الدول الاستعمارية تتفنن في تجديد أساليب استعمارها وفنونه، وفي المقابل يبقى مستوى الوعي بأهمية تطوير أساليب المقاومة راكداً، بل يتراجع في المجتمعات الواقعة تحت الاستعمار المتحول؛ إن تدخل مجلس الأمن الداعم للتدخل والعدوان السعودي على اليمن يبدو واضحاً، من خلال تماهيه مع الخطوات السياسية التي استخدمت عباءة  ما يعرف بـ (مجلس التعاون الخليجي) التي أخذت تنشط في المراحل السابقة  لأحداث 2011م، التي جاءت بعد أن وصل الحال بالنظام في اليمن لأن يصبح أقرب إلى النظام الملكي، بإفراغ النظام الجمهوري من محتواه، خاصة بعد أن برزت خطوات للنظام تشير إلى توجهه نحو توريث الحكم، إلا أن سيناريوهات التدخل الخارجي في أنظمة المنطقة بكاملها كانت تتضمن كما بينت الأحداث اللاحقة بأن هناك تغييراً منتظراً للخريطة الجيوسياسية، ستعقب ما يسمى بالفوضى الخلاقة التي كانت قد كشفت عنها كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا عند زيارتها المفاجئة للبنان خلال العدوان عليه عام 2006م الذي كان يهدف إلى تصفية حزب الله والمقاومة في لبنان، باعتبارها مركزاً هاماً في بنية هذه المقاومة وقد استقبل رايس حينها فؤاد السنيورة بالقبل في مطار بيروت في صورة مقززة من صور ارتهان الأنظمة العربية للتدخل الأمريكي السافر  في شئون لبنان والمنطقة،  وتشفيها لما يقوم به الكيان الصهيوني من اعتداء همجي على بلده! لقد حُرك ما أسمي ثورات الربيع العربي، وهو التدخل الذي أخذ ينسج السيناريوهات المتتالية، بدءاً بدعم نظام الفساد في اليمن، ثم توزيع الأدوار فيما يتعلق بالموقف مما أسمي ثورة الشباب وتقسيم النظام الذي صنعته السعودية ودعمته إلى جزئين بصورة أولية، وهما القسمان الظاهران أو اللذان ظهرا حتى الآن وما يزال غيرها رهن التشكل والتلون والابداع، هذان الجزآن أحدهما يمثل النظام الذي قامت الثورة ضده، وآخر سرعان ما انظم للثورة المزعومة غير المبنية على أهداف واضحة وقيادات موحدة وملتزمة وطنياً وليس حزبياً، حيث تم احتواؤها بمبادرة أسميت المبادرة الخليجية، وجرى بموجبها فبركة حوار شكلت مخرجاته مع المبادرة المذكورة الوثيقة التي تعد نواة الثورة المضادة؛ لأن الثورة الأصلية لا أصل لها ولا أساس يمنع الملتحقين بها من توظيفها لمصالحهم والانحراف بها عن مسارها، ومن ثم القضاء على أحلام اليمنيين بثورة حقيقية،  وهو ما حدث حتى الآن سواءً في اليمن أو بقية الأقطار العربية وبخاصة الأقطار التي حُرك فيها ما يسمى بالثورات العربية، أما بقية الأقطار فآلية التدخل تختلف باختلاف الأنظمة.

بطلان قرارات الأمم المتحدة المتضمنة إدخال اليمن تحت البند السابع ودورها في محاولة شرعنة التدخلات السعودية المتكررة في شئون اليمن:

إن تصرفات مجلس الأمن في مواجهة ما أطلق عليها في اليمن بـ (ثورة الشباب)، بل وفي كل الأقطار التي شملتها ما عرف بـ (ثورات الربيع العربي) أو ثورات الياسمين، ومنها اليمن، تصرفات جميعها يخالف قواعد وأهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي لأنها ثورات أو أحلام بثورات جرى تحريكها، ولكنها في كل الأحوال أحداث داخلية أو هكذا تبدو، وعلى ذلك ليس للأمم المتحدة ومجلس الأمن صلاحية التدخل فيها، طالما بقيت في نطاقها الداخلي، إلا بهدف دعم ومساعدة جميع الأطراف، أي السلطات الحاكمة التي قامت الثورة ضدها ولم تتمكن من بسط الأمن والنظام البديل، وبين المعارضة المشاركة في الثورة بهدف الوصول إلى حل سلمي يثبِّت الأمن والاستقرار، ويساعد الشعب في الوصول إلى حقه المشروع في التغيير نحو حياة أفضل وتداول حقيقي للسلطة، من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة، وبإشراف دولي غير منحاز، وبالتالي إعادة الحياة الطبيعية للبلاد، ولذلك فقد أوجبت المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة – الفصل السابع توفر ما يدل على وجود (تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (42،41) لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته الى نصابه)، وما ورد في مواد الفصل السابع لا تنطبق آلياته على ما اتخذه مجلس الأمن إزاء قضية اليمن، لأن اليمن خلال تأريخها الطويل كله لم يصدر منها أي تصرف يهدد السلم والأمن الدوليين أو ما يبيح للسعودية التدخل في شؤون اليمن، ولا لمجلس الأمن أن يحاول شرعنة هذا التدخل وبصورة فيها قدر كبير من الخداع والتحايل تحول مجلس الأمن خلاله إلى عراب ومروج ومسوق لهذا العدوان القذر المستمر منذ ثمان سنوات مع حصار مطبق لشعب بأكمله براً وبحراً وجواً، لم يسبق له مثيل في التأريخ ومع ذلك نسمع بين فترة وأخرى بيانات وإفادات وتصريحات من هذا المجلس تؤكد بأن اليمن مهددة بكارثة إنسانية لم يسبق لها نظير في تأريخ الصراعات، وكأن مجلس الأمن بريء من هذه المساهمة الفاعلة في محاولة شرعنة العدوان، واعتباره من ضرورات حفظ الأمن والسلام الدوليين، إن هذا الأسلوب من الخداع ينم عن ما وصل إليه النظام الدولي من النفاق والانحطاط الأخلاقي والقانوني وانعدام العدالة، وما ينطبق على ما يجري في اليمن هو الجزء الأول من البند (7) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على: (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق)[5]، أما العبارة الأخيرة من هذا البند التي تقول: (على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع)[6]، فهذا ينطبق على اليمن لأن اليمن هي الواقعة تحت التهديد السعودي بالاعتداء عليها، بل وبمباشرة اعتداءاتها المتكررة وقضمها المستمر لأراضيه والأدلة على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لحصرها، كما أن مستوى القوة المسلحة السعودية وإمكانياتها المادية تفوق أضعاف المرات ما يمتلكه اليمن، خاصة في ظل ما يعيشه من تمزق ترعاه السعودية والإمارات حالياً وتستثمره!

من له حق التدخل والدفاع الشرعي اليمن أم السعودية؟!

وبإعادة قراءة التأريخ العدواني للكيان السعودي ضد اليمن منذ نشأته؛ يتضح أنه عدوان ممنهج، هدفه التوسع المستمر على حساب اليمن ولهذا فالسعودية تختلق الذرائع بين فترة وأخرى للقيام بأعمالها العدوانية وآخر محطاتها هذا العدوان البشع الذي شنته في 26 / 3/ 2015م بإخراج وإشراف بريطاني أمريكي صهيوني، بل وبمشاركة مباشرة منها في كثير من العمليات الإجرامية المرتكبة في كل اعتداءاتها المتواصلة ووفق سيناريو معد منذ زمن، لهذا فقد اعتبرت السعودية اليمن هذا الجار المسالم الذي  لم يعتد عليها في أي يوم من الأيام، ولهذا السبب اعتبرته لقمة صائغة فلم تكتف بنهب المساحات الشاسعة من أراضيه، بل عمدت إلى تغذية النزاعات الداخلية من خلال علاقاتها غير المشروعة ببعض عملائها من مشائخ القبائل والسياسيين، الذين يتقاضون منها مخصصات مالية عبر ما يعرف باللجنة الخاصة مقابل استخدامهم أدوات لإعاقة التنمية والوقوف ضد بناء دولة حقيقية يمكن عبرها إيجاد علاقة حسن جوار كما تؤكده اليمن في مراحل تاريخية مختلفة، رغم كل الجراح التي تعاني منها بفعل هذا الجوار الذي ألحق بها الأذى ومازال، والمفروض هو العكس، أي أن من حق اليمن وفقاً لدستورها ولميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي العام المختلفة ممارستها لحقها في الدفاع الشرعي عن أراضيها ضد الاعتداءات السعودية المتكررة، بل والعمل على تحرير الأراضي التي احتلتها عبر التدخلات والاعتداءات المتكررة.

ومن المعلوم أن أي نزاع دولي بين دولة وأخرى، يتم العمل على حله عن طريق المساعي الحميدة أولاً، ومن خلال الوساطة والتحقيق والتوفيق بما يتضمن إعادة الأراضي المحتلة أو اقتراح الاتفاق على تسوية ما، وعقد المعاهدات التي تضمن عدم اعتداء دولة على أخرى، وحل النزاعات والمشاكل العالقة للخروج بحل يقوم على تراضي الدول المتنازعة، وجبر الأضرار والتعويض عنها، أي بما يشبه مقتضيات قواعد العدالة الانتقالية داخل الدولة الواحدة، التي تطبق عقب الاضطرابات أو الثورات أو النزاعات الداخلية التي يترتب عليها انتهاك لحقوق الانسان؛ وهذا معناه أنه لا شرعية لأي حرب مالم تكن درءاً لاعتداء واقع أو حماية لحق ثابت، وهو ما أكد عليه د. علي صادق أبو هيف في كتابه: (القانون الدولي العام) رداً على تساؤل طرحه: هل الحرب عمل مشروع؟ بقوله: (لاشك في ذلك إذا اضطرت الدولة إلى الالتجاء إليها لدفع اعتداء واقع عليها أو لحماية حق ثابت لها اُنتهك دون مبرر والحرب في مثل هذه الحالة هي من قبيل الدفاع عن النفس أولاً ومن قبيل الجزاء الذي يحمي حقوق الدول من أن تنتهك أو يُتعدى عليها ثانياً)[7]، وواقع الحال كما أشرنا سابقاً يؤكد أن اليمن هي من تعرضت للعدوان من قبل السعودية دون مبرر، ومن ثم فإنها لو شنت حرباً على السعودية؛ لكانت دفاعاً عن النفس، أما حرب السعودية على اليمن فهي عدوان سافر، وما يجري عبر بعض وسائل الإعلام، هو محاولة قلب الحقائق باستخدام مجلس الأمن وبعض أجهزة الإعلام الدولية، نصت المواد (15-12) من عهد عصبة الأمم على: (وجوب حل المنازعات الناشئة بين الدول الأعضاء بصورة سلمية)، وفرضت المادة (12) منه على جميع الأعضاء التزاماً تخييرياً، أي الخيار بين إحدى طريقين إذ نصت هذه المادة على وجوب إخضاع خلافات الأعضاء:

أ)    إما إلى طريقة التحكيم والتسوية القضائية (إلى محكمة تحكيم، أي محكمة التحكيم الدائمة، أو محكمة العدل الدولية الدائمة، وحسب رغبة الطرفين، وتبعاً للشروط المُبينة في المادتين (13-14)، وأشارت المادة (13) آنفاً الرقم (297) إلى الحالات القابلة بوجه عام للحلول التحكيمية أو القضائية).

ب) أو إلى عرض الخلافات على المجلس، لإجراء التحكيم وتقديم التوصية وفقاً للشروط المبينة في المادة (15) ويقوم المجلس بدور الوسيط محاولاً حمل الطرفين على التفاهم المباشر أو على الأقل على إجراء تسوية، ومن ثم يُعد المجلس تقريراً، فإذا نال الإجماع باستثناء صوتي طرفي النزاع؛ اكتسب صفة القانون وأصبح مُلزماً للدول المتنازعة المادة (15 فقرة 6)، أما إذا لم ينل سوى الأغلبية، فلا يكتسب خلافاً لما سبق أي صفة إلزامية، وتبقى الحرب جائزة مبدئياً المادة (15، الفقرة 7)[8]، أما جامعة الدول العربية وما أدراك ماهي، فقد استخدمت مع الأسف الشديد المادة (2) من معاهدة الدفاع المشترك التي تنص على: (تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداءً عليها جميعاً، ولذلك فإنه عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلام إلى نصابه).

استخدمت الجامعة هذه المادة لشرعنة عدوان السعودية والإمارات على اليمن، بل ومشاركة البعض في هذا العدوان، كالسودان التي أرسلت قوات ما تزال أعداد منها في جبهات ما يسمى الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، أي حدود الدولة المعتدية، وهي بالمناسبة أراضٍ يمنية شمالية احتلتها السعودية عام 1934م  جيزان – ونجران – وعسير، بالإضافة إلى ما احتلته لاحقاً من أراض في الوديعة وشرورة والخراخير، وأجزاء من أراضي شمال شرق المحافظات الجنوبية والشرقية، ومساحات واسعة من الصحراء اليمنية الكبرى المسماة (الربع الخالي) وبذلك تكون الجامعة العربية شريكاً في التزوير المعنوي لاستخدام المادة (2) من معاهدة ما يسمى الدفاع المشترك، التي لم تستخدم للدفاع الحقيقي عن أي دولة عربية منذ نشأة هذه المنظمة، بل ضدها، حصل هذا في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان وكل الدول العربية التي تذبحها هذه الجامعة بألاعيبها، بل تذبح العروبة من الوريد إلى الوريد، وآخر وسائل الذبح موقفها الداعم لجبهة التطبيع المتصاعد الذي تغذيه وتقوده السعودية والإمارات، أي الدول الرئيسة في تحالف العدوان المباشر على اليمن.

إن الأحداث المتلاحقة في الوطن العربي اليوم تبين أن هاتين الدولتين أو بالأصح الكيانين ودول عربية غيرهما، أصبحت وبشكل لم يعد خافياً على أحد مرتبطة بحلف سياسي وعسكري، يقوده الكيان الصهيوني وتموله السعودية والإمارات، وهو حلف يستخدم كل وسائل الخداع والتضليل، ولكنه اليوم لم يعد يتحفظ على إجراء مناورات مشتركة مع إسرائيل (الكيان الصهيوني) رغم كل ما يمارسه هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني، ما يعني أن هذا التحالف قد انتقل من السر إلى العلن، وأن هذا الانتقال سيكون له ما بعده، فإما أن يواجه بجبهة عربية قوية، أو تمتد آثاره السلبية إلى آفاق أوسع إذا بقي العرب فيما هم عليه من سبات عن المواجهة الجادة لهذا الحلف الذي يمثل خطورة واضحة على وجودهم، من خلال ما يمارسه من أساليب التزوير المادي والمعنوي لكل الدساتير والمواثيق والقوانين والمعاهدات، ومن ذلك ما جرى ويجري في اليمن من تزوير معنوي للمادة (2) لقلب الحقائق والوقائع ومدلولها وكذا مدلول المادة (6) من ميثاق جامعة الدول العربية، حيث تنص المادة (2) من المعاهدة على: (تطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ بصدده من تدابير وإجراءات)، هذا التزوير للحقائق ومحاولة طمس الوقائع على الأرض وتغيير معالمها بما فيه من فجاجة وغطرسة وما يعنيه من محاولة شرعنة للعدوان، بل ومحاولة إسناد العدوان إلى المعتدى عليه، تمارسه دول العدوان بأريحية واضحة!!

ومن أساليب التزوير والتضليل التي مورست، وماتزال تمارس ضد اليمن منذ بدء العدوان عليه، محاولة السعودية عن طريق الأقلام والأصوات المستأجرة مخاطبة الرأي العام المحلي والعربي والدولي، بأن تدخلها في اليمن جاء بناءً على طلب ممن أطلقوا عليه الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية، بالتدخل لدعم هذه الشرعية ومساندتها، وبناءً على هذا الطلب تكرمت مشكورة بشن هذه الحرب وفرض الحصار المطبق على الشعب اليمني المعتدى على شرعيته الموقرة، هذا التبرير نوع من السخف الذي لامثيل له واستهتار واضح  بالعقل الإنساني كله، والضرب عرض الحائط  بكل مبادئ القانون الدولي، فمن المعلوم أن عبد ربه منصور هادي الذي تسميه دول العدوان الرئيس الشرعي بما يخالف قواعد القانون الدولي والدستور اليمني قبل ذلك، فهذه الوثائق القانونية الوطنية والدولية تعتبر طلب أي رئيس ولو كان  شرعياً لأي دولة  من دوله أو دول أخرى، التدخل في شئون وطنه لإعادته إلى الحكم، تعتبر هذا الطلب خيانة عظمى، خاصة بعد تقديم استقالته، كما هو حال عبد ربه هادي، وفعله لو صح ينطوي على مجموعة من الجرائم الأخرى أقلها انتحال صفة رئيس الجمهورية بعد استقالته، ثم أن مدة هذا الرئيس الانتقالية المحددة  بسنتين كانت قد انتهت وانتهت مدة سنة التجديد، كما أن له تصريحاً مسجلاً أدلى به بعد بدء العدوان وهو في الطريق إلى عمان ينفي فيه علمه ببدء ما أسماه عاصفة الحزم؛ إنه مستوى من الفضاضة في التزوير المادي والمعنوي  للحقائق لامثيل له، ولا يوجد دستور في العالم يبيح لرئيس شرعي، وأؤكد شرعي شرعية حقيقية أو حكومة شرعية وقعت في بلدهم أحداث أو اضطرابات أو حتى انقلاب اضطرتهم للهروب إلى دولة أخرى كانت جاهزة لاستضافتهم ثم وضعهم تحت الإقامة إجبارية أو شبه اجبارية والاستعانة بها لتكون غطاء بذيئاً لتدخل سافر وشن عدوان شامل وفرض حصار بري وبحري وجوي على وطنهم، فالشرعية الدولية منبعها الشرعية الوطنية وصاحب الشرعية ومالكها هو المواطن، وليس السلطة وفي أي بلد من بلدان العالم تقع اضطرابات وصراعات على السلطة، يكون التدخل الدولي المشروط بغرض إجراء انتخابات مبكرة لانتخاب حكومة جديدة ورئيس جديد يرتضيه صاحب الشرعية ومالك السلطات جميعها وهو الشعب، وقدرة النظام الوطني أو سلطة الأمر الواقع على بسط سلطته، إنما يكتسب (شرعية مؤقتة) لإدارة شئون الدولة بأمانة يتوجب عليه من خلالها سرعة تثبيت الأمن والاستقرار في البلد ومد جسور الحوار لتفاهم وطني مسؤول والعمل بصدق في سبيل ترتيب الأوضاع بإشراك الشرفاء من القوى الوطنية، الذين يمثلون واقعياً إرادة شعبية واضحة، فالشرعية ليست صنماً، ولا هي سيف مسلط على رقاب الناس، يمكن استخدامه لقهر الشعوب بالقوة أو بالتضليل أو بخلق هوية سياسية أو دينية بالتدليس أو الإكراه المادي أو المعنوي، فالهوية إنما هي تعبير عن إرادة شعبية فعلية، لصياغة نظام سياسي وطني معبر عن هذه الإرادة، وغير ذلك ليس سوى باب لاستمرار الصراع على السلطة، من خلال الانتقام والانتقام المقابل، أي تحويل الوطن إلى ساحة دائمة للاقتتال على السلطة، وأما أن يهرب رئيس دولة إلى دولة جار ليتحول إلى ألعوبة بيد هذه الدولة أو تلك، وتساعد من خلالها بعض الجماعات هنا أو هناك على استغلال حالة عدم الاستقرار، لترتيب الأوضاع وفق أهوائها وهوياتها المؤدلجة، فإن كل هذه الأعمال لا شرعية لها ولا أساس ثابت تقوم عليه، وتعبر عن حالة تثير السخرية والشفقة وتحول الوطن إلى رهينة لشخص أو أشخاص، كلهم زائلون وتبقى إرادة الشعب من إرادة الله، هي الأقدر على الثبات وترتيب الأوضاع الطبيعية للتعايش الذي يفيد الجوار بقدر ما يفيد الوطن المتعايش، لقد تم استخدام السعودية لما يسمى (الشرعية)، بصورة مقززة تسيء لمعنى الشرعية وتنم عن استهتار واضح بسيادة اليمن ومكانتها التاريخية والقانونية بفضل وجود شخصيات في السلطة، استخدموا كورقة قرابة ثمان سنوات لشن أبشع عدوان طوال كل هذه المدة، وبعد أن تم احراق هذه الورقة، تم إخراج مسرحية لا تقل سخفاً عن سابقتها تم بموجبها ما سمي نقل السلطة من الرئيس (الشرعي) الموضوع في مخزن إقامة الشرعية الجبرية قيد الاستخدام إلى ثمانية أراجوزات بدلاً عن واحد، في محاولة لاستكمال سيناريو تجزئة اليمن المجزأ بوحدة 1990م السلمية التي تم تحويلها عام 1994م إلى وحدة معمدة بالدم وبشعار (الوحدة أو الموت)، وهو شعار يعكس صورة ومستوى ضعف وهشاشة من وصلوا إلى السلطة في اليمن من المصابين بأمراض مستعصية توارثها من بعدهم، وبالذات منذ 1978م حتى اليوم ولا يستثنى منهم سوى بعض ممن استشهدوا ثمناً لمواقفهم وتمسكهم بالمبادئ الوطنية والإنسانية، وحقوق الشعب اليمني في حياة حرة كريمة وسيادة مسؤولة تحترم حقوق الجوار والمصالح المشروعة المشتركة من خلال العلاقة الطبيعية مع العالم القائمة على الاحترام المتبادل، أمثال الشهداء إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي وغيرهم ممن ذهبوا ضحية صراعات بليدة ومؤامرات قبيحة، هدفها تمزيق اليمن الذي ماتزال سيناريوهاته مستمرة، من خلال أدوات التجزئة والتقسيم الممسكة بالسلطة كأمراء للحروب الدائرة والتي تغذى بعدة وسائل ليس هذا مجال بحثها، من خلالها يجري العمل على تحول العدوان الخارجي إلى صراعات داخلية، لا نرى لنهايتها أفقاً ممولة ويا للسخرية  من أموال اليمن وعائدات ثرواته النفطية التي وضعت السعودية والإمارات يدهما عليها بصورة مباشرة وغير مباشرة، وإلا فماذا يعني: قيام دولة ما يفترض أنها محترمة بتعيين (مجلس قيادة رئاسي) لدولة أخرى يفترض كذلك أن يوجد بين من جمعوا في مهرجان التصفيق لحفل ميلاد هذا المجلس المسخ، من يحترم نفسه فلا شرعية لهذا العمل، ولو بلغ عدد المصفقين نصف الشعب اليمني لأن ذلك لا ينفي كونه عملاً مشيناً ولا يكسبه الشرعية؟!)، وليست بقية القوى المشاركة في الصراعات بعيدة عن استثمار هذه الأوضاع المزرية والاستفادة منها، ومن أوقح نتائج هذه المسرحية السخيفة أن عائدات النفط والغاز تُورد معظمها إن لم يكن كلها إلى البنك الأهلي السعودي وبنوك إماراتية، ليتم إنفاق نسبة ضئيلة منها على أدوات التشظي، ومنهم رئيس وأعضاء ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي، هذا الكيان الأعجوبة الذي أنشئ بصورة جعلت ممارسات الآخرين من المستفيدين من حالة اللا سلم واللا حرب التي تعيشها اليمن في ظل التجاذب السخيف حول ما يسمى الهدنة المتقطعة تبدو هينة رغم بشاعتها، ويبدو أن السعودية تحتفظ بعائدات النفط والغاز اليمني أو بعضه لتعويض نفسها عما فعلته باليمن واليمنيين من أموالهم، وما ارتكبته من فظاعات بحقهم طوال هذا العدوان اللعين غير المسبوق في التأريخ، وما نتج عنه من قتل للأطفال والنساء والرجال وإحراق للأموال وتدمير لكل البنى التحتية والمعالم الحضارية والآثار، وغير ذلك من التدمير الشامل لكل مظاهر الحياة مع الشكر والتقدير لكل ما بذلته السعودية والإمارات!!!

هذه مجرد إشارة مكثفة وبسيطة للمشهد الذي خلفه العدوان على اليمن أو بالأصح بعض حصاده حتى الآن، لأن استخدام كلمة (ما خلَّفه) تعني أن العدوان قد انتهى وهو خلاف الواقع، والحقيقة أن العدوان مستمر على قدم وساق بكل الصور، وبأقبح الصور الظاهرة والمستترة، وأكرر بأن هذه الإشارة لا تعني مطلقاً تبرئة الأطراف اليمنية المتصارعة التابعة أو المتبوعة، المدعومة من الخارج وغير المدعومة، أو إعطاءها شيكاً مفتوحاً وعلى بياض يبرئ ممارساتها بحق الشعب اليمني، أو التخاذل عن بذل الجهود الحقيقية والجادة للتخفيف من معاناته أو على الأقل كف الأذى عنه لأن كل شيء كما يقال بحسابه وكل الممارسات تحت المجهر الشعبي والتأريخ لا يرحم!

جريمة العدوان – قراءة في المفهوم وآلية التوثيق القضائي:

مفهوم جريمة العدوان: هي أقسى وأفظع الجرائم في حق البشرية، لما يصاحبها من ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، ولهذا وصفت بأنها (أم الجرائم) إذ كثيراً ما تكون هي السبب الأصلي لارتكاب الجرائم الأخرى والاعتداء على حقوق الإنسان، والجرائم الأخرى (كالجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية) غالباً ما تكون فرعية لجريمة العدوان.

وقد أدرجت جريمة العدوان مع جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، في نظام روما الأساسي عام 1998م، ضمن الفئات الأربع للجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر فيها، إلا أن الفقرة (2) من المادة (5) من النظام أكدت أنه لا يمكن أن تمارس المحكمة صلاحيتها في جريمة العدوان إلا عندما يتم اعتماد تعريف لجريمة العدوان وتحديد شروطها، وفي 11 من حزيران 2010م، اتفق أعضاء المحكمة الجنائية الدولية على تعريف جريمة العدوان من خلال حذف الفقرة (2) من المادة (5) من نظام روما الأساس لعام 1998م، وإدراج التعريف بعد المادة الثامنة، وفيما يلي نص التعريف:

تعريف جريمة العدوان:

1-  تعني “جريمة العدوان” قيام شخص ما، له وضع يمكنه فعلاً من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة، أو من توجيه هذا العمل، بتخطيط، أو إعداد، أو بدء، أو تنفيذ فعل عدواني يشكل بحكم طابعه وخطورته ونطاقة، انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة.

2-  لأغراض الفقرة (1) يعني “فعل العدوان” استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وتنطبق صفة فعل العدوان على أي فعل من الأفعال التالية:

أ)    قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة.

ب) قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.

ج)  ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من جانب القوات المسلحة لدولة أخرى.

د)   قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين البحري والجوي لدولة أخرى.

هـ)  – قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق، أو أي تمديد لوجودها في الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق.

و) سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة.

ز) – إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من جانب دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المحددة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.

التدخل المسلح في شئون دولة أخرى يدخل ضمن جريمة العدوان:

جاء في ديباجة نظام روما الأساسي لعام 1998م، أنه لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية دولة بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشئون الداخلية لأية دولة.

والمتأمل فيما سبق، يجد أنه لا مجال للشك بأن ما قامت به دول العدوان على اليمن يشكل جريمة عدوان نتج عنها، ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية، ولا يمكن وفقاً للقانون الدولي اعتبار أي قرار إذناً لتلك الدول للتدخل في أي خلاف، أو نزاع داخلي، أو بارتكاب الجرائم السابق ذكرها سواء جاء هذا القرار من الدولة المعتدية وأي تبرير أو معزز بقرار من مجلس الأمن بأي صيغة من الصيغ فديباجة نظام روما الأساسي واضحة الدلالة على أنه (لا يوجد في هذا النظام الأساسي ما يمكن اعتباره إذناً لأية دولة طرف بالتدخل في نزاع مسلح يقع في إطار الشئون الداخلية لأية دولة).

آلية التحرك القضائي في مواجهة جريمة العدوان على اليمن وتوثيقها:

وجاء في الديباجة السابق ذكرها بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية، وأن المحكمة الجنائية الدولية ستكون ولايتها ولاية مكملة للولاية القضائية الجنائية الوطنية.

ومن هنا كان لابد أن تقوم الاجهزة القضائية وأجهزة الضبط القضائي، وبمساعدة رجال الجيش واللجان الشعبية بواجبها في عملية رصد وتوثيق تلك الجرائم وإعداد الملفات القضائية لكل جريمة في ملف مستقل لمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم، والتمهيد لرفع تلك الملفات إلى المحاكم الدولية، أو محاكم الدول التي تنص قوانينها على اختصاص محاكمها الوطنية في نظر هذه الجرائم، حتى ولو لم تقع في إقليمها لصلتها بحقوق الانسان وأبرزها حقه في الحياة، وفي أي فرصة تسنح لذلك.

وبالنظر إلى تعريف جريمة العدوان يتضح أنها جريمة لا تقوم إلا من قبل دولة ضد دولة أخرى، وتقوم المسئولية الجنائية فيها على الأشخاص الذين يتحكمون في العمل السياسي أو العسكري في الدولة المعتدية.

ومن الضروري هنا التفريق بين جريمة العدوان، والجرائم المتفرعة عنها، فالأخيرة ينبغي على أجهزة القضاء الوطني الجنائي بكامل منظومته (أي أجهزة الضبط القضائي المتمثلة في جهاز الشرطة، وسلطة التحقيق والادعاء والمحاكمة والمتمثلة في النيابات والمحاكم) أن تقوم بواجبها إزاء كل جريمة، وإعداد ملف مستقل بحسب الاختصاص المكاني والنوعي لكل جريمة، وتندرج هذه الجرائم وفقاً للمواد (8،7،6) في نظام روما الأساسي ضمن جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، أما بالنسبة لجريمة العدوان، فالأفضل تحريك ملف الدعوى أمام المحاكم الدولية التي تقبل الاختصاص في نظرها لعدم جدوى محاكمة مرتكبيها من الأجانب أمام المحاكم الوطنية، وبالنسبة لمن ساهم أو ساعد العدو في جريمة العدوان من المرتزقة، فقد تكفلت المواد (128،127) من قانون الجرائم والعقوبات ببيان العقوبة الخاصة بهم، ومعلوم أن الاختصاص في نظرها ينعقد للقضاء الوطني.

مما سبق يتبين أن العدوان على اليمن يعتبر الأبشع لارتكابه كافة صور الجريمة وزاد عليها، بالإضافة إلى الوسائل والأدوات والغايات والأهداف المعلنة وغير المعلنة، حجم التدمير للبنى التحتية والحصار الشامل بما في ذلك الحصار والتضليل الإعلامي ومنهجية كل ذلك وكذا عدد الدول التي تم حشدها أو شراء ذمم قادتها وتنوع مشاركات هذه الدول والقادة في عمليات العدوان المستمر منذ 2015م وحتى اليوم أي على مدى ثمان سنوات متواصلة، كل هذه الأعمال العدوانية، وكذا من خلال استعراض سلسلة التدخلات السعودية في شئون اليمن، كل ذلك يؤكد أن هذه التدخلات تشكل حلقات متصلة، تؤكد بأن ما يجري إنما هو إبادة جماعية للشعب اليمني، هدفها الحقيقي الاستيلاء على موقع اليمن، وثروات هذا الشعب الصابر المجاهد والمظلوم.

من أهمل واجب التحقيق حول جرائم العدوان ومن له الحق في إجرائه؟

ورغم كون ما يجري جريمة عدوان مشددة، وانتهاكاً صارخاً وواضحاً لكل المواثيق الدولية، ووقائع لجرائم مشهودة ومراقبة عبر الأقمار الصناعية، ومنشور بعض فظاعاتها عبر وسائل الإعلام،  إلا إن المجتمع الدولي بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، ليس فقط لم يحرك ساكناً إزاء ما يحدث، بل إنه متواطئ في كل الجرائم المرتكبة من خلال هذا العدوان، ولولا ذلك ما استمر كل هذه المدة، ومن علامات هذا التواطؤ أنه كلما اتخذ من قرارات بضرورة التحقيق بشأن بعض الجرائم البشعة التي استهدفت الأطفال في المدارس، وفي صالات العزاء والأعراس، ولم يسلم منها حتى مزارع الدجاج والأبقار، ومصانع حليب الأطفال، وخزانات المياه، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ورغم وجود بعض الأصوات التي تنادي بضرورة التحقيق الدولي المحايد فيما يجري في اليمن، إلا أن كل الأصوات التي تنادي بذلك تم تجاهلها وتغطيتها بتصريحات باهتة ومراوغة، وبدلاً من اتخاذ إجراءات جادة للقيام بتحقيق محايد، تم إصدار قرارات تدعو دول العدوان التي قامت بارتكاب الجرائم، لتكليف لجنة وطنية عبر ما يسمى حكومة الشرعية المقيمة في عاصمة دولة العدوان، للتحقيق في تلك الجرائم، وهذا يعني أن يكون المجرم هو المحقق، وأن يكون الخصم هو الحكم! ومعلوم أن جرائم العدوان مشهودة عالمياً، وموثقة عبر الأقمار الصناعية، إلا أن هناك من يريد الإيحاء بأن المشكلة هي في توثيق هذه الجرائم، وهذا من أساليب التضليل التي تتناغم فيها تصريحات المندوب الأممي ومنظمات الأمم المتحدة مع جرائم العدوان وأساليبه في المراوغة واختلاق الأكاذيب، هذه إذا بعض علامات الظلال الوارفة للعدالة الدولية التي تعم العالم.

محاولة الخلط بين التوثيق الإعلامي والقضائي:

هناك من يحاول الخلط بسوء أو حسن نية بين التوثيق الإعلامي والصحفي، وبين التوثيق القضائي الذي نحن بصدده، ولا يعني ضرورة التمييز بين التوثيقين التقليل من أهمية التوثيق الإعلامي، وإنما الهدف من هذا يكمن في التأكيد على أهمية التساند بينهما، وضرورة  استيفاء التوثيقات القضائية لكل الجوانب التي تساعد على الوصول إلى الحقائق والتوصيف القانوني الأكثر دقة، وكل ذلك يساعد على إيجاد أكبر قدر من الثقة والمصداقية اللازمين لإثبات جرائم العدوان ووقائعها والاستفادة منها جميعاً، كدليل أمام المحاكم الوطنية والدولية، ونحن هنا نفترض وجود قضاء دولي عادل ونزيه، ومحاكمة تقوم وفق إجراءات قانونية محترمة، كشهادة الشهود وتقارير الأطباء وجمع الأدلة المادية، وغيرها من الأدلة التي تجعل الادعاء أمام المحكمة ادعاء مدعماً بأدلة واضحة لا تقبل الشك.

ولضمان تقديم مرتكبي هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية للدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة، والدول التي تسمح بمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم حتى لو وقعت خارج إقليمها، يجب إعداد ملفات تتضمن كافة الإجراءات التي اتخذت من قبل النيابة والمحاكم تشمل ادعاء مسنوداً بالإجراءات المتخذة أمام النيابات والمحاكم الوطنية، لأن المحاكمة الوطنية خطوة أولى للمحاكمة الدولية ووفق الإجراءات المبينة في قواعد المحاكمات الجزائية والمدنية الدولية، لأن جميع المحاكم سواء كانت محلية أم دولية، إنما تقوم على ضرورة تعزيز الدعاوى بالأدلة وتتوخى الحذر فيما يتعلق بمحاكمة شخص لا يحمل جنسية دولة المحكمة، وكلما توفرت الأدلة أكثر كلما انخفضت نسبة الشك لدى الجهات الأجنبية حول صدق الادعاء.

وقد سبق التأكيد بأن العدوان على اليمن لا ينقصه الدليل بقدر ما ينقصه الضمير الإنساني والعالمي، لأن من يدير النظام العالمي اليوم هو من يدير هذا العدوان، ويستغله لمصالحه الأنانية البشعة، ورغم كل ذلك فإن التوثيق والتحرك ضروري، لأن العالم لا يخلو دائماً من الشرفاء، ومثل هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم.

وبناءً على هذا فقد قامت النيابة العامة ومازالت تقوم ببعض الإجراءات والخطوات، من أجل ضمان توثيق هذه الجرائم بشكل سليم، وبما يتناسب مع الإمكانات المادية والفنية مع الاختصاص الدولي في هذه الجرائم ولو أنه اختصاص داعم للاختصاص الوطني، إلا أن ذلك لا ينقص من مسؤولية القضاء الدولي، لأن من قام بالعدوان دول أجنبية لا يردعها إلا وجود عدالة دولية حقيقية لاتباع ولا تشترى أو مقاومة وطنية غير قابلة للاختراق والارتهان، وهذا هو المدخل لعدم إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب.

بعض إجراءات النيابة منذ بداية العدوان وحتى العام 2018م:

تتمثل هذه الإجراءات التي بدأت النيابة القيام بها منذ بداية العدوان وحتى العام 2018م في ما يلي:

أولاً: أصدر النائب العام  العديد من التعاميم والتوجيهات إلى رؤساء ووكلاء النيابات، تضمنت التأكيد على ضرورة قيام جميع النيابات، وأجهزة الضبط القضائي بواجباتها القانونية بالانتقال إلى مكان وقوع الغارات، كونها وقائع جرمية وإلزام جهات الضبط القضائي بأداء واجبها القانوني في التحري، وعمل محاضر جمع الاستدلال، وحصر جميع الضحايا والأضرار، وسماع الشهود، وجمع مختلف الأدلة والآثار، مثل القنابل والصواريخ وبالذات الأجزاء التي توضح مكان الصنع،  وتحريزها، وسماع شهادة الشهود، وتقارير الطب الشرعي، وتقارير خبراء الأسلحة، والمعمل الجنائي، وغير ذلك من الأدلة المفيدة.

ثانياً: بدأ النائب العام باعتباره صاحب الولاية الدستورية والقانونية في تحريك الدعوى العمومية، بالتشاور والإعداد لإصدار قرار بتشكيل لجنتين تحت إشرافه، إحداهما للإعداد والمتابعة والثانية لجنة المستشارين والخبراء، وتم طرح الموضوع على مجلس القضاء الأعلى، وقرر المجلس الموافقة على المقترح، مع أن تشكيل اللجنتين وتحديد اختصاصاتهما من صلاحيات النائب العام الأصلية.

صلاحيات ومهام اللجنتين على النحو الآتي:

1- المهام الرئيسة للجنة الإعداد والمتابعة:

أ)    متابعة النيابات وأجهزة الضبط القضائي في كافة محافظات الجمهورية، للإسراع في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية إزاء كل جريمة من جرائم العدوان، وجمع محاضر الضبط والاستدلال والأدلة وتحريزها، مثل بقايا الصواريخ والقنابل، وبخاصة ما يدل على أنواعها وجهة الصنع والمواد المكونة منها وقوة التفجير، وكل ما يدل على خواصها.

ب) حث الجهات المذكورة على إرسال نسخ طبق الأصل من الملفات للجرائم التي وقعت في نطاق اختصاصها وآخر إجراء تم فيها، ونسخ من أي حكم صدر بشأن أي منها، كون ذلك ما ينبني عليه ملف جريمة العدوان الرئيسيّة التي تحرك دولياً.

2- مهام لجنة المستشارين والخبراء:

أ)    تقديم المشورة القانونية والفنية حول خطوات إعداد ملف العدوان الرئيس، وسبل تحريكه، خاصة في ظل الأجواء الدولية التي سهلت للعدوان كل ما يرتكبه من فظاعات بحق اليمن واليمنيين.

ب) دراسة جميع الجوانب القانونية والسياسية المتعلقة بالعدوان على اليمن، وكل أبعاده والبحث عن جميع الفرص الممكنة، والمنظمات والأشخاص الطبيعية والاعتبارية المتعاطفة مع اليمن.

ت) مراجعة ما تضمنته ملفات جرائم العدوان في كل مناطق اليمن وعلى جميع الأهداف ومدى استيفائها للشروط القانونية والفنية الدولية، كون العدوان لاشرعية له من الأساس سواءً كانت الأهداف مدنية أم عسكرية، مع أن غالبية أهداف العدوان على اليمن أهداف مدنية، بل ولا يوجد عدوان في التأريخ استهدف الأطفال والنساء وكل الأهداف المدنية التي أشرنا إليها مثل العدوان على اليمن، أو أنه لكي نكون دقيقين أكثر الأصل في ما استهدفه العدوان أن تكون أهدافاً مدنية والاستثناء عسكرية، لأن المشاركين في الدفاع من العسكريين غالباً ما يكونون حريصين على التمويه ووضع الاحتياطات اللازمة.

ثالثاً: يستعين النائب العام بتحديد من يختاره من بين أعضاء اللجنتين أو بمن يراه للقيام بمرافقة أيٍ من لجان التحقيق الدولية المكلفة بالتحقيق حول جرائم العدوان، والقيام بتوثيق ذلك للاستفادة منه في إعداد الملف الأصلي للعدوان.

رابعاً: إعداد آلية لتوثيق جرائم العدوان، وتعميمها من خلال مكتب النائب العام، وغرفتي عمليات وزارتي الدفاع والداخلية، وفيما يلي نستعرض آلية توثيق هذه الجرائم.

آلية توثيق جرائم العدوان في المناطق التي لا يوجد بها مأمورو ضبط:

وفي مجال توثيق جرائم العدوان، قامت النيابة العامة بإعداد آلية وخطة عمل لأعضاء النيابة ومأموري الضبط القضائي، ورجال الجيش واللجان الشعبية في المناطق التي لا يتواجد بها مأمورو ضبط قضائي، للاسترشاد بها في كيفية توثيق هذه الجرائم، وماهي الأدلة الواجب توثيقها كشهادة الشهود والأدلة المادية وتقارير الأطباء، وغيرها من الأدلة وأصدر النائب العام بذلك عدة تعليمات.

أولاً: شهادة الشهود:

إذا تواجد شهود بالقرب من مكان وقوع العدوان فعليهم الإدلاء بشهادتهم، فإن ذلك يضيف الكثير لمصداقية الادعاء، ويقدم تفاصيل جديدة قد لا يتمكن من تقديمها شاهد منفرد.

كما يمكن أن يساعد على بناء الترتيب الزمني للأحداث ووضعها في سياق واحد، وهكذا فإن الغرض من شهادة الشهود هو المساعدة في فهم ما حدث فهماً دقيقاً، ولذلك يجب أن تحتوي الشهادة على أكبر قدر ممكن من التفاصيل، والشهود الذين يمكن الاستفادة منهم في هذه الجرائم هم:

أ)    أشخاص حاضرون ساعة وقوع الجريمة، وبإمكانهم أن يدلوا بمعلومات قيمة عمن قام بارتكاب الجريمة، والطريقة التي ارتكبت بها الجريمة، ونوع السلاح المستخدم، ووصف مكان الجريمة وزمانها.

ب) أشخاص أصيبوا نتيجة لإحدى الجرائم، أصحاب محلات أو بنايات أو منازل تضررت نتيجة لارتكاب تلك الجريمة، وبسبب نوع السلاح المستخدم.

ج)  أفراد أسر الضحايا.

د)   الطبيب أو الطاقم الطبي الذي اشترك في علاج الضحايا والمصابين.

كما تم توثيق اعترافات دول العدوان من خلال التصريحات الصادرة عن الناطق الرسمي لتحالف العدوان والمسؤولين الرسميين من دول العدوان في وسائل إعلامهم، وتوثيقها وفرزها بحسب الوقائع التي تم الاعتراف بها، والاستعانة بجميع وسائل الإعلام المختلفة.

ثانياً: الأدلة المادية:

يجب على الأجهزة الأمنية والمتمثلة في المباحث الجنائية والأدلة الجنائية في حالة وقوع أي جريمة من جرائم العدوان، أن تقوم بمعاينة مكان الجريمة ومعرفة الأسلحة المستخدمة فيها ونوعها ومكان الصنع، ومدى تأثيرها أو قوتها التدميرية، وهنا يجب الاستعانة بخبراء عسكريين محليين أو دوليين حسب المتاح، وعلى الأجهزة الأمنية أن تنظم تقارير خاصة بكل حادثة على حدة حتى يمكن الاستعانة بها في إثبات تلك الجرائم، ويمكن تعزيز هذه التقارير بما يثبت من تورطوا من عملاء يمنيين داخل البلاد، ممن ساعدوا أو ساهموا في تنفيذ أي جريمة.

ثالثاً: الدليل الطبي:

إن أسباب الوفاة الناتجة عن جريمة معينة عادة يكشف عنها أو يسجلها الطبيب الشرعي عند إحالة الضحية إليه للكشف عليها، لذا يجب على الطبيب الشرعي فحص الجثة لتحديد أسباب الوفاة والوسائل التي أدت إلى ذلك، ومعرفة المواد المستخدمة في تلك الأسلحة إن أمكن ذلك.

ويعتبر تقرير الطبيب الشرعي أقوى من حيث الإثبات من التقرير الذي يصدر عن الطبيب غير الشرعي، لذلك يستحسن أن تعرض الحالات على الطبيب الشرعي، وإن كان ذلك غير ممكن، يمكن أن يقوم بذلك طبيب غير شرعي يستطيع التفريق بين المجالين.

وبالإضافة إلى الجرائم التي تستخدم فيها الأسلحة، فهناك الكثير من حالات الوفاة التي تحدث نتيجة الحصار الجائر على البلاد ومنع وصول المرتبات وتدهور الحالة الاقتصادية، فمثلاً هناك الكثير من حالات الإصابة بمرض الكوليرا يموتون بسبب نقص المحاليل والأدوية اللازمة لإنقاذ حياتهم، بسبب الحصار، وهذا يمكن أن يرد في تقرير الطبيب الشرعي أو الطبيب المختص.

كما أن الكثير من حالات الوفاة لحالات حرجة كان يستوجب نقلهم للخارج لتلقي العلاج اللازم، وبسبب إغلاق مطار صنعاء يموتون هنا لعدم وجود إمكانيات لعلاجهم، كل هذا يجب أن يرد في تقارير أسباب الوفاة وتحديد السبب والمتسبب في ذلك.

رابعاً: أنواع أخرى من الأدلة:

ليست هناك قائمة متفق عليها للأنواع الأخرى من الأدلة المساندة، فدائماً يعتمد نوع الدليل على نوع الادعاء المراد إثباته، ولابد من تحديده وفقاً للجريمة أو الواقعة كل على حدة، وفيما يلي بعض الأدلة التي يمكن توثيقها لدعم الدعوى:

أ)    تقرير وسائل الإعلام: وهنا يجب استخدام مثل هذه الأدلة بشيء من الحذر، وهي عموماً غير كافية، ولكنها قد تكون مفيدة جداً في توفير دليل مستقل على أن الحدث قد وقع، أو توفير ما يدل على الموقف العام.

ب) البيانات والتقارير الرسمية: من أجل توفير مصادر أكثر رسمية للمعلومات، يمكن الإشارة إلى نتائج التقارير الصادرة عن تحريات خاصة، أو عن زيارات خاصة قامت بها هيئات دولية، كما يمكن الاستفادة من القرارات التي تبنتها الهيئة الدولية، والتي تعرب عن القلق إزاء الموقف فيما حدث من تلك الجرائم، ومثال ذلك تقارير منظمة العفو الدولية، وتقارير منظمة أطباء بلا حدود وغيرها.

ج)  الصور والفيديوهات التي تم التقاطها أثناء الجريمة، ومثال ذلك ما تم توثيقه من مقاطع فيديو عند الضربة التي حدثت في عطان وأدت إلى استشهاد الكثير من المواطنين المدنيين، وأيضاً فيديو تم التقاطه عند نزول الصاروخ على الصالة الكبرى، وهذا ما جعل دول التحالف تتراجع عن إنكارها لوجود طائرات في مكان الجريمة في ذلك الوقت.

وبشكل عام يجب عند توثيق هذه الأدلة، إثبات أو الإشارة إلى أنها وقعت في مناطق غير عسكرية، وأن ضحاياها هم مدنيون تم استهدافهم في مناطق مأهولة بالسكان أو مناطق غير مناطق الاشتباك أو المناطق العسكرية حتى يتم إثبات توافر النية في استهداف المدنيين بشكل أكثر وضوحاً.

ومن الواضح فيما سبق أن هذه القواعد وضعت لمواجهة حالات يكون فيها العدوان على المناطق الآهلة بالسكان بحاجة إلى إثبات، لأن استهداف المدنيين غالباً ما يكون حالات نادرة، إما لطبيعة الصراع وطبيعة وأخلاق الدولة المعتدية، أو لتوافر مقومات توازن الرعب لدى الدولة المعتدى عليها، أما في الحالة اليمنية التي لا تزال في طور البحث عن هذا التوازن وبإذن الله ستصل إليه، فنحن أمام عدوان أظهر من البجاحة من خلال إعلان مدينة صعدة، بل محافظة صعدة بكاملها هدفاً عسكرياً، ما يجعل البحث عن دليل على استهداف المدنيين ضرباً من السخرية بالعقل والضمير!!.

نخلص في الختام إلى التأكيد بأن:

1-  تدخل أي دولة أو مجموعة دول في شئون دولة أخرى يعد تدخلاً غير مشروع، وأما التدخل باستخدام القوة المسلحة، فهو عدوان وفق ميثاق الأمم المتحدة، مهما حاول مرتكبوه تبريره باستغلال حالة الخواء والنفاق في النظام العالمي، الذي حولته الولايات المتحدة وبصورة واضحة إلى شريعة الغاب!!.

2-  أن الجرائم التي ارتكبها العدوان على اليمن جرائم مشهودة، لامجال لإنكارها أو المغالطة في تبريرها، وتتضمن كل أنواع الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، والاستهداف المتعمد للمدنيين، وكافة أنواع الجرائم المحرمة دولياً، بل إن العدوان لم يستثن أياً من الأهداف الإنسانية والمدنية من استهدافه وبمنتهى القسوة وباستخدام أفتك الأسلحة المحرَّمة.

3- أن جريمة العدوان من المنظور الدولي وقواعد توثيقها وكذلك ملامح وطبيعة العدوان على اليمن ومؤشرات العمل على توثيقه ومواجهته أمام القضاء الوطني، ليست سوى رؤية تمهيدية لمواجهة العدوان أمام القضاء الدولي، الذي يحتاج إلى جهود دبلوماسية وقانونية حثيثة، وإلى قوة ضغط وطني وإنساني، وامتلاك أوراق ضغط مقاومة للهيمنة الأمريكية السعودية الصهيونية، لأن القوة وسيلة مهمة للوصول إلى الحق وهي المصدر الفعلي للشرعية، لأن أخطر ما في القضية اليمنية وجود جزء مهم من الوطن اليمني عمل ويعمل في صف العدوان، بل إنهم يعدون أنفسهم ويعدهم الجزء الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية القائمة على الظلم والمعايير المزدوجة هم ممثلو الشرعية، ومن ثم فإن أي تحرك قضائي أو قانوني ضد جرائم العدوان، سواء في التحقيق أم تحريك القضايا الجنائية والمدنية، يصطدم بمسمى الشرعية التي يمثلها طرف من أطراف الصراع، وهو الطرف الذي استعان بالعدوان، ومعلوم أنه صانع هذا الطرف، ويستخدمه استخداماً له أبعاد عديدة وخطيرة.

البعد الأول: الإيحاء بأن العدوان إنما يقوم بعمل مشروع هدفه إعادة الشرعية.

البعد الثاني: هو البعد الخفي الظاهر، ويتمثل في بسط سلطة السعودية والإمارات على أجزاء واسعة من المحافظات الجنوبية والشرقية، وأجزاء استراتيجية ومهمة من المحافظات الشمالية، أما البعد الثالث والأخطر فهو: أن العدوان السعودي حتى الآن غير ممثل رسمياً في أي محطة من محطات التفاوض، وكان المفروض أن يصر الطرف الوطني المقاوم للعدوان على ضرورة أن تكون السعودية ممثلة في مفاوضات رسمية، ومع ذلك فإن كل المغالطات السياسية والإعلامية لا تؤثر على الحقوق الثابتة لليمن واليمنيين في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن هذا العدوان الهمجي والجرائم البشعة المشهودة التي ارتكبها، وإذا كان هناك بالفعل رغبة في تحقيق سلام حقيقي يحفظ حقوق اليمن ويمنع السعودية والإمارات وغيرهما مستقبلاً من ارتكاب ما ارتكبتاه من جرائم، ويضمن تعويض اليمن تعويضاً عادلاً، عما ارتكبته من جرائم وما ألحقته باليمن واليمنيين من أضرار فادحة على الإنسان والبنية التحتية، والأملاك العامة والخاصة، وماتزال آثارها واضحة ومكشوفة، ناهيك عن الأضرار النفسية والمعنوية، التي تساوي أو تزيد عما نتج عنها من أضرار مادية جسيمة، وأما محاولة إعطاء الانطباع بأن جميع الأعمال التي قام ويقوم بها العدوان قد تمت باسم الشرعية، فإنها محاولة يائسة ومفضوحة، لأن الجميع وعلى المستوى الوطني والدولي يعلمون كما بينت كل مراحل محاولات التفاوض والمناورات بشأنها بأن ما يسمى الشرعية لا تملك من أمرها شيئاً، وأن الهدف الواضح من كل المغالطات هو التملص والهروب من المسؤولية الجنائية والمدنية عن تبعات العدوان ونتائجه، وفي ظل تشرذم اليمنيين، تعتقد دول العدوان أن مخططاتها ومغالطاتها هذه ناجحة أو في طريقها للنجاح، ولكن وعي الشعب اليمني وإرادته لن تمكنهم بالتأكيد من تحقيق كل مخططاتهم وأهدافهم طال الزمن أم قصر.

 

[1]          د. علي صادق أبو هيف – القانون الدولي العام – الناشر – منشأة المعارف بالإسكندرية ص (923)

[2]          المصدر السابق ص (923).

[3]         المصدر السابق ص (924).

[4]          عبد الله البردوني قصيدة الغزو من الداخل.

[5]          د/ علي صادق أبو هيف – القانون الدولي العام – الناشر: منشأة المعارف بالإسكندرية، ص (935).

[6]          المصدر السابق، ص (925).

[7]         المصدر السابق ص (782).

[8]         القانون الدولي العام – شارل روسو – ص (296 -297) – الأهلية للنشر والتوزيع – مطبعة المتوسط – بيروت – لبنان.

للمشاركة